المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شـ ـ ـ ـ ـــراهـــ ـ ـ ـ ـــة (:



رشا محمود
25-12-2006, 12:10 AM
فى ساعة متأخرة من الليل وكل من فى البيت يغط فى نوم عميق والظلام يلف المكان .. وقع خطوات بطيئة يحاول صاحبها ألا يحدث أى صوت .. يتحسس طريقه ببطء حتى وصل الى إحدى الغرف دخل وهو يتلفت حوله حسنا لم يره أحد .. فتح أحد الأبواب وانعكس الضوء على وجهه وعيناه تلمعان من السعادة لقد وجد ضالته مد يده وأخذ كل ما أمامه و.. فجأة أُضيئت أنوار المكان كله .. "ماذا تفعل؟" .. أتاه صوت غاضب من خلفه .. التفت فى فزع وقال بارتباك .. لا.. لا شىء .. أجابه الصوت الغاضب .. "إذن ما كل هذه الأشياء؟.. ألن تتوقف عن فعل ذلك؟ هيا اذهب إلى حجرتك .. هيا ".. أجاب فى خضوع .. "حاضر يا أمى" ..



لملمت أمه الأشياء من على الأرض ووضعتها ثانية فى الثلاجة .. وهى تفكر .. لا فائدة يجب أن تحضر حارس خاص ليحمى الثلاجة من الهجمات التى يشنها عمرو عليها كل ليلة .. تتمنى لو استطاعت ليلة واحدة ان تنام بدون قلق خوفا من أن تستيقظ فى الصباح فلا تجد ما تحضره للإفطار أو أن تجد طعام الغداء قد اختفى من الثلاجة .. لابد ان تقوم كل ليلة بعدة جولات تفتيشية على المطبخ حتى إنها تقوم مجهدة تماما فى الصباح ..


لا يتذكر عمرو متى بدأ الطعام يستولى على تفكيره بهذا الشكل .. كل ما يعرفه أنه يشعر بلذة كبيرة وهو يأكل أو يفكر أو يحلم بالطعام .. أصبح يأكل فى كل وقت .. بعد الإفطار يأكل أول ساندوتش وهو ينزل الدرج والآخر وهو فى الحافلة والثالث فى طابور المدرسة والرابع وهو يصعد إلى الفصل وهكذا الواحد تلو الآخر بالإضافة إلى كانتين المدرسة الذى يُعد عمرو زبونه المميز وأفضل عميل له حتى ان التلاميذ تحاول ان تذهب قبله إلى الكانتين لتلحق بأى شىء قبل أن يهبط عمرو على الكانتين ليجعله خاويا على عروشه وبعد انتهاء اليوم الدراسى يعدو عمرو مسرعا إلى البيت ليلحق بطعام الغذاء .. إن طعام أمه لذيذ للغاية ولكنها تتعمد أن تعطيه كميات قليلة من وجهة نظره لأنها ترى أن وزنه قد زاد تماما بالنسبة لطفل فى التاسعة من عمره .. ولكن هذا لم يكن يشكل أى مشكلة بالنسبة لعمرو ولا يهتم بسخرية بعض زملائه من بدانته .. إن متعة عمرو بالطعام تغنيه عن التفكير بذلك كما أن كل المناسبات لا تخلو من الطعام ففى رمضان يستمتع عمرو بإلتهام الحلويات والكنافة والقطائف والمكسرات ربما لينتقم من الساعات التى حُرم من الطعام فيها .. كذلك فى عيد الفطر يقوم عمرو بالتهام الكعك والبسكويت والبيتى فور حتى إنك لو حاولت زيارتهم فى أول أيام العيد ربما لن تجد ما تستطيع ام عمرو تقديمه لك .. كذلك فى عيد الأضحى والمولد النبوى وغيرها من المناسبات التى ينتظرها عمرو بفارغ الصبر خصوصا يوم عيد ميلاده فبعد ان ينتهى من إطفاء الشمع ينقض على الكعكة ولا يستطيع أحد أن يشاركه فيها أبدا ..

وإن كان بعض زملائه فى المدرسة يفضلون صداقته لأسباب خاصة .. بالطبع ليس ليشاركوه فيما يملأ حقيبته مما لذ وطاب فما كان لأحد ان يشارك عمرو فى الطعام فهو ملكية محظورة ممنوع الإقتراب منها ولكن أحيانا عندما يخرجون للنزهة فكثيرا ما يقابلون بائع الآيس كريم الشهير والذى كان دائما محاط بعشرات الأطفال يتحلقون حوله للحصول على قطعة من الآيس كريم وبالطبع لم يكن صعبا على عمرو إقتحام هذه الجمع من الأطفال وربما الحصول على ما فى العربة كلها و من طيبة قلب عمرو فإنه يترك القليل للأطفال المساكين الذين لا يجدون فى أنفسهم القوة لمزاحمة عمرو فعندما يتعلق الأمر بالطعام فلا يوجد منافس لعمرو وقد علم بعض زملائه أن عمرو خير من يقوم بالمهام الخطرة ومهما كان الزحام شديدا فإن إرادة عمرو الحديدية تقهر كل شىء فى سبيل الحصول على الآيس كريم أو حتى حلوى غزل البنات فلا يوجد صنف من الحلويات لا يفضله عمرو حتى أن والدته قد بذلت معه مجهودات مضنية حتى لا يلتهم الحصان المصنوع من الحلوى والذى جاءه كهدية فى المولد النبوى والذى بالطبع قد تم إكتشاف اختفاؤه فى الصباح فى ظروف غامضة ..


إن أكثر أنواع العقاب إيلاما لعمرو هو منعه من تناول الحلويات المفضلة له وذلك بالطبع بعد أن يكون التهم الأخضر واليابس ولم يترك شيئا للضيوف .. لقد قامت والدته يوما بحبسه فى حجرته لانتظارها بعض الضيوف وحتى لا يقوم عمرو بإحراجها أمام الضيوف بالتهامه الحلوى التى اشترتها لهم خصيصا وقد أخفتها بمهارة فى خزانتها بعيدا عن يدى عمرو .. ولكنها اكتشفت إختفاءها حين أرادت تقديمها للضيوف فقد قام عمرو بواجبه فى الليلة الماضية عندما شاهد والدته وهى تمشى على أطراف أصابعها لتخفى الحلوى فى الخزانة ولأن غريزة عمرو الغذائية لا تخطىء فقد علم أن الشىء الذى تخفيه والدته هو نوع من الطعام وقد نفذ خطته فور خروج أمه من الحجرة ..


لقد فشلت جميع محاولات أمه لإبعاد تفكيره عن الطعام وإشغاله بهوايات أخرى وقد اشتركت له فى أحد الأندية الرياضية ولكن الرياضة كانت آخر شىء يمكن لعمرو التفكير فيه إنها مجهدة للغاية كما أنها تصيبه بالجوع المستمر .. كذلك إنه لا يستمتع بعزف الموسيقى أو الرسم أو التمثيل لذلك أصر على أن يشترك فى قسم التدبير المنزلى فى المدرسة ولكن بالطبع قد تم رفض طلبه لاقتصار هذا القسم على الفتيات فقط ..


فى إحدى الليالى اضطر والد عمرو ووالدته للذهاب لإحدى الزيارات العائلية وقد تعلل عمرو بوجود مغص فى معدته وأنه لن يستطيع الخروج معهم وقد ذهبا معا بعد أن استغرق عمرو فى نوم عميق .. بعدها قام عمرو من سريره مسرعا إلى مكانه المفضل فى البيت إلى المطبخ واتجه مباشرة إلى الثلاجة وفتحها كما فتحت المغارة أمام على بابا .. ذهب .. ياقوت .. مرجان ... أقصد .. ديك رومى .. دجاج .. لحم .. كعك .. جاتوه .. لقد أفرغ عمرو محتويات الثلاجة كلها ووضعها على المائدة الصغيرة فى المطبخ .. وهو يشعر بسعادة كبيرة فهى المرة الأولى التى يستطيع الدخول إلى المطبخ دون أن يخاف أن تكشفه والدته فى إحدى حملاتها .. ماحدث بعدها ليس بحاجة لأن يذكر فقد دمر عمرو محتويات الثلاجة تماما والتهم طعام الأسبوع كله ولم يسلم شيئا واحدا منه وبدت الثلاجة المسكينة وكأنها ضربت بأحد الصواريخ والمطبخ أصبح فى حالة مزرية للغاية .. ولكن ليسا وحدهما من كانا فى هذه الحالة .. فعمرو بعدما قام بحربه الشعواء وصال وجال بين الأوانى والأطباق والمعلبات وعلب اللبن والعصائر وكاسات الجيلى و.....و .... و....... قد شعر للمرة الأولى بآلام مفزعة فى بطنه حيث أن معدته المسكينة لم تقو على تحمل المزيد وقررت التمرد عليه للمرة الأولى .. وأصبح المغص الذى إدعى عمرو الإصابة به حتى لا يخرج مع والديه وينفرد وحده بالبيت لتنفيذ خطته واقع مرير يعيشه ويتعذب به ..


وعندما عاد والديه ووجدا آثار العدوان البشع على المطبخ كان بالطبع من حسن حظ عمرو أنه كان فى حالة مزرية استلزمت نقله إلى المستشفى وعمل غسيل معدة له .. وقد لبث عمرو بعدها شهر فى المستشفى يتلقى العلاج ولا يتناول بجانب الدواء سوى الطعام المسلوق والخبز الجاف وقد كان هذا أكبر عقاب تلقاه فى حياته كلها .. فإن الأدوية التى يتناولها والنظام الغذائى الإجبارى قد أفقداه شهيته تماما .. فلم يعد يتوق لتناول الطعام والحلوى كما فى السابق وقد انخفض وزنه بشكل كبير .. وبالطبع لم يكن هناك من كان أكثر سعادة بذلك من والدته والتى أصبحت تنام ملىء جفونها مطمئنة تماما أن عمرو لن يجرؤ على الإقتراب من الثلاجة مرة أخرى ..


وأصبح عمرو ينظر إلى الثلاجة بعيون دامعة حزينة فقد ولت الأيام الجميلة بلا رجعة ...








******************************




تهنئــــــة



لكل أسرة الدرر .. من أعماق قلبى .. كل عام وأنتم جميعا بخير بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك ..

أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات ...

وبمناسبة هذا العيد الجليل ولأن له مكانة خاصة جدا فى قلوبنا و بطوننا أيضا ..

أرجو ألا نفرط فى إستمتاعنا بهذا العيد حتى لا نلاقى مصير صديقنا عمرو ..

حفظنا الله من كل مكروه ...

لعيووونك
26-12-2006, 08:20 AM
الأخت الفاضله / رشا محمود ............ الوقوره ..




أشكرك على طرحك لمثل هذه الأقصووووصه الرائعه والله لا يحرمنا من كتااباااتك
.
.
.

وكل عام وأنتي بألف خير وبصحه وسلااامه من رب لا يضيع عمل عامل ....
.
.
.
تقبلي تحياااااتي ....



أخووووووووك / لعيووونك ؛؛؛

ألنشمي
27-12-2006, 12:31 AM
000
00
0



اختي الغالية رشا


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


يسعد مساؤكِ ربي



قصة 000 جميلة


اجدتِ سردها


وسلسة



مشكورة ياكاتبتنا الغالية



والله اسال ان يوفقك



وشراهة الاكل


تتكاثر عند الاخرين



منذو الصغر


وهي تراكمية سببها الوالدين


فقد كانا يفرحان ان ابنهما صحته جيده


من دون الاخرين



وهكذا يوم بعد يوم اصبح تفكير


الابن ينحصر في الطعام


وبعدها يصاب بشراهه




مشكورة



دمتِ بخير

رشا محمود
31-12-2006, 03:17 PM
أخى الكريم / لعيووونك

شكرا لك على مرورك الطيب

أسعدنى جدا

كل عام وأنت بخير

تحياتى

رشا محمود
07-01-2007, 11:23 AM
أخى الكريم / ألنشمى

شكرا لك على مرورك الطيب

وتعقيبك على قصتى

فعلا خطأ كبير يرتكبه الوالدين فى حق طفلهما

فالشراهة مرض يجب التصدى له

والصحة الجيدة هى كل ما نرجوه لأطفالنا

تحياتى

الدره العالية
09-01-2007, 02:43 PM
قصه جميله


مبدعه

ولكن اذا كان ياكل ولا يشبع ولا يبان عليه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

شو اسو؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

رشا محمود
10-01-2007, 01:46 PM
درتى الغالية

شكرا لمروركِ العطر

وإن كان كما تقولين .. فليس له حل

تحياتى

أميرة العرب
11-01-2007, 06:16 PM
السلام عليكم

مساكِ خير

اختي الحبيبة رشا

http://www.21za.com/pic/decoration006_files/98.gif

"الطمع ضر ما نفع"

والاكل بشراهة ..عادة سيئة لاإرادية
تلازم اغلبية الاشخاص ,,

**
اعجبتني قصتك الطريفة هذه المرة
فهي عبرة لكل طفل سمين لا يأبه الا لطعامه وملئ معدته ..
ولا يكترث لاي ضرر قد يصيبه,,

لكِ كل الشكر قاصّتنا المبدعة
سننتظر جديدك بفارغ الصبر

دمت لنا بكل الخير والود
اختك المحبة

رشا محمود
14-01-2007, 08:48 PM
أميرتى الغالية

فى مصر المثل يقول " الطمع يقل ما جمع"

فعلا الشراهة مرض وقانا الله وإياكم شره

سعيدة بمروركِ وكلماتكِ

تحياتى لكِ

{البحر}
17-01-2007, 11:22 AM
اسلوب رائع وسلس

رشا محمود
17-01-2007, 11:12 PM
أخى البحر

شكرا لك على مرورك الطيب

دمت بخير

تحياتى