elgebaly
29-11-2006, 12:41 PM
يقف على الطريق يلتفت يمينه ويساره كأنه يبحث عن شئ تائه منه ، يقف ينتظر اى سيارة تأخذه فى طريقها ليصل الى هناك ، الى مدرسته الثانوية بالمدينة المجاورة لقريته ، والتى لا تبعد عنها سوى كيلو مترات . تصل السيارة بعد طول انتظار ، ويصعد فيها بخطوات سريعة كأنه يفر من شئ يطارده ، أو خائفا من كلب يعض قدمه ؛ لانه يخشى من كل شئ وكل جماد له ظل. سارت السيارة بسرعة منتظمة والهواء يلفح وجهه، ويعبث بملابسه ، وهو صامت شارد ، يجلس القرفصاء سارحا فى افكاره وهمومه. لقد ظل سنتين على هذه الحال يذهب صباحا الى المدرسة ويعود منها بعد الظهر ، فيظل فى منزله حتى ياتى موعد النوم ، فينام حاملا فى صدره ما لا يستطيع البوح به لاى احد ، وتشرق الشمس لتدب النشاط والحيوية فى الاجساد ، ويبدأ يوم جديد بصفحة ناصعة البياض الا هو ، فحاله لا يتغير سواء أشرقت شمس أو أتى قمر ، ظل على حاله هذا منذ سنة ماضية كان قبلها رجل آخر ، روح آخرى , نفس غير التى هو عليها الان . كان يعيش ايامه غير مبالى بالغد او ماسيحدث بعد دقيقة ، لم يكن يفكر فى ذلك ألبتة ؛ لانه عاهد نفسه انه سيعيش دون ان يتعب ويجتهد بل سيترك الايام والزمن يعطيانه او لا يعطيانه . لقد عاش احلى ايام حياته عندما كان فى الاعدادية ، كان يلعب ويمرح ، ومع هذا ينجح ويتفوق ، كانت ايام لن تعود له بعد الان . ظن ان ايامه هذه ستكون افضل من امس ؛ لانه رأى الفتاة التى اعجبه جمالها، وبراءة وجهها ، وصفاء نفسها ، الا انه كان يصد نفسه عن ذلك ويطرد التفكير فيها من ذهنه ؛ لانها لم تكن الا فتاة صغيرة لا تعلم من الحياة الا بقدر عمرها الصغير ، فلقد كانت تصغره بخمس سنوات ومع ذلك ظل على الوفاء لها فى قلبه ، وكتم حبه فى نفسه . رغم انها يتيمة الاب الا ان امها عوضتها عن ذلك بتلبية طلباتها دون تردد . كان يتحدث معها ويداعبها ، ويمسح بيده شعرها الناعم المسترسل ، ويقبلها على جبهتها بحنو وعطف ، ومع هذا كان يعتصر قلبه حزنا ، ويتقطع اشلاء كلما تذكر انه مثل والدها ، لقد كان يتمنى ان يكون ما هو اكثر ولكن لا يستطيع ، فعقله وضميره يصدانه عن هذا بقوة عاتية . لم يكن امامه الا مسلك واحد الا وهو ان يترك البلدة ويهاجر ، وان يحاول ان يطرد من ذهنه صورتها الجميلة . لم يمر الا ايام قلائل حتى هاجر البلدة وذهب الى بلد مجاورة ، رغم العناء والجهد الذى يبذله ،والالم الذى يستنفذ قواه الا انه فعل ذلك بدون تردد. ترك خلفه كل ماهو جميل فى حياته ، ولكن هذا يهون من اجل ان تعيش فتاة صغيرة حياتها ، وتنساه للابد ؛ لانه يعتبر نفسه عقبة تحيل بينها وبين حياتها . تركها رغم انفه مهونا على نفسه بصورتها الجميلة المرسومة فى خياله الواسع ، فلن ينساها أبدا . عاش سنوات عمره فى اضطراب وعزلة عن الناس ، لا يريد منهم شيئا ولو كان بوسعه الاستغناء عنهم تماما لفعل دون ادنى مشكلة ، ولكن منذا الذى يستطيع ذلك؟! . ومنذ ذلك اليوم الذى ترك ( سارة ) فيه وهو لا يبالى بقيمة الحياة عنده ، بل يفضل الموت على اى شئ ، ولكنه يمضى حياته عبثا فى عبث ، وحالته اصبحت سيئة للغاية، و من يراه على حاله يتركه ويذهب وهو يسب ويلعن على من اتى به الى هنا ليرى هذا الوجه ، وهذه العيون الحمراء من عدم النوم وكثرة البكاء .
غداااااااااااااااااااا البقية الباقية .
غداااااااااااااااااااا البقية الباقية .