رشا محمود
28-10-2006, 10:30 PM
ليلة من ليالى الشتاء الباردة .. المطر ينهمر بغزارة من عيون السماء .. هزيم الرعد يزلزل السماء والأرض .. فى حين يلمع البرق بشدة للحظات ثم يتوارى بعيدا .. جلست غادة فى فراشها وهى تلف نفسها بالأغطية الثقيلة ولكنها مازالت ترتجف .. ولم يكن مبعث ارتجافها من الرياح الباردة التى تعصف فى الخارج وتكاد تخلع نافذتها كوحش ثائر .. ولكن جلّ ارتجافها من تلك الرواية التى تقرأها فى شغف .. وتتوتر عيناها فوق كلماتها وتنعكس انفعالاتها على وجهها بشكل متلاحق .. فتشهق فى عنف تارة وتقفز من فوق فراشها تارة أخرى ولكن يداها مازالت تمسك بالرواية فى استماتة وإصرار على إكمالها للنهاية برغم الرعب الذى يكتنفها .. فقد كانت الرواية من نوع روايات الرعب التى تعشقها غادة لدرجة الإدمان .. وتقرأها يوميا برغم أن قلبها يكاد ينخلع خوفا لدرجة أنها لا تستطيع النوم بشكل جيد بعد ذلك .. ولكن هذا لم يكن يردعها عن الاستمرار فى قراءة هذه القصص .. تابعت غادة القراءة فى استغراق تام قبل أن تصرخ وهى تنتفض حين سمعت الطرقات المفاجئة على باب حجرتها .. تنفست غادة بعمق عندما طالعها وجه أمها وهى تقول .. ماهذا يا غادة ؟ أمازلت تقرأين حتى هذه الساعة؟ .. أجابتها غادة .. نعم يا أمى .. فلم أنتهى من الرواية بعد .. تنهدت أمها وهى تقول يا ابنتى أخاف عليك من كثرة قراءة قصص الرعب هذه .. إنها لا تفيدك بشىء ولا تسبب لك سوى الخوف الشديد وتدمير أعصابكِِ .. كما أنك تحبسين نفسك فى حجرتكِ بالساعات ولا تتحدثين لأحد .. أجابتها غادة وعيناها تلتهمان السطور .. أنا أحب هذه القصص كثيرا يا أمى .. كما أنها ممتعة أيضا .. هزت الأم كتفيها وهمت بالإنصراف ثم توقفت قائلة .. حسنا يا غادة .. سأذهب للنوم الآن .. لا تسهرى كثيرا .. تصبحين على خير ..
ثم خرجت من الحجرة وأغلقت الباب ..
لا تدرى غادة كم من الوقت مر عليها وهى تقرأ .. ساعة أو ساعات .. فقد كانت عيناها مثبتة فوق الكلمات وكأنها مشدودة إليها بخيوط خفية .. فلم تستطع أن تنظر لشىء آخر ولا حتى لساعة يدها فقد كانت مستغرقة تماما و .... فجأة .. بلا مقدمات .. غرقت غادة مع حجرتها فى ظلام حالك .. لفهما من جميع الجوانب .. للحظات لم تستوعب غادة ما حدث .. تجمدت فى مكانها وهى تحدق في أمواج الظلام التى غمرتها .. لم تقو على التحرك من مكانها .. ماذا ستفعل الآن ؟ .. لابد أن الوقت تأخر كثيرا .. وجميع من البيت يغطون فى نوم عميق وهى وحدها من تجلس فى هذا الظلام المخيف .. عجبا .. تخاف من الظلام رغم أنها كانت تقرأ قصة رعب مخيفة .. ولكنها مجرد قصة .. لا تتعدى الصفحات المطبوعة .. وليست واقعا بأى حال من الأحوال .. كانت تتحدث إلى نفسها بصوت مسموع .. ربما لتزيل عن نفسها هذا التوتر.. ربما لو كانت نائمة الآن لما شعرت بهذا الخوف .. فالكهرباء عادة ما تنقطع فى وقت متأخر من الليل بسبب الأمطار .. ليتها استمعت لكلام والدتها ولم تسهر كثيرا .. ولكنها لم تشعر بالوقت أبدا .. تلفتت غادة حولها مرة أخرى .. الظلام شديد ولكنها تشعر كما لو كانت هناك عيون تراقبها .. يا إلهى .. بالضبط كما حدث لبطلة الرواية التى كانت تقرأها منذ قليل يا إلهى .. لقد بدأ عقلها فى التوهم .. لا . لن تستسلم لهذا الخوف الذى ينسج فى مخيلتها هذه الأوهام .. كلا إن هذا لا يحدث .. استلقت غادة فى الفراش وأسبلت عينيها وهى ترتجف .. حاولت النوم بلا جدوى .. الظلام مع عصف الرياح وهزيم الرعد وصوت المطر المتراشق على زجاج نافذتها كالطلقات و.. أوهام الخوف .. كلها كانت تصنع صورة متكاملة من الرعب الحى والذى يتعدى كل ما قرأته فى كتبها الأثيرة .. إزداد إرتجاف غادة وإعتدلت فى فراشها وهى تقول لنفسها بصوت مرتفع .. هذا لن يجدى أبدا .. لن أستطيع النوم فى هذا الظلام .. يجب أن أجد شيئا ليبدد هذا الظلام السخيف ..نزلت من فراشها وتحسست موضع قدميها .. كأنها تغوص فى الأمواج السوداء .. وشعرت كما لو أن قدميها لن تلمس أرضا بل ستغرق فى هذه الأمواج و ... ماهذا السخف قالت لنفسها بصوت مسموع .. أنت شجاعة يا غادة ولا يمكن أن يخيفك القليل من الظلام بهذا الشكل .. هيا لنبحث عن بعض الشموع .. أنا أعلم أن أمى تضع بعضا منها فى المطبخ ..
إبتلعت غادة ريقها وهى تفكر فى المسافة التى ستمشيها فى الظلام من حجرتها حتى المطبخ ..
فتحت باب حجرتها فى حذر .. ولم يكن الحال فى الخارج بأفضل من حال حجرتها فقد كان الظلام أشد ثقلا وكثافة .. إستجمعت غادة شجاعتها ومدت يدها أمامها وهى تتحسس طريقها .. وموجات الظلام تضغط عيينيها فى قوة .. وتتماوج أمامها بشكل عجيب متخذة أشكال مخيفة .. وكأن كل ما قرأته فى كتبها يتمثل أمامها الآن .. ماذا أفعل؟ .. ربما لو أغمضت عينى .. أغمضتها للحظات ثم عادت لتفتحها بسرعة .. لن تشعر بالإطمئنان وهى تسير مغمضة العينين .. مضت غادة تشق الظلام ببطء و .. فجأة .. شعرت بشىء بارد يلتف على قدميها .. صرخت غادة وهى تحاول أن تعدو بعيدا ولكن الشىء ظل ملتصقا بها وزادت حركتها المرتبكة من إلتفافه أكثر وأكثر .. كاد قلب غادة ينخلع من الخوف .. ولكنها لم تجروء على لمسه بيديها .. جاهدت لتخترق الظلام بعينيها ربما يتبين لها ماهية ذلك الشىء دون جدوى .. إزداد إضطرابها أكثر وهى تحاول الهروب من من هذا القيد البارد .. ولكنها سقطت أرضا فى عنف .. أطلقت صرخة رعب وهى تتراجع للوراء وتشعر أنه سوف يهاجمها .. إنه يقترب منها بلا شك .. حاولت تخليص قدميها منه .. يا إلهى تبدو كما لو كانت أذرع إخطبوط عملاق أو ربما حية ضخمة لها أنياب حادة ستلتهمها بلا رحمة وتمزقها إربا ورأت بعين خيالها الحية وهى تنظر لها بعينيها المشقوقتين وفحيحها يكاد يصم آذانها .. وفى لحظة واحدة مرت حياتها أمام عينيها كشريط سينمائى يعرض بسرعة كبيرة .. تذكرت وجوه من تحب .. أمها .. أبيها .. أختها عبير .. أخوها الصغير خالد .. صديقتها هالة .. لم ترها منذ زمن .. منذ بدء الأجازة وهى تحبس نفسها فى حجرتها بين كتبها .. آآآه كتبها .. هى السبب .. آه لو تبقى فى عمرها وقت لأحرقتها جميعا .. ولكن فات الأوان .. ربما كانت هذه لحظاتها الأخيرة .. كم تمنت لو أنها رأت عائلتها للمرة الأخيرة .. صوت الرياح فى الخارج وكأنها فحيح هذه الحية .. إنها تقترب منها .. إنها النهاية إذن .. ولكن غريزة البقاء داخلها جعلت تبتعد بحركة عنيفة .. وفجأة .. شعرت بشىء قوى يضرب رأسها بعنف .. لقد هاجمتها بالفعل .. ولم تحتمل غادة المزيد .. وغابت عن الوعى تماما
"غادة .. غادة" .. فتحت غادة عينيها .. طالعها وجه والدتها وهى تنظر لها بجزع وتقول .. ماذا حدث يا ابنتى ؟ ماذا تفعلين هنا ؟ .. جلست غادة وهى تنظر حولها .. ضوء الشمس يغمر المكان .. تحسست رأسها فى ألم .. ثم تذكرت كل شىء دفعة واحدة .. نظرت لأمها وهى تهتف .. أمى .. لقد هاجمتنى .. الحية .. لقد كادت تقتلنى .. نظرت لها أمها فى دهشة .. ماهذا الذى تقولينه يا غادة ؟ .. أى حية هذه؟ .. أشارت لها غادة قائلة بأنفاس متقطعة .. صدقينى يا أمى .. هذا ماحدث .. لقد إنقطع التيار الكهربائى ليلا .. وخرجت من حجرتى لأبحث عن بعض الشموع ثم فجأة إلتفت حول قدماى بشدة وأخذت تجذبنى وحاولت الهرب منها وأنا أصرخ ولكنى سقطت على الأرض وفجأة هاجمتنى وضربت رأسى بعنف .. لقد كان شيئا فظيعا يا أمى .. لقد كان جسدها باردا ومخيفا فى الظلام و ... قاطعتها والدتها قائلا .. أتقصدين هذا؟ .. نظرت غادة فى دهشة إلى سلك الهاتف الذى تمسك به أمها للحظات قبل أن تقول .. ما هذا؟ .. نظرت لها أمها قائلة .. لقد وجدته اليوم ملتفا على قدميك ووجدت الهاتف بجوار رأسك .. أهذا هو الحية التى هاجمتك إذن ؟؟ .. نظرت لها غادة فى ذهول .. لقد كاد قلبها يتوقف بسبب سلك الهاتف .. أى مجنونة هى !!! .. تجمدت فى مكانها للحظات قبل أن تنفجر فى بكاء شديد لكل الرعب التى صنعته هى لنفسها وكاد يدمرها .. إحتضنتها أمها وهى تربت على ظهرها قائلة .. لا عليك يا غادة .. المهم أنك بخير يا حبيبتى .. نظرت لها غادة وهى تقول بصوت باكى .. آآآه يا أمى لو تعرفى ما عانيته بالأمس وحدى .. وكل هذا من نسج خيالى أنا .. ثم مسحت دموعها وهى تقوم وتتجه مباشرة إلى حجرتها وخرجت بعد لحظات وهى تمسك بمجموعة كبيرة من الكتب وألقتها على أحد المقاعد فى عنف وهى تقول لأمها .. أمى .. لم أعد أريد رؤية هذه الكتب البغيضة بعد الآن .. ثم أمسكت بالهاتف ونظرت له قليلا قبل أن تطلب أحد الأرقام وإنتظرت قليلا قبل أن تقول .. مرحبا يا هالة .. كيف حالك ؟ .. أعرف أننى مقصرة فى حقك كثيرا .. سامحينى .. هل يمكننى رؤيتك اليوم .. حسنا سأنتظرك .. ثم أنهت المكالمة وهى تقول لأمها .. أين عبير وخالد ؟.. نظرت لها أمها وقالت .. إنهما نائمان .. أجابتها غادة وهى تتحرك نحو حجرة أختها.. حسنا يا أمى سأوقظهما لنتناول الإفطار سويا .. قبل أن تتوقف وتلقى نظرة إلى أمها قائلة .. لقد إفتقدت صحبتكم جميعا .. ذهبت غادة بينما تابعتها أمها بعينيها وهى تبتسم قائلة .. حسنا يا ابنتى .. أظنك إستوعبت الدرس جيدا .. وتوجهت إلى حيث الكتب الملقاة على المقعد وهمت بحملها قبل أن تتجمد عيناها على الصورة المرعبة المطبوعة على غلاف أحد الكتب .. أبعدت الأم عيناها بسرعة عن الكتاب ثم قلبته على الجانب الآخر وهى تغمغم .. الحمد لله أننا سنتخلص من هذه الكتب البغيضة أخيرا.. ووضعتها فى حقيبة وألقت بها خارج البيت بجوار صندوق القمامة .. وتنهدت بعدها فى إرتياح ثم عادت أدراجها إلى البيت مرة أخرى
ثم خرجت من الحجرة وأغلقت الباب ..
لا تدرى غادة كم من الوقت مر عليها وهى تقرأ .. ساعة أو ساعات .. فقد كانت عيناها مثبتة فوق الكلمات وكأنها مشدودة إليها بخيوط خفية .. فلم تستطع أن تنظر لشىء آخر ولا حتى لساعة يدها فقد كانت مستغرقة تماما و .... فجأة .. بلا مقدمات .. غرقت غادة مع حجرتها فى ظلام حالك .. لفهما من جميع الجوانب .. للحظات لم تستوعب غادة ما حدث .. تجمدت فى مكانها وهى تحدق في أمواج الظلام التى غمرتها .. لم تقو على التحرك من مكانها .. ماذا ستفعل الآن ؟ .. لابد أن الوقت تأخر كثيرا .. وجميع من البيت يغطون فى نوم عميق وهى وحدها من تجلس فى هذا الظلام المخيف .. عجبا .. تخاف من الظلام رغم أنها كانت تقرأ قصة رعب مخيفة .. ولكنها مجرد قصة .. لا تتعدى الصفحات المطبوعة .. وليست واقعا بأى حال من الأحوال .. كانت تتحدث إلى نفسها بصوت مسموع .. ربما لتزيل عن نفسها هذا التوتر.. ربما لو كانت نائمة الآن لما شعرت بهذا الخوف .. فالكهرباء عادة ما تنقطع فى وقت متأخر من الليل بسبب الأمطار .. ليتها استمعت لكلام والدتها ولم تسهر كثيرا .. ولكنها لم تشعر بالوقت أبدا .. تلفتت غادة حولها مرة أخرى .. الظلام شديد ولكنها تشعر كما لو كانت هناك عيون تراقبها .. يا إلهى .. بالضبط كما حدث لبطلة الرواية التى كانت تقرأها منذ قليل يا إلهى .. لقد بدأ عقلها فى التوهم .. لا . لن تستسلم لهذا الخوف الذى ينسج فى مخيلتها هذه الأوهام .. كلا إن هذا لا يحدث .. استلقت غادة فى الفراش وأسبلت عينيها وهى ترتجف .. حاولت النوم بلا جدوى .. الظلام مع عصف الرياح وهزيم الرعد وصوت المطر المتراشق على زجاج نافذتها كالطلقات و.. أوهام الخوف .. كلها كانت تصنع صورة متكاملة من الرعب الحى والذى يتعدى كل ما قرأته فى كتبها الأثيرة .. إزداد إرتجاف غادة وإعتدلت فى فراشها وهى تقول لنفسها بصوت مرتفع .. هذا لن يجدى أبدا .. لن أستطيع النوم فى هذا الظلام .. يجب أن أجد شيئا ليبدد هذا الظلام السخيف ..نزلت من فراشها وتحسست موضع قدميها .. كأنها تغوص فى الأمواج السوداء .. وشعرت كما لو أن قدميها لن تلمس أرضا بل ستغرق فى هذه الأمواج و ... ماهذا السخف قالت لنفسها بصوت مسموع .. أنت شجاعة يا غادة ولا يمكن أن يخيفك القليل من الظلام بهذا الشكل .. هيا لنبحث عن بعض الشموع .. أنا أعلم أن أمى تضع بعضا منها فى المطبخ ..
إبتلعت غادة ريقها وهى تفكر فى المسافة التى ستمشيها فى الظلام من حجرتها حتى المطبخ ..
فتحت باب حجرتها فى حذر .. ولم يكن الحال فى الخارج بأفضل من حال حجرتها فقد كان الظلام أشد ثقلا وكثافة .. إستجمعت غادة شجاعتها ومدت يدها أمامها وهى تتحسس طريقها .. وموجات الظلام تضغط عيينيها فى قوة .. وتتماوج أمامها بشكل عجيب متخذة أشكال مخيفة .. وكأن كل ما قرأته فى كتبها يتمثل أمامها الآن .. ماذا أفعل؟ .. ربما لو أغمضت عينى .. أغمضتها للحظات ثم عادت لتفتحها بسرعة .. لن تشعر بالإطمئنان وهى تسير مغمضة العينين .. مضت غادة تشق الظلام ببطء و .. فجأة .. شعرت بشىء بارد يلتف على قدميها .. صرخت غادة وهى تحاول أن تعدو بعيدا ولكن الشىء ظل ملتصقا بها وزادت حركتها المرتبكة من إلتفافه أكثر وأكثر .. كاد قلب غادة ينخلع من الخوف .. ولكنها لم تجروء على لمسه بيديها .. جاهدت لتخترق الظلام بعينيها ربما يتبين لها ماهية ذلك الشىء دون جدوى .. إزداد إضطرابها أكثر وهى تحاول الهروب من من هذا القيد البارد .. ولكنها سقطت أرضا فى عنف .. أطلقت صرخة رعب وهى تتراجع للوراء وتشعر أنه سوف يهاجمها .. إنه يقترب منها بلا شك .. حاولت تخليص قدميها منه .. يا إلهى تبدو كما لو كانت أذرع إخطبوط عملاق أو ربما حية ضخمة لها أنياب حادة ستلتهمها بلا رحمة وتمزقها إربا ورأت بعين خيالها الحية وهى تنظر لها بعينيها المشقوقتين وفحيحها يكاد يصم آذانها .. وفى لحظة واحدة مرت حياتها أمام عينيها كشريط سينمائى يعرض بسرعة كبيرة .. تذكرت وجوه من تحب .. أمها .. أبيها .. أختها عبير .. أخوها الصغير خالد .. صديقتها هالة .. لم ترها منذ زمن .. منذ بدء الأجازة وهى تحبس نفسها فى حجرتها بين كتبها .. آآآه كتبها .. هى السبب .. آه لو تبقى فى عمرها وقت لأحرقتها جميعا .. ولكن فات الأوان .. ربما كانت هذه لحظاتها الأخيرة .. كم تمنت لو أنها رأت عائلتها للمرة الأخيرة .. صوت الرياح فى الخارج وكأنها فحيح هذه الحية .. إنها تقترب منها .. إنها النهاية إذن .. ولكن غريزة البقاء داخلها جعلت تبتعد بحركة عنيفة .. وفجأة .. شعرت بشىء قوى يضرب رأسها بعنف .. لقد هاجمتها بالفعل .. ولم تحتمل غادة المزيد .. وغابت عن الوعى تماما
"غادة .. غادة" .. فتحت غادة عينيها .. طالعها وجه والدتها وهى تنظر لها بجزع وتقول .. ماذا حدث يا ابنتى ؟ ماذا تفعلين هنا ؟ .. جلست غادة وهى تنظر حولها .. ضوء الشمس يغمر المكان .. تحسست رأسها فى ألم .. ثم تذكرت كل شىء دفعة واحدة .. نظرت لأمها وهى تهتف .. أمى .. لقد هاجمتنى .. الحية .. لقد كادت تقتلنى .. نظرت لها أمها فى دهشة .. ماهذا الذى تقولينه يا غادة ؟ .. أى حية هذه؟ .. أشارت لها غادة قائلة بأنفاس متقطعة .. صدقينى يا أمى .. هذا ماحدث .. لقد إنقطع التيار الكهربائى ليلا .. وخرجت من حجرتى لأبحث عن بعض الشموع ثم فجأة إلتفت حول قدماى بشدة وأخذت تجذبنى وحاولت الهرب منها وأنا أصرخ ولكنى سقطت على الأرض وفجأة هاجمتنى وضربت رأسى بعنف .. لقد كان شيئا فظيعا يا أمى .. لقد كان جسدها باردا ومخيفا فى الظلام و ... قاطعتها والدتها قائلا .. أتقصدين هذا؟ .. نظرت غادة فى دهشة إلى سلك الهاتف الذى تمسك به أمها للحظات قبل أن تقول .. ما هذا؟ .. نظرت لها أمها قائلة .. لقد وجدته اليوم ملتفا على قدميك ووجدت الهاتف بجوار رأسك .. أهذا هو الحية التى هاجمتك إذن ؟؟ .. نظرت لها غادة فى ذهول .. لقد كاد قلبها يتوقف بسبب سلك الهاتف .. أى مجنونة هى !!! .. تجمدت فى مكانها للحظات قبل أن تنفجر فى بكاء شديد لكل الرعب التى صنعته هى لنفسها وكاد يدمرها .. إحتضنتها أمها وهى تربت على ظهرها قائلة .. لا عليك يا غادة .. المهم أنك بخير يا حبيبتى .. نظرت لها غادة وهى تقول بصوت باكى .. آآآه يا أمى لو تعرفى ما عانيته بالأمس وحدى .. وكل هذا من نسج خيالى أنا .. ثم مسحت دموعها وهى تقوم وتتجه مباشرة إلى حجرتها وخرجت بعد لحظات وهى تمسك بمجموعة كبيرة من الكتب وألقتها على أحد المقاعد فى عنف وهى تقول لأمها .. أمى .. لم أعد أريد رؤية هذه الكتب البغيضة بعد الآن .. ثم أمسكت بالهاتف ونظرت له قليلا قبل أن تطلب أحد الأرقام وإنتظرت قليلا قبل أن تقول .. مرحبا يا هالة .. كيف حالك ؟ .. أعرف أننى مقصرة فى حقك كثيرا .. سامحينى .. هل يمكننى رؤيتك اليوم .. حسنا سأنتظرك .. ثم أنهت المكالمة وهى تقول لأمها .. أين عبير وخالد ؟.. نظرت لها أمها وقالت .. إنهما نائمان .. أجابتها غادة وهى تتحرك نحو حجرة أختها.. حسنا يا أمى سأوقظهما لنتناول الإفطار سويا .. قبل أن تتوقف وتلقى نظرة إلى أمها قائلة .. لقد إفتقدت صحبتكم جميعا .. ذهبت غادة بينما تابعتها أمها بعينيها وهى تبتسم قائلة .. حسنا يا ابنتى .. أظنك إستوعبت الدرس جيدا .. وتوجهت إلى حيث الكتب الملقاة على المقعد وهمت بحملها قبل أن تتجمد عيناها على الصورة المرعبة المطبوعة على غلاف أحد الكتب .. أبعدت الأم عيناها بسرعة عن الكتاب ثم قلبته على الجانب الآخر وهى تغمغم .. الحمد لله أننا سنتخلص من هذه الكتب البغيضة أخيرا.. ووضعتها فى حقيبة وألقت بها خارج البيت بجوار صندوق القمامة .. وتنهدت بعدها فى إرتياح ثم عادت أدراجها إلى البيت مرة أخرى