المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هذا العري



سمير الفيل
16-10-2006, 12:33 AM
هذا العري





الثقب الذي مررت منه كان أضيق من أن يلحظه أحد . كنت عاريا تمام العري ، كما ولدتني أمي منذ خمسة عقود ، ولما كنت ـ وقتها ـ أصغر من أن أعي كيف قطعوا حبل السرة فقد خمنت أن القابلة فعلت كل ذلك بدربة ، وربطت مكان القطع بإحكام ، وخيطت قطعا في البشرة بدقة شديدة ، ولقفتني لأمي وهي في سريرها بين اليقظة والنوم .


رأيت أن الأسود هو الذي يمكنه أن يداري سوءتي ، فعشقت الأسود . فضلت تلك الدرجة التي يكون فيها بلون القار الذي يطلون به الشوارع فتسير السيارات برفق وتنزلق عجلاتها بتؤدة ، أما أنا فكنت أشهق كلما رأيت نفسي في مرآة مكشوف الأعضاء ، وكان من حسن حظي أنني اندفعت من الثقب في الليل ، حيث يخفت النور ، ولا تكون هناك إضاءة إلا بمصابيح أو بضوء نجوم بعيدة أو بالقمر .


منذ اندفاعي من الثقب شعرت بمزيج غريب من الخوف والراحة ، وفكرت أن أذهب لحديقة " اللوزي بك " قرب النيل ؛ ففيها أشجار كثيفة يمكن الاختباء بين أغصانها المتشابكة ، وتذكرت أن القرود تختفي في الغابات بين الأفرع ولا يكشفها أحد ، حيث تدلي ذيولها وتصنع منها خطاطيف للتأرجح والتعلق واللهو . كنت في ورطة حقيقية فلو أن الفجر أتى وأنا في هذه الحالة لكانت فضيحة كبرى ترتج لها البلدة شهورا عدة ، فما بالك لو أن هدى رأتني في عريي هذا؟ أتراها تغفر لي فعلتي الشائنة؟


لملمت أفكاري واندفعت في سعيي نحو الحديقة ، وفي طريقي لشجرة التين البنغالي وجدت النصب التذكاري بأقواسه الثلاث ، وسمعت موسيقى عسكرية تصدح ، وصفوف فرقة " المزيكا " تسير بانتظام ، وكان أفراد الفرقة في ثياب بيضاء وعلى صدورهم النياشين المزركشة ، ولأن البياض يكشف السواد ، ويذله ، ويمسح بكرامته الأرض ، فقد داريت نفسي أكثر وأكثر وحاولت الولوج للأخضر في الأوراق العريضة للشجرة ، لكن اللون منعني ، وحيائي من أن أسرق شيئا ليس مرصودا لي أربكني . كان علي أن ألقي نظرة على الصفوف المنتظمة التي اقتربت من النصب التذكاري فرأيت البزات العسكرية ،وصفين من الأزرار النحاسية اللامعة تصل من الصدر حتى أسفل البطن ، بالقرب من السرة . صعبت علي أمي أن تعاني في ولادتي ، وقلت في نفسي لو أنني كبرت ، وتعلمت ، وتخرجت ، وتوظفت ، وخصص لي مكتب عليه منفضة سجائر وهاتف بقرص دوار فسأعوض تعبها ، وقد أشتري لها مطبخا فيه من كل صنف زوجين اثنين ، وسأكثر من الملاعق والشوك والسكاكين ، والأطباق الزجاجية الشفافة التي لها اللون الأزرق . لكن الموسيقى تصاعدت أكثر وهزت الأسود الذي يخفيني ، ففكرت بسرعة أن أحاول الهبوط والالتصاق بالأرض، بالحشائش ، بأفرع نبات الجهنمية ، للحظات ثم أطلق ساقي ّ للريح ، واتجه لمكان يخلو من الناس في هذه الساعة .


كانت إذن خطة محكمة مني أن أنتزع وريقات الشجرة وأستر عريي ، وفوجئت بالأوراق تغطي كل ما حرصت على إخفائه ، فانزاح بعض غمي ، ورأيت أن خروجي من الثقب في هذا الوقت ظالم ، لي ولأمي ، وللحضارة العريقة التي أنتمي إليها . وجدتني منحنيا أطرقبإزميل على كتلة صخر من الجرانيت . عليّ أن أنحت تمثالا لرمسيس الثاني ، لم أكن بالطبع وحدي ، فقد كنت واحدا من عشرات ينحتون بهمة ، والعرق ينزل على عيوننا المحدقة فتلسع الملوحة البؤبؤ . لكنني لم أكن قادرا على الاستغاثة ، فالآلهة ستغضب مني لو توقفت . أليس هو ابن الإله؟


لاحظت أن الخرقة لم تكن تستر سوى نصفي الأسفل ، وهذا ما يهمني ، نظرت لرئيس الكهنة وهو يضع لنا الماء وبعض الحنطة المطبوخة في أجفان صغيرة من الرخام الرقيق . كان سواد اللحظة يكشفه نور الإله الذي يبارك أعمالنا ، ورمسيس يضحك وهو يتشكل بين أيدينا والأزاميل تطرق: طق . طق .طق . كنا في حضن الجبل ، والنيل نفسه يمر بلا صوت ، لكنني رأيت عم عزيز المجدي يلوح لي أن أستأذن الكاهن لدقائق كي يريني شيئا. استأذنت وبي خجل احتل وجهي ، فأعطاني الكاهن خمس دقائق لا أكثر ، ثم منحني بركته .


أخذني عم عزيز إلى داخل المدرسة . كشف عن صدره وأراني ندبة عميقة بطول الكف ، سألته : " من جرحك ؟ " . قال لي بنفس ابتسامته المشرقة : " جرحني رجل من رجال القبائل في حرب اليمن!" ، كبش من سلة خوصية جنب السور نباتا أخضر وقال لي : " ألا تمضغ بعض القات؟ " أبعدت يده : " لم أجربه " . هز رأسه متفهما ، وقرأ الفاتحة على روح جمال عبدالناصر ، وعبدالله السلال. قلت له : " لم يمت السلال ؟ " فرد علي في غضب : " بل مات " . أخذني من يدي ، وفتح باب المدرسة ، فاندفع الأطفال في فرح وارتفع لغطهم . قلت له مأزوما : " هل يرفتني السيد مدير المنطقة التعليمية لأنني أتيت بهذا المئزر نصف عار ؟ " أمسك بيدي ، ولكزني في منتصف صدري : " اذهب أنت ، واترك لي هذا الموضوع " . بمجرد أن فكرت في الانصراف مرت أسراب من النوارس ربما تقصد البحر فقد كانت وجهتها نحو الشمال ، وفوجئنا برجل معمم ، له لحية كثة بيضاء . سأل عن أحوال المدرسة ، وحين دققت النظر في صورته اكتشفت أنه الشيخ محمد عبده . قال الرجل أن الأولاد على نواصي الشوارع يشترون " البانجو " ، ويدخنونه في لا مبالاة ، وأنه قد أتى ليخبر ناظرالمدرسة بالموضوع ليخلي مسئوليته ويرضي ضميره .قبل أن ينهي كلامه نظر إليّ وتمعن في ملبسي الغريب : " الأستاذ من هنا؟ " رد عمي عزيز : " كان هنا وتم فصله لسيره مع محمد عبدالسلام الزيات رجل المعارضة الذي شتم القطط السمان ! " قهقه الشيخ وظننته يسخر مني : " عملها البارودي ، ونفوه إلى سرنديب " . قرب ما بين حاجبيه : " تعال سلم عليّ !لست بغريب عن ناحيتكم " أطلقت لساقي الريح وأنا أهتف :" بل غريب .. غريب يا مولانا " .


كان الأسود يأخذ أشكالا متضاربة ، والثقب الذي أتيت منه لا أجد له أثرا ، وفيما أنا أفكر بالعودة إلى الجبل قبل انقضاء وقت الكاهن دفعني صاحبي علوش للنزول إلى النهر ، والاستمتاع بالاستحمام في مياهه الدافئة ، وقد وافقته ، وخلعت مئزري ، وسبقته لحضن النيل ، وكان النصب التذكاري يلوح من بعيد والموسيقى ما زالت تصدح بأغنية " والله زمان ياسلاحي " ، ضحكت لأنني كتبت هذه الأنشودة بقلم " الكوبيا " في كراسة الموسيقى . طفلا كنت ، وعندما احتاجت أمي لورقة بيضاء لتجفف عليها أعواد السلق بوضعها في الشمس انتزعتها ، ولما أتيت من محل الأحذية الذي كنت أعمل فيه بكيت لأن البلل جعل الحروف ممسوحة ، لا يمكن أن تقرأ بحال . ربتت أمي على كتفي ونزلت السوق واشترت كراسة موسيقى أخرى بنفس خطوط النغمات والفواصل : دو . ري . مي . فا . صول . لا . سي .


فوجئنا بمجموعة عسكر يأمروننا بالصعود إلى شاطيء النهر لأنهم سيضعون أصابع ديناميت في مجرى الماء لقتل السمك والحصول على وجبة شهية بتلك الطريقة الدموية . صعدت فلم أجد المئزر ، ووجد علوش ملابسه ونظارته ، فعرفت أن الله يمتحنني ويختبر صلابتي ، وقررت ألا أذهب للكاهن مهما كلفني الأمر . عدت لنفس الشجرة وطفقت أخصف من أوراقها لأستر عريي ، وسريت في الليل نحو مكان سكني ، وقد غاب عن بالي تفاصيل ماحدث لي بمروري من الثقب .


وجدتني وجها لوجه أمام تمثال علي باشا مشرفة . قلت في نفسي : " ما المانع أن أختفي وراء قاعدة التمثال؟ " . كانت فكرة نيرة فعلا ، فالمكان مقطوع ولا يوجد به صراخ ابن يومين. كنت مرهقا فتمددت وراء القاعدة ، ولمحته كما هو يستند بيده على رصة كتب من كتبه العلمية وقد طلاها المثال بالرمادي الداكن . غفوت ربما لدقائق وفتحت عينيّ فإذا به أمامي . همست :" آسف جدا .. لم أقصد" . مد يده ومنعني من الكلام ، وقال في صوت رصين : " لماذا تركت عملك هناك؟ الكاهن منزعج جدا" . قلت أدافع عن نفسي : " لقد أرهقني العمل في الصخر " سألني وهو ممتعض الوجه: " هل تتخلى عن آبائك وأجدادك ؟ " قلت وأنا أزن كلامي وأرتبه : " يا صاحب المعالي الباشا أنا مجرد نحات فقير وما يقدم لنا من طعام وشراب لا يسد الرمق " . هز رأسه وقد تبددت قسوته بعض الشيء : " لكن قليل من الحنطة يكفي " . سألته وأنا في غاية الأسى : " لماذا مت قبل أن تصنع لنا قنبلة ذرية ؟ إسرائيل عندها 200 قنبلة في ديمونة " . غاضت الابتسامة من وجهه ، وهرش رأسه : " كنت أعلم أنهم سيفعلون . لكنني مت قبل أن أصنعها " . هاجمته بلا مواربة : " ربما منعك حبك للموسيقى . دو ري مي !" . هز رأسه وهو يقسم : " والله أبدا " . لمحت دمعة تنحدر من عينين مجهدتين . سألته : " هل سنموت كالسائمة؟ " . عادت لوجهه البشاشة :" يا بني لا تخف " . أمسكت يده وقبلتها : " هل هناك أمل أن نصعد ونتخلى عن الوحل؟ " . حرك شفتيه بتثاقل محملا اكتنازهما يقينا غريبا : " بالطبع . هناك أمل ، ولذلك أطلب منك أن تذهب لرمسيس " . دمدمت : " لماذا ؟ " . ابتسم بمرارة : " ستعلم بعد أن ينضج عقلك لماذا أطلب منك ذلك" . صعد على سلم خشبي رفيع إلى حيث كان يقف شامخا متعاليا ، وكان صانع التمثال السيد عبده سليم الذي رأيته مرة في قصر ثقافة كفر الشيخ يسنده ، ويمسك بيده خوفا من وقوعه ، وتحطمه ، فلم أعرف بالضبط : هل كلمني على هيئة بشر أم حجر؟


وجدت عم عزيز المجدي يهرول باتجاهي ، ويسألني : عمامة الشيخ ضاعت . كان يتوضأ فخرج ولم يجدها . أين تراني أجدها ؟ " . استغربت وسألته : " هل فتشتم عنها جيدا ؟ " هز رأسه : " في كل مكان ، ولم نعثر لها على أثر " . انتبه إلى أوراق الشجر التي تغطيني : " لا ينفع أن تأتي معي على هذه الهيئة . عندي ثياب أخرى في حجرة البوابة " . وافقته ، وسمحت له بالعودة لإحضارها .


كان هما وانزاح عن كاهلي ، فقد سترت نفسي بقميصه الضيق من عند الأكتاف ، وبنطلونه ذي القطع من فوق الركبة ، وامتعضت أنني ارتديت ملابسه على اللحم. سألته : " وأين يجلس الشيخ محمد عبده؟ " . رد على الفور : " في مكتب الناظر . " خمنت أنهم سيخبئون العمامة بالقرب من المنحل . في مكان مهجور لا تطأه قدم . صدق تخميني وعدت بالعمامة بعد أن قرصتني نحلة في جبهتي . دفعت بها للشيخ الذي وضعها على رأسه وارتشف من فنجان القهوة رشفته الأخيرة وهو يشكرني ، وقبل أن أرد تحيته هرول خارجا من الحجرة أو لعله عاد إلى الإطار الذي كان يواجهنا تماما وفيها صورته . كان الإطار يتحرك حركة بسيطة ، والعينان تحدجانني . سألني الناظر : " هل أعادوك للتعليم ؟ " مرت لحظة صمت سعل فيها الشيخ دون أن يتخلى عن إطاره : " أضاع عرابي نفسه بالارتكان للرعاع " وددت أن أمسك بتلابيبه : " لكنك كنت معه . وتخليت عنه " . أتاني صوت الناظر مترقرقا بتهكم خفي " ألن تتخلى عن لعبة السياسة ؟ " لم يكن هناك متسع من الوقت كي أرد على سؤاله، فقد دق جرس انتهاء اليوم الدراسي ، عرفت ذلك من الصياح والعفار واندفاع المدرسين لدفتر الحضور والانصراف .


خرجت بسرعة من المبنى فوجدت السواد نفسه . تيقنت أنني لست في حالتي الطبيعية ، فالغيوم تتمطى في الأفق ، ورائحة عرق عم عزيز المجدي تضايقني ، ولفت نظري أن علي باشا مشرفة فوق قاعدته الصخرية ولكنه ولى وجهه شطر الناحية الأخرى معطيا لي ظهره . فهل هو غضبان مني لأنني تركت عملي في الجبل ؟ لماذا يشملنا هذا الأسود البغيض ؟ وما سبب زيارة الشيخ محمد عبده لمدرستي؟ هل يمكن أن يكون السبب هو البانجو فعلا؟ وهل يمكن أن تصنع مصر قنبلة ذرية ؟ وهل الأجدى أن توفر أرغفة الخبر لفقرائها أولا ؟ هل عودتي للجبل ومعاودة نحت تمثال رمسيس الثاني ستقربنا من هذا الهدف ؟


شاكستني الأسئلة ، وأتعبت عقلي ، وفيما الشكوك تتنازعني وجدت هدى تقترب مني ، وتهمس لي في رقة متناهية : " نسيت كتبك. ونظارتك؟"


لما وضعت النظارة على وجهي توردت الدنيا ، فتحت أول كتاب أعطتني إياه ، وجدت زهرة اللوتس مندسة بين الصفحات . سمعت صوت أمي يصلني من بعيد ، وهي تصيح بي : " عد إلى بيتك " . بحثت في كل مكان عن الثقب الذي مررت منه . بحثت بكل جدية فلم أعثر عليه . وجدتني أتخبط في الظلمة ، والأسود يحيط بي ويوقعني في شباكه الشائكة .





دمياط 15/10/2006

Petals
17-10-2006, 04:09 AM
أبغى أقول بس

كــــل عام وانت بكــــل الخير عمو


وأشترك في الموضوع دا بطريقتي :)


دمت بكل الود

رشا محمود
17-10-2006, 01:20 PM
مرحبا أستاذنا

سعداء بطلتك الجديدة

سأكون هنا ..... لأتعلم

شكرا لك أستاذى

كل التحية

سمير الفيل
17-10-2006, 03:30 PM
أبغى أقول بس

كــــل عام وانت بكــــل الخير عمو


وأشترك في الموضوع دا بطريقتي :)


دمت بكل الود
Petals

كل سنة وأنت طيبة ..
بس المهم القصة..
.. دي جديدة قوي !!

سمير الفيل
17-10-2006, 03:31 PM
مرحبا أستاذنا

سعداء بطلتك الجديدة

سأكون هنا ..... لأتعلم

شكرا لك أستاذى

كل التحيةأهلا يا رشا ..
يسعدني وجودك مع النص

التحية لقلبك ..

ألنشمي
17-10-2006, 06:40 PM
000
00
0


هلا اخوي سمير


ربي يسعد ايامك بكل خير وبركة


وكل سنه وانت طيب


جميلة قصتك


ما زلنا نامل المزيد


ربي يعطيك العافية


دمت بخير

محسن يونس
18-10-2006, 07:42 AM
فى تتبعى لإنتاج سمير الفيل وجدت أنه كاتب مهموم ومنذور للكتابة الخالصة ، وهذا يعطى لنا فكرة عن تعدد الأجواء والشخصيات التى يتناولها ، هذا من ناحية ، أما الأخطر فهو التشكيل أو التكنيك أو الشكل أو البناء الذى يوافق مزاج ورؤية الكاتب على مستوى الكتابة نفسها ، وعلى مستوى الطموح الشخصى ككاتب والذى يصب فى النهاية فى عقيدته الفنية .. كنا نراه فى نصوصه السابقة ابنا للحارة الإقليمية وناسها البسطاء وفى معطياتها من خبز يومى وعرق وحرارة جسدية تصاحبها حرارة الأفعال التى تبدو تلقائية ولكنها تنغمس فيما وراء الظاهر حتى تصل لعمق أصالة ونبل هؤلاء الناس ..
فى نص " العرى " نجد الكاتب الكبير يذهب إلى منطقة جديدة يمكن أن نطلق عليها منطقة ذاته وأفكاره آماله وطموحاته وانتكاساته أيضا .. الآن هو فى محاولة التدثر بالوطن ، وياله من وطن أصابه كما أصابنا بهذا الكابوس الأسود .. هذا المنام - الحلم - وقد اتخذه كحيله فنية ذكية ليشركنا معه فى هذا التيه المحيط به وبنا فالسواد صار عظيما بقدر ما غطى كل قيمة عظيمة - أليس هذا ساخرا ؟! - والبطل ليس نقادا يحرك لسانه بما آل إليه الحال المايل .. إنه فى ورطة كابوسية ، وهو يتشابك معنا فى طرح سؤاله الصعب : ما الذى حدث ؟! لاحظ أن الأحداث تقع داخل وحول وخارج مدرسة - أعرف أنه كان يعمل بها - إن هذا السؤال يعادل وجود الإنسان عاريا تظهر سوءته علنا مهما حاول أن يخفيها من لحظة خروجه من ذلك الثقب - الولادة - المعرفة - والفيل يلجأ إلى معراج آخر لا يقل خطورة عن هذه الرؤية لتقلبات الأوضاع بهذا الوطن إنه يلجأ للتاريخ منذ عهد القدماء إلى عصر النهضة المصرية الحديثة .. ومن وجهة نظره يرى أن مشروع الإمام محمد عبده فى تجديد الخطاب الدينى إلى جانب الدكتور مشرفة العلمى مرورا بكل القوى التى حاولت أن تستنهض الخائر هما جناحا الأمل - للخروج من هذا الثقب الأسود إلى حيث تكون الشمس مسيطرة بنورها ووضوحها ..
لنجاول أن نقترب بعد محاولتنا لفهم الحكاية فيما أسلفت إلى التحدث عن ذلك التكنيك الكابوسى المبنى على أفعال عبثية ليس المقصود منها هو العبث والتهكم أو الانتقاد ، بل هى حالة من ذلك التخبط الذى يجد فيه البطل نفسه فى مواجهة كل عوامل التفسخ والانهيار .. كان الفيل ناجحا بامتياز فى إدخالنا إلى حالة سواده العظيمة ، ولا يبقى إلا أن نتكاتف ليعلن اللون الأبيض عن وجوده أيضا بجانب اللون الأسود، هنا الفيل رجل يؤمن بحكمة الحياة وبتعدد الألوان ، ولا يفرض علينا لونا واحدا ، ولكنه ضد غلبة لون واحد يصبغ امتداد الخريطة ..
شكرا للكاتب الكبير ..
مع تقديرى واحترامى ..

سمير الفيل
20-10-2006, 02:22 PM
000000 هلا اخوي سمير ربي يسعد ايامك بكل خير وبركة وكل سنه وانت طيب جميلة قصتك ما زلنا نامل المزيد ربي يعطيك العافية دمت بخير
ألنشمي ..

شكرا لوجودك ..
وربنا يستجيب لدعواك ..

تحياتي

سمير الفيل
20-10-2006, 02:25 PM
فى تتبعى لإنتاج سمير الفيل وجدت أنه كاتب مهموم ومنذور للكتابة الخالصة ، وهذا يعطى لنا فكرة عن تعدد الأجواء والشخصيات التى يتناولها ، هذا من ناحية ، أما الأخطر فهو التشكيل أو التكنيك أو الشكل أو البناء الذى يوافق مزاج ورؤية الكاتب على مستوى الكتابة نفسها ، وعلى مستوى الطموح الشخصى ككاتب والذى يصب فى النهاية فى عقيدته الفنية .. كنا نراه فى نصوصه السابقة ابنا للحارة الإقليمية وناسها البسطاء وفى معطياتها من خبز يومى وعرق وحرارة جسدية تصاحبها حرارة الأفعال التى تبدو تلقائية ولكنها تنغمس فيما وراء الظاهر حتى تصل لعمق أصالة ونبل هؤلاء الناس ..

فى نص " العرى " نجد الكاتب الكبير يذهب إلى منطقة جديدة يمكن أن نطلق عليها منطقة ذاته وأفكاره آماله وطموحاته وانتكاساته أيضا .. الآن هو فى محاولة التدثر بالوطن ، وياله من وطن أصابه كما أصابنا بهذا الكابوس الأسود .. هذا المنام - الحلم - وقد اتخذه كحيله فنية ذكية ليشركنا معه فى هذا التيه المحيط به وبنا فالسواد صار عظيما بقدر ما غطى كل قيمة عظيمة - أليس هذا ساخرا ؟! - والبطل ليس نقادا يحرك لسانه بما آل إليه الحال المايل .. إنه فى ورطة كابوسية ، وهو يتشابك معنا فى طرح سؤاله الصعب : ما الذى حدث ؟! لاحظ أن الأحداث تقع داخل وحول وخارج مدرسة - أعرف أنه كان يعمل بها - إن هذا السؤال يعادل وجود الإنسان عاريا تظهر سوءته علنا مهما حاول أن يخفيها من لحظة خروجه من ذلك الثقب - الولادة - المعرفة - والفيل يلجأ إلى معراج آخر لا يقل خطورة عن هذه الرؤية لتقلبات الأوضاع بهذا الوطن إنه يلجأ للتاريخ منذ عهد القدماء إلى عصر النهضة المصرية الحديثة .. ومن وجهة نظره يرى أن مشروع الإمام محمد عبده فى تجديد الخطاب الدينى إلى جانب الدكتور مشرفة العلمى مرورا بكل القوى التى حاولت أن تستنهض الخائر هما جناحا الأمل - للخروج من هذا الثقب الأسود إلى حيث تكون الشمس مسيطرة بنورها ووضوحها ..
لنجاول أن نقترب بعد محاولتنا لفهم الحكاية فيما أسلفت إلى التحدث عن ذلك التكنيك الكابوسى المبنى على أفعال عبثية ليس المقصود منها هو العبث والتهكم أو الانتقاد ، بل هى حالة من ذلك التخبط الذى يجد فيه البطل نفسه فى مواجهة كل عوامل التفسخ والانهيار .. كان الفيل ناجحا بامتياز فى إدخالنا إلى حالة سواده العظيمة ، ولا يبقى إلا أن نتكاتف ليعلن اللون الأبيض عن وجوده أيضا بجانب اللون الأسود، هنا الفيل رجل يؤمن بحكمة الحياة وبتعدد الألوان ، ولا يفرض علينا لونا واحدا ، ولكنه ضد غلبة لون واحد يصبغ امتداد الخريطة ..
شكرا للكاتب الكبير ..
مع تقديرى واحترامى ..



الكاتب الكبير محسن يونس ..
أشكر لك هذه الإضاءة الرصينة التي توفر لنا مادة نقدية موازية ..
من خلال الثقب والعري والأسود يمكن ان نقدم كثيرا من السرد ،
والخروج من الشخصي إلى العام ..

سعدت بوجودك هنا ، واثمن ملاحظاتك غاليا.