المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( الأقـــدار )) رواية مسلسة في حلقات



محمد الدسوقي
08-09-2006, 06:41 PM
الفصل الأول



















-أشرفت الشمس علي المغيب...

فتلك عادة الحياة..



هكذا تكون نهاية النهار مهما طال..



فلكأنها تختتم دورة صغيره من دورات الحياة التي لا تنتهي والتي تبدأها مع بداية النهار..



حيث تخرج أشعتها الفضية من خلف أسوار الليل المنيفة.. فتهب في الخلائق روحاً جديدة ... وتعزف في قلوبهم سيمفونية خالدة.. اسمها الحياة .. و تضرب لهم عقارب الزمن ألف موعد جديد مع ألف ألف مجهول.. إلي أن ينهش الليل النهار بأنيابه باعثاً في جسد السماء عتمة وصمتاً.. فيزوي الشمس خلف ستائره القاتمة ...ويبتلع معها معظم صور الحياة.. ويغلفها بوشاح الصمت في محرابه المظلم .. ويترك في أعماق الخلائق مجرد الأمل في أن تشرق الشمس من جديد... فيعاود الجميع الكرة... بل تعاود الدنيا كلها الكرة .. دون أن يعي البعض أن يوماً من عمر الزمن قد مضي وأنا يوماً أخراً سيمضي ... وأن سفينة الحياة التي أقلعت منذ لحظة الميلاد قد اقتربت يوماً كاملاً من مرساها المحتوم ...



و تتعاقب سيمفونية الليل والنهار.. ومع كل وجه جديد للنهار تلفظ الدنيا مخلوقات.. وتستقبل مخلوقات.. لتكتمل لوحة الخلق.. التي ترسمها الحياة بأصابع ماهرة ولا تكف أبداً عنها منذ أن بدا الوجود...



ويا لها من سيمفونية...



ويا لها من لوحة..



إنما تدل كل منهما علي عظمه الخالق – سبحانه – في تسخير الكون .. وتضرب باقتدار جلي أعظم صورة لمبدأ الحياة الأزلي.. أن دوام الحال هو كل المحال...







*** **** ***







سنترك ما خلق من جمال للخالق..



سنترك أنفسنا لننساب مع أشعة الشمس الهاربة إلي براثن الليل...



سنقترب من الشاطئ حيث تسابقت الأمواج لاهثة .. محمومة…لتحظي بالفناء علي صخور الشاطئ..



وفوق الرمال الناعمة سننسي أنفسنا مع وجهين صغيرين لفتى وفتاه...سنطالع هذه الوجوه ونندمج معها .. ونعيش معها لحظة بلحظة ... سننصهر معها في حياة…







*** **** ***











دائماً يجمعهما الشاطئ ..



دائماً تجذبهما أشعة الشمس الغاربة كمسحورين..



دائماً ما يهرعان في هذا الوقت كأنما يُودعان الشمس .. أو تودعهما..



وما أخلف أي منهم الميعاد..



فلا هما ولا الشمس..



دائماً ما تبقي الشمس حتى يأتيان لتمسح علي وجهيهما بأشعتها الواهنة في جلال تغلفه أبدية الخلود.. تاركة في قلبيهما الأمل في لقاء بين طيات غد جديد..



الأمواج أيضاً دوماً تتسابق لتحظى برؤيتهما ..



تمر بهما سريعة .. قلما تقسو عليهما فتهدم قصور الرمال التي بنياها .. كأنها تُشاركهما أحلامهما البكر ..وتزيح من قلبيهما حلماً .. ليولد بعده ألف حلم جديد..







*** **** ***












لقد تأخرنا اليوم كثيراً.. قالها (أحمد) وهو يقترب من (وفاء) ..ابتسمت في عذوبة قائلة:




نعم يا (أحمد) هيا بنا سريعاً قبل أن ينالنا العقاب...



راحت خطاهما الصغيرة تنهب طريق العودة .. وفوق رمال الشاطئ تركا أملهما المعتاد في أن تشرق الشمس من جديد .. كأنهما ينتظران إطلالة لقاء في غد منتظر .. أو يتواعد قلباهما مع مجهول ..







*** **** ***







أطلقت (وفاء) تنهيدة وهي تتوقف مع (أحمد) أمام منزلها الصغير قبل أن تقول له بصوتها اللاهث.. :



ـ لقد وصلنا أخيراً..



قبل أن تتابع بصوتها اللاهث :



ـ لقد تأخرنا اليوم كثيراً.. ولولا أننا عدونا طوال الطريق لما وصلنا في هذا الموعد..



لم يعلق علي كلامها ، ولكنه حياها مسرعاً قبل أن يتابع وهو يبتعد :



سأنتظرك غداً ...



جاوبته وهي تبتسم :



ـ في نفس المكان ..



ثم دفعت باب منزلها المُتهالك .. وهي تنظر بعينيها الصغيرتين في بهو المنزل .. ثم راحت تخطو مُتلصصة علي أطراف أصابعها في طريقها إلى حجرتها .. قبل أن يُفاجئها صوت والدتها ، التي قالت لها بحدة غاضبة :



أين كنتِ حتى الآن يا (وفاء) ..؟؟!



استدارت (وفاء) وقد احمر وجهها ، وبدت كالفأر الذي باغتته المصيدة :



ـ إننا لم نتأخر بعد يا أُماه ..



ثم اتبعت قائلة :



.. ثم إنني لم أعد صغيرة حتى تخافي عليَّ على هذا النحو ، فقد أصبحت في العاشرة ..



ثم أشارت نحو بطن أُمها المتكورة قائلة :



ـ وعما قريب أُصبح أختاً كبرى لأخ جميل مثلك .. وهذا يكفي لـ..



قاطعتها والدتها بضحكة قصيرة وهي تقول :



ـ ... هيا إذن أيتها الكبيرة لتساعديني في إعداد العشاء لوالدك .. فلديه الليلة عمل كثير و...



قاطعتها وفاء بدهشة :



ـ .. ولكنه يعمل نهاراً... ولم يسبق له العمل ليلاً ..!!



سبقتها أُمها إلى حجرة جانبية قائلة :



ـ .. إن الليلة عيد ميلاد ) شاهيناز)ابنة الباشا..



تبعتها عدواً وأُمها ما زالت تتابع :



ـ ... والقصر بأثره في حالة يقظة .. فأنتِ تعرفين كيف يكون هذا الحفل ... ومَن يحضره من الناس ..



ابتسمت ابتسامة شاردة وهي تتخيل الحالة التي سيكون عليها القصر في هذه الليلة .. وتتخيل ابنة الباشا التي تكبرها بعام .. وكيف لها أن تبدوا في هذه الليلة .. وكيف يُمكن أن تتوارى تحف القصر أمام روعة زينتها وثيابها وحليها .. ثم لم تملك إلا أن طالعت وجهها في مرآة مهترئة معلقة علي الحائط....







*** **** ***












انهمك سالم في تناول عشائه في عجلة من أمره تحت نظر زوجته التي قالت له وهي ما زالت تتابعه بعينيها بحنان :




لما هذه العجلة يا ) سالم) ..؟!



قال لها وهو مازال مُنهمك في تناول عشاءه :



أنتِ تعرفين أن العمل في قصر الباشا لا يرحم أحداً يا (فردوس)، وهذه الليلة تحديداً تحتاج إلى التبكير في الذهاب ..



أطلقت زوجته تنهيدة حارة قبل أن تقول :



أعانك الله ... ثم اتجهت إلى أحد أركان الحجرة واستكانت فيها بوهن شديد ناتج عن إرهاق الحمل .. مما جعل سالم يقول لها :



سأحاول جاهداً أن أُنهي عملي مبكراً ..حتى لا تفاجئك آلام الوضع في غيابي...



ابتسمت له قائلة :



ما زال أمامي مُتسع من الوقت ..



هز رأسه باسماً وهو يُنهي طعامه قائلاً :



لا تبالغي يا فردوس إنكِ علي علم بأن أوان الوضع قد اقترب ....



ابتسمت ابتسامة أخرى قائلة :



لا تخف يا سالم سوف تمر هذه الليلة علي خير إن شاء الله كما مر غيرها ...



ثم اتبعت قائلة :



كما أن الله بجواري يا سالم وهو يكفيني عن أي شخص أخر ..



ابتسم سالم في حنان قائلاً :



ونعم بالله ..



ثم التفت إلى وفاء التي تقبع صامتة تتابع حديثهما في ركن الحجرة الأخر قائلاً :



هل تريدين أي شيء قبل أن أخرج يا (وفاء) ؟ ..



لكنها لم تلتفت إليه ... لقد كانت غارقة في الخيالات التي جنحت بها إلى قصر الباشا .. راح عقلها يصور لها كيف سيكون هذا الحفل الذي يضم سادة المجتمع .. وأنبل عناصره وراحت تتخيل أميرة القصر المدللة (شاهيناز) .. وكيف أنها ستكون الليلة في أجمل صورها ..







*** **** ***












ظلت (وفاء) تتقلب في فراشها الصغير منذ أن آوت للنوم .. وراحت شياطين الخيال تعبث برأسها.. و عبثاً راحت تحاول التشبث بأطراف النوم الجافية .. ولكن بلا فائدة .. فهكذا الزمن .. سياط مؤلمة لا يشعر بها سوي المعذبون ..وجواد جامح لا يشعر بسرعته إلا من تمنى إلا يمضي ..لقد شعرت وفاء أن دُهوراً طويلة مرت عليها دون أن تستسلم للنوم عيناها ... وخيالها يأخذها عنوة إلى القصر ... حيث راح يخيل لها كيف يكون هذا المكان الذي لم يسبق لها ارتياده .. ويا له من مكان ... ويا له من حفل ...ويا له من عالم.. راحت الأفكار تجري برأسها كشريط كبير ... سريع .. اقلق نومها تتابع الخواطر... وراحت الأمنيات تنسج بخاطرها من العدم ... لكم تتمني أن تكون بهذا الحفل ...ولم يكد قطار الأفكار يصل بها إلى هذه المحطة حتى هبت من فراشها في حذر .. وقد اشتعلت في رأسها فكرة واحدة .(ولما لا )...؟! ستذهب إلى والدها في القصر ... وسيمكنها من مُشاهدة الحفل ... حقيقةً هي لم تفعل من قبل ، فوالدها كان يمنعها بكبريائه من مجرد التواجد هناك ... ولكنه هذه المرة سيرحب بوجودها وسيدعها تشاهد الحفل ولو من بعيد .. كل هذه الأفكار هبت برأسها وسيطرت عليه علي الرغم من أن فكرة أُخرى راحت تمنعها وتلح عليها في إصرار ألا تفعل ..لكنها تجاهلتها علي الرغم منها في إصرار أشد .. وهبت من فراشها .. واستبدلت رداء نومها ...وراحت تتسلل خارج المنزل .. وقلبها يرتجف من الخوف .. ومما ستقدم عليه ..ولكن حتى خوفها لم يفلح في الوقوف أمام جموح أفكارها الشديد ..








*** **** ***












خطت وفاء بقدميها الصغيرتين فوق أرض الشارع ...ولم تكد تصل إلى نهايته حتى فاجئها شبح لطفل صغير في عمرها تقريباً .. ولم تكد تتبين ملامحه حتى صدرت عنها علي الرغم منها تنهيدة عميقة وهي تقول :




ـ اهو أنت ؟؟ ! لقد أفزعتني رؤيتك من بعيد يا (حسين)



نظر إليها (حسين)بدهشة ، وهو الذي لم يعتد رؤيتها في مثل هذا الوقت .. قائلاً :



ـ نعم أنا يا (وفاء)...



ثم اتبع مباشرةً وقد ارتسمت علامات الدهشة علي وجهه ، الذي لم تستطع تبينه في ظلام الليل :



ـ ولكن ما الذي أتى بك هنا في مثل هذا الوقت ؟؟!!



تلعثمت كلماتها ... ثم صمتت فترة قصيرة اتبعت بعدها كأنما حزمت أمرها :



ـ أصدقك القول يا حسين إني ذاهبة إلى قصر الباشا ...



فغر فاه واتسعت عيناه في ذهول وهو يقول في لهجة خالية من التصديق :



ـ أين ؟؟!!!



اتبعت ببساطة :



ـ قصر الباشا .. وماذا في ذلك ؟



ازدرد لعابه وهو يقول بدهشة :



ـ قصر الباشا .. ولما؟!



قال وقد عاودها الارتباك :



ـ أود مشاهده الحفل



كاد يطلق ضحكة ساخرة ، ولكنه كتم مشاعره وهو يقول :



ـ وكيف وصلتك الدعوة ؟!..



وكزته بيدها في ضِيق ، وهي تقول :



ـ كفاك سخرية..



ثم اتبعت :



ـ أنت تعرف أن أبي يعمل هناك ، وسأتمكن لذلك من مشاهدة الحفل عن قُرب ..



لم يسترح لمنطقها ، علي الرغم من علمه السابق بعمل أبيها هناك .. لذلك اتبع في صدق :



ـ ولكن هذا لا يكفي فأنت تعرفين طِباع هؤلاء الـ...



منعته من الكلام بإشارة من يدها وهي تتابع :



ـ لقد قررت الذهاب وسوف أذهب مهما كان ..



ثم أشارت له بأن يُفسح لها الطريق لتمضي قُدماً في طريقها ... وما أن أفسح الطريق حتى مضت في طريقها دون أن تلتفت إليه ... ولكنها توقفت فجأة علي أثر ندائه إليها .. واستدارت نحوه باستغراب قائلة :



ـ هل من حجج أُخرى ..؟؟



هز رأسه في استسلام كأنما غُلب على أمره ، ثم تابع بلهجة من سيقدم علي عمل أخرق :



ـ أمري لله .. لن أقوى علي تركك تمضين إلى هناك وحدك..



جاوبته بالابتسام فهرع نحوها .. وسارا سوياً تحت ستائر الليل المُسدلة .. وأعين القدر تتابعهما في إصرار...







إلي اللقاء في الحلقه القادمه.........

ألنشمي
08-09-2006, 07:01 PM
000
00
0


اخي الغالي محمد الدسوقي


مساؤك عسل وقشطة


سردك للقصة جميل


ولكن يحتاج الى الاعادة بعد الكتابة لأن هناك حروف سقطت


دمت بحفظ الرحمن

Areej
09-09-2006, 10:10 PM
محمد الدسوقي...

تبدع في الوصف.. و صياغةِ الحروف..

قلمك عذبٌ سيدي..

بالانتظار ;)

أعبق التحايا

أريـــج

محمد الدسوقي
11-09-2006, 08:25 PM
000

00

0





اخي الغالي محمد الدسوقي





مساؤك عسل وقشطة





سردك للقصة جميل





ولكن يحتاج الى الاعادة بعد الكتابة لأن هناك حروف سقطت





دمت بحفظ الرحمن



أشكرك أخي علي هذه اللفتة



وقد قمت بتصحيح الأخطاء



بارك الله فيك

رشا محمود
12-09-2006, 02:32 PM
شكرا لك أخى محمد

جذبتنى بداية الأحداث

ولكن يبدو أنك كتبتها على عجل

أرجو أن تتمهل فى باقى الفصول التى سننتظرها بشوق

كما أرجو أن توضح لنا هل حسين هو طفل آخر أم هو أحمد الذى ظهر فى بداية القصة وحدث خطأ فى كتابة الاسم

شكرا لك

تحياتى

محمد الدسوقي
13-09-2006, 05:16 AM
انه ظلام الليل.. حيث تختفي المعالم ... ويتواري كل شيئ خلف وشاح اسود اسمه الظلمة... فتندثر معالم الاشياء.. ولا يبدو لنا منها سوي رتوش باهته... ولا تهبنا السماء ذاتها الا بصيصا من ضوء النجوم الباهت .. فيغلف في جلال صامت مخاوفنا الجمة ..
في هذا الجو المظلم كانت مرايا الحياه المصقولة تعلن في انكسار خضوعها لقانون الليل القاسي... وتحت ستائر هذا الليل القاتمة كان قصر ( الباشا ) يتألق بجلال كنجم كبير يخطف الأنظار .. حتي انه بدا في هذه اللحظه كأحد قصور العصور الوسطي ..
وعلي الرغم من السكون المخيم حوله باستثناء الأضواء المتراقصه في وهج مجنون كان داخل القصر مخالفا تماما...فقد احتشدت ساحة القصر بالناس ... سادة القوم وأنبل العناصر فيه مالا وسيادة كانوا يملأون جنباته ..
وكان ذلك مظهرا يستحق أن نقف امامه كثيرا .. أن ندقق النظر ونراقب الوجوه ..أن نتعمق داخل الملامح.. ونستمع الي الأفواه .. ونحاول ان نستشف ما يمكن أن تواريه القلوب.. حيث كل المشاعر .. الحقد .. الطمع .. والجشع...وربما السخرية ..
كان مزيجا عجيبا من المشاعر يكمن بداخل مزيج أعجب من البشر...!! مزيج لايمت بصله للحياة المصرية في هذا الوقت .. مزيج لا ينتمي لعامه المصريين .. فشتان ما بين الحلم والحلم .. وشتان ما بين الهم والهم ..كانت فئة لا يهمها من الحياه سوي المال .. والمال .. ثم الجاه .. ثم الفارق الاجتماعي .. وفي سبيل كل ذلك فليهن كل غال ...!!

*** **** ***

في حذر شديد اقتربت (وفاء) بصحبة حسين من باب القصر الخلفي وفي داخل قلبها انطلقت ارتجافة كبيره حاولت بقدر امكانها ألا تخرج الي أوصالها حتي لا يلحظها (حسين).. كل ذلك لمجرد احساسها انه من الممكن ان يكشف أمرهما .. وفي حذر اشد عبرا باب الحديقة الخلفي المؤدي الي باب الخدم واقدامهما الصغيره تتعثر في الطريق .. حتي ان (حسين ) قد حدثته نفسه مرارا بالرجوع.. ولولا اصرار (وفاء) الغريب علي المضي في الطريق لكان اطلق ساقيه للرياح ..
وما أن وصلا لباب القصر الخلفي حتي اقترب حسين بحذر اشد وفتحه بهدوء .. وما أن اطمئن الي عدم وجود أحد حتي اشار الي (وفاء) باللحاق به .. وما ان توسطت اقدامهما الحجره الخلفيه الصغيرة حتي النفتح بابها بغتة... وعلي باب الحجرة .. كان يقف احد الخدم .. وعلي وجهه وفي عينيه ارتسمت نظرة غريبة مرتابة .. نظرة لا تبعث ابدا علي الارتياح وكان حقا مازقا شديدا ..

*** **** ***

اصفر وجها ( وفاء ) وحسين حتي قاربا ان يحاكيا وجوه الموتي .. ووفاء تحاول عبثا بكلمات متلعثمة ان ا تقنع الرجل انها ابنه ( سالم عاشور ) الذي يعمل في نفس القصر .. ولكن كل ذلك ذهب سدي أمام اصرار الرجل في أن يحتجزهما حتي يتم الانتهاء من الحفل.. مما جعل (وفاء) تقاوم دموعها بكل قوتها وهي تنظر نحو (حسين) الذي اخذ منه الاضطراب منه مأخذه بدوره ... ولكن القدر ساق لهما الحل في هذه اللحظه .. حيث انفتح الباب فجأه واندفعت الي الحجره سيده في العقد الرابع من عمرها في ذي الخدم وهي تتسائل في صوت مرتفع عن غياب الرجل بالحجرة كل هذا الوقت .. وما أن رأت أمامها حتي هتفت بحيرة ... وفاء ...؟!! مما جعل (وفاء) تندفع نحوها بلهجه الغريق الذي وجد شاطئا ينجيه ... عمتي (فاطمه) .. لم تعر (فاطمه ) (وفاء) اهتماما بقدرما نظرت نحو الرجل في تساؤل وقد زوت ما بين حاجبيها مما جعله يردد متلعثما .. لقد اكتشفت وجودهما في هذه الحجرة ويبدو انهما قد تسللا و... ولكن وفاء قاطعته وهي تنظر نحو (فاطمه) بلهفه انه لا يصدق انني ابنة (سالم عاشور).. لم تدعها (فاطمه) تستأنف حديثها كأنما استوعبت الأمر برمته بل استدارت نحو الرجل بنطرها الذي شمله جميعه بصرامة شديدة مماجعل ملامح كلها تتغير وعلاجبينه عرق غزير وهو يقول لها بتلعثم كأنما يبتلع غصه في حلقه .. علام ستقدمين ؟!!لكنها لم تجبه سوي باشارة بطرف عينيها مماجعله يهرع نحو الباب ويغادر الحجرة علي الفور .. مماجعل (وفاء) و(حسين) يطلقان ضحكة مرحة طويلة كانما نسيا ماكانا فيه منذ لحظات.. قبل ان تستدير عينا (وفاء) نحو (فاطمه) ثم راحت تشرح لها الموقف برمته وما أنا نتهت حتي ارتسمت ابتسامة حانية علي وجه (فاطمه) وهي تقول .. الأمر هكذا اذن .. فليكن يا ابنتي .. هيا معي سأجعلكما تشاهدان الحفل من مكان أمن .. كات (وفاء) تطلق صرخة سعادة هائله وهي ترافق (حسين) خلف (فاطمه) ... ولكنها لم تكن تعلم أنه في منزلهم وفي هذه اللحظه كانت والدتها تنهض من سريرها وهي تصرخ باسمها وقد انهمر العرق غزيرفوق جبهتها وصوتها اللاهث يعلن بما لايدع مجالا للشك أنها تعاني ألاما شديدة .. مما جعلها تنزل من فراشها وقد هاجمتها ألام الوضع .. وراح صوتها يرتفع مرة اخري بالنداء علي ابنتها .. وقد فجعها عدم وجودها في فراشها ... وتكرر ندائها مرة .. ومرة .. ومرة ولكن بلا جدوي ... لم يسيطر علي تفكيرها في هذه اللحظه سوي ألامها الشديدة وتغيب ابنتها .. مما جعلها تطلق صرخة هائله باسم ابنتها قبل ان تسقط قرب باب الحجرة فاقده للنطق والوعي ...


*** **** ***






مع كل يوم ينقضي من حياة الانسان يكون قد اكتسب شيئا جديدا من الحياة .. فلا تكاد الشمس تشرق وتغرب ثانية الا ويكون الانسان قد اختزن خبرة جديدة ..او تعلم شيئا..أو رأي شيئا جديدا يضاف الي حصيلة حياته .. وطوال المشوار الذي يقطعه الانسان لا يكف ابدا عن الرؤية.. والتعلم.. والاختزان..لكنه مع ذلك لا يتذكر من الاحداث الا لماما.. ومن هذه الاحداث ما قد يظن انه غير حياته.. أو ما اعتقد انه لم يتوقع رؤيته قط .. ومثال هذا الأخير ما رأته (وفاء) و (حسين) في داخل القصر .. وابدا لم يكونا مخطئين .. فكم كان القصر رائعا..!! .. كل ركن فيه كان يؤكد هذه الحقيقة بلا ادني شك.. بدءا من تحفه الرائعة.. ولوحاته النادرة.. وأثاثه الفاخر المغدق في الثراء ..

كل ركن فيه كان يصرخ بالثراء الفاحش ..حتي أن صرخات الثراء نفسها زحفت الي المدعويين الذين تابعاهم من فرجة الباب الضيقة .. وكأن كل منهم يتسابق في الظهور.. كأنما هو عرض للتظاهر والخيلاء ..!! ..وداخل الحجرة الجانبيه التي احتوتهما كانت (وفاء) في بحر هائج تصارع أمواج أفكارها المتعلقة بما تراه من أنماط البشر .. وقد تعلقت عيناها بـ ( شاهيناز) التي تألقت ببريق أخاذ لم تري مثله من قبل ..حتي انها تمتمت بلا وعي.. كم هي جميلة..!! جذبت هذه العبارة حواس حسين الذي كان مايزال يطالع جنبات الحجرة في انبهار.. فاستدار نحوها قائلا.. من هي الجميلة يا وفاء ؟!.. لم تستدر نحوه وهي تتابع في الية.. ومن غير (شاهيناز) ؟!..ابتسم في جزل قبل أن يهز كتفيه قائلا في تساؤل .. ولما لا وهي ترفل في هذا القدر من الترف والنعيم ..؟! صمت وهلة قبل ان يتبع ..خاصة انها وحيدة بلا اشقاء .. والباشا يعاملها معاملة خاصة بعد وفاة أمها منذ اقل من العام ..صمت مرة اخري قبل ان يتبع في لهجة اخري لم تعدها ( وفاء ) منه من قبل .. المال يصنع كل شيئ يا (وفاء)..جذبتها هذه العبارة من عالمها الذي غرقت فيه منذ ان شاهدت الحفل.. فاستدارت نحوه وقد ارتسم علي وجهها الصغير مزيج من علامات التعجب والاندهاش وهي تقول.. ومن قال ذلك يا (حسين) ..تعجب لدهشتها بدوره قبل ان يتبع.. أليست هي الحقيقة يا وفاء..؟! تطلعت نحوه كأنما تراه للمرة الأولي وهي تقول.. اي حقيقة تلك..؟؟! فجاوبها متسائلا.. أهو تعجب ام استنكار..؟!.. تمتمت كأنما تحادث نفسها.. هما معا يا (حسين)..استداركأنما لا يجد ما يقال..أما هي فقد عادت الي متابعة الحفل وكلمات ((حسين)) تتردد في ذهنها كألف ألف جرس.. ( المال يصنع كل شيئ.. المال يصنع كل شيئ.. ) اما حسين فقد تركها كانما تناسي وجودها و راح يطالع جنبات الحجرة التي يكمنان فيها وماتحويه من تحف تراصت في تناسق بديع خلب لبه .. قبل ان يتوقف عن تمثال من البللور النقي الشفاف لفارس يمتطي صهوة جواد رائع وقد ارتفع قائماه الأماميتان لتضربا الهواء.. ثم راح يتابع تفاصيله الدقيقه بانبهار وقد احتبست أنفاسه ..حتي أنه لم ينس (وفاء) فحسب.. بل نسي كل العالم وهو يتابع تفاصيل التمثال الدقيقة مشدوها وقد راح الخيال يعصف به.. فكم من المرات أخذته احلام الصبا لأن يكون ذلك الفارس الذي يمتطي جوادا مماثلا ..راح يتحسس التمثال باصابعه في انبهار..وهو يتعجب من براعة الاتقان في الصنعة التي وصلت بالتمثال الي هذا النحو من الروعة والجمال .. راح يتحسس التمثال بأنامله مرارا..ولم يدر مالذي دفعه الي حمله بين يديه وكانما يقربه من عينيه ليتمعن في تفاصيله أكثر.. فجأة وبلا مقدمات انفتح باب الحجرة بغتة حتي ان (وفاء) قد تراجعت للخلف صارخة اثر ارتظام الباب بوجهها.. أما (حسين) فقد انتزعه صوت الجلبة التي احدثها الموقف من شروده انتزاعا.. فتراجع للخلف بدوره في حركه مباغتة .. اخلت بتوازنه ..فسقط التمثال البللوري من يديه ليهوي متناثرا الي اشلاء متفرقة فوق ارضية الحجرة المصقولة.. كل هذا حدث قبل ان يرفع عينيه محدقا بدوره في وجه (الباشا) الذي كان يقف عند مدخل الحجرة وعيناه تتابعان شظايا التمثال المتناثرة..


إلي اللقاء في الحلقه القادمه.........

أميرة العرب
13-09-2006, 06:20 PM
الاقدار فقط هي من تتحكم بمصيرنا

**

عشت احداث هذه القصة لحظة بلحظة
وتشخصت كل خطوة ذكرتها اخي الكريم محمد

**

سأنتظر التكملة
بكل شغف,,


سلمت يمينك
دمت بخير وبكل الود

ألنشمي
14-09-2006, 02:34 AM
000
00
0



يسعد صباحك اخي محمد

مازلت اتابع القصة باشتياق

وهاقد وصلت لمرحلة الاشتياق الاكثر في القصة

بانتظار ك


دمت بحفظ الرحمن

محمد الدسوقي
22-09-2006, 09:01 PM
http://www.z3tr.loaloaa.com/zintrmdan.gif



(مبارك يا فردوس ..)

قالتها (سعاد) جارة (فردوس) التي رفعت عينيها المتعبتين نحوها وقد ارتسمت علي وجهها ابتسامة شاحبه تنم عن مدي ماعانته من ارهاق اثناء الولادة دون ان تتفوه بكلمه واحدة ثم اعادت عينيها الي وليديها الذين استكانا بجوارها في براءة ملائكية.. قبل أن يقطع الصمت مرة اخري صوت القابلة العجوز التي أشارت نحو (سعاد) قائلة.. هيا يا ابنتي ساعديني لايجاد طريق الباب ثم التفت نحو (فردوس ) قائلة.. مبارك يا (فردوس) فليرعاهما الله وليتربيان في عز والديهما باذن الله..وانصرفت تلي (سعاد) التي سارعت لتوصيلها الي الباب..وعند الباب استدارت القابله نحو (سعاد) قائلة .. عليكي اني تبقي بجوارها حتي يعود زوجها يا ابنتي .. فاجاجابتها (سعاد) بصدق حقيقي .. لا تقلقي ساظل بجوارها حتي يرجع (سالم) باذن الله.. ثم اغلقت الباب دونها قبل أن ترجع الي حجرة (فردوس) التي ما ان طالعتها حتي التفت نحوها قائلة .. لا أدري يا (سعاد) لماذا لا اشعر بالاطمئنان لتغيب (وفاء) فهذه أول مرة تتغيب عن المنزل في مثل هذا الوقت.. ابتسمت (سعاد) بود قائلة.. لا تبالغي في قلقك يا (فردوس) لقد ارسلت من يبحث عنها .. ثم استدارت نحو الوليدين كأنما تحاول أن تصرف الهواجس عن رأسها .. ماشاء الله صغيرتك غاية في الجمال.. والولد ايضا أجمل و أجمل.. ثم اتبعت قائلة .. القابلة تؤكد أنها المرة الاولي التي تقابل فيها ولادة توام بهذه السهولة..ابتسمت بوهن وقد فهمت محاولتها .. الحمد لله علي كل شيئ انه فضل الله حتما.. ثم تنهدت بعمق قبل أن تستدرك في لهجة من تذكر شيئا.. اخبريني يا (سعاد) ماهو تاريخ اليوم.. ؟ امعنت (سعاد) التفكير وقد وضعت سبابتها في جانب رأسها دلالة علي التفكيروهي تردد .. اليوم..اليوم.. لقد تذكرت.. انه .. الثالث والعشرين من يوليو عام ألف وتسعمائة وسبعة وعشرين..تنهدت (فردوس) مرة اخري ثم استدارت نحو وليديها ..قبل أت تلين ملامح وجهها وهي تطالع حركات أيديهما العشوائية وهي تردد التاريخ مرة اخري..ولو أمهلها القدر بما يكفي في هذه الحياة .. لعرفت أن الثلثين الأولين من هذا التاريخ سوف يغيران وجه التاريخ في مصر ...















*** **** ***









مرت فترة صمت من الجميع لم تدم طويلا .. قطعها (الباشا) بصرخة نارية غاضبة من حنجرته في (حسين) وهو يري تمثاله الثمين يتحطم أمام عينيه.. قبل أن يصرخ مناديا خدم القصر.. وما هي الا لحظات حتي كان من سمع النداء من الخدم يقف أمامه وأمام الحضور الذين جذبهم صوت الباشا الي الغرفة.. وكانت (فاطمه) أكثر الجميع احساسا بالرعب من بطش (الباشا)..فهي تعلم كما يعلم البعض أنها من سمح لـ (حسين) و ( وفاء) بدخول القصر ولولا هذا لما جري ما كان.. حتي هذه الافكار لم يسمح لها صوت (الباشا) الغاضب بالاسترسال فيها وهو يشير نحو (حسين) و (وفاء) صارخا.. من منكم سمح لهؤلاء الحثالة بدخول القصر..؟! كانت (وفاء) قد انكمشت في مكانها .. أما (حسين) فقد ارتعدت أوصاله وهو يشعر ان نهاية حياته باتت وشيكة من جراء ما اقرف وكم فكر في محاولة الهرب لولا احساسه بالمسؤليه تجاه (وفاء) فطرح الفكرة عن رأسه تماما لمجرد تفكيره في احتمال بقائها وحيدة في هذه المحنة.. (فاطمه) نفسها حاولت النطق.. لكن الأحرف نفسها خانتها مرارا وهي تحاول عبثا رفع رأسها والأعتراف بأنها من سمح لهما بالدخول .. مما جعل (الباشا) يردد نفس السؤال باسلوب اشد حدة..ثم اتسعت عيناه حتي كاد الشرر يتطاير منها .. قبل أن يأمر الخدم بتكبيل (حسين) حتي ينتهي الحفل.. في هذه اللحظة كانت (شاهيناز) تطالع ما يحدث قبل ان تنظر نحو أبيها قائلة بغطرسة تعودت عليها .. لم أكن اعلم ان منزلنا قد تحول الي مأوي للمتشردين والفقراء واللصوص..!!











*** **** ***








أحيانا كثيره يفوه الانسان بكمه او اكثر دون ان يعي الي اي مدي يمكن ان يصل تاثيرها فيمن يحادثه..وكيف يمكن ان يستقبلها او كيف يكون رده حيالها.. وهذا ما حدث من جراء العبارة...لقد دوت العبارة في رأس وفاء كألف مدفع..وراحت تتردد في أذنيها طويلا..لقد نطقتها (شاهيناز) باللغة التي اخبرها عنها (حسين) لغة المال الذي يصنع كل شيئ... اللغة التي تؤكد ان غني النفس ليس هو غني الحياة في انظار السادة .. او من يظنون في انفسهم السيادة..وكعقل بكر يكتشف الحياة راحت تتسائل.. اهذا حقا مبدأ الحياة السليم ..ام انها طبيعه البشرالتي جعلتهم يتخيلون أنهم الاقوي لان المال في نظرهم مصدر القوة؟؟..وبفطرتها التي لم تلوثها الدنيا بعد راح عقلها يرفض هذه الفكرة كأنما يحثها علي الصمود .. وصوت يتعالي داخلها لاتدري منبعه ولا أساسه الحقيقي .. لا.. لا .. وألف لا..النقص ليس في مبدأ الحياة .. النقص في الناس أنفسهم.. النقص فيمن ظن ذلك..وكمال الدنيا في أن ينقص الناس .. وياله من مبدأ ..!! ياله من مبدأ صنع حاجزا بين الناس لمجرد ان بعضهم يفوق البعض مالا وجاها..ياله من مبدأ نسي او تناسي أننا جميعا نحيا علي نفس الارض .. ونتنسم ذات الهواء.. في تلك اللحظة كانت الهمهمات تملأ المكان..بعضها يسيطر عليها الغضب.. وبعضها التعجب .. وبعضها الرعب من جراء ما سيحدث .. و(حسين ) يستسلم في أيدي بعض الخدم .. في تلك الحظة كان سالم قد وصل الي المكان .. ونظرات التعجب تعبر عما داخله وان كان لم يدرك بعد أن ابنته في المكان .. ولكن ذلك لم يدم طويلا.. لقد طرقت صرخة (وفاء) الغاضبة مسامعه.. وهي تصرخ في الخدم لترك (حسين)..والغريب أن التعجب لم يكن من نصيبه وحده انما شاركه الجميع هذا الشعور وهي تتعلق في أيدي الخدم الممسكين به ليدعوه وشأنه..ولكن نصيبه من الدهشة كان يفوقهم بمراحل كبيرة.. فما جال بذهنه واحدة أن يري ابنته في هذا المكان في مثل هذا التوقيت.. حتي أفكاره قطعها صوت (الباشا) الذي بلغ قمة غضبه وهو يصرخ في الرجال الامساك بها هي الأخري .. ولكن (سالم) ماكان ليقف وهو يري ذلك دون أن يحرك ساكنا.. لقد اندفع نحو (الباشا) قبل أن يرتمي عند قدميه مترجيا اياه ان يتركها..فنظر اليه (الباشا) متسائلا عن صلته بهما.. أجابه (سالم) وهو يقاوم دموعه في استماته.. انها ابنتي يا (باشا) ..استدار اليه (الباشا) قائلا والشرر يكاد يتطاير من عينيه.. اذا فأنت من اتيت بهما الي هنا..لم يقو (سالم) علي الانكار لجهله بكل ماجري..كل ما فعله أن أدلي براسه نحو الارض..


قاوم (الباشا) صفعه أمام الناس بكل قوته .. ولكنه كان يعلم تماما أن هذه الظروف لا تسمح له..فهما في الأساس اطفال وسادة المجتمع في الحفل..وهذا المبرر يراه غير كافيا ليقدم عما في نفسه..كما أنه مقدم علي فترة الانتخابات وهو في غني عن فقد تأييد البعض من جراء هذه الفعلة.. لذلك فقد التقط نفسا عميقا كأنما يكتم معه غيظه قبل أن يشير نحوهما قائلا.. هيا احملهما خارجا .. ولا تبق في البلدة لحظه واحدة أيها الكلب ..ازدرد (سالم ) انفاسه كانما عادت اليه الحياه.. ثم هرع نحو ابنته وامسكها في يده. (حسين) في اليد الأخري قبل ان يندفع نحو الباب تشيعه النظرات دون كلمة واحدة..













*** **** ***













في طريق العودة كان الصمت هو المهيمن علي مقاليد الأمور .. ..(وفاء) لم تقو علي الكلام منذ أن هرع (حسين) في طريق مخالف .. دموعها الصامتة كانت تنعي الأم والدها منذ جرحت كرامته أمام أرجل الباشا..منذ أن تأكدت بما لايدع مجالا للشك أن المال ليس فقط يصنع كل شيئ كما اخبرها (حسين) بل انه يشتري كل شيئ .. بل انه قادر علي شراء أغلي ما يميز الانسان .. يشتري ..... كرامته..!!

أما (سالم) فقد كانت الدنيا باثرها تدور به .. ورجله تتشبث بالطريق بصعوبة.. وعقله نفسه قد توقف عن التفكير.. وعجز لسانه عن النطق.. كان يشعر باحساس الزبيح .. لكنه لم يفصح عما يعتريه .. أنما ادخر ألامه بداخل صدره كما هي عادته وراح يجترها في صمت.. فقد كان شعوره بالعجز يقتل بداخله كبريائه.. وربما يقتله هو نفسه..!! ولم يكد يدلف من باب منزله.. حتي هرعت (سعاد) جارتهم في السكن نحوه قائلة..مبارك يا (سالم) لقد رزقك الله تعالي بتوام جميل..وراحت تسترسل في الكلام.. لكنه علي غير عادته لم يترك لنفسه مجالا لسماعها..فقد اندفع نحو حجرة زوجته كأنما انساه الفرحة ما كان ... ولم يمنعها هذا من ان تتسائل في نفسها عما حدث.. ثم بدت كأنما انتبهت فجأة الي وجود (وفاء) فاندفعت نحوها تستفسر عن سر تغيبها .. ولكنها لم تحصل علي جواب شافيا لتسائلها سوي الدموع.. والصمت..

أما (سالم) فلم يكد يطأ بقدمه الحجرة حتي لاقاه صوت (فردوس) متسائلا .. هل عادت (وفاء) معك يا (سالم)..؟؟ فأجابها وهو يندفه نحو الوليدين.. لا تقلقي يا (فردوس) انها بالخارج.. لكنها لم تشعر بالراحة للهجته وهي تقرب منه الصغيرين قائلة.. لقد رزقنا الله بتوأم جميل .. اعانك الله علي تربيتهما.. انهما ولد وبنت.. ثم ابتسمت حينما حملهما معا علي يديه قبل أن تقول .. هيا أخبرني ماذا ستختار لهما من اسماء.. ابتسم وهو يتطلع اليها قائلا..أيهما الولد.. فأشارت الي احدهما .. فابتسم قائلا.. فليكن.. هذا (محمود) ثم تطلع نحو الأخري قائلا.. وهذه (أمل).. في هذه اللحظه كانت (وفاء) تنسل من باب الحجرة في هدوء ثم اقتربت في صمت علي غير عادتها قبل ان ترفع عينيها لتطالع الوليدين.. لكن (فردوس) رفعت رأسها نحو (سالم) الذي تطلع اليها بدوره وهي تتسائل في قلق .. ماذا حدث يا (سالم) ..؟ ولم يكد يفتح فمه ليحكي لها ماحدث حتي ارتفعت طرقات حاده متتالية علي باب المنزل..وما أن فتح (سالم) الباب وطالع رجال الباشا الذين يعرفهم جيدا.. حتي علم أن وقت الرحيل قد حان ...







*** **** ***




ما أسوأ الرحيل ..

وما أسوأ أن يتبع بالمهانة ..


والأسوأ أن تجبر عليه ..


وما أسوا أن يجبرك شخص أو شيء علي مغادرة بيتك ..ومكانك .. وأهلك .. ومن اعتدت علي بقائهم بجانبك في مشوار الحياة...


وما أسوأ أن تترك خلفك السنوات وذكريات العمر التي هي كل رصيدك في الحياة ..


أن تستبدل البشر ببشر..


والمكان بمكان..


والطريق بطريق..


والأسوأ أن تعلم أنك راحل بلا عودة ..


وبلا أدني أمل في اللقاء..


هذه المشاعر دارت في رأس الجميع.. ولم يعبر عنها سوي صمت طويل .. ودموع جارفة .. وشريط من الذكريات....!!


أهكذا يتركون أرضهم ..!!


أهكذا يخرجون متسللين كالمنبوذين..!!


أهكذا تترك سنوات العمر..!!


أهكذا يرحلون..!!


أما من صديق .. أما من رفيق ... أما من كلمة وداع واحدة ..!!


وحينما ارتفعت صافرة القطار لتعلن بدء الرحيل ارتجفت قلوبهم جميعا وهم يعلمون أنهم جميعا بصدد اللقاء مع أكثر ما يخيف كل المخلوقات في الحياة..... المجهول..!!









يتبع ................

محمد الدسوقي
23-10-2006, 07:55 AM
يوم قدر علي الحياة أن تكون قدر عليها ألا تمر علي وتيرة واحدة.. فمن فرج إلي ضيق إلي فرج وهكذا الدنيا تمضي ..عسر لا يخلو من يسر ويسر لا يخلو من عسر.. فكذا حال الدنيا وكذلك دوما ستكون .. والمخطئ من توقع منها صفوا دائما أو كدرا دائما..ربما بالغنا إذا ما اشتدت علينا عتمة الطريق وظننا أن الدنيا ضاقت علينا فنظن وقتها أنها سوف تتوقف من أجلنا فهذا هو الخطأ .. بل كل الخطأ ..ربما لأننا لانري من الحياة سوي أنفسنا .. ونظن أننا وأننا فقط الحياة ..وتلك هي الأنانية .. بل كل الأنانية .. فالحياة حتما ستمضي .. سواء بنا أو بغيرنا .. وكل ما علينا ألا نستسلم مادامت فوق رؤوسنا تشرق شمس .. كل ما علينا لا نقف عقبة في وجه عجله الحياة .. ونتركها تسير دون توقف..


لقد انتقل (سالم) بأسرته إليالقاهرة حيث ابتلعهم زحامها .. واختلط فيها بأمواج البشر.. وقرر ألا تتوقف به عجلة الحياة .. فهو لا يعيش لنفسه فقط .. ففي عنقه أسرة كاملة تحتاج أن تحيا .. لذلك لم يعبأ كثير بما ألم به من نكبات ولم يقف ليتحسر علي ما فاته .. لقد بحث عن عمل يضمن له ولأسرته القوت الضروري .. وانتقل من عمل إلي عمل... وترجلت به الحياة نفسها من مكان إلي مكان .. إلي أن استقر به الحال كبستاني في منزل ضابط كبير عرف فيما بعد أنه من ضباط البوليس السياسي ..وكم كانت سعادته لوجود مأوي مناسب لأسرته في ذات المنزل حيث انتقل للعيش بأسرته في منزل صغير بطرف الحديقة مكون من حجرتين صغيرتين لكنهما تكفيانهم تماما .. كانت سيدة المنزل رقيقة الطباع علي عكس زوجها الذي كان جزءا من عمل السياسي فظا غليظا لا يقبل الخطأ ولا يسمح به .. ولا يؤمن سوي بالسيادة المطلقة .. وكم فسرت (فردوس) زوجته سوء طباع الرجل لكونه لم يرزق بأولاد .. فهي علي الرغم من كل شيء لا تفهم طبيعة عمله السياسية .. بل لا تفهم معني هذه الكلمة علي الإطلاق..!!


هكذا مرت بهم الحياة يوم يلي يوما.. يجر في زيله أياما .. وتوالت الأيام .. وتتابعت الأشهرحتى مضي عليهم في المكان عامان..







*** **** ***







انطلقت سيارة (ثابت شكري) ضابط البوليس السياسي الذي يعمل (سالم) في منزله تقطع شوارعالقاهرة في طريق العودة من العمل ..وداخلها استكان (ثابت) في المقعد الخلفي في هدوء علي غير عادته وملامحه تحمل مزيجا غريبا من المشاعر وقد تفصد جبينه عن عرق غزيرعلي الرغم من برودة الجو في مثل هذا الوقت من العام...!! حتىأن سائقه نفسه قد تعجب من معاملته له هذه المرة .. فهي المرة الأولي التي لم يوجعه بكلماته علي غير عادته .. أما (ثابت) فقد راح يتذكر الحوار الذي دار بينه وبين رئيسه في العمل حينما استدعاه إلي مكتبه بمجرد وصوله إلي العمل .. وما أن استقر به المقام في حجرته حتى قال له بأسلوبه الجاف المعتاد ..أنت تعرف يا (ثابت) أن طبيعة عملنا تجعلنا في وضع تأهب دائم وهذا لا يجعلنا لا نتعجب حدوث شيء .. فكل شيء وارد في عملنا .. لم يقاطعه وهو ينتظر أن يأتي بما لديه بعد هذه المقدمة الطويلة التي لم يعتدها منه لكن رئيسه لم يخذله علي كل حال .. وهويتبع بنفس اللهجة الآلية التي اعتادها منه: وأنت تفهم هذه الطبيعة جيدا فقد كنت مثالا للضابط الكفء طوال عملك معنا.. زوي (ثابت) ما بين حاجبيه وهو يتابع كلامه مما جعله يستدرك بأليته المستفزة .. إنها حركات التغيير يا (ثابت) وهذا وارد كما تعلم .. ارتج كيان (ثابت) لأول مرة في حياته العملية تقريبا وهو يتابع الرجل الذي استكمل : أصدقك القول أنني لم آت بك إلي هنا لأخبرك بما قلت .. فهذا أنت في سبيلك لأن تعرفه حتما سواء الآن أو في وقته ولكني أتيت بك هنا لسبب أخر .. ثم مال نحوه أكثر وهو يقول ..أنت تعرف أنه في مجالنا كثيرا ما يجد البعض من يبحث خلفه بمجرد اختلال مركزه .. ثم تراجع مرة أخريإلي وضعه السابق وهو يقول : وأنت كما تعلم لم تكن نظيفا تماما.....!! تقلصت عضلات وجهه والرجل يتبع دون أن يطرف له رمش : وهذا ما أتيت بك لأجله ..فأنت رجلنا علي كل حال .. تمتم لأول مرة منذ أن تكلم رئيسه .. ماذا تعني ياسيدي؟؟ نهض رئيسه من مكانه بمجرد سماع هذه العبارة ثم استدار حوله وهو يقول : الوقت مازال في صالحك يا (ثابت) فالقرار لم يصدر بعد .. ولا أحد يعرفه سواي في المكان بالطبع ... ازدرد (ثابت) لعابه وهو يقول : وماذا يعني هذا ؟ وضع الرجل يده فوق كتفه لوهلة وهو يقول : يعني أنه مازال أمامك متسع من الوقت قبل أن يصدر القرار بعد عشرة أيام قادمة علي الأقل .. ثم صمت برهة كأنما يشاركه التفكير .. قبل أن يقول : يمكنك أن تتدبر أمرك علي الأقل خاصة أنه بامكانك البقاء في مكانك الوظيفي لحين صدور القرار رسميا وهذا أقصي ما يمكن فعله .. ثم مال نحوه في غموض قبل أن يتبع .. وأنا أري انه من الأفضل لك أن تغادر مصر بأثرها .. اتسعت عينا (ثابت) مما جعله يكمل وقد لاحظ ذلك ..أعني بالطبع هذه الفترة علي الأقل حتى تهدا الأمور .. ثم نظر إليه نظرة ذات مغزى وهو يقول : فأنت تعرف أن وضعك شائك .. ولن تكون النتائج في صالحك إذا ما قرر شخص ما التنقيب في ماضيك..!!


لقد وصلنا يا سيدي .. رددها السائق أكثر من مرة وهو يحملق في (ثابت) الذي التفت إليهكأنما يسمعه للمرة الأولي مما جعله يعيد الكلمة علي مسامعه مرة أخري.. فهبط (ثابت) من السيارة في آلية عجيبة جعلت السائق يتساءل في ذهول حقيقي عما يمكن ان يكون قد أصابه...!! أما (ثابت) نفسه فقد هبط من السيارة كأنما يترنح وراح يقطع الطريق الذي يفصل ما بين البوابة الرئيسية وبوابة المنزل في صعوبة .. وما أن دلف إلي بهو المنزل حتى ارتمي علي أقرب مقعد صادفه في تخاذل كأنما عجزت ساقاه عن حمله ..وما أن رأته زوجته علي هذا النحو حتى اندفعت نحوه صارخة : (ثابت) .. ماذا أصابك..؟! رفع يده نحوها قائلا : ساعديني يا (اٍلهام) حتى أصل إلي فراشي .. وضع يده علي كتفها فأعانته علي صعود الدرج قبل أن يأوي إلي فراشه ويندس تحت الأغطية وجسده يرتجف بصورة غريبة .. أما هي فقد تركته واندفعت إلي الهاتف في طلب طبيب .. وفي أعماقها ارتفع سؤال سيطر علي كيانها بأثره .. تري ماذا حدث... ماذا ...؟؟!










*** **** ***









تقلبت (لوسي) في فراشها الوثير ... قبل أن تفتح عينيها في تكاسل ... ثم ألقت نظرة سريعة علي الساعة الكبيرة المعلقة أمامها علي الحائط المقابل .. وما أن شاهدت عقاربها التي أعلنت تمام التاسعة حتى ضغطت الجرس المجاور لفراشها .. وما هي اٍلا لحظات حتى هرعت الخادمة نحو حجرتها علي الفور .. وهي تحاول بقدر استطاعتها أن تتحاش سيل الشتائم والسباب الذي يمكن أن ينهال فوق رأسها من لسان (لوسي) السليط .. وما أن خطت بداخل الحجرة حتى هبت فيها (لوسي) صارخة : كيف تتركيني نائمة حتى هذه اللحظة أيتها الغبية..؟! فقالت لها الخادمة البائسة بتلعثم : معذرة يا سيدتي انك لم تخبريني انك في حاجه للاستيقاظ مبكرا هذا اليوم و... لكن (لوسي) قاطعتها بصرخة أشد من سابقتها قائلة : هيا اغربي عن وجهي أيتها التعيسة ... سارعت الخادمة بمغادرة الحجرة كأنما تطاردها شياطين الجحيم قبل أن تستوقفها (لوسي) مرة أخري بإحدى صرخاتها وهي تقول : انتظري عندك.. استدارت الخادمة نحوها مرة أخري في خضوع قالت لها وهي ترمقها بنظرة صارمة : أين (الباشا) الآن ..؟ فقالت لها الخادمة دون أن ترفع نظراتها عن الأرض : انه بالحديقة يا سيدتي ..التقطت (لوسي) نفسا عميقا قبل أن تصرخ بها قائلة : هيا اغربي عن وجهي بوجهك القبيح .. لم تترك الخادمة لها فرصة أخري للتمادي في سيل الشتائم المعتاد .. و أنما اندفعت في الطريق عدوا نحو حجرة الخدم وهي تلعن وتسب الظروف التي جعلتها في حاجة للعمل في مكان كهذا .. وما أن ولجته حتى طالعها وجه (فاطمة) الباسم فقالت لها وهي تقاوم دموعها : دائما نفس الاسطوانة .. إذا أيقظتها مبكرا أهانتني .. وإذاأيقظتها متأخرا أهانتني .. اتسعت ابتسامة (فاطمة) وأطلقت ضحكة قصيرة قبل أن تقول : عليك أن تحتملي ذلك يا (عواطف) فالعمل في مثل هذا المكان لا يحتاج سوي للصبر واتساع الصدر طالما أن هذه اللعينة التي اسمها (لوسي) قد دخلته بقدميها منذ أن تزوجها (الباشا)... ثم ترحمت علي سيدة القصر السابقة قائلة : فليرحمك الله يا (دولت) هانم .. ثم امتدحت أيامها بعبارة قصيرة قبل أن تمصمص شفتيها قائلة بحسرة : عجبا منك أيها الزمان ومن تدابيرك... فبنات الأصولاستبدلتهن ببنات الـ ... بترت عبارتها كما لو أنها لم تجد ما يقال .. ثم انهمكت في عملها مرة أخري...




إلي اللقاء في الحلقه القادمه.........

رشا محمود
28-10-2006, 09:58 PM
أخى محمد

يزداد تشوقنا لفصول قصتكِ مرة بعد مرة

لا تغيب طويلا

نحن بالانتظار

كل التحية يا أخى

محمد الدسوقي
31-10-2006, 08:31 PM
أخى محمد


يزداد تشوقنا لفصول قصتكِ مرة بعد مرة

لا تغيب طويلا

نحن بالانتظار

كل التحية يا أخى




اشكر لك حسن المتابعة أختي الكريمة



ان شاء الله تتوالي الحلقات تباعا