محمد ابراهيم محروس
20-04-2006, 05:19 AM
نظرة امتنان
لمحته يقف في نفس المكان.. اعتادت علي رؤيته كل صباح.. رؤيته تعطيها شعورًا بالارتياح طوال يومها.. أول ما تتطلع إليه وهي تغادر منزلها كل صباح أن تبحث عيناها عنه.. وتتنفس الصعداء وهي تراه يحتل مكانة الدائم فوق الرصيف المواجه لبيتها.. منظره لا يدعو للتفاؤل.. السواد يكلل وجهه الذي خط فيه الزمن من التجاعيد ما يفوق الوصف.. ملابسه الرثة الممزق معظمها بالكاد تغطي عظام جسده النحيل,, كل ذلك يجعل العين تنفر من النظر إليه.. ولكنها رغم ذلك تعشق التطلع إليه لسبب لا تدركه ينتابها إحساس عارم بالهدوء والسكينة عندما تراه.. عيناه المكدودتان تتطلعان إليها في استحسان ورجاء.. تقترب منه في سرعة وعجالة.. تضع الكيس الذي تحمله في يدها علي حجره.. تنطق عيناه بالشكر والعرفان.. تعبر الشارع وتقف وتنتظر حافلة العمل وهي ترقبه.. يفتح الكيس البلاستيك ويخرج الطعام منه ويعكف علي تناوله في تأني بسيط وهو يرفع عينيه إليها كل برهة بنظرة امتنان.
لقد جاءها سائق الأتوبيس منذ نصف الساعة, رجته أن يمر علي باقي الزملاء ويتركها للآخر.. فلم تكن قد أعدت بعد طعام الإفطار لهذا الشخص الذي يسكن الرصيف المقابل, ولقد عاهدت نفسها منذ زمن أن ترعاه لسبب لا تعرفه.. فلقد مات زوجها منذ سنوات عديدة ولم يترك لها أولادا.. فكانت تعتبر ذلك الشخص ابنا لها تحاول أن تعوض معه إحساسها بالأمومة التي تفتقدها.. تتطلع إليه ليلا وهو يلف نفسه ببطانية قديمة وقد مزق كرتونة افترشها تحته.
وكم تمنت أن تدعوه إلي بيتها لينام في فراش وثير.. ولكن ذلك لم يكن باستطاعتها.. إنه حلم طفولي غبي إلي حد كبير.. انتهي الرجل من الأكل.. جمع ما تبقي منه ووضعه في الكيس بجواره حتي يأكله في وقت لاحق.. كانت لم تزل واقفة ترمقه من آن لآخر.. وتسأل نفسها: لماذا تأخر أتوبيس العمل إلي هذا الوقت?! لو تأخر أكثر من ذلك ستعود أدراجها وتأخذ اليوم إجازة.. وبالفعل لم يأت الأتوبيس.. تأخر إلي حد مقلق.. ربما تعطل.. هذّأ هذا التفكير من قلقها.. وصعدت إلي شقتها ارتمت علي الأريكة في الصالة.. خلعت حذاءها.. وقررت النوم.. وأمضت اليوم في القراءة.
صباح آخر يأتي كل يوم مادامت الدنيا قائمة.. أعدت لذلك المتسول الفطور مبكرا.. أرسلته له مع البواب الذي دعا لها بطول العمر لعطفها علي الناس.. فردت صحيفة الصباح.. راحت عيناها تمران علي العناوين الرئيسية وهي تحتسي كوبا من الشاي الساخن.. قلبت الصفحات بسرعة فهي لا تريد أن تتأخر عن العمل هذا اليوم.. توقفت عيناها عند عنوان بعينه.. صرخت.. أوقعت كوب الشاي ولم تحفل لهذا.. لقد رأت اسم شركتها في صفحة الحوادث.. والخبر ينقل في بساطة رهيبة موت عشرين شخصًا إثر غرق أتوبيس الشركة في النيل وزادت صرخاتها وقلبها يخفق بلا هوادة.. تقيأت.. ذهبت إلي الحمام.. اغتسلت وأبدلت ملابسها.. فتحت الشرفة وقفت بها تحاول أن تلتقط أنفاسها اللاهثة وعيناها تجوبان الشارع في فزع.. ثم تسمرت عيناها علي ذلك المتسول وهو يتناول إفطاره في هدوء يلوح لها.. وعرفت الآن لماذا كانت ترتاح لرؤيته رغم غرابة منظره الذي يدعو للنفور.. وحمدت الله وهي ترقبه بنظرة امتنان.
لمحته يقف في نفس المكان.. اعتادت علي رؤيته كل صباح.. رؤيته تعطيها شعورًا بالارتياح طوال يومها.. أول ما تتطلع إليه وهي تغادر منزلها كل صباح أن تبحث عيناها عنه.. وتتنفس الصعداء وهي تراه يحتل مكانة الدائم فوق الرصيف المواجه لبيتها.. منظره لا يدعو للتفاؤل.. السواد يكلل وجهه الذي خط فيه الزمن من التجاعيد ما يفوق الوصف.. ملابسه الرثة الممزق معظمها بالكاد تغطي عظام جسده النحيل,, كل ذلك يجعل العين تنفر من النظر إليه.. ولكنها رغم ذلك تعشق التطلع إليه لسبب لا تدركه ينتابها إحساس عارم بالهدوء والسكينة عندما تراه.. عيناه المكدودتان تتطلعان إليها في استحسان ورجاء.. تقترب منه في سرعة وعجالة.. تضع الكيس الذي تحمله في يدها علي حجره.. تنطق عيناه بالشكر والعرفان.. تعبر الشارع وتقف وتنتظر حافلة العمل وهي ترقبه.. يفتح الكيس البلاستيك ويخرج الطعام منه ويعكف علي تناوله في تأني بسيط وهو يرفع عينيه إليها كل برهة بنظرة امتنان.
لقد جاءها سائق الأتوبيس منذ نصف الساعة, رجته أن يمر علي باقي الزملاء ويتركها للآخر.. فلم تكن قد أعدت بعد طعام الإفطار لهذا الشخص الذي يسكن الرصيف المقابل, ولقد عاهدت نفسها منذ زمن أن ترعاه لسبب لا تعرفه.. فلقد مات زوجها منذ سنوات عديدة ولم يترك لها أولادا.. فكانت تعتبر ذلك الشخص ابنا لها تحاول أن تعوض معه إحساسها بالأمومة التي تفتقدها.. تتطلع إليه ليلا وهو يلف نفسه ببطانية قديمة وقد مزق كرتونة افترشها تحته.
وكم تمنت أن تدعوه إلي بيتها لينام في فراش وثير.. ولكن ذلك لم يكن باستطاعتها.. إنه حلم طفولي غبي إلي حد كبير.. انتهي الرجل من الأكل.. جمع ما تبقي منه ووضعه في الكيس بجواره حتي يأكله في وقت لاحق.. كانت لم تزل واقفة ترمقه من آن لآخر.. وتسأل نفسها: لماذا تأخر أتوبيس العمل إلي هذا الوقت?! لو تأخر أكثر من ذلك ستعود أدراجها وتأخذ اليوم إجازة.. وبالفعل لم يأت الأتوبيس.. تأخر إلي حد مقلق.. ربما تعطل.. هذّأ هذا التفكير من قلقها.. وصعدت إلي شقتها ارتمت علي الأريكة في الصالة.. خلعت حذاءها.. وقررت النوم.. وأمضت اليوم في القراءة.
صباح آخر يأتي كل يوم مادامت الدنيا قائمة.. أعدت لذلك المتسول الفطور مبكرا.. أرسلته له مع البواب الذي دعا لها بطول العمر لعطفها علي الناس.. فردت صحيفة الصباح.. راحت عيناها تمران علي العناوين الرئيسية وهي تحتسي كوبا من الشاي الساخن.. قلبت الصفحات بسرعة فهي لا تريد أن تتأخر عن العمل هذا اليوم.. توقفت عيناها عند عنوان بعينه.. صرخت.. أوقعت كوب الشاي ولم تحفل لهذا.. لقد رأت اسم شركتها في صفحة الحوادث.. والخبر ينقل في بساطة رهيبة موت عشرين شخصًا إثر غرق أتوبيس الشركة في النيل وزادت صرخاتها وقلبها يخفق بلا هوادة.. تقيأت.. ذهبت إلي الحمام.. اغتسلت وأبدلت ملابسها.. فتحت الشرفة وقفت بها تحاول أن تلتقط أنفاسها اللاهثة وعيناها تجوبان الشارع في فزع.. ثم تسمرت عيناها علي ذلك المتسول وهو يتناول إفطاره في هدوء يلوح لها.. وعرفت الآن لماذا كانت ترتاح لرؤيته رغم غرابة منظره الذي يدعو للنفور.. وحمدت الله وهي ترقبه بنظرة امتنان.