المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أيـــــــــــام من عمـــــــــرى



رشا محمود
11-04-2006, 10:32 AM
اليوم .. ليس كأى يوم .. إستيقظت بروح جديدة تسرى بداخلى .. فقد أتممت بالأمس الرابعة عشر عاما .. وإنضممت أخيرا لعالم الكبار .. فلم أعد طفلة صغيرة بعد الآن .. ربما لم يعترف أحد ممن حولى بذلك بعد .. ولكنى أشعر به .. إبتسمت عندما لامست عيناى ما يرقد بجوارى .. فقد غفوت بالأمس وأنا أحتضن ردائى الجديد الأنيق الذى أحضرته لى أمى بعد إلحاح شديد من جانبى وكان معه حذاء جميل ذو كعب عالى مثل ما ترتديه الفتيات الكبار أمثالى .. والذى إستلزم إلحاح أشد حتى وافقت أمى على شراؤه لى .. قمت من فراشى وأنا أحتضن كنزى الثمين الذى إنتظرته طويلا .. وقفت أمام المرآة أتأمل ملامحى الجديدة .. أعتقد أننى إزددت طولا بالفعل .. إبتسمت وأنا ألمس خصلات شعرى المنطلقة بحرية بعدما إنفك أسرها الطويل بين ضفائرى .. كان على أن أستعد سريعا .. فقد قامت أمى بدعوة العائلة لقضاء يوم جميل بالخارج .. ولا بد أنهم بإنتظارى الآن .. إستغرق الأمر بعض الوقت حتى تعرفت على نفسى فى المرآة وأنا فى ثوبى الجديد .. الآن فقط لن يدعونى أحد بالطفلة الصغيرة .. خرجت من حجرتى بزهو وأنا أحاول الحفاظ على توازن خطواتى التى لم تعتاد بعد هذا الحذاء العالى .. رغم أننى قمت بالتدريب كثيرا على أحد الأحذية التى تملكها أمى .. بدون علمها بالطبع .. وصلت للردهة حيث كان إجتماع العائلة .. إستقبلت بكبرياء نظرات فتيات العائلة وشهقاتهن .. وأنا أمر بينهن كأميرة وسط وصيفاتها .. فقد كن يرتدين ملابس الصغار وتلامس أحذيتهن الأرض فى إنكسار .. إزداد زهوى وأنا أجلس على العرش .. أقصد المقعد .. ومازالت النظرات الحاسدة تلفنى .. وتجنبت بالطبع النظر فى عينى أمى التى تحمل نظرة أفهم معناها جيدا .. وقد أنهت أمى إستمتاعى بإعلانها موعد الخروج ..

يوم جميل فعلا .. بدت الطبيعة كما لو كانت تشاركنى سعادتى .. جلسنا على إحدى الطاولات الكبيرة وسط الحديقة الرائعة .. وما لبثت الفتيات أن إنطلقن للهو بين الزهور والأشجار .. هممت بالإنطلاق معهن .. وتذكرت .. لقد كدت أنسى .. لقد كبرت على لهو الأطفال هذا .. جلست برصانة بين نساء العائلة .. اللاتى كن يتحدثن فى مواضيع شتى .. كالأعمال المنزلية وأصناف الطعام .. والملابس .. والأسعار .. و.. و .. حقا لقد أصابنى الملل .. تململت فى مقعدى .. لم أعتاد الجلوس طويلا هكذا دون حراك .. أرسلت نظرة حاسدة للفتيات المنتشرات فى أرجاء الحديقة وضحكاتهن تملأ المكان وتزيد من نوبة الغيظ المكتوم بداخلى .. حاولت إقناع نفسى بأن عالم الكبار مختلف .. ولا بد أن هناك الكثير من الأشياء الممتعة فيه .. مرت نحو الساعتين قبل أن تعود الفتيات من لعبهن .. وبالطبع أخفيت غيظى خلف إبتسامة زائفة .. وقد دعتنا أمى لأن نطلب شيئا .. أسرعت الفتيات بطلب الآيس كريم اللذيذ وكدت للمرة الثانية أن أندفع مثلهن لطلب الآيس كريم الذى أعشقه .. ولكنى فكرت قليلا ثم قررت أن أطلب ما يشربه الكبار .. وعندما حان دورى .. أجبت بوقار .. فنجان من القهوة من فضلك .. إصطدمت بنظرات الإستنكار من حولى والتى تحولت بعد لحظات إلى ضحكات ساخرة بين الفتيات .. إستقبلتها ببرود .. ولم تصمد كثيرا أمام إصرارى على تناول القهوة .. مازالت عيناى تتجنب نظرة أمى ..

عاد النادل يحمل الآيس الكريم اللذيذ .. وفناجين القهوة .. وضع أحدهم أمامى .. وصلتنى رائحة القهوة القوية وإخترقت جهازى التنفسى حتى تشبعت رئتى بها .. حاولت التماسك أمام النظرات المتحفزة من حولى .. ومددت يدى إلى الفنجان .. وإرتشفت بحذر السائل الداكن .. إنتفضت فى فزع أجهزة التذوق لدى .. وإمتعضت بشدة لمرارة القهوة .. لم أتخيل طعهما هكذا .. بل إن اللبن الذى أتناوله قهرا فى الصباح بعد مشاجرات عديدة أفضل مذاقا بكثير .. حاولت السيطرة على التمرد الدائر بداخلى - والذى يرفض إبتلاع المزيد - حتى لا يظهر على ملامح وجهى .. أعدت الفنجان مكانه .. وانا أرسم ذات الإبتسامة الزائفة على وجهى .. وأقاوم بشدة دموع القهر التى تجاهد لتنساب على وجنتى أسفا على حرمانى من الآيس كريم وإستبدالة بذلك السائل البشع .. والأشد قهرا أننى سأكمل ما بدأت للنهاية .. فما زال هناك الكثير .. الكثير .. من السائل الداكن .. بإنتظارى .. أى عقاب جلبته على نفسى !!

إنتهت جلسة التعذيب هذه .. لقد كانت المرة الأولى التى لا أستمتع فيها بالخروج للنزهة .. فلا لهو ولا إنطلاق .. ولا حتى آيس كريم و ... عجبا .. مازلت أشتاق لحياة الصغار .. كنت أظن أن هذا لن يحدث أبدا .. جمعنا أغراضنا إستعدادا للعودة .. وبينما كنا بطريقنا إقترحت إحدى القتيات التسابق جريا حتى السيارة .. وإستعددن لذلك قبل أن تلتفت إحداهن إلى تسألنى بلهجة ساخرة أن أنضم لهن .. غالبت ذات الرغبة فى داخلى وأجبتها بتعالى أننى لا أتسابق كالصغار فقد كبرت على ذلك .. ولم يمنع ذلك التعليقات الساخرة من حولى والتى زادت من موجات الغضب بداخلى ودفعتنى للإبتعاد عن الجميع بخطوات ثائرة لم تحسب حساب للثوب الضيق والحذاء العالى الذى خذل خطواتى ووجدتنى أسقط أرضا أمام الجميع وتسقط عنى كرامتى التى حاولت الإحتفاظ بها للنهاية .. ووسط الضحكات الساخرة لم تملك دموعى الصمود أكثر .. وإندفعت ساخنة تغسل وجهى .. فقد إنتهى اليوم كأسوأ ما يكون ..

عدت إلى غرفتى .. ونزعت الحذاء القاسى والرداء الخانق .. وألقيت بهما بعيد .. لم أعد أرى لهما بريقا الآن .. ما أقسى عالم الكبار .. لست مؤهلة له بعد .. لم إستعجلت الزمن؟ .. وقفت أمام المرآة .. هاقد عدت لذات الطول وذات الملامح .. مددت يدى ألملم الخصلات النافرة وأعيد جدلها داخل الضفيرة تلو اللأخرى .. شعرت بعدها بإرتياح كبير .. دخلت إلى فراشى .. ومددت جسدى المرهق .. ولم أنسى أن ألتقط عروستى من تحت الفراش .. وربت عليها فى حنان لتسامحنى على قسوتى عليها بعدما ظننت أننى لم أعد بحاجة إليها وإستبدلتها بكنز زائف .. إحتضنتها وغفوت فى سعادة .. وفى الصباح قمت بنشاط كبير إستعدادا ليوم دراسى جديد بعد العطلة المؤلمة .. وبالطبع إثار إندهاش أمى الشديد إقبالى على تناول كوب اللبن بشهية كبيرة .. لقد أصبح لقطراته طعم آخر .. طبعت على وجنة أمى قبلة كبيرة قبل الذهاب لمدرستى بعدما وعدتنى بنزهة جديدة فى العطلة القادمة .. وأقسمت بينى وبين نفسى ألا أفوت عليها متعة الأيام .. التى يفتقدها الناس جميعا حين تمضى .. ولحماقتى كنت أريد هجرها مبكرا جدا ...

رغــد
12-04-2006, 07:10 AM
.
.

صباح الياسمين ..

أهلاً رشا .. :)

من أجمل ماقرأت هذا الصباح نصك هذا ..
بالفعل أبدعتِ وأجدت في التصوير الدقيق والوصف العميق لروح الطفولة الحية المتجسدة بفتاة الأربعة عشر عاماً .. فشعرت وكأن هذه الفتاة أمامي بالفعل أنظر إلأيها وأراقب تحركاتها مع كل سطر من سطورك .
التصوير فن لاتمتلكه إلا الأقلام الكبيرة .

أشكرك بعمقك .
أنا أنتظر القادم من نصوصك بشغف ..!

مودتي .

..

رغد

علىمحمود
12-04-2006, 10:29 AM
قصه جميله يا رشا
الجميل أن نحس و الأجمل أن نتواصل فى الأحساس و الأصعب أن نترجم ذلك الأحساس على الورق ليحس به الأخرين كما لو كان هو
فأنتى فعلتى الأصعب
شكرا لكى

أميرة العرب
13-04-2006, 11:35 AM
صباحك سكر وجوري
اخيتي الغالية رشا


رائعة هذه السطور بكل ما تحويها
من معنى التي جعلتني

استرجع ايام طفولتي
التي نستعجل لتوديعها
بالفستان الضيق والحذاء ذو الكعب العالي
والمكياج الذي يشوه وجوهنا البريئة


http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/027.gif

استمتعت كثيراً
بوصفك الدقيق لتلك الفتاة التي ارادت ان تكبر
وتخالط عالمنا المتعب والزائف

فكل بنت ستودع طفولتها يوماً
رويداً رويداً....

يجب ان نعطي لكل عمر حقه
فعمر "الطفولة" عمر الزهور والبراءة

(يا ليته يعود يوماً)

***
الف شكر من جديد
تحياتي

درتكم أميرة العرب

رشا محمود
13-04-2006, 02:56 PM
غاليتى رغد



لكلماتك وقع ساحر على نفسى

أنتظرها بشوق

شكرا لوجودك هنا

لا حرمنا طلتك الرائعة

دمت بخير

رشا محمود
13-04-2006, 03:02 PM
علىمحمود



دع قلمك لمشاعرك وهو سيعرف الطريق جيدا

فالإحساس هو الخطوة الأولى

ينساب بتلقائية على الورق فيرسم عالم آخر

شكرا لوجودك هنا

دمت بخير

رشا محمود
13-04-2006, 03:06 PM
أميرتى الغالية



كنسائم صيف عطرة هكذا هو مرورك على صفحتى

شكرا لك يا غالية

سعيدة بوجودك بين كلماتى

ننتظرك دوما

دمت بخير وسعادة

ابوفهد
15-04-2006, 11:20 AM
الغالية رشا محمود
يسعد الله أيامك بالخيرات

ما شاء الله تبارك الله إبداع بلا حدود قدمتيه لنا في هذه القصة الرائعة حقيقة وإن كانت هذه سنة الحياة ولابد من وصول هذه المرحلة يوماً من الأيام إلا أنه باعتقادي يصعب على الفتاة نسيان مرحلة الطفولة بسهولة لدرجة أن الفتاة أحياناً تحب أن تلهو كما يلهو الأطفال وخاصة إذا كانت الفتاة محرومة من ذلك في فترة الطفولة لدرجة أنها أحياناً تتصرف تصرفات طفولية إما بشكل عفوي أم بسبب حنينها لتلك الفترة الجميلة في حياتها .

ألف شكر على استمرار مداد قلمك الرائع لا حرمنا الله منه.

دمتِ بخير

رشا محمود
15-04-2006, 03:39 PM
أخى أبو فهد


لا يمكننى وصف سعادتى بمرورك الرائع على صفحتى

الذى يزين كلماتى ويزيدها تألقا وسعادة

شكرا لك يا أخى على تشجيعك المستمر

الذى يدفعنى خطوات للأمام

شكرا لك كثيرا

دمت بخير وسعادة

عمر باعقيل
17-04-2006, 09:38 AM
مشاعر رقراقه فاضت
ثم سالت
وسالت
حتى ملئت المهج بعبق خاص
راقني ما قرأته
دمتي متالقه

عابده لله
17-04-2006, 10:51 AM
صباحكِ جوري أخيتي رشـا ..
كـ روحــك الرائعـة وألماسيـة قلمك..

:)

دون أدنى شـك أبدعتي في وصفك بـ سلاسة عجيبـة
وتمكن لا قوة الا بالله ..
وكـ عادتك جعلتي ابتسامتـي من بداية اول سطـر حتى أخر
كلمة ترتسم على محيــاي وكأنها بي تقول :

كم هــي بـارعة ..

عـذبة انتِ وقلمك يعجبنـي وبشدة ما شاء الله ..
والجميــل فيكِ حلو طباعك بارك الله فيــكِ ..

أمتعتنــا بحق فكل الشكـر لكِ ولقلمكِ الساحر ..


:)

عابده

رشا محمود
17-04-2006, 11:11 AM
أخى أسير الأحزان

شكرا لك ولمرورك العطر
الذى أسعدنى للغاية
أعد علينا هذه الطلة مرات
بارك الله فيك

رشا محمود
17-04-2006, 11:14 AM
غاليتى عابدة


لا يمكننى وصف سعادتى العميقة بكلماتك الرائعة

التى تنثر حبات السعادة من حولى

رائعة هى روحك ..... تعرف كيف تسعد الآخرين

أشكرك بشدة على مرورك وتشجيعك

دمت بكل الخير والسعادة