المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مخلوقان من جزيرة ديامو ( مهداة لـ " أبو فهد " بلا مناسبة )



محسن يونس
01-04-2006, 05:17 PM
كائنان من جزيرة ديامو

محسن يونس

( 1 ) تصدى فأر خرج من جحره الكائن فى جسم العلاية ، لسحلية كانت تتلوى فوق الرمال فى الوسعاية ، قال الفأر : " قفي حيث أنت .. ستكونين طعاما لي .. "

انتفضت السحلية ، ونترت برجلها عدة رميلات طالت بعضها وجه الفأر قائلة : " لو تقدمت خطوة سأغرقك فى هذه الرمال "

كيف تحدث سحلية فأرا بهذه اللهجة ؟! هذه اللهجة جعلت شوارب الفأر تضطرب ، وقبل أن يستوعب الموقف سمعها تقول : " خفت يا جبان ؟ "

صرخ الفأر ، وقد رأى الدنيا عتماء : " أنت تزحفين على بطنك .. ومن يزحف قليل الشأن يا حسرة .. "

دافعت السحلية عن نفسها مرتين .. مرة حين قالت للفأر : " أنت لص .. طبع اللصوصية فى جنس الفئران .. " .. ثم حلى لها التباهي فقالت : " أطفال ديامو يقولون إن فى بطنى مفتاح الجنة .. "

قهقه الفأر هازئا ، وغنى ساخرا : " مفتاحي يا مفتاحي .. أكله الصدأ .. "

لماذا لا تغنى السحلية هى أيضا : " مفتاحي يا مفتاحي .. سرقه الفأر اللص .. "

- شكلك قبيح ..

- يعنى شكلك اسم الله عليه ؟! ..

- اخرسي ..

- اخرس ..

أين المشكلة بالضبط ؟!

كيف بدأت ؟ .. وكيف انتهت ؟ .. لا .. لا .. ليس لها انتهاء ، لأننا فى ديامو ما زلنا نسمع أصوات المعمعة كل يوم .



( 2 ) الأمر غريب حقا ، وفى نفس الأمكنة ، يقف الفأر على الأرض الصلبة لجسم العلاية ، بينما تكون السحلية فى حماية الرمال ، قد يسبق أحدهما الآخر فينتظر ، وحين يتواجهان تبدأ الصيحات : أما زلت تعيش أيها اللص ؟! كانت السحلية الآن هى التى تبادر بالهجوم ..

وفى كل مرة تنتاب الفأر الصدمة ، فلسان هذه السحلية سليط ، لا تعرف صاحبته الرحمة ، ويرد منتفضا : مازلت أعيش لأقضى عليك .. تقهقه السحلية ، فقد أوقعت به قائلة : وإذا جاءك الموت فأخذك .. ماذا سأفعل أنا ؟ يتذكر الفأر وهو يتقدم ناحية السحلية ، وفى آخر لحظة أنه يسعى فعلا لحتفه ، فيتوقف قائلا: الموت سيأخذك أنت على يدى أيتها الحمقاء .. جاءت الفكرة للفأر فنفذها فورا ، ارتمى على ظهره ، ونفخ بطنه ، ورفع أقدامه الأربعة إلى أعلى ، وظل على هذا الوضع حتى أن النمل صعد إلى رأسه ومر فى صفوفه المنتظمة بالقرب من عينيه ، وبالقرب من فتحتى أنفه ، وهو مستقر على حاله منتظرا نتيجة حتمية تعلمها من أبويه منذ زمن ، وكانت تنجح ، ويحصد الجوائز ، وتمتلىء بطنه بضحايا النوايا الحسنة ، الآن صار الفأر مقتنعا أن لا شىء حتمى فى هذه الحياة التى تحت السماء ، وياله من اكتشاف ، نعرف نحن أهل ديامو أن بعضنا رغم وضوح الاكتشاف الذى اكتشفه الفأر لتوه ، يظل مغلقا كل الأبواب ، إلا بابا واحدا هو الذى ينفذ من فتحته إلى وسع الحياة التى تغيظ هذا البعض بتوالدها المستمر ، وأبوابها التى لا تعد ولا تحصى .. قلنا إن لله فى خلقه شئون ..

أما الفأر ففتح إحدى عينيه خلسة ، فوجد السحلية نائمة على الرمال واضعة رأسها على راحتها ، وجاءه صوتها مباشرة – هذه الخبيثة – لنقرأ الفاتحة على روح الممثل الفاشل ..

- أنت الفاشلة ..

- أنت أفضل منى فى الفشل ، وإذا حسبت المسألة بهذا الشكل فأكون أفضل منك ..

ربما كانت الشمس شديدة الحرارة فتهرب السحلية من لفحها إلى عمق الرمال ، أما الفأر فيدخل جحره حيث يهدأ لهاثه فى ذلك المكان المظلم الرطب ، وهو يشعر بأن دنياه منحته خسارة ، وهو الذى كان يثق بها دائما ، وكان يعتبر نفسه من المدللين المنتصرين ، صرخ الفأر _ ربما مر طيف السحلية بذهنه _ لن أتركها أبدأ ..

( 3 ) كنا نرى الفأر يسير تائها غير عابىء بمخاطر الطريق وعثراته ، كأنه يقول : من أراد اصطيادى فأهلا به ، ومن أراد دعسى فعليه أن يفعلها سريعة خاطفة .. كان يترنح من يمين إلى يسار ، ويغنى كسكران : مسكين وحالى عدم .. حالى عدم أنا مسكين .. مسكين عدم حالى .. هل يشعر بمرارة الهزيمة حتى يخلط ؟! رآه قط ديامو الأعور المسخة بين قطط الجزيرة ، وكانت اللعبة تبدو أنها لن تنتهى ، لم يأكله ، ولم يخنقه أو يمزقه ، بل ظل نصف نهار يطلقه من بين براثنه ، ثم يلاحقه .. يضربه الضربة ، يطير الفأر على أثرها فى الهواء ، ويتلقاه القط على مخلب واحد من مخالب قدمه ، وعلى خلفيته مرة ، ومرة بين فخذيه معرضا الفأر لإهانة شديدة ، كان الفأر هو الكائن من أربعة .. يدرى ويدرى أنه يدرى فذلك ما يجب على القابض مصيره ، أو يدرى ولا يدرى أنه يدرى فذلك هو النائم ، أو لا يدرى ويدرى أنه يدرى فذلك راشد يحتاج إلى النصيحة ، أو لا يدرى ولا يدرى أنه لا يدرى وهذا جاهل يجتنب ويرفض .. فأى كائن من هؤلاء كان فأرنا ؟! مسكين وعدم حالى .. مسكين وحالى عدم .. عدم .. مسكين حالى .. الصحيح أنه ليس من هؤلاء الأربعة بل هو كائن خامس .. هو عاشق ونقسم على هذا ..

( 4 ) فى هذا اليوم وفى نفس الموعد والمكان كان اللقاء ، لم يتكلما كالعادة ، بل ظل ينظران لبعضهما ، تنهد الفأر أخيرا ، وقال : أنا أحبك .. ولا أطيق البعاد عنك ..

احمر وجه السحلية ، وظهر اللون الأحمر جليا بديلا عن لونها الأصفر المشرب بالأخضر ..

غمغمت السحلية بشىء لم يتبينه الفأر ، فاستوضحها قائلا : هل .. ؟

أفاقت السحلية من المخدر الذى خدر مشاعرها ، وصاحت : أحبك برص وعشرة خرس .. ماذا تقول أيها الأحمق ؟!

كان الفأر رقيقا : محبة بعد عداوة ..اعلنى عن مشاعرك .. لا تخجلى ..

الآن تروح السحلية وتجىء محبوسة فى سجن لا يتسع إلا لجسدها الضئيل ، تتبادل أقدامها الأربعة خطوة للأمام ، وخطوة للخلف ، هل السماء بعيدة ؟ اقتربى بسقفك من رأسى .. هل الفضاء لانهائى ؟ هو مدى نظرى .. قالت : أنت تسحرنى !!

قال الفأر : يا ليتنى ساحر ..

تدللت : ماذا كنت تفعل ؟

قال : أخطفك إلى حضنى ..

قالت وهى تغلق عينيها نصف إغلاقة : بدأت تحلو فى عينى ..

ما رأيناه ، وسمعناه شىء كنا نظن أنه من باب التلفيق ، والنفاق ، قلنا : صارت الطبيعة تأتى بأفعال ليس لنا بها معرفة أو تجربة مسبقة .. إذ زحفت السحلية نحو الفأر ، وتركت ساحتها الرمال ، كانت بين أحضان الفأر ..

لم يكن الفأر ممثلا فاشلا ، إذ تناول لحم السحلية ، وهو يضحك ، ويقول : فعلا من الحب ما قتل ، ولكن هذا للحمقى فقط .. أما الأذكياء فلهم نعم الحياة تزف إليهم ، وهم لا يتكلمون سبابا ، وحذلقة ، شجبا ورفضا ، بل يفعلون .

اللعنة عليك أيها الفأر فقد نطقت صدقا ، وفعلت أمرا ..

ابوفهد
05-04-2006, 10:08 AM
الغالي محسن يونس
يسعد الله أيامكم بالخيرات

أشكركم جزيل الشكر على هذه الهدية الرائعة كروعتكم بكتابتها.

ليس غريباً عليكم تقديم الهدايا بدون مناسبات فأنتم أهل الشيمة والكرم ومداد قلمكم الرائع أكبر دليل على ذلك وفقكم الله.

حقيقة استغرب أن تقرأ هذه الهدية من أكر من 34 قارئ ولم يتكرم أحدهم بالرد عليها!! ::]

لكنني التمس لهم العذر فقد يقولون هذه هدية لأبو فهد وليس لنا الحق بالرد قبل أن يشكر أبو فهد أستاذنا الكبير محسن أولاً. :)

وقد يكون عذرهم أن بداية القصة فأر وسحليه وهما من المكروهين للجميع فلم يكملوا القصة حتى يعلموا الهدف منها.

فحقيقة بدأت بالقراءة واستمريت إلى النهاية ضاحكاً على حالهما وحذر كل منهما من الآخر وأنا أعتقد أنها قصة خيالية نسجها أستاذنا الغالي حتى يزيل همومنا ويرفه عنا بها.

إلى أن وصلت إلي مقولة الفأر الخبيث: ( فعلا من الحب ما قتل ، ولكن هذا للحمقى فقط) فصحاني من النوم وصدق في مقولته.

فللأسف الشديد هذا ما يحدث الآن في واقعنا المر بين الشباب والفتيات يبدأ الحوار بالغزل وينتهي بأن تقع الفتاة في براثن الصياد الخبيث والمتمثل هنا بالفأر.

ففعلاً عليه اللعنة فقد نطق صدقاً وفعل أمر

كلمات الشكر والتقدير لن تفيكم حقكم أستاذي الغالي محسن واعتذر عن التأخير في شكركم القليل في حقكم فهي والله المشاغل في أمور تنظيم الدرر والحمد لله قاربت على الانتهاء حتى أكون قريباً منكم ومن الدرريين عامة.

دمتم بخير وحفظ الرحمن.

محسن يونس
06-04-2006, 05:59 PM
أبو فهد النبيل ذو الشهامة والكرم الأصيل
تحياتى وأشواقى
تحليلكم لرؤى النص جاء رائعا يدل على حنكة ودربة زادكم الله من خيراته ..
أنا سعيد بهذا العدد الذى قرأ النص ، أما التعليقات فعلى قدر ما هى مطلوبة إلا أننى أستشعر قيمة أن يقرأها عدد كبير ..
عموما أود هنا أن تقبل تقديرى وكل احترامى لشخصكم
ودمت بخير أيها العزيز

Petals
09-04-2006, 05:20 PM
فللأسف الشديد هذا ما يحدث الآن في واقعنا المر بين الشباب والفتيات يبدأ الحوار بالغزل وينتهي بأن تقع الفتاة في براثن الصياد الخبيث والمتمثل هنا بالفأر.



والأسوأ حين تقع ( سحلية ) تظن أنها تدري وهي لا تدري :)



تريد الحق أخفتني لبرهة (!)


شكرا للروعة وجمال الأسلوب


دمت بود

محسن يونس
11-04-2006, 07:20 PM
النبيلة بيتالز
تحياتى
هل أفهم من هذا أنك غفرت لبحر جدة ؟
فها هنا جزيرة يحيط بها البحر من جميع الجهات .. حتى حيواناتها وزواحفها وحشراتها تكمل وحدة عالمها، والشىء الطريف أن من يقرأ يحيلها للإنسان .. أليس هذا من أسرار النص ؟! .. ربما ..
أنا سعيد أنك قرأت النص وأخافك فى البداية ، واستمتعت به فى النهاية
تقديرى واحترامى

رغــد
12-04-2006, 07:27 AM
.
.

صباح الورد ياأستاذ محسن ..

تذكرت حالما قرأت لك .. كلمات للأستاذ محمد قطب .. قال ( " أن القصة دراسة نفسية لا غنى عنها فى فهم سرائر النفوس، لأنها فى ذاتها أحد العناصر التى يحتاج إليها قارئ الحياة " ) .

وأنا لاأقرأ قصة إلا وأجد أن قلبي قد وقع على فائدة عظيمة .
وماكتبته يحوي قيم عالية وحكم نغفل عنها في الحياة .. صغتها بأسلوب تصويري مشوّق جداً . وأبدعت في هذا .. ومن قلبي أشكرك .

وممتنة لك .

دمت متألقاً .

..


رغد

محسن يونس
13-04-2006, 10:11 PM
مساء الفل النبيلة : رغد

لاشك أن القصةيتسع فضاؤها لكل التجليات فمن واقع وخيال ودراسة نفسية إلى علم اجتماع .. أعتقد أن رأيك صحيح جدا ، وحصيف وذكى ..
أشكر لك مرورك المثمر والمفيد لكلينا ..
تقبلى تقديرى واحترامى

Areej
14-04-2006, 10:59 PM
أخي الكريم .. محسن يونس..


بحق نفخر بهكذا أقلام في درتنا..

عظيمةٌ هي تلك النصوص التي تحمل رمزا و معنى يتركه الكاتب لــ( فطنة ) القارىء .. لسعة خياله ..و حسن ادراكه.. في تأويل مغزاه..


أشكرك جدا يا محسن.. على هذا الهطل الجميل..

لك و لأبي فهد .. أجمل تحية :)


أريــــج

محسن يونس
15-04-2006, 05:14 PM
النبيلة : أريج
تحياتى
الشكر لك والامتنان .. الحقيقة أننى الذى أفخر أن أكون بينكم ، أرجو من الله أن يعطينى القدرة دائما على أن أقدم ما يليق بمنتداكم الدرر العظيم ..
تقبلى تقديرى واحترامى لشخصكم الكريم