المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـ ــ ــ ــ ــدقــ ــ ــ ــ ــات



رشا محمود
28-03-2006, 03:46 PM
تزاحمت الدموع فى عينيه .. وبقيت هناك .. يأبى كبرياء رجل أن تنساب على وجنتيه .. لم يعد قادرا على تمييز ملامح من يتحدث إليه .. ويصل صوته لمسامعه كصدى يتردد من مكان بعيد .. إنفصل فجأة عن عالمه .. وتباعدت روحه عن هذه الأرض رويدا رويدا .. دارت حياته أمام عينيه .. ياااه لم يظنها قصيرة إلى هذا الحد .. لا تعرف ذلك مطلقا إلا عند حد النهاية .. وهاهو يقف عنده أو يكاد .. تاركا وراءه السنوات .. لماذا لم يفكر بهذه اللحظة من قبل .. لماذا لم تخطر بباله وسط إنشغاله بالحياة .. لماذا لم يتذكر الموت .. مرت لحظات لم يسمع فيها سوى دقات قلبه المتسارعة .. ودقات الساعة ..التى بدت كما لو كانت تسابق دقات قلبه .. تجمدت عيناه على عقارب الزمن .. مهلا .. لم تسرعى هكذا .. إن كل دقة تقربه من ساعة الرحيل .. تزايدت الدموع فى عينيه .. جاهد ليمنعها من النزول .. وجاهدت بدورها لتفلت من عينيه وتنساب بحرارة على وجهه .. مازال الصوت يتردد من بعيد .. وبقايا ملامح تتماوج فى عينيه الدامعتين .. قبض بيده على الأوراق التى تحوى توقيع الأطباء على بقايا عمره .. ومضت خطواته شاردة .. تطاردها الدقات .. تكاد تصم آذانه .. أسرع بالهرب .. إخترق الكتل البشرية المتماوجة أمام عينيه .. ولاح من بعيد باب الخروج .. دفعه وإنطلق خارجا .. لفح وجهه الهواء البارد .. وتسبب فى إطلاق دموعه الأسيرة .. أتراه يبكى الدنيا أم يبكى نفسه .. مضت لحظات قبل أن يرفع عينيه .. تأمل مظاهر الحياة الصاخبة .. مازالت تغرهم كما غرته .. لا يجد لها بريقا الآن .. لم تعد تفتنه .. سيودعها بعد قليل .. إنها النهاية .. لا يمكنه الهرب منها .. سينتظر قدره .. سينتظره مع كل دقة من دقات الساعة .. آآآه الآن تتنحى الحياة جانبا وتفسح الطريق للموت .. وما عليه سوى الإنتظار .. ما أقسى هذا على نفسه.. ليت الحياة تشغله كما كانت تفعل .. ليتها تنسيه .. لا .. لقد فات الأوان .. لم تعد تنفعه الدنيا .. لم يعد يريدها .. توقفت خطواته فجأة .. ورسم اليأس فكرة فى رأسه .. لم عليه أن ينتظر الموت .. إنه يكره الإنتظار .. لم لا يذهب هو إليه أولا .. لم يفكر كثيرا .. نزل من فوق الرصيف .. إبتسم فى سخريه .. أكان مازال يخشى على حياته .. مضى يخترق الطريق المزدحم بالسيارات .. تعالت الأبواق الغاضبة من حوله .. تتهمه بالحمق والجنون .. مضى بينهم غير مباليا .. إنه لن ينتظر الموت .. فلتأتى النهاية إذن .. بين أصوات الأبواق الساخطة .. وصل مسامعه ضحكات صافية لطفلة جميلة تلهو فوق الرصيف .. بينما تمسكها يد أمها محاولة السيطرة على حركات الصغيرة المندفعة نحو الطريق الخطر .. مرت عيناه عليها للحظات قبل أن يتابع طريقه .. وفجأة .. صرخة قوية إنطلقت من الأم المرتاعة عندما أفلتت الصغيرة من يدها وإنطلقت بسرعة نحو الطريق .. إلتفت بسرعة نحو الصغيرة التى ما زالت تقطع الطريق وتنشر ضحكاتها الصافية التى لم تعرف بعد معنى الخوف .. إنتفض قلبه بقوة .. وأسرع فى إتجاه الصغيرة متجاوزا السيارات المسرعة المتوجهه نحو الصغيرة كوحوش جائعة .. لم يدرى كيف إستطاع أن يعدو بهذه السرعة .. وفى لحظة واحدة كان يحمل الصغيرة ويعدو بها على الجانب الآخر من الطريق .. تقطعت أنفاسه وهو ينظر للطفلة ليتأكد من أن لم يصيبها سوء .. إمتزجت عيناه بإبتسامة عينيها الصافيتين .. عجبا .. أقدر له أن ينقذ هذه الزهرة التى مازالت تتفتح على عتبة الحياة قبل أن يدهسها الموت .. الموت الذى كان ذاهبا هو للقائه قبل لحظات .. ما أعجب هذه الحياة .. مازالت تلقى له بمفاجآتها حتى وهو يودعها .. إنتبه من أفكاره على يد حانية تلمس وجهه .. نظر للصغيرة وهى تمسح بكفها الصغير بقايا دموع عالقة بين عينيه .. رسم حنانها إبتسامة على وجهه .. أمسك بالكف الصغير يقبله .. أتراها الحياة أشفقت عليه وأرسلت إليه هذا الملاك الصغير لينقذه .. إنها الحقيقة .. فهو لم ينقذ تلك الصغيرة .. بل هى التى أنقذته من لحظة اليأس المجنون .. ضمها بحنان الأب إلى صدره .. وحملها بين ذراعيه وتوجه بها حيث تقف أمها حائرة .. لم تتمكن من عبور الطريق .. عبره بحرص إلى الجانب الآخر .. طبع على جبينها قبلة قبل أن تحتضنها أمها بلهفة .. ولسانها يلهج بالدعاء له .. إبتعدت خطواتها عنه وهى تحملها .. والصغيرة تلوح له بيديها الصغيرين .. وإبتسامة الشمس تشرق على محياها الجميل .. إتسعت إبتسامته وهو يودعها بدوره .. شعر بشىء عجيب يتخلل نفسه .. يبدد ظلامها .. ويبعث الأمل من جديد .. نظر لساعة يده .. لقد تأخر عن عمله .. مضى فى طريقه على الرصيف وهو يفكر .. ربما إستحقت الحياة أن يعيش ما تبقى من عمره .. حتى لو كانت لحظات تحسبها الدقات ...

رغــد
28-03-2006, 05:46 PM
.
.

مرحبا رشا ..

بالبداية تذكّرت عند قرائتي لك .. ذات المشهد الذي قمتِ أنتِ بتصويره بدقه ..
شاهدتُ قبل أيام طفل صغير لم يتجاوز السنتين انفلت من يد أبيه .. حتى كاد يصطدم بشاحنه لم يشاهده صاحبها لضاءلة حجم الطفل لاسيما والوقت كان ليلاً والشارع ضعيف الإنارة .. حتى قفز رجل ما لإنقاذة .
اقشعر جسمي لرؤية هذا المشهد أمامي .. وماأرعبني أكثر صرخة الأب الفظيعة .. التي تظهر كل معاني الأبوة والحنان .

لقد قمتِ بتصوير المشهد بدقة .
كما وأنك أبدعت في رسم معنى الحياة الجميل الذي يعتمد على نظرة التفاؤل البحته . التي لايكون بدونها معنى للحياة . فالمطلوب دائماً هو النظر للنصف الممتلئ من الكوب .

رائعة يارشا . :)

.
.

ودمت متألقة .

رشا محمود
30-03-2006, 10:52 AM
غاليتى رغد


كم هو رائع مرورك .. يزين أرجاء صفحتى ..

ويعطرها بشذى الزهور ..

أنتظرك دومـــــــــــا ..

كل الحب لكـــــــــــــ ...

رشا محمود
02-04-2006, 10:52 AM
أنتظركم ...

أميرة العرب
02-04-2006, 12:30 PM
الاخت الغالية

رشا محمود

**

قصة رائعة
وصف دقيق ومميز

يعطي املاً

لكل من فقد هذا الاحساس
**

فالذي يعجبني بسردك للقصص
المواعظ والعبر التي نستلخصها دائماً

**
وهذا ما يجعلنا نعي بعض الامور
التي نكون قد غفلنا عنها

**
تقبلي تعليقي البسيط
امام عمالقة افكارك

لا عدمنا هذا التميز



اختك أميرة العرب

ابوفهد
02-04-2006, 01:37 PM
الغالية رشا محمود
يسعد الله أيامكِ بالخيرات

قصة رائعة كعادتك فكل يوم يزداد حبنا لما تمتعيننا به من مداد قلمك الرائع لكنني أتعجب أن يقنط الإنسان من رحمة الله الواسعة عند إصابته بأمر من الأمور ويخرج هائماً على وجهه في الشارع دون أن يعلم أن الله قريب منه.

فلو فكر هذا الرجل بعقله لتيقن أن المولى عز وجل قد جعل هذه الطفلة سبباً لعودته لحالته الطبيعية.

ألف شكر لكِ على هذا الأسلوب الرائع في الكتابة والذي جعلني دائماً ما أحاول أن أكون متواجداً في الصف الأول . :)

إلا أن كثرة مشاغلي والتزاماتي في الدرر تجعلني أتأخر في الحضور لكن ثقي بأنني سوف أحضر حتى وإن تأخرت فلن أفوت الفرصة المهم أن تسمحين في بالدخول إذا حضرت متأخراً. :005:

دمتِ بخير

رشا محمود
03-04-2006, 10:43 AM
أميرتى الجميلة


شكرا لك على مرورك العطر ..
وكلماتك الرقيقة .. التى أسعدتنى كثيرا ..

دامت طلتك علينا ..

ننتظرك دائما إن شاء الله ..

شكرا لك يا غالية ...

رشا محمود
03-04-2006, 10:46 AM
أخى أبو فهد



تعلم يا أخى أننى أشرف بوجودك ولو جاء متأخرا ..

وسعيدة بتقديرك لكتاباتى وتشجيعك مرة بعد مرة ..

جزاك الله عنا خيرا ..

وأعانك على مشاغلك .. وعلينا ..

دمت بكل خير وسعادة ...