المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من حائك الى مفتي ... كيف؟



عضو هيئة
23-10-2005, 09:14 AM
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد
في درة جديدة سطرها الاولون وحاك تفاصيلها حائك عامي بتقدير العليم الحكيم ، ولعلي لا اكون ثقيلا في سردها لكنها مازالت بي حتى انتهيت منها فقلت في نفسي : تك الهمم والا فلا .
همم الرجال اذا مضت لم يثنها خدع الثناء ولا عوادي الذام
نشأ محمد اسماعيل الحائك عامياً لكنه محب للعلم والعلماء، فكان يحضر مجالسهم ويجلس في حلقهم للسماع والانتفاع ، وكان يواظب على الدرس لا يفوته الجلوس في الصف الاول ، فجعل الشيخ يؤنسه ويلطف به لما يرى من مداومته وتبكيره ويسأل عنه اذا غاب ، فشد ذلك من عزمه فاشترى الكتب يحيي ليله في مطالعة الدرس ويستعين على ذلك بالنابهين من الطلبة ، واستمر على ذلك دهرا حتى اتقن علوماً كثيرة، وصار اوحد زمانه في الفقه والاصول ، وهو عاكف على مهنته لم يتركها ، وصار الناس يأتونه في محله ويسألونه عن مشكلات المسائل ، وعويصات الوقائع ، فيجيبهم بما يعجز عنه فحولة العلماء ، وانقطع الناس عن المفتي من آل العمادي ، فساء ذلك العماديين وآلمهم ، فتربصوا بالشيخ محمد اسماعيل واضمروا له الشر ، ولكنهم لم يجدوا اليه سبيلاً فقد كان يحيا من عمله ، ويحيا الناس بعلمه، وكان يمر كل يوم بدار العماديين في "القيمرية" وهو على أتان له بيضاء ، فيسلم ويردون عليه السلام ، فمر يوما كما كان يمر فوجد على الباب أخاً للمفتي فرد عليه السلام وقال له ساخراً:
- " الى اين ياشيخ؟ اذاهب الى اسطنبول لتاتي بولاية الافتاء "؟ وضحك وضحك من حوله ، اما الشيخ فلم يزد على ان قال: "ان شاء الله!" وسار في طريقه حتى اذا ابتعد عنهم دار في الازقة حتى عاد الى داره، فودع اهله واعطاهم نفقتهم وسافر!.
ومازال يفارق بلداً ويستقبل بلداً حتى دخل القسطنطينية فنزل في خانٍِِ قريب من دار المشيخة، وكان يجلس على الباب يطالع في كتاب او يكتب في صحيفة، فيعرف الناس من زيِِِه انه عربي فيحترمونه ويجلّونه، ولم يكن الترك قد جنّوا الجِنّة الكبرى بعد ..... فكانو يعظمون العربي لانه من أمة الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم الذي اهتدوا به وصاروا به وبقومه ناساً....
واتصلت اسباب الشيخ باسباب طائفةٍ منهم فكانوا يجلسون اليه يحدثونه ، فقال له يوماً رجل منهم:
-"ان السلطان سأل دار المشيخة عن قضية حيّرت علماءها ، ولم يجدوا لها جواباً، والسلطان يستحثهم وهم حائرون، فهل لك في ان تراها لعل الله يفتح عليك بالجواب ؟"
قال:" نعم".
قال : "سر معي الى المشبخة"
قال : "بسم الله".
ودخلوا على ناموس المشيخة( السكرتير) ، فسأله الشيخ عن المسألة فرفع رأسه فقلب بصره فيه بازدراء ، ولم تكن هيئة الشيخ بالتي ترضي ، ثم القاها اليه وانصرف الى عمله ، فقرأ الشيخ المسألة ثم أخرج من منطقته هذه الدواة النحاسية الطويلة التي كان يستعملها العلماء وطلبة العلم للكتابة والدفاع عن النفس، فاستخرج منها قصبة فبراها ، وأخذ المقطع فقطعها، وجلس يكتب الجواب بخط نسخي جميل حتى سوّد عشر صفحات ما رجع في كلمة منها الى كتاب ، ودفعها الى الناموس ، ودفع اليه عنوان منزله وذهب ، فلما حملها الناموس الى شيخ المشيخة وقرأها ، كاد يقضي دهشةً وسروراً.
- وقال له : " ويحك ! من كتب هذا الكتاب ؟".
قال : " شيخ شامي من صفته كيت وكيت ....".
قال : "عليّ به".
فدعوه وجعلوا يعلمونه كيف يسّلم على شيخ الاسلام!، وأن عليه أن يشير بالتحية واضعاً يده على صدره ، منحنياً ، ثم يمشي متباطئاً حتى يقوم بين يديه ....الى غير ذلك من الاعمال الطويلة التي نسيها الشيخ ولم يحفظ منها شيئا.
ودخل على شيخ الاسلام ، فقال له:
-" السلام عليكم ورحمة الله" ، وذهب فجلس في اقرب المجالس اليه، وعجب الحاضرون من عمله، ولكن شيخ الاسلام سُرّ بهذه التحية الاسلامية المفقودة ، وأقبل عليه يسأله حتى قال له:
- " سلني حاجتك".
- قال :" افتاء الشام وتدريس القبّة".
-قال :" هما لك ، فاغد علي غداً".
فلما كان من الغد ذهب اليه فأعطاه فرمان التولية ، وكيساً فيه الف دينار . وعاد الشيخ الى دمشق فركب اتانه ، ودار حتى مرّ بدار العماديين فاذا صاحبنا على الباب ، فسخر منه كما سخر ، وقال :
-" من اين ياشيخ" .
- فقال الشيخ:" من هنا ، من اسطنبول ، اتيت بتولية الافتاء كما طلبت مني ".
ثم ذهب الى القصر فقابل الوالي بالفرمان ، وسلم الشيخ عمله في حفلة حافلة..
انتهت روايتنا، وانتشت همتنا ، وضنّ الزمان بأمثالهم............
فحيــــــــهلا ان كــنت ذا همــــة فقـــد
حدا بك حادي الشوق فاطوٍ المراحلا
ولا تنتــــظر بالســـــير رفقـة قـــاعـد
ودعـــه فان الـــعزم يكفــيك حامـــلا
واترك الدروس والعبر لاقلامكم الكريمة.

النسر الابيض
23-10-2005, 03:59 PM
قصة جميلة اخي ضيف هيئه



جزاك الله خير



وتحياتي لك