المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نواقض الإيمان



أبوحسام الدين الطرفا
13-09-2005, 06:59 PM
نواقض الإيمان ([1] (http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftn1))


أبوحسام الدين الطرفاوي



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله . صلى الله عليه وآله وسلم . وبعد

فإن معرفة نواقض الإيمان مهمة جدا للمسلم خاصة هذا الذي وقع في شباك دعاة جهلة لا يعرفون ما يقولون ، قرأوا كتابا أو اثنين في الإيمان فأخذوا يفتوا بغير علم ولا هدى ، ظانين أنهم صاروا أئمة أهل الإسلام في هذا الشأن ، فاختلفوا في توضيح عقيدة الإيمان والكفر للشباب فوقع الشباب في حيرة . ونسأل الله أن يهدي الشباب إلى كل خير .

أولا : تعريف الناقض

1 ـ الناقض لغة : النَّقْضُ: إِفْسادُ ما أَبْرَمْتَ من عَقْدٍ أَو بِناء، وفـي الصحاح: النَّقْضُ نَقْضُ البِناء والـحَبْلِ والعَهْدِ. غيره: النقْضُ ضِدُّ الإِبْرام، نقَضَه يَنْقُضُه نَقْضاً و انْتَقَضَ و تَناقَضَ. و النَّقْضُ: اسمُ البِناء الـمَنْقُوضِ إِذا هُدم. (لسان العرب 7/242)

2 ـ الناقض في الشرع : هو ما يفسد به أصل الإيمان وينتقل الإنسان من الإسلام إلى الكفر ، ويصير صاحبه حلال الدم والمال . وهذه النواقض تسمى بالكفر الناقل عن الملة ، أو الكفر الأكبر .

ثانيا : أنواع النواقض

وهي في الجملة منها نواقض اعتقادية ، ونواقض قولية ، ونواقض عملية ولا تكون إلا بكتاب والسنة فقط لا بأقوال الرجال وآرائهم .

ومنها : ـ

1 ـ الشك : وهو التردد بين التصديق والتكذيب ، ولا يصلح إيمان العبد إلا بتصديق تام .

قال تعالى : ( إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (التوبة:45)

وعن أبي هُرَيْرَةَ قال :َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبَ عَنْ الْجَنَّةِ ) [ متفق عليه ]

والشك في حرف من القرآن فما فوق كفر يخرج من الملة ، وكذلك الشك في نبوة نبي ثبتت نبوته بالكتاب أو السنة ، وكذلك الشك في وجوب المباني الأربعة ـ الصلاة والزكاة والصيام والحج ـ ونحو ذلك .

2 ـ الجحود : وهو الإنكار مع العلم . فهو تكذيب باللسان مع تصديق بالقلب .

قال تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام:33)

قال ابن جرير في تفسيره (7/180 ) :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قد نعلم يا محمد إنه ليحزنك الذي يقول المشركون ؛ وذلك قولهم له إنه كذاب (فإنهم لا يكذبونك )

واختلفت القراء في قراءة ذلك ؛ بمعنى أنهم لا يكذبونك فيما أتيتهم به من وحي الله ، ولا يدفعون أن يكون ذلك صحيحا ؛ بل يعلمون صحته ، ولكنهم يجحدون حقيقته قولا فلا يؤمنون به 000 وقرأته جماعة من قراء المدينة والعراقيين والكوفة والبصرة ( فإنهم لا يكذبونك) بمعنى : أنهم لا يكذبونك علمًا ؛ بل يعلمون أنك صادق ، ولكنهم يكذبونك قولا عنادا وحسدا

والصواب من القول في ذلك عندي : أن يقال إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء ، ولكل واحدة منهما في الصحة مخرج مفهوم :

ـ 29 ـ


وذلك أن المشركين لا شك أنه كان منهم قوم يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدفعونه عما كان الله تعالى خصه به من النبوة ، فكان بعضهم يقول هو شاعر ، وبعضهم يقول هو كاهن ، وبعضهم يقول هو مجنون ، وينفي جميعهم أن يكون الذي أتاهم به من وحي السماء ، ومن تنزيل رب العالمين قولا .

وكان بعضهم قد تبين أمره وعلم صحة نبوته وهو في ذلك يعاند ويجحد نبوته حسدا له وبغيا .

فالقارئ (فإنهم لا يكذبونك) يعني به : أن الذين كانوا يعرفون حقيقة نبوتك وصدق قولك فيما تقول يجحدون أن يكون ما تتلوه عليهم من تنزيل الله ومن عند الله قولا وهم يعلمون أن ذلك من عند الله علما صحيحا مصيب لما ذكرنا من أنه قد كان فيهم من هذه صفته

وفي قول الله تعالى في هذه السورة : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهمْ) (البقرة:146) أوضح الدليل على أنه قد كان فيهم العناد من جحود نبوته صلى الله عليه وسلم مع علم منهم به ، وصحة نبوته

وكذلك القارئ (فإنهم لا يكذبونك ) يعني أنهم لا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عنادًا لا جهلاً بنبوته وصدق لهجته مصيب . أ ـ هـ

وقال تعالى : ( ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ) (فصلت :28)

وقال سبحانه عن فرعون وقومه : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (النمل:14)

فمن علم شيئًا من دين وصح علمه عنده ثم جحده فهو كافر .

وللجحود أنواع :

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في مدارج السالكين (1/337) :

وكفر الجحود نوعان : كفر مطلق عام ، وكفر مقيد خاص :

فالمطلق : أن يجحد جملة ما أنزله الله وإرساله الرسول

والخاص المقيد : أن يجحد فرضا من فروض الإسلام ، أو تحريم محرم من محرماته ، أو صفة وصف الله بها نفسه ، أو خبرا أخبر الله به عمدا ، أو تقديما لقول من خالفه عليه لغرض من الأغراض . أ ـ هـ

وللجحود أسباب منها : الاستكبار ، والحسد ، والبغض والكراهية وغير ذلك

ويترتب عليه آثار منها : التكذيب ، والسب ، والاستهزاء ، والاستحلال ، والتشكيك في دين الله ، والإعراض عن دين الله ، وافتراء الكذب وغير ذلك.

3 ـ الإعراض عن دين الله تعالى :

وهو لغة التولي . وهو التولي عن تعلم أصل الدين الذي يكون به مسلمًا ، أو يخرج به من عقيدة كفرية أو فعل كفر

قال تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) (السجدة:22)

قال ابن القيم في مدارج السالكين ( 1/337 ) :

ـ 31 ـ


وأما كفر الإعراض : فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه ولا يصغي إلى ما جاء به البتة ، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي r : والله أقول لك كلمة إن كنت صادقًا فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك ، وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أكلمك . أ ـ هـ

4 ـ الاستهزاء والسخرية بالله ، أو آياته ، أو رسول من رسله([2] (http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftn2))

وهذا كفر بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين ، وهو بالقول كمن يتكلم بكلام على الإسلام فيه تهكم وتنقص ليضحك الآخرين ، أو يقصد به سب الإسلام . وبالفعل كمن يرمي بالمصحف في طريقة تنقص منه ، أو يؤدي حركات الصلاة منتقصا منها ونحو ذلك

قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) (التوبة:65)

وقال تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (النساء:140)

قال الإمام ابن حزم ـ رحمه الله ـ في المحلى (11/413) :

فصح بما ذكرنا أن كل من سب الله تعالى ، أو استهزأ به ، أو سب ملكا من الملائكة ، أو استهزأ به ، أو سب نبيا من الأنبياء ، أو استهزأ به ، أو سب آية من آيات الله تعالى ، أو استهزأ بها ، والشرائع كلها والقرآن من آيات الله تعالى فهو بذلك كافر مرتد له حكم المرتد وبهذا نقول وبالله . أ ـ هـ

ونقل الإمام القرطبي في تفسيره (8/197) عن القاضي أبو بكر بن العربي ـ رحمهما الله ـ وهو يشرح موقف المستهزئين في غزوة تبوك قوله :

لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدًا أو هزلاً ، وهو كيفما كان كفر فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة ، فإن التحقيق أخو العلم والحق والهزل أخو الباطل والجهل . أ ـ هـ

5 ـ سب الله عز وجل ، أو رسول من رسوله ، أو سب دين الله :

قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) (الأحزاب:57)

وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(التوبة: من الآية61)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( الصارم المسلول ص 15) :

وقال الإمام إسحاق بن راهوية أحد الأئمة الأعلام : أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مقرًا بكل ما أنزل الله .

وقال الخطابي : لا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في وجوب قتله وقال محمد بن سحنون : أجمع العلماء على أن شاتم النبي r المتنقص له كافر ، والوعيد جار عليه بعذاب الله له ، وحكمه عند الأمة القتل ، ومن شك في كفره وعذابه كفر . أ ـ هـ

ـ 33 ـ


6 ـ الاستكبار على الله وشرعه :

وهو عدم الاعتراف بما جاء به الرسول من عند ربه كبرًا ، أو عدم الخضوع لطاعة الله كبرًا .

قال تعالى : (وَإِذْ قُلنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:34)

وقال تعالى : ( إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (صّ:74)

وقال تعالى على لسان نوح : ( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً) (نوح:7)

وقال تعالى عن المشركين : ( إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ) (الصافات:35)

وقال تعالى : ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) (الأعراف:146)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (العقيدة الصفدية 2/314 ) :

ومن استكبر عن عبادة الله فلم يستسلم له فهو معطل لعبادته وهو شر من المشركين كفرعون وغيره قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(غافر: من الآية60) . أ ـ هـ

وقال ابن القيم في (المدارج 1/337 ) :

وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار ؛ وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار ، ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول وأنه جاء بالحق من عند الله ولم ينقد له إباء واستكبارا وهو الغالب على كفر أعداء الرسل كما حكى الله تعالى عن فرعون وقومه : ( أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ)(المؤمنون: من الآية47) وقول الأمم لرسلهم : ( إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا )(إبراهيم: من الآية10) وقوله : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) (الشمس:11)

وهو كفر اليهود كما قال تعالى : ( فَلَمَّا جَاءَهمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)(البقرة: من الآية89) وقال : ( يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهمْ )(البقرة: من الآية146) ، وهو كفر أبي طالب أيضا ؛ فإنه صدقه ولم يشك في صدقه ولكن أخذته الحمية ، وتعظيم آبائه أن يرغب عن ملتهم ويشهد عليهم بالكفر . أ ـ هـ

7 ـ التكذيب : وهو تكذيب الرسل فيما جاءوا به من عند ربهم ، أو تكذيب شئ من شرع الله .

كأن يعمد إلى آية من كتاب الله ويقول : ليست هذه من القرآن . ونحو ذلك

ـ 35 ـ


قال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (الأنعام:21)

وقال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (هود:18)

وقال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ) (العنكبوت:68)

وقال تعالى : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَه أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ) (الزمر:32)

وقال تعالى : (بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (الزمر:59 ـ 60)

قال ابن القيم في (المدارج 1/337 ) :

فأما كفر التكذيب : فهو اعتقاد كذب الرسل ، وهذا القسم قليل في الكفار ؛ فإن الله تعالى أيد رسله ، وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام به الحجة ، وأزال به المعذرة قال الله تعالى عن فرعون وقومه : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً)(النمل: من الآية14)

وقال لرسوله : ( فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)(الأنعام: من الآية33) وإن سمي هذا كفر تكذيب أيضا فصحيح إذ هو تكذيب باللسان . أ ـ هـ

والتكذيب نوعان : تكذيب القلب ، وهو ما عناه ابن القيم

والنوع الثاني : تكذيب اللسان مع علم القلب ، وهذا هو الجحود

8 ـ العرافة والكهانة :

الكاهن هو : الذي يدعي المعرفة عن الكوائن في مستقبل الزمان ، ويدعي معرفة الأسرار ومطالعة علم الغيب فيصيب بعضها ويخطئ في أكثرها ، وذلك عن طريق الجن وغيره .

والعرَّاف هو : الذي يدعي علم ما مضي ، كمعرفة السارق ومكان السرقة ، واسم من يأتيه ومكانه ، وذلك من خلال اتصاله بالجن .

قال الحافظ بن حجر في فتح الباري (10/216 ،217) :

والكهانة ـ بفتح الكاف ويجوز كسرها ـ ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب .

والأصل فيه : استراق الجني السمع من كلام الملائكة فيلقيه في أذن الكاهن .

والكاهن لفظ يطلق على العراف ، والذي يضرب بالحصى ، والمنجم ويطلق على من يقوم بأمر آخر ويسعى في قضاء حوائجه ،

وقال في "المحكم " : الكاهن القاضي بالغيب .

وقال في "الجامع" : العرب تسمي كل من أذن بشيء قبل وقوعه كاهنا .

وقال الخطابي : الكهنة قوم لهم أذهان حادة ، ونفوس شريرة ، وطباع نارية ، فألفتهم الشياطين ؛ لما بينهم من التناسب في هذه الأمور ومساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه .

وكانت الكهانة في الجاهلية فاشية خصوصا في العرب ؛ لانقطاع النبوة فيهم .

وهي على أصناف منها :

ـ 37 ـ


1 ـ ما يتلقونه من الجن فإن الجن كانوا يصعدون إلى جهة السماء فيركب بعضهم بعضا إلى أن يدنو الأعلى بحيث يسمع الكلام فيلقيه إلى الذي يليه إلى أن يتلقاه من يلقيه في أذن الكاهن فيزيد فيه ، فلما جاء الإسلام ونزل القرآن حرست السماء من الشياطين ، وأرسلت عليهم الشهب فبقي من استراقهم ما يتخطفه الأعلى فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب ، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : ( إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) (الصافات:10)

وكانت إصابة الكهان قبل الإسلام كثيرة جدا كما جاء في أخبار شق وسطيح ونحوهما ، وأما في الإسلام فقد ندر ذلك جدا حتى كاد يضمحل ولله الحمد

2 ـ ثانيها : ما يخبر الجني به من يواليه بما غاب عن غيره مما لا يطلع عليه الإنسان غالبا ، أو يطلع عليه من قرب منه لا من بعد .([3] (http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftn3))

3 ـ ثالثها : ما يستند إلى ظن وتخمين وحدس ، وهذا قد يجعل الله فيه لبعض الناس قوة مع كثرة الكذب فيه .

4 ـ رابعها : ما يستند إلى التجربة والعادة فيستدل على الحادث بما وقع قبل ذلك . ([4] (http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftn4))

ومن هذا القسم الأخير ما يضاهي السحر وقد يعتضد بعضهم من ذلك بالزجر والطرق والنجوم وكل ذلك مذموم شرعا . أ ـ هـ

روي أحمد في مسنده (9171) :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) . [ وأخرجه أبوداود في سننه (3405) ، والترمذي في سننه (125) ، وابن ماجة (631) وصححه الألباني ]

وروى مسلم في صحيحه (4137) :

عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)

9 ـ السحر :([5] (http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftn5))

معناه في اللغة : ما لطف وخفي سببه .

وأما حقيقته والمقصد منه هنا كما قال ابن مفلح في (المبدع 9/188) :

السحر : عقد ورقي وكلام يتكلم به ، أو يعمل شيئا ، يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له .

وله حقيقة في قول الأكثر ، فمنه ما يقتل ، ومنه ما يمرض ، ومنه ما يمنع الرجل من وطء امرأته ، ومنه ما يفرق بينهما . أ ـ هـ

وأكثر السحرة يستعينون بالجن في إنفاذ سحرهم ويستعملون الطلاسم التي تؤدي بفعلها إلى الشرك بالله

ومن أنواعه : سحر الصرف : وهو التفريق بين اثنين فأكثر .

وسحر العطف : وهو الجمع بين اثنين فأكثر .

وسحر التخييل كم فعل سحرة فرعون قال تعالى : ( فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)(طـه: من الآية66)

وسحر تخيل فعل الشئ ولم يفعل كم فعل لبيد ابن الأعصم اليهودي في النبي r حيث كان يخيل له أنه يأتي أهل ولم يفعل حتى نزل جبريل عليه السلام ورقاه بالعوذتين .

وحكم الساحر الكفر ، ومن يصدقه كافر

قال تعالى : (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (البقرة:102)

10 ـ بغض الله ورسوله ، أو بغض شئ مما جاء به الرسول r من عند ربه :

وهذا كفر باتفاق المسلمين ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 8 ـ 9 )

11 ـ استحلال ما حرم الله ورسوله ، أو تحريم ما أحله الله ورسوله .

وهو أن يعتقد المسلم شئ مما حرمه اله حلالا ، كمن يعتقد أن الخمر حلال ، أو الزنا حلال ونحو ذلك .

قال الشوكاني في (نيل الأوطار 9/72) :

ومن استحل ما هو حرام كفر بالإجماع . أ ـ هـ

وقال ابن حزم في (الفصل 3/114) :

فمن أحل ما حرم الله تعالى وهو عالم بأن الله تعالى حرمه فهو كافر بذلك الفعل نفسه ، وكل من حرم ما أحل الله تعالى فقد أحل ما حرم الله عز وجل لأن الله تعالى حرم على الناس أن يحرموا ما أحل الله . أ ـ هـ

12ـ الشرك في عبادة الله :

ـ 39 ـ


قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء:116)

وقال تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة:72)

وقال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (البقرة:165)

فمن الشرك بالله دعاء غير الله والاستغاثة به وطلب المدد والعون منه ، والذبح له والنذر له ، وتعظيمه كتعظيم رب العالمين ، والسجود عند أعتاب القبور ، واعتقاد أن غير الله يملك نفعًا أو ضرًا ونحو ذلك من أمور الشرك التي يقع فيها كثير من المسلمين اليوم .

فمن الشرك بالله دعاء غير الله والاستغاثة به وطلب المدد والعون منه ، والذبح له والنذر له ، وتعظيمه كتعظيم رب العالمين ، والسجود عند أعتاب القبور ، واعتقاد أن غير الله يملك نفعًا أو ضرًا ونحو ذلك من أمور الشرك التي يقع فيها كثير من المسلمين اليوم .

من مظاهر الشرك : ([6] (http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftn6))

1ـ الاعتقاد بأن للكون أربع أقطاب يتصرفون فيه .([7] (http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftn7))

2 ـ الاعتقاد بأن أرواح الأولياء الصالحين تتصرف في العباد وأحوالهم بعد الموت . وأنهم يملكون للخلق نفعًا وضرًا

3 ـ الخوف من الجن والرهبة منهم في ما لا يقدر عليه إلا الله .

4 ـ طاعة المشايخ من الصوفية وغيرهم في معصية الله مع اعتقاد ذلك حق وهو ما كان في بني إسرائيل .

قال تعالى عن بني إسرائيل : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّه)(التوبة: من الآية31)

5 ـ دعاء غير الله والاستغاثة به ؛ لأن في الدعاء والاستغاثة طلب نفع ورفع ضر وهذا من خصائص الربوبية .

6 ـ الخضوع والخنوع للحكام وإقرارهم على غير شريعة الله ، واعتقاد ذلك حق .

ـ وقال صاحب تيسير العزيز الحميد :

ينقسم (الشرك إلى )([8] (http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftn8)) ثلاثة أقسام بالنسبة إلي أنواع التوحيد ، وكل منها قد يكون أكبر وأصغر مطلقا وقد يكون أكبر بالنسبة إلى ما هو أصغر منه ويكون أصغر بالنسبة إلى ما هو أكبر منه :

(الشرك الأكبر منه ) (1)

القسم الأول : الشرك في الربوبية

وهو نوعان أحدهما :

شرك التعطيل ، وهو أقبح أنواع الشرك ، كشرك فرعون إذ قال : ( وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)(الشعراء: من الآية23) ومن هذا شرك الفلاسفة القائلين بقدم العالم وأبديته ، وأنه لم يكن معدوما أصلا ؛ بل لم يزل ولا يزال ، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها يسمونها العقول والنفوس ، ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود كابن عربي وابن سبعين والعفيف التلمساني وابن الفارض ونحوهم من الملاحدة الذين كسوا الإلحاد حلية الإسلام ومزجوه بشيء من الحق حتى راج أمرهم على خفافيش البصائر ، ومن هذا شرك من عطل أسماء الرب وأوصافه من غلاة الجهمية والقرامطة .

النوع الثاني :

شرك من جعل معه إلها آخر ، ولم يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته ؛ كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة ، وشرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور ، وحوادث الشر إلى الظلمة .

ومن هذا شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات ويجعلها مدبرة لأمر هذا العالم كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم .

قلت : ويلتحق به من و جه شرك غلاة عباد القبور الذين يزعمون أن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت فيقضون الحاجات ويفرجون الكربات وينصرون من دعاهم ويحفظون من التجأ إليهم ولاذ بحماهم ، فإن هذه من خصائص الربوبية كما ذكره بعضهم في هذا النوع القسم الثاني : الشرك في توحيد الأسماء والصفات

وهو أسهل مما قبله وهو نوعان :

أحدهما :

تشبيه الخالق بالمخلوق ؛ كمن يقول يد كيدي وسمع كسمعي وبصر كبصري واستواء كاستوائي وهو شرك المشبهة

الثاني :

اشتقاق أسماء للآلهة الباطلة من أسماء الإله الحق ، قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأعراف:180)

قال ابن عباس : (يلحدون في أسمائه) : يشركون .

وعنه : سموا اللات من الإله ، والعزى من العزيز

القسم الثالث : الشرك في توحيد الإلهية والعبادة

قال القرطبي : أصل الشرك المحرم اعتقاد شريك لله تعالى في الإلهية ، وهو الشرك الأعظم ، وهو شرك الجاهلية ، ويليه في الرتبة اعتقاد شريك لله تعالى في الفعل ، وهو قول من قال : إن موجودا ما غير الله تعالى يستقل بإحداث فعل وإيجاد ، وإن لم يعتقد كونه إلها . انتهى كلام القرطبي .

وهو نوعان :

أحدهما : أن يجعل لله ندا يدعوه كما يدعو الله ، ويسأله الشفاعة كما يسأل الله ، ويرجوه كما يرجو الله ، ويحبه كما يحب الله ، ويخشاه كما يخشى الله .

وبالجملة : فهو أن يجعل لله ندا يعبده كما يعبد الله ، وهذا هو الشرك الأكبر ، وهو الذي قال الله فيه : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )(النساء: من الآية36)

وقال : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت)(النحل: من الآية36)

وقال تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (يونس:18)

وقال تعالى : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (السجدة:4)

والآيات في النهي عن هذا الشرك ، وبيان بطلانه كثيرة جدا . أ ـ هـ([9] (http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftn9))

13 ـ عدم تكفير المشركين الأصليين ، أو الشك في كفرهم ، أو تصحيح مذهبهم :

وهم كل من دان بغير الإسلام ، من اليهود والنصارى والمجوس والوثنيين وغيرهم من ملل الكفر .

وهذا كفر بإجماع المسلمين ، ومن لم يكفر الكافر فهو كافر. وذلك لأن الله تعالى حكم بكفر هؤلاء فقال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)

وقال تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة:17)

وقال تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة:30)

14 ـ موالاة المشركين ، ونصرتهم على المسلمين :

ـ 41 ـ


قال تعالى : (يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً) (النساء:144)

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (التوبة:23)

وقال تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهمْ أَوْ أَبْنَاءَهمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22)

15 ـ النفاق الاعتقادي :

ومعناه : إظهار الإسلام وإبطان الكفر والشرك بالله .

قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (البقرة:8 ـ9 )

وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً) (النساء:142)

وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا) (النساء:145)

وهذا النفاق أنواع منها :

أ ـ تكذيب الرسول r فيما جاء به من عند ربه ، أو تكذيب بعضه

ب ـ بغض الرسول r ، أو بغض بعض ما جاء به

جـ ـ المسرة بانخفاض دين الإسلام

د ـ الكراهية لانتصار دين الإسلام ، ومحبة نصرة الكفار على المسلمين

16 ـ الاعتقاد الباطل :

كاعتقاد اليهود والنصارى في عيسى وعزير ، وكاعتقاد الفلاسفة أمثال ابن سينا في عقيدته في النبوة والبعث ، وكاعتقاد ابن عربي والسهروردي والحلاج والتلمساني في الاتحاد والحلول ، وكاعتقاد المشركين من المتصوفة في الأولياء وأنهم يملكون النفع والضر والتصرف في الكون ، وكاعتقاد العلمانيين أن شرع الله لا ينفع في هذا العصر ، وأن القوانين الوضعية أفضل من شرع الله ، أو مثله ، أو يجوز الحكم بها والتحاكم إليها ، وكاعتقاد بعض المتصوفة أن الإنسان يسعه الخروج عن شريعة محمد r كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى r .

من كتاب : الموجز في العقيدة السلفية لأبي حسام الدين الطرفاوي

وكتبه : أبوحسام الدين الطرفاوي

[email protected]




[/url]([1]) أنظر في ذلك على الجملة : باب الردة في كتب الفقه ، وانظر نواقض الإيمان الاعتقادية لمحمد على الوهيبي ، وكتاب التوحيد للشيخ صالح الفوزان ، وكتاب شرح نواقض الإيمان لسليمان بن ناصر العلوان ، وكتاب مدارج السالكين لابن قيم الجوزية (1/ 336 ) ، وكتاب الإعلام بقواطع الإسلام لابن حجر الهيتمي ، وكتابنا الكفر وقضية تكفير المسلم في عقيدة السلف .


(http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftnref1)([2]) من أراد مزيد تفصيل في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب (الاستهزاء بالدين وأهله ) لمحمد بن سعيد القحطاني فقد أجاد حفظه الله


(1) وهذا حال من يستعين بالجن فيما يقدر عليه الجن وسؤاله عن أشياء وقعت أو أشياء مخفية تحت الأرض ونحو ذلك


(http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftnref3)(2) وهذا والذي قبله يقع فيه من يعالج بالقرآن في استخراج الجن والسحر ، فإما أنه يصدق ما يسمعه من المريض ، وإما أن المريض لا يتكلم فيخمن أن عليه جنًا يهوديًا أو نصرانيًا أو أو ، أو أنه قد عمل له سحر ، ثم يصنف هذا السحر بحسب تخمينه ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وهذا من الجهل وحب عرض الدنيا وقد أغرقوا الناس في بحر من الأوهام والرعب ، مع العلم أن أمراض الجن والسحر ليست هكذا كما يتصورها هؤلاء ، وإنما هي الرقية من الراقي والاستعانة بالطاعة من المريض .


([5]) أنظر في هذا الأمر كتاب (عالم السحر والشعوذة ) لعمر سليمان الأشقر فإنه فريد في بابه


(http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftnref5)([6]) أنظر (عقيدة المؤمن ) لأبي بكر الجزائري ص65


)2) وهؤلاء الأقطاب عند الصوفية هم : أحمد البدوي ، وإبراهيم الدسوقي ، وعبد القادر الجيلاني ، وأحمد الرفاعي


[url="http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftnref8"][8] (http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftnref7) )) ما بين القوسين زيادة ليست بالأصل لتوضيح المعنى


[9] (http://www.dorarr.ws/forum/newthread.php?do=newthread&f=24#_ftnref9)) ) تيسير العزيز الحميد بشرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان بن عبدالله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص27 ـ 29