محمد المحيا
09-08-2005, 01:33 PM
"بالروح بالدم نفديك ياوطن"
شعار نشأنا على ترديده والتغني به حتى أصبح جزءاً من عقيدتنا بل أصبحت عقيدتنا جزءاً منه!
فهل يستحق المكان الذي ولدنا فيه وعشنا على ترابه أن نفديه بأرواحنا وأموالنا وأعز أملاكنا؟
قد لا يجد أحد أدنى صعوبة في الإجابة على هذا التساؤل.. الغريب.. عند هذه النقطة على الأقل.
إن سألت يمنياً عن وطنه فهو "اليمن" وإن سألت مصرياً فوطنه "مصر" وكذلك السعودي والهندي والفرنسي وغيرهم فالوطن هو "الجنسية"، وإن كنت تحمل أكثر من جنسية فأنت تنتمي إلى أكثر من وطن!
لو عدنا إلى الوراء قليلاً لنحاول فهم معنى الوطن والوطنية لوجدنا مثلاً أن تعريف الوطن هو: منزل الإقامة ومربط البقر والغنم (القاموس المحيط) والإقامة قد تكون في قرية أو في مدينة.. لذلك كان يقال قديماً إن فلاناً استوطن دمشق أو بغداد أو القاهرة ولا يقال إنه استوطن الدولة الأموية أو العباسية أو الفاطمية.. وعلى هذا التعريف يحق مثلاً لباكستاني ولد وعاش في الرياض أن يقول إن وطنه الرياض بينما لا يحق لسعودي ولد وعاش في بيروت أن يقول إن وطنه السعودية..
قد يبدو هذا المثال غير سليم للبعض حتى من الناحية النظرية.. فالكثيرون يحددون الانتماء إلى الوطن بحدود جغرافية سياسية وليس بحدود اجتماعية أو فكرية.. أي كما قال الشاعر:
وما أنا إلا من غزية إن غوت ×× غويت وإن ترشد غزية أرشدِ
فوطنية الشاعر هنا تتوافق تماماً مع التعريف الذي يقول إن الوطنية هي "ارتباط الفرد بقطعة أرض"
وهذه هي النظرة السائدة عن الوطنية في هذه الأيام، فالسعودي وطنيته محصورة داخل الحدود السياسية التي من ورائها تبدأ وطنية اليمني والعماني والإماراتي وهكذا، ووطنية كل واحد منهم تفرض عليه - في مواقف معينة - أن يقاتل الآخر دفاعاً عن وطنه رغم اشتراكهم في عنصرين يفوقان في أهميتهما عنصري الجغرافيا والأرض وهما عنصرا الدين واللغة.
المثير في الموضوع أننا لو حاولنا البحث عن أساس لمفهوم الوطنية عندنا كمسلمين أو حتى كعرب فلن نصل إلى شيء يعتد به وسوف نكتشف بمرارة أننا نعيش داخل وهم كبير اسمه "الوطن" ونؤمن بخرافة اسمها "الوطنية"
فالعرب قبل الإسلام كانوا يعيشون حياة بداوة وقبلية والتي من طبعها الترحال الدائم وراء الماء والكلأ، فلم يكن للعرب وطن جغرافي ينتمون إليه حتى جاء الإسلام ووضع حدود الانتماء على أساس الدين والعقيدة فلم يعد في الخريطة سوى "وطنين" هما دار الإسلام ودار الكفر.. وإذا عرفنا أن الإسلام دين شامل للبشر كافة فإن كل بقعة على هذه الأرض مرشحة لأن تكون جزءاً من دار الإسلام.. كما قال محمد إقبال:
أضحى الإسلام لنا دينا ×× وجميع الكون لنا وطنا
إذا اطلعنا على النصوص الشرعية بشيء من التدقيق لوجدنا أنها تخلو تماماً من الإشارة إلى أهمية الوطن أو مفهوم الوطنية ولا تتحدث عن الانتماء للأرض أو الدولة، فالإسلام كنظام سياسي ينظر إلى أتباعه كأمة واحدة لا كأوطان ومواطنين ورسم حدود الدولة على أساس العقيدة في الوقت الذي رسمتها الفلسفات المختلفة على أساس جغرافيا الأرض. لذلك فإن من يتحدث عن وطنية إسلامية فهو شخص لا يفهم معنى الوطنية ولا ما هو الإسلام، ولن نجد في النصوص الإسلامية ما يدعو إلى الدفاع عن شيء اسمه "الوطن" ولا إلى التضحية من أجله في حين أن كثيراً من الناس يعدون ذلك ضرباً من ضروب الجهاد ويطلقون على من يموت دفاعاً عن هذا الوطن مجاهداً وشهيداً رغم انه في الواقع مات دفاعاً عن "قطعة أرض" أو عن حاكم لتلك الأرض متمثلاً بقول الشاعر:
إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالمٌ ×× على القوم لم أنصر أخي حين يُظلَمُ
في عصرنا الحاضر حاولت الأنظمة السياسية الحاكمة إلصاق نفسها بالأرض والاستفادة من حديث مكذوب يقول "حب الوطن من الإيمان" فتغير مفهوم الوطنية وأصبح يعني حب الحاكم والدفاع عنه والتضحية من أجل بقائه، ومع مرور الوقت أصبح كل من يعارض الزعيم خائناً للوطن بل أصبحت عقيدتنا مرتبطة بفكر التبعية للزعيم وأهوائه وهو من يحدد معالم وطنيتنا ويرسم حدود انتمائنا بغض النظر عن موافقتها أو تعارضها مع عقيدتنا الأم التي يحكمنا باسمها وأصبح الشعار المرفوع هو "الدين لله والوطن للجميع" لذلك لم يعد مستغرباً في هذه الأيام أن نجد أنفسنا من المؤمنين المخلصين بمجموعة من المتناقضات وندعو الله تعالى ليل نهار أن يحفظ لنا أعداءنا.. ولم الاستغراب ما دمنا قد حققنا الاستقرار في الحضيض! في هذه الأيام من يقتل العراقي فليس بالضرورة أن يكون عدواً لليمني لأنه يقع خارج حدود "وطنيته" التي رسمها له الزعيم وأصبح المصري غير ملزم بنصرة أخيه في الدين وجاره الفلسطيني لأنه يقع خارج دائرة انتمائه التي شكلها له غيره..
لقد سعى المسلمون إلى تقليد غيرهم واقتباس مفاهيمهم متناسين المبدأ الإسلامي الذي يحدد الانتماء لدين الإسلام.. وينفرد الإسلام بهذا المبدأ الذي يفرق بين الابن وأبيه وبين الأخ وأخيه على هذا الأساس العقائدي المتين.. يقول الله تعالى: "قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (سورة التوبة)
ولا يفوتني أن أستشهد بما قاله الشهيد بإذن الله سيد قطب في هذه القضية:
"والبشرية إما أن تعيش - كما يريدها الإسلام - أَناسيّ تتجمع على زاد الروح وسمة القلب وعلامة الشعور.. وإما أن تعيش قطعاناً خلف سياج الحدود الأرضية، أو حدود الجنس واللون.. وكلها حدود مما يقام للماشية في المرعى كي لا يختلط قطيعٌ بقطيع".
محمد المحيا
شعار نشأنا على ترديده والتغني به حتى أصبح جزءاً من عقيدتنا بل أصبحت عقيدتنا جزءاً منه!
فهل يستحق المكان الذي ولدنا فيه وعشنا على ترابه أن نفديه بأرواحنا وأموالنا وأعز أملاكنا؟
قد لا يجد أحد أدنى صعوبة في الإجابة على هذا التساؤل.. الغريب.. عند هذه النقطة على الأقل.
إن سألت يمنياً عن وطنه فهو "اليمن" وإن سألت مصرياً فوطنه "مصر" وكذلك السعودي والهندي والفرنسي وغيرهم فالوطن هو "الجنسية"، وإن كنت تحمل أكثر من جنسية فأنت تنتمي إلى أكثر من وطن!
لو عدنا إلى الوراء قليلاً لنحاول فهم معنى الوطن والوطنية لوجدنا مثلاً أن تعريف الوطن هو: منزل الإقامة ومربط البقر والغنم (القاموس المحيط) والإقامة قد تكون في قرية أو في مدينة.. لذلك كان يقال قديماً إن فلاناً استوطن دمشق أو بغداد أو القاهرة ولا يقال إنه استوطن الدولة الأموية أو العباسية أو الفاطمية.. وعلى هذا التعريف يحق مثلاً لباكستاني ولد وعاش في الرياض أن يقول إن وطنه الرياض بينما لا يحق لسعودي ولد وعاش في بيروت أن يقول إن وطنه السعودية..
قد يبدو هذا المثال غير سليم للبعض حتى من الناحية النظرية.. فالكثيرون يحددون الانتماء إلى الوطن بحدود جغرافية سياسية وليس بحدود اجتماعية أو فكرية.. أي كما قال الشاعر:
وما أنا إلا من غزية إن غوت ×× غويت وإن ترشد غزية أرشدِ
فوطنية الشاعر هنا تتوافق تماماً مع التعريف الذي يقول إن الوطنية هي "ارتباط الفرد بقطعة أرض"
وهذه هي النظرة السائدة عن الوطنية في هذه الأيام، فالسعودي وطنيته محصورة داخل الحدود السياسية التي من ورائها تبدأ وطنية اليمني والعماني والإماراتي وهكذا، ووطنية كل واحد منهم تفرض عليه - في مواقف معينة - أن يقاتل الآخر دفاعاً عن وطنه رغم اشتراكهم في عنصرين يفوقان في أهميتهما عنصري الجغرافيا والأرض وهما عنصرا الدين واللغة.
المثير في الموضوع أننا لو حاولنا البحث عن أساس لمفهوم الوطنية عندنا كمسلمين أو حتى كعرب فلن نصل إلى شيء يعتد به وسوف نكتشف بمرارة أننا نعيش داخل وهم كبير اسمه "الوطن" ونؤمن بخرافة اسمها "الوطنية"
فالعرب قبل الإسلام كانوا يعيشون حياة بداوة وقبلية والتي من طبعها الترحال الدائم وراء الماء والكلأ، فلم يكن للعرب وطن جغرافي ينتمون إليه حتى جاء الإسلام ووضع حدود الانتماء على أساس الدين والعقيدة فلم يعد في الخريطة سوى "وطنين" هما دار الإسلام ودار الكفر.. وإذا عرفنا أن الإسلام دين شامل للبشر كافة فإن كل بقعة على هذه الأرض مرشحة لأن تكون جزءاً من دار الإسلام.. كما قال محمد إقبال:
أضحى الإسلام لنا دينا ×× وجميع الكون لنا وطنا
إذا اطلعنا على النصوص الشرعية بشيء من التدقيق لوجدنا أنها تخلو تماماً من الإشارة إلى أهمية الوطن أو مفهوم الوطنية ولا تتحدث عن الانتماء للأرض أو الدولة، فالإسلام كنظام سياسي ينظر إلى أتباعه كأمة واحدة لا كأوطان ومواطنين ورسم حدود الدولة على أساس العقيدة في الوقت الذي رسمتها الفلسفات المختلفة على أساس جغرافيا الأرض. لذلك فإن من يتحدث عن وطنية إسلامية فهو شخص لا يفهم معنى الوطنية ولا ما هو الإسلام، ولن نجد في النصوص الإسلامية ما يدعو إلى الدفاع عن شيء اسمه "الوطن" ولا إلى التضحية من أجله في حين أن كثيراً من الناس يعدون ذلك ضرباً من ضروب الجهاد ويطلقون على من يموت دفاعاً عن هذا الوطن مجاهداً وشهيداً رغم انه في الواقع مات دفاعاً عن "قطعة أرض" أو عن حاكم لتلك الأرض متمثلاً بقول الشاعر:
إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالمٌ ×× على القوم لم أنصر أخي حين يُظلَمُ
في عصرنا الحاضر حاولت الأنظمة السياسية الحاكمة إلصاق نفسها بالأرض والاستفادة من حديث مكذوب يقول "حب الوطن من الإيمان" فتغير مفهوم الوطنية وأصبح يعني حب الحاكم والدفاع عنه والتضحية من أجل بقائه، ومع مرور الوقت أصبح كل من يعارض الزعيم خائناً للوطن بل أصبحت عقيدتنا مرتبطة بفكر التبعية للزعيم وأهوائه وهو من يحدد معالم وطنيتنا ويرسم حدود انتمائنا بغض النظر عن موافقتها أو تعارضها مع عقيدتنا الأم التي يحكمنا باسمها وأصبح الشعار المرفوع هو "الدين لله والوطن للجميع" لذلك لم يعد مستغرباً في هذه الأيام أن نجد أنفسنا من المؤمنين المخلصين بمجموعة من المتناقضات وندعو الله تعالى ليل نهار أن يحفظ لنا أعداءنا.. ولم الاستغراب ما دمنا قد حققنا الاستقرار في الحضيض! في هذه الأيام من يقتل العراقي فليس بالضرورة أن يكون عدواً لليمني لأنه يقع خارج حدود "وطنيته" التي رسمها له الزعيم وأصبح المصري غير ملزم بنصرة أخيه في الدين وجاره الفلسطيني لأنه يقع خارج دائرة انتمائه التي شكلها له غيره..
لقد سعى المسلمون إلى تقليد غيرهم واقتباس مفاهيمهم متناسين المبدأ الإسلامي الذي يحدد الانتماء لدين الإسلام.. وينفرد الإسلام بهذا المبدأ الذي يفرق بين الابن وأبيه وبين الأخ وأخيه على هذا الأساس العقائدي المتين.. يقول الله تعالى: "قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (سورة التوبة)
ولا يفوتني أن أستشهد بما قاله الشهيد بإذن الله سيد قطب في هذه القضية:
"والبشرية إما أن تعيش - كما يريدها الإسلام - أَناسيّ تتجمع على زاد الروح وسمة القلب وعلامة الشعور.. وإما أن تعيش قطعاناً خلف سياج الحدود الأرضية، أو حدود الجنس واللون.. وكلها حدود مما يقام للماشية في المرعى كي لا يختلط قطيعٌ بقطيع".
محمد المحيا