المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من مشاكل التعليم في معظم الدول العربية,



رفقي محمد
16-07-2005, 08:31 AM
المنهجية الصحيحة :


إن التركيز على الدقة في كل شيء ، في كل جزئية في إطار منظومة ما مع مراعاة العلاقات الموجودة بين جميع المكونات لتلك المنظومة أو الفكرة أو الموضوع ، نعم ، فالتركيز الدقيق يؤدي إلى اكتساب منهج عقلاني علمي يضع جميع الأمور في نصابها المثالي وبكل سهولة و سلاسة ودون أي عناء، بل ويساعد الذاكرة والمخيلة على الابتكار و الإبداع بتلقائية تكاد تسميها "الإلهام"وهذا يحصل في جميع مجالات الإبداع : الفكر، الأدب ، الشعر ، الموسيقى ، الفلسفة و حتى في ابتكار الخطط التاكتيكية في الألعاب الذهنية وفي ألعاب الكرة الجماعية ... ونلاحظ هذه الملكات عند عدد من التلاميذ والطلبة والأساتذة والمفكرين وبعض الفنانين الذين لا يجدون اية مشكلة في التعامل مع أي موضوع و أي نشاط لكونهم نشئوا عن طريق هذا المنهج...





أما مجال اكتساب روح الدقة والتمييز و الملاحظة الدقيقة والضبط فيكون في المراحل الأولى من التعليم وفي جميع الأنشطة المدرسية من لغة وعلوم ورياضيات أو حساب و هندسة ورياضة وتشكيل وموسيقى... وفي كل ما يتعلق بالتربية الجمالية . وفي غياب هذه الملكة –أي الحس- والملاحظة الدقيقة – يحصل العكس ... وما العكس إلا ما نشاهده بكل أسف عند كثير من التلاميذ أو الطلبة أو حتى عند بعض "المدرسين" الذين –مع الأسف - يعجزون -- لتصحيح أنفسهم - عن التواصل سواء مع النظريات المدروسة في مراكز التكوين والمقررات أو مع من يحاولون تصحيحهم - وتجد كل ما يقدمونه من دروس أو شروح أو عروض تخلو من الدقة والجمالية في الأسلوب وحتى من الفكر فضلا عن ضعف المحتوى والابتعاد عن المقصود من الموضوع المطروح نفسه ، وأن التفكير عندهم يبقى سطحيا . وهذا ما يعاني منه أغلبية الطلبة الجامعيين الآن في قضية غياب المنهجية ...


فالمنهجية أساسها التعلم في الصغر أو لنقول في فترة مبكرة من الحياة وإلا طغت على التلميذ - الذي هو مستقبل المجتمع - العشوائية وعدم الضبط وتفكك الأفكار لأن تلك العلاقات والجزئيات لم تراع منذ البداية وأعطيت المعلومات الأولية بطريقة سطحية و جملة دون تحليل ولا تبرير و لا دعوى إلى التبرير ولا إلى العلاقات ولو بإشارة بسيطة : مثلا ن ما نقوم به في تدريس الرياضيات والحساب من برهنة وقيام الأدلة لتعويد العقل منذ البداية على المرور من تلك المراحل بسرعة فيستطيع بالتالي تركيب الفكرة أو الأفكار داخل منظومة (موضوع) معين ... بل ليتمكن من بعد أن يبدع في أي نوع من الإنتاج...وتسهل عليه سبل التعلم – تعلم أي شيء في أقرب وقت لأن هذه المؤهلات تشجعه على الاستمرار في الاجتهاد – وعندها يشعر بالمسئولية إزاء نفسه ولم يستطع التهاون من هذا الوقت -- و تجدر الإشارة إلى أنه يجب أن نلاحظ شيئا جد هام يحصل من إتباع هذا المنهج :


- إنه منهج تعليمي يصل بنا إلى نتيجة تربوية أهم من المعلومات المغلوطة ومن ملء الأذهان بالخزعبلات-: هي الشعور بالمسؤولية والثقة بالنفس . وبهذا المنهج وحده ولا بغيره نستطيع أن نصل بالطفل أو الشاب إلى هذا المستوى من الشعور الذي هو من أهم أهداف التربية بصفة أساسية .لأنه بفضله سيستطيع الطالب التحدي لكل ما كان يبدو له وما يبدو الآن لكثير من أولائك التلاميذ و الطلبة الذين لا يجدون حلا لتدني مستواهم رغم حسن نيتهم وقوة إرادتهم و عزيمتهم ومحاولاتهم إلا أنهم يصابون في الأخير باليأس .( وما أكثر هؤلاء الضحايا في مجتمعاتنا ، قدرات وذكاء وطاقات هائلة ضحية لسوء المناهج و غياب الضمير عند عدد كبير من المسئولين والمدرسين بدعوى أن التعليم به خلل من الأساس أو أن الميزانية المعتمدة لا تكفي ولا يحاولون تصحيح ما يمكن تصحيحه، ولا ينقدون ما يمكن إنقاذه من تلقائيتهم أو بوازع أخلاقي مع أن هذا لا يتطلب المادة بل الفكر والكفاءة – أو إن فاقد الشيء لا يعطيه – لكن هذا المشكل وللأسف يرجع كذلك إلى انعدام الضمير والأخلاق وغياب والمعرفة لأن من يملك العلم والأخلاق لا يمكنه أن يبخل ولو بدرة مما يكسبه ولأن العلم والمعرفة والأخلاق تحرك الإنسان وتحفزه وتحمسه ولو كان مريضا.


فالمشكلة التي أثيرها هنا- وهي نسبية - تدل دلالة قاطعة على أن فريقا من هؤلاء الضحايا من التلاميذ و الطلبة ليسوا بأغبياء ولا كان ينقصهم شيء إلا العناية، فهم ضحايا لغياب الضمير أو لنقص في كفاءة المسئولين. و أين دور مراكز التكوين بل وأين التكوين الذي هو في مراكز التكوين؟ أو هي مراكز "للتكوين" بالمعنى الدارج- (" كونوا وسكتوا" أحسن لكم...) .


وهذا هو سر الفرق بينا و بين العالم الغربي والدول التي فاقتنا في ميادين العلوم والتكنولوجيا بفض التربية والتعليم السليم الذي يوجه الطفل في طور مبكر من حياته ، لأنه اكتسب المنهج و الأدوات ونمى الملكات الطبيعية والبيداغوجية التي تسهل عليه التعلم ليصل إلى ما وصل إليه من قدرات في الإبداع و الابتكار الذي نلاحظه عندهم ومنذ زمن بعيد .


إذن، والحالة هذه ، فإلى متى سيستيقظ المسئولون عن التعليم لتوحيد المناهج وبناءها عمليا على هذه المبادئ والأسس الضرورية ؛ فهي موجودة كنظريات في الكتب( علوم التربية – مراكز التكوين...)، لكنها غير موجودة أي لا تطبق في العمل داخل القسم مع التلاميذ . فأين إذن دور المراقبة التربوية – إذا سلمنا بصلاحية المقررات وبكفاءة المراقبين -- ؟ بل وأين المقررات التي بنيت على هذه النظرية التي تراعى فيها هذه الأسس البيداغوجية الضرورية ؟ وإلا فالمصيبة ستبقى مستمرة إلى الأبد…فلماذا لا يستعان بخبرة أولائك المدرسين الذين يعملون بهذه المبادئ في الميدان ليكونوا النمودج والقدوة لتطبيق تلك النظريات التي تحفظ عن ظهر قلب من طرف المتخرجين من مراكز التكوين ولا يستطيع احد منهم تطبيقها والوصول إلى أهدافها؟؟ أم تمسك غريق بغريق…فإلى متى ستظل الأمور هكذا رهينة الأنانية و المحسوبية والمصلحة الخاصة … على حساب مصير أجيال بل أمة تعاني من فقدان القدرة على إثبات ذاتها ، والحالة هذه أن الخلف في ميدان التربية لايمكنه أن يكون إلا صورة للسلف أو أقل منه كفاءة وهكذا ذواليك سنبقى نعيش في حلقة مفرغة وفي دوامة لا يمكن الخروج منها إلا بإعادة النظر في هذه المناهج وفي تكوين الأطر بعيدا عن الشكليات الزائفة والمغالطة التى تدس السم في العسل والتي نستوردها كنظريات لا تمت بصلة لا إلى واقعنا و ثقافتنا و هويتنا ولا الحقيقة العلمية ولا حتى لواقع الغرب الذي يصدرها إلينا ( ولنقارن مستوى العطاء عند تلميذ من المدارس الحرة التي تعمل وفق برامج ومناهج فرنسية مع مستوى أبناءنا الذين يدرسون ما شاء الله في مدارسنا . فالفرق جد مخيف ينذر بكارثة لا محالة .


إنه لا يمكن الخروج من هذا النفق المظلم ومن هذه الحلقة المفرغة إلا بإعادة النظر في هذه القضايا وذلك بإشراك من لهم الخبرة الميدانية، الذين يمكنهم إيجاد الحلل وبكل سهولة ، وليس بالاقتصار على أشخاص معينين وعلى منطقة معينة كما يحدث دائما في محاولة كل تغيير-- الذي ليس له من التغيير إلا الشكل والألوان على حساب سذاجة مدرسين صامتين ، وعلى حساب مستقبل أجيال هذه الأمة-- و بعيدا عن تكرار نفس المقررات ونفس الروتين و بعيدا عن هذه المشاكل التقنية التي تتكرر فضلا عما يتزايد من المشاكل التي يعرفها التعليم على مستوى الخصاص في التجهيز والبناء والأدوات التربوية و مشاكل المنح…


و ما يزيد في الطين بلة هوظاهرة" الدروس الخصوصية" التي أصبح يعاني منها التلاميذ الضعاف وأولياءهم الفقراء والتي تستوجب حلا مستعجلا . لآن أغلبية من يقومون بها لا يعملون في القسم والضحايا بالتالي هم الفقراء ، وهذه ظاهرة خطيرة تتنافى والأعراف التربوية والدينية و تهدد أخلاقيات المهنة ككل وإذا كان هذا يحدث في التعليم الذي هو القدوة والأساس في بناء الأمة وتقدمها، فما ذا عسانا أن نقول في ميادين أخرى ليست التربية والأخلاق؟