المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صفحـــــــات كـــــــــــــاتــــــــــــــ ـب ( 6 )



alkatb
16-06-2005, 08:48 PM
شكــــــراً لكم

شكـــــــــــــــــــــراً لكم

فحبيبــــتي قتــــــلت وصـــــــار بوســــــــــعكم

أن تشـــــــربـــوا كـــأســـاً علـــى قــــبر الشهيدة

وقصيدتي اغتيلت…

وهل من أمة في الأرض

- إلا نحن - تغتال القصيدة ؟

بلقيس …

كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل

بلقيس

كانت أطول النخلات في أرض العراق

كانت إذا تمشي ..

ترافقها طواويس

وتتبعها أيائل

بلقيس يا وجعي

ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل

هل يا ترى

من بعد شعرك سوف ترتفع السنابل ؟

يا نينوى الخضراء

يا غجريتي الشقراء

يا أمواج دجلة

تلبس في الربيع بساقها

أحلى الخلاخل

قتلوك يا بلقيس

أية أمة عربية

تلك التي

تغتال أصوات البلابل ؟

أين السموأل ؟

والمهلهل ؟

والغطاريف الأوائل ؟

فقبائل أكلت قبائل

وثعالب قتلت ثعالب

وعناكب قتلت عناكب

قسماً بعينيك اللتين إليهما


تأوي ملايين الكواكب

سأقول ، يا قمري ، عن العرب العجائب

فهل البطولة كذبة عربية ؟

أم مثلنا التاريخ كاذب ؟

بلقيس

لا تتغيبي عني

فإن الشمس بعدك

لا تضيئ على السواحل


http://www.jehat.com/ar/nezar/gif/image.jpg


نزار توفيق قباني


تاريخ الميلاد : 21 مارس 1923 .

محل الميلاد : حي مئذنة الشحم ..أحد أحياء دمشق القديمة .

أسرة قباني من الأسر الدمشقية العريقة .. ومن أبرز أفرادها أبو خليل القباني ، مؤسس المسرح العربي في القرن الماضي ، وجدّ نزار .. أما والده توفيق قباني فتقول كتب التاريخ إنه كان من رجالات الثورة السورية الأماجد ، وكان من ميسوري الحال يعمل في التجارة وله محل معروف ، وكان نزار يساعده في عملية البيع عندما كان في صباه .. أنجب توفيق قباني ستة أبناء .. نزار ، رشيد ، هدباء ، معتز ، صباح ووصال التي ماتت في ريعان شبابها أما صباح فهو ما زال حياً .. وكان يُشغل منصب مدير الإذاعة السورية .



حصل على البكالوريا من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق ، ثم التحق بكلية الحقوق بالجامعة السورية وتخرّج فيها عام 1945 .

عمل فور تخرجه بالسلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية السورية ، وتنقل في سفاراتها بين مدن عديدة ، خاصة القاهرة ولندن وبيروت ومدريد ، وبعد إتمام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1959 ، تم تعيينه سكرتيراً ثانياً للجمهورية المتحدة في سفارتها بالصين .

وظل نزار متمسكاً بعمله الدبلوماسي حتى استقال منه عام 1966 .

طالب رجال الدين في سوريا بطرده من الخارجية وفصله من العمل الدبلوماسي في منتصف الخمسينات ، بعد نشر قصيدة الشهيرة " خبز وحشيش وقمر " التي أثارت ضده عاصفة شديدة وصلت إلى البرلمان .

كان يتقن اللغة الإنجليزية ، خاصة وأنه تعلّم تلك اللغة على أصولها ، عندما عمل سفيراً لسوريا في لندن بين عامي 1952- 1955.



تزوّج مرتين .. الأولى من سورية تدعى " زهرة " وانجب منها " هدباء " وتوفيق " وزهراء .

وقد توفي توفيق بمرض القلب وعمره 17 سنة ، وكان طالباً بكلية الطب جامعة القاهرة .. ورثاه نزار بقصيدة شهيرة عنوانها " الأمير الخرافي توفيق قباني " وأوصى نزار بأن يدفن بجواره بعد موته .وأما ابنته هدباء فهي متزوجة الآن من طبيب في إحدى بلدان الخليج .

والمرة الثانية من " بلقيس الراوي ، العراقية .. التي قُتلت في انفجار السفارة العراقية ببيروت عام 1982 ، وترك رحيلها أثراً نفسياً سيئاً عند نزار ورثاها بقصيدة شهيرة تحمل اسمها ، حمّل الوطن العربي كله مسؤولية قتلها ..

ولنزار من بلقيس ولد اسمه عُمر وبنت اسمها زينب . وبعد وفاة بلقيس رفض نزار أن يتزوج .

وعاش سنوات حياته الأخيرة في شقة بالعاصمة الإنجليزية وحيداً .

قصته مع الشعر...

بدأ نزار يكتب الشعر وعمره 16 سنة ، وأصدر أول دواوينه " قالت لي السمراء " عام 1944 وكان طالبا بكلية الحقوق ، وطبعه على نفقته الخاصة .

له عدد كبير من دواوين الشعر ، تصل إلى 35 ديواناً ، كتبها على مدار ما يزيد على نصف قرن أهمها " طفولة نهد ، الرسم بالكلمات ، قصائد ، سامبا ، أنت لي " .

لنزار عدد كبير من الكتب النثرية أهمها : " قصتي مع الشعر ، ما هو الشعر ، 100 رسالة حب " .

أسس دار نشر لأعماله في بيروت تحمل اسم " منشورات نزار قباني " .

أمير الشعر الغنائي

على مدى 40 عاماً كان المطربون الكبار يتسابقون للحصول على قصائد نزار .

وإليكم القائمة كاملة طبقاً للترتيب التاريخي :

أم كلثوم : غنت له أغنيتين : أصبح عندي الآن بندقية ، رسالة عاجلة إليك .. من ألحان عبد الوهاب .

عبد الحليم أغنيتين أيضاً هما : رسالة من تحت الماء ، وقارئة الفنجان من ألحان محمد الموجي .

نجاة : 4 أغان أيضاً ، ماذا أقول له ، كم أهواك ، أسألك الرحيلا .. والقصائد الأربع لحنها عبد الوهاب .

فايزة أحمد : قصيدة واحدة هي : رسالة من امرأة " من ألحان محمد سلطان .

فيروز : غنت له " وشاية " لا تسألوني ما اسمه حبيبي " من ألحان عاصي رحباني .

ماجدة الرومي : 3 قصائد هي : بيروت يا ست الدنيا ، مع الجريدة وهما من ألحان د. جمال سلامه .. ثم " كلمات " من ألحان الملحن اللبناني إحسان المنذر .

كاظم الساهر : 4 قصائد : " إني خيّرتك فاختاري ، زيديني عشقاً ، علّمني حبك ، مدرسة الحب .. وكلها من الحان كاظم الساهر .

أصالة : غنت له قصيدة " إغضب " التي لحنها حلمي بكر .

وبذلك يكون المجموع : 20 قصيدة ، غناها 8 مطربين ومطربات .

صدامات ومعارك

كانت حياة نزار مليئة بالصدمات والمعارك ، أما الصدمات فأهمها :

وفاة شقيقته الصغرى : وصال ، وهي ما زالت في ريعان شبابها بمرض القلب .

وفاة أمه التي كان يعشقها .. كان هو طفلها المدلّل وكانت هي كل النساء عنده .

وفاة ابنه توفيق من زوجته الأولى .. كان طالباً في كلية الطب بجامعة القاهرة .. وأصيب بمرض القلب وسافر به والده إلى لندن وطاف به أكبر المستشفيات وأشهر العيادات .. ولكن قضاء الله نفذ وكان توفيق لم يتجاوز 17 عاماً .

مقتل زوجته : بلقيس الراوي " العراقية في حادث انفجار السفارة العراقية ببيروت عام 1982 .

نكسة 1967 .. أحدثت شرخاً في نفسه ، وكانت حداً فاصلاً في حياته ، جعله يخرج من مخدع المرأة إلى ميدان السياسة .

أما عن المعارك فيمكننا أن نقول ، انه منذ دخل نزار مملكة الشعر بديوانه الأول " قالت لي السمراء " عام 1944 ، وحياته أصبحت معركة دائمة أما عن أبرز المعارك التي خاضها وبمعنى أصح الحملات التي شنها المعارضون ضده :

معركة قصيدة " خبز وحشيش وقمر " التي أثارت رجال الدين في سوريا ضده ، وطالبوا بطرده من السلك الدبلوماسي ، وانتقلت المعركة إلى البرلمان السوري وكان أول شاعر تناقش قصائده في البرلمان .

معركة " هوامش على دفتر النكسة " .. فقد أثارت القصيدة عاصفة شديدة في العالم العربي ، وأحدثت جدلاً كبيراً بين المثقفين .. ولعنف القصيدة صدر قرار بمنع إذاعة أغاني نزار وأشعاره في الإذاعة والتلفزيون .

في عام 1990 صدر قرار من وزارة التعليم المصرية بحذف قصيدته " عند الجدار " من مناهج الدراسة بالصف الأول الإعدادي لما تتضمنه من معاني غير لائقة .. وقد أثار القرار ضجة في حينها واعترض عليه كثير من الشعراء في مقدمتهم محمد إبراهيم أبو سنة ..

المعركة الكبيرة التي خاضها ضد الشاعر الكبير " أدونيس " في أوائل السبعينات ، قصة الخلاف تعود إلى حوار مع نزار أجراه ، منير العكش ، الصحفي اللبناني ونشره في مجلة مواقف التي يشرف عليها أدونيس . ثم عاد نزار ونشر الحوار في كتيب دون أن يذكر اسم المجلة التي نشرت الحوار … فكتب أدونيس مقالاً عنيفاً يهاجم فيه نزار الذي رد بمقال أعنف .

وتطورت المعركة حتى كادت تصل إلى المحاكم لولا تدخل أصدقاء الطرفين بالمصالحة .

عام 1990 أقام دعوى قضائية ضد إحدى دور النشر الكبرى في مصر ، لأن الدار أصدرت كتابه " فتافيت شاعر " متضمناً هجوماً حاداً على نزار على لسان الناقد اللبناني جهاد فاضل .. وطالب نزار بـ 100 ألف جنيه كتعويض وتم الصلح بعد محاولات مستميتة .

آخر العمر

بعد مقتل بلقيس ترك نزار بيروت وتنقل في باريس وجنيف حتى استقر به المقام في لندن التي قضى بها الأعوام الخمسة عشر الأخيرة من حياته .

ومن لندن كان نزار يكتب أشعاره ويثير المعارك والجدل ..خاصة قصائده السياسة خلال فترة التسعينات مثل : متى يعلنون وفاة العرب ، والمهرولون ، والمتنبي ، وأم كلثوم على قائمة التطبيع .

وافته المنية في لندن يوم 30/4/1998 عن عمر يناهز 75 عاما كان منها 50 عاماً بين الفن والحب والغضب .




أحبك جدا
واعرف ان الطريق الى المستحيل طويل
واعرف انك ست النساء
وليس لدي بديل
واعرف أن زمان الحبيب انتهى
ومات الكلام الجميل
لست النساء ماذا نقول..
احبك جدا..
احبك جدا وأعرف اني أعيش بمنفى
وأنت بمنفى..وبيني وبينك
ريح وبرق وغيم ورعد وثلج ونار.
واعرف أن الوصول اليك..اليك انتحار
ويسعدني..
أن امزق نفسي لأجلك أيتها الغالية
ولو..ولو خيروني لكررت حبك للمرة الثانية..
يا من غزلت قميصك من ورقات الشجر
أيا من حميتك بالصبر من قطرات المطر
أحبك جدا واعرف أني أسافر في بحر عينيك دون يقين
وأترك عقلي ورأيي وأركض..أركض..خلف جنوني
أيا امرأة..تمسك القلب بين يديها
سألتك بالله ..لا تتركيني
لا تتركيني..
فما أكون أنا اذا لم تكوني
أحبك..
أحبك جدا ..وجدا وجدا وأرفض من نار حبك أن أستقيلا
وهل يستطيع المتيم بالحب أن يستقيلا..
وما همني..ان خرجت من الحب حيا
وما همني ان خرجت قتيلا






ما تفعلين هنا ؟

ما تفعلين هنا ؟

فالشاعر المشهور ليس أنا

لكنني ...

بتوتري العصبي أشبهه

وغريزة البدويّ أشبهه

وتطرفي الفكري أشبهه

وجنوني الجنسي أشبهه

وبحزني الأزلي أشبهه

هل تسمعين صهيل أحزاني ؟

ما تبتغين لديّ سيدتي ؟

فالشاعر الأصلي ليس أنا

بل واحد ثاني

يا من تفتش في حقيبتها

عن شاعرٍ غرقت مراكبه

لن تعثري أبداً عليّ بأي عنوان

شبحٌ أنا … بالعين ليس يُرى

لغةٌ أنا من غير أَحْرُفها

ملك أنا … من غير مملكة

وطنٌ أنا

من غير أبواب وحيطان

يا غابتي الخضراء يؤسفني

أنْ جئتِ بعد رحيل نيسان

أعشاب صدري الآن يابسة

وسنابلي انكسرت ..

وأغصاني

لا نار في بيتي لأوقدها

فليرحم الرحمن نيراني

لا تحرجيني .. يا بنفسجتي

أشجار لوزك لا وصول لها

وثمار خوخك .. فوق إمكاني

لم يبق عندي ما أقدّمه

للحب

غير صهيل أحزاني

أغزالة بالباب واقفة ؟

من بعدما ودّعت غزلاني

ماذا تُرى أهدي لزائرتي ؟

شعري القديم ؟

نسيتُ قائله

ونسيتُ كاتبه

ونسيتُ نسياني

هل هذه الكلمات شغل يدي ؟

إني أشكّ بكل ما حولي

بدفاتري

بأصابعي

بنزيف ألواني

هل هذه اللوحات من عملي ؟

أم أنها لمصوّرٍ ثاني

يا طفلةً . . جاءت تُذَكِّرني

بمواسم النعناع والماءِ

ماذا سأكتبُ فوق دفترها ؟

ما عدتُ أذكرُ شكل إمضائي !!

لا تبحثي عني .. فلن تَجدِي

مني ..

سوى أجزاء أجزائي

يا قطتي القزحيّة العينين

لا أحد

في شارع الأحزان يعرفني

لا مركب في البحر يحملني

لا عطر مهما كان يسكرني

لا ركبة شقراء .. أو سمراء تدهشني

لا حبّ

يدخل مثل سكينٍ بشرياني

بالأمس .. كان الحب تسليتي

فالنهد .. أرسمه سفرجلةً

والعطر أمضغه بأسناني

بالأمس كنتُ مقاتلاً شرساً

فالأرض أحملها على كتفي

والشعر أكتبه بأجفاني

واليوم لا سيف ولا فرس

سقطت على نهديك أوسمتي

وملاحمي الكبرى وتيجاني

عن أي شيء تبحثين هنا ؟

فالشاعر المشهور ليس أنا

بل واحد ثاني

مقهى الهوى فرغت مقاعده

حولي

وما أكملتُ فنجاني

alkatb
17-06-2005, 12:18 AM
قارئة الفنجان

جَلَسَت والخوفُ بعينيها
تتأمَّلُ فنجاني المقلوب
قالت:
يا ولدي.. لا تَحزَن
فالحُبُّ عَليكَ هوَ المكتوب
يا ولدي،
قد ماتَ شهيداً
من ماتَ على دينِ المحبوب
فنجانك دنيا مرعبةٌ
وحياتُكَ أسفارٌ وحروب..
ستُحِبُّ كثيراً يا ولدي..
وتموتُ كثيراً يا ولدي
وستعشقُ كُلَّ نساءِ الأرض..
وتَرجِعُ كالملكِ المغلوب

بحياتك يا ولدي امرأةٌ
عيناها، سبحانَ المعبود
فمُها مرسومٌ كالعنقود
ضحكتُها موسيقى و ورود
لكنَّ سماءكَ ممطرةٌ..
وطريقكَ مسدودٌ.. مسدود
فحبيبةُ قلبكَ.. يا ولدي
نائمةٌ في قصرٍ مرصود
والقصرُ كبيرٌ يا ولدي
وكلابٌ تحرسُهُ.. وجنود
وأميرةُ قلبكَ نائمةٌ..
من يدخُلُ حُجرتها مفقود..
من يطلبُ يَدَها..
من يَدنو من سورِ حديقتها.. مفقود
من حاولَ فكَّ ضفائرها..
يا ولدي..
مفقودٌ.. مفقود

بصَّرتُ.. ونجَّمت كثيراً
لكنّي.. لم أقرأ أبداً
فنجاناً يشبهُ فنجانك
لم أعرف أبداً يا ولدي..
أحزاناً تشبهُ أحزانك
مقدُورُكَ.. أن تمشي أبداً
في الحُبِّ .. على حدِّ الخنجر
وتَظلَّ وحيداً كالأصداف
وتظلَّ حزيناً كالصفصاف
مقدوركَ أن تمضي أبداً..
في بحرِ الحُبِّ بغيرِ قُلوع
وتُحبُّ ملايينَ المَرَّاتِ...
وترجعُ كالملكِ المخلوع..



هـــــــــــــــــــرة

كنت أعدو في غابة اللوز .. لما

قال عني، أماه، إني حلوة

وعلى سالفي .. غفا زر ورد

وقميص تفلتت منه عروة

قال ما قال .. فالقميص جحيم

فوق صدري، والثوب يقطر نشوة

قال لي : مبسمي وريقة توت

ولقد قال إن صدري ثروة

وروى لي عن ناهدي حكايا..

فهما جدولا نبيذ وقهوة

وهما دورقا رحيق ونور

وهما ربوة تعانق ربوة..

أأنا حلوة؟ وأيقظ أنثى

في عروقي ، وشق للنور كوه

إن في صوته قرارا رخيما

وبأحداقه .. بريق النبوة

جبهة حرة .. كما انسرح النور

وثغر فيه اعتداد وقسوة

يغصب القبلة اغتصابا .. وأرضي

وجميل أن يؤخذ الثغر عنوة

ورددت الجفون عنه .. حياء

وحياء النساء للحب دعوة

تستحي مقلتي .. ويسأل طهري

عن شذاه .. كأن للطهر شهوة

أنت .. لن تنكري على احتراقي

كلنا .. في مجامر النار نسوه




إخــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــتاري

إني خيرتُكِ فاختاري
ما بينَ الموتِ على صدري..
أو فوقَ دفاترِ أشعاري..
إختاري الحبَّ.. أو اللاحبَّ
فجُبنٌ ألا تختاري..
لا توجدُ منطقةٌ وسطى
ما بينَ الجنّةِ والنارِ..

إرمي أوراقكِ كاملةً..
وسأرضى عن أيِّ قرارِ..
قولي. إنفعلي. إنفجري
لا تقفي مثلَ المسمارِ..
لا يمكنُ أن أبقى أبداً
كالقشّةِ تحتَ الأمطارِ
إختاري قدراً بين اثنينِ
وما أعنفَها أقداري..

مُرهقةٌ أنتِ.. وخائفةٌ
وطويلٌ جداً.. مشواري
غوصي في البحرِ.. أو ابتعدي
لا بحرٌ من غيرِ دوارِ..
الحبُّ مواجهةٌ كبرى
إبحارٌ ضدَّ التيارِ
صَلبٌ.. وعذابٌ.. ودموعٌ
ورحيلٌ بينَ الأقمارِ..
يقتُلني جبنُكِ يا امرأةً
تتسلى من خلفِ ستارِ..
إني لا أؤمنُ في حبٍّ..
لا يحملُ نزقَ الثوارِ..
لا يكسرُ كلَّ الأسوارِ
لا يضربُ مثلَ الإعصارِ..
آهٍ.. لو حبُّكِ يبلعُني
يقلعُني.. مثلَ الإعصارِ..

إنّي خيرتك.. فاختاري
ما بينَ الموتِ على صدري
أو فوقَ دفاترِ أشعاري
لا توجدُ منطقةٌ وسطى
ما بينَ الجنّةِ والنّارِ..





[poem=font="Arial,5,white,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/10.gif" border="none,4,gray" type=3 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أسألك الرحيلا


لنفترق قليلا..
لخيرِ هذا الحُبِّ يا حبيبي
وخيرنا..
لنفترق قليلا
لأنني أريدُ أن تزيدَ في محبتي
أريدُ أن تكرهني قليلا
بحقِّ ما لدينا..
من ذِكَرٍ غاليةٍ كانت على كِلَينا..
بحقِّ حُبٍّ رائعٍ..
ما زالَ منقوشاً على فمينا
ما زالَ محفوراً على يدينا..
بحقِّ ما كتبتَهُ.. إليَّ من رسائلِ..
ووجهُكَ المزروعُ مثلَ وردةٍ في داخلي..
وحبكَ الباقي على شَعري على أناملي
بحقِّ ذكرياتنا
وحزننا الجميلِ وابتسامنا
وحبنا الذي غدا أكبرَ من كلامنا
أكبرَ من شفاهنا..
بحقِّ أحلى قصةِ للحبِّ في حياتنا
أسألكَ الرحيلا

لنفترق أحبابا..
فالطيرُ في كلِّ موسمٍ..
تفارقُ الهضابا..
والشمسُ يا حبيبي..
تكونُ أحلى عندما تحاولُ الغيابا
كُن في حياتي الشكَّ والعذابا
كُن مرَّةً أسطورةً..
كُن مرةً سرابا..
وكُن سؤالاً في فمي
لا يعرفُ الجوابا
من أجلِ حبٍّ رائعٍ
يسكنُ منّا القلبَ والأهدابا
وكي أكونَ دائماً جميلةً
وكي تكونَ أكثر اقترابا
أسألكَ الذهابا..

لنفترق.. ونحنُ عاشقان..
لنفترق برغمِ كلِّ الحبِّ والحنان
فمن خلالِ الدمعِ يا حبيبي
أريدُ أن تراني
ومن خلالِ النارِ والدُخانِ
أريدُ أن تراني..
لنحترق.. لنبكِ يا حبيبي
فقد نسينا
نعمةَ البكاءِ من زمانِ
لنفترق..
كي لا يصيرَ حبُّنا اعتيادا
وشوقنا رمادا..
وتذبلَ الأزهارُ في الأواني..

كُن مطمئنَّ النفسِ يا صغيري
فلم يزَل حُبُّكَ ملء العينِ والضمير
ولم أزل مأخوذةً بحبكَ الكبير
ولم أزل أحلمُ أن تكونَ لي..
يا فارسي أنتَ ويا أميري
لكنني.. لكنني..
أخافُ من عاطفتي
أخافُ من شعوري
أخافُ أن نسأمَ من أشواقنا
أخاف من وِصالنا..
أخافُ من عناقنا..
فباسمِ حبٍّ رائعٍ
أزهرَ كالربيعِ في أعماقنا..
أضاءَ مثلَ الشمسِ في أحداقنا
وباسم أحلى قصةٍ للحبِّ في زماننا
أسألك الرحيلا..
حتى يظلَّ حبنا جميلا..
حتى يكون عمرُهُ طويلا..
أسألكَ الرحيلا..




قصيدة بلقيس - لنزار قباني


شُكْرَاً لَكُمْ
شُكْرَاً لَكُمْ
فحبيبتي قُتِلَتْ وصارَ بوسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبرِ الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت ..
وهَلْ من أُمَّةٍ في الأرضِ ..
- إلاَّ نحنُ - تغتالُ القصيدة ؟

بلقيسُ ...
كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِِلْ
بلقيسُ ..
كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ
كانتْ إذا تمشي ..
ترافقُها طواويسٌ ..
وتتبعُها أيائِلْ ..
بلقيسُ .. يا وَجَعِي ..
ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمَسُهَا الأناملْ
هل يا تُرى ..
من بعد شَعْرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابلْ ؟
يا نَيْنَوَى الخضراء ..
يا غجريَّتي الشقراء ..
يا أمواجَ دجلةَ . .
تلبسُ في الربيعِ بساقِهِا
أحلى الخلاخِلْ ..
قتلوكِ يا بلقيسُ ..
أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ ..
تلكَ التي
تغتالُ أصواتَ البلابِلْ ؟
أين السَّمَوْأَلُ ؟
والمُهَلْهَلُ ؟
والغطاريفُ الأوائِلْ ؟
فقبائلٌ أَكَلَتْ قبائلْ ..
وثعالبٌ قتلتْ ثعالبْ ..
وعناكبٌ قتلتْ عناكبْ ..
قَسَمَاً بعينيكِ اللتينِ إليهما ..
تأوي ملايينُ الكواكبْ ..
سأقُولُ ، يا قَمَرِي ، عن العَرَبِ العجائبْ
فهل البطولةُ كِذْبَةٌ عربيةٌ ؟
أم مثلنا التاريخُ كاذبْ ؟.

بلقيسُ
لا تتغيَّبِي عنّي
فإنَّ الشمسَ بعدكِ
لا تُضيءُ على السواحِلْ . .
سأقول في التحقيق :
إنَّ اللصَّ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِلْ
وأقول في التحقيق :
إنَّ القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاوِلْ ..
وأقولُ :
إن حكايةَ الإشعاع ، أسخفُ نُكْتَةٍ قِيلَتْ ..
فنحنُ قبيلةٌ بين القبائِلْ
هذا هو التاريخُ . . يا بلقيسُ ..
كيف يُفَرِّقُ الإنسانُ ..
ما بين الحدائقِ والمزابلْ
بلقيسُ ..
أيَّتها الشهيدةُ .. والقصيدةُ ..
والمُطَهَّرَةُ النقيَّةْ ..
سبأٌ تفتِّشُ عن مَلِيكَتِهَا
فرُدِّي للجماهيرِ التحيَّةْ ..
يا أعظمَ المَلِكَاتِ ..
يا امرأةً تُجَسِّدُ كلَّ أمجادِ العصورِ السُومَرِيَّةْ
بلقيسُ ..
يا عصفورتي الأحلى ..
ويا أَيْقُونتي الأَغْلَى
ويا دَمْعَاً تناثرَ فوقَ خَدِّ المجدليَّةْ
أَتُرى ظَلَمْتُكِ إذْ نَقَلْتُكِ
ذاتَ يومٍ .. من ضفافِ الأعظميَّةْ
بيروتُ .. تقتُلُ كلَّ يومٍ واحداً مِنَّا ..
وتبحثُ كلَّ يومٍ عن ضحيَّةْ
والموتُ .. في فِنْجَانِ قَهْوَتِنَا ..
وفي مفتاح شِقَّتِنَا ..
وفي أزهارِ شُرْفَتِنَا ..
وفي وَرَقِ الجرائدِ ..
والحروفِ الأبجديَّةْ ...
ها نحنُ .. يا بلقيسُ ..
ندخُلُ مرةً أُخرى لعصرِ الجاهليَّةْ ..
ها نحنُ ندخُلُ في التَوَحُّشِ ..
والتخلّفِ .. والبشاعةِ .. والوَضَاعةِ ..
ندخُلُ مرةً أُخرى .. عُصُورَ البربريَّةْ ..
حيثُ الكتابةُ رِحْلَةٌ
بينِ الشَّظيّةِ .. والشَّظيَّةْ
حيثُ اغتيالُ فراشةٍ في حقلِهَا ..
صارَ القضيَّةْ ..
هل تعرفونَ حبيبتي بلقيسَ ؟
فهي أهمُّ ما كَتَبُوهُ في كُتُبِ الغرامْ
كانتْ مزيجاً رائِعَاً
بين القَطِيفَةِ والرُّخَامْ ..
كان البَنَفْسَجُ بينَ عَيْنَيْهَا
ينامُ ولا ينامْ ..

بلقيسُ ..
يا عِطْرَاً بذاكرتي ..
ويا قبراً يسافرُ في الغمام ..
قتلوكِ ، في بيروتَ ، مثلَ أيِّ غزالةٍ
من بعدما .. قَتَلُوا الكلامْ ..
بلقيسُ ..
ليستْ هذهِ مرثيَّةً
لكنْ ..
على العَرَبِ السلامْ

بلقيسُ ..
مُشْتَاقُونَ .. مُشْتَاقُونَ .. مُشْتَاقُونَ ..
والبيتُ الصغيرُ ..
يُسائِلُ عن أميرته المعطَّرةِ الذُيُولْ
نُصْغِي إلى الأخبار .. والأخبارُ غامضةٌ
ولا تروي فُضُولْ ..

بلقيسُ ..
مذبوحونَ حتى العَظْم ..
والأولادُ لا يدرونَ ما يجري ..
ولا أدري أنا .. ماذا أقُولْ ؟
هل تقرعينَ البابَ بعد دقائقٍ ؟
هل تخلعينَ المعطفَ الشَّتَوِيَّ ؟
هل تأتينَ باسمةً ..
وناضرةً ..
ومُشْرِقَةً كأزهارِ الحُقُولْ ؟

بلقيسُ ..
إنَّ زُرُوعَكِ الخضراءَ ..
ما زالتْ على الحيطانِ باكيةً ..
وَوَجْهَكِ لم يزلْ مُتَنَقِّلاً ..
بينَ المرايا والستائرْ
حتى سجارتُكِ التي أشعلتِها
لم تنطفئْ ..
ودخانُهَا
ما زالَ يرفضُ أن يسافرْ

بلقيسُ ..
مطعونونَ .. مطعونونَ في الأعماقِ ..
والأحداقُ يسكنُها الذُهُولْ
بلقيسُ ..
كيف أخذتِ أيَّامي .. وأحلامي ..
وألغيتِ الحدائقَ والفُصُولْ ..
يا زوجتي ..
وحبيبتي .. وقصيدتي .. وضياءَ عيني ..
قد كنتِ عصفوري الجميلَ ..
فكيف هربتِ يا بلقيسُ منّي ؟..
بلقيسُ ..
هذا موعدُ الشَاي العراقيِّ المُعَطَّرِ ..
والمُعَتَّق كالسُّلافَةْ ..
فَمَنِ الذي سيوزّعُ الأقداحَ .. أيّتها الزُرافَةْ ؟
ومَنِ الذي نَقَلَ الفراتَ لِبَيتنا ..
وورودَ دَجْلَةَ والرَّصَافَةْ ؟

بلقيسُ ..
إنَّ الحُزْنَ يثقُبُنِي ..
وبيروتُ التي قَتَلَتْكِ .. لا تدري جريمتَها
وبيروتُ التي عَشقَتْكِ ..
تجهلُ أنّها قَتَلَتْ عشيقتَها ..
وأطفأتِ القَمَرْ ..

بلقيسُ ..
يا بلقيسُ ..
يا بلقيسُ
كلُّ غمامةٍ تبكي عليكِ ..
فَمَنْ تُرى يبكي عليَّا ..
بلقيسُ .. كيف رَحَلْتِ صامتةً
ولم تَضَعي يديْكِ .. على يَدَيَّا ؟

بلقيسُ ..
كيفَ تركتِنا في الريح ..
نرجِفُ مثلَ أوراق الشَّجَرْ ؟
وتركتِنا - نحنُ الثلاثةَ - ضائعينَ
كريشةٍ تحتَ المَطَرْ ..
أتُرَاكِ ما فَكَّرْتِ بي ؟
وأنا الذي يحتاجُ حبَّكِ .. مثلَ (زينبَ) أو (عُمَرْ)

بلقيسُ ..
يا كَنْزَاً خُرَافيّاً ..
ويا رُمْحَاً عِرَاقيّاً ..
وغابَةَ خَيْزُرَانْ ..
يا مَنْ تحدَّيتِ النجُومَ ترفُّعاً ..
مِنْ أينَ جئتِ بكلِّ هذا العُنْفُوانْ ؟
بلقيسُ ..
أيتها الصديقةُ .. والرفيقةُ ..
والرقيقةُ مثلَ زَهْرةِ أُقْحُوَانْ ..
ضاقتْ بنا بيروتُ .. ضاقَ البحرُ ..
ضاقَ بنا المكانْ ..
بلقيسُ : ما أنتِ التي تَتَكَرَّرِينَ ..
فما لبلقيسَ اثْنَتَانْ ..

بلقيسُ ..
تذبحُني التفاصيلُ الصغيرةُ في علاقتِنَا ..
وتجلُدني الدقائقُ والثواني ..
فلكُلِّ دبّوسٍ صغيرٍ .. قصَّةٌ
ولكُلِّ عِقْدٍ من عُقُودِكِ قِصَّتانِ
حتى ملاقطُ شَعْرِكِ الذَّهَبِيِّ ..
تغمُرُني ،كعادتِها ، بأمطار الحنانِ
ويُعَرِّشُ الصوتُ العراقيُّ الجميلُ ..
على الستائرِ ..
والمقاعدِ ..
والأوَاني ..
ومن المَرَايَا تطْلَعِينَ ..
من الخواتم تطْلَعِينَ ..
من القصيدة تطْلَعِينَ ..
من الشُّمُوعِ ..
من الكُؤُوسِ ..
من النبيذ الأُرْجُواني ..

بلقيسُ ..
يا بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..
لو تدرينَ ما وَجَعُ المكانِ ..
في كُلِّ ركنٍ .. أنتِ حائمةٌ كعصفورٍ ..
وعابقةٌ كغابةِ بَيْلَسَانِ ..
فهناكَ .. كنتِ تُدَخِّنِينَ ..
هناكَ .. كنتِ تُطالعينَ ..
هناكَ .. كنتِ كنخلةٍ تَتَمَشَّطِينَ ..
وتدخُلينَ على الضيوفِ ..
كأنَّكِ السَّيْفُ اليَمَاني ..

بلقيسُ ..
أين زجَاجَةُ ( الغِيرلاَنِ ) ؟
والوَلاّعةُ الزرقاءُ ..
أينَ سِجَارةُ الـ (الكَنْتِ ) التي
ما فارقَتْ شَفَتَيْكِ ؟
أين (الهاشميُّ ) مُغَنِّيَاً ..
فوقَ القوامِ المَهْرَجَانِ ..
تتذكَّرُ الأمْشَاطُ ماضيها ..
فَيَكْرُجُ دَمْعُهَا ..
هل يا تُرى الأمْشَاطُ من أشواقها أيضاً تُعاني ؟
بلقيسُ : صَعْبٌ أنْ أهاجرَ من دمي ..
وأنا المُحَاصَرُ بين ألسنَةِ اللهيبِ ..
وبين ألسنَةِ الدُخَانِ ...
بلقيسُ : أيتَّهُا الأميرَةْ
ها أنتِ تحترقينَ .. في حربِ العشيرةِ والعشيرَةْ
ماذا سأكتُبُ عن رحيل مليكتي ؟
إنَ الكلامَ فضيحتي ..
ها نحنُ نبحثُ بين أكوامِ الضحايا ..
عن نجمةٍ سَقَطَتْ ..
وعن جَسَدٍ تناثَرَ كالمَرَايَا ..
ها نحنُ نسألُ يا حَبِيبَةْ ..
إنْ كانَ هذا القبرُ قَبْرَكِ أنتِ
أم قَبْرَ العُرُوبَةْ ..
بلقيسُ :
يا صَفْصَافَةً أَرْخَتْ ضفائرَها عليَّ ..
ويا زُرَافَةَ كبرياءْ
بلقيسُ :
إنَّ قَضَاءَنَا العربيَّ أن يغتالَنا عَرَبٌ ..
ويأكُلَ لَحْمَنَا عَرَبٌ ..
ويبقُرُ بطْنَنَا عَرَبٌ ..
ويَفْتَحَ قَبْرَنَا عَرَبٌ ..
فكيف نفُرُّ من هذا القَضَاءْ ؟
فالخِنْجَرُ العربيُّ .. ليسَ يُقِيمُ فَرْقَاً
بين أعناقِ الرجالِ ..
وبين أعناقِ النساءْ ..
بلقيسُ :
إنْ هم فَجَّرُوكِ .. فعندنا
كلُّ الجنائزِ تبتدي في كَرْبَلاءَ ..
وتنتهي في كَرْبَلاءْ ..
لَنْ أقرأَ التاريخَ بعد اليوم
إنَّ أصابعي اشْتَعَلَتْ ..
وأثوابي تُغَطِّيها الدمَاءْ ..
ها نحنُ ندخُلُ عصْرَنَا الحَجَرِيَّ
نرجعُ كلَّ يومٍ ، ألفَ عامٍ للوَرَاءْ ...
البحرُ في بيروتَ ..
بعد رحيل عَيْنَيْكِ اسْتَقَالْ ..
والشِّعْرُ .. يسألُ عن قصيدَتِهِ
التي لم تكتمِلْ كلماتُهَا ..
ولا أَحَدٌ .. يُجِيبُ على السؤالْ
الحُزْنُ يا بلقيسُ ..
يعصُرُ مهجتي كالبُرْتُقَالَةْ ..
الآنَ .. أَعرفُ مأزَقَ الكلماتِ
أعرفُ وَرْطَةَ اللغةِ المُحَالَةْ ..
وأنا الذي اخترعَ الرسائِلَ ..
لستُ أدري .. كيفَ أَبْتَدِئُ الرسالَةْ ..
السيف يدخُلُ لحم خاصِرَتي
وخاصِرَةِ العبارَةْ ..
كلُّ الحضارةِ ، أنتِ يا بلقيسُ ، والأُنثى حضارَةْ ..
بلقيسُ : أنتِ بشارتي الكُبرى ..
فَمَنْ سَرَق البِشَارَةْ ؟
أنتِ الكتابةُ قبْلَمَا كانَتْ كِتَابَةْ ..
أنتِ الجزيرةُ والمَنَارَةْ ..
بلقيسُ :
يا قَمَرِي الذي طَمَرُوهُ ما بين الحجارَةْ ..
الآنَ ترتفعُ الستارَةْ ..
الآنَ ترتفعُ الستارِةْ ..
سَأَقُولُ في التحقيقِ ..
إنّي أعرفُ الأسماءَ .. والأشياءَ .. والسُّجَنَاءَ ..
والشهداءَ .. والفُقَرَاءَ .. والمُسْتَضْعَفِينْ ..
وأقولُ إنّي أعرفُ السيَّافَ قاتِلَ زوجتي ..
ووجوهَ كُلِّ المُخْبِرِينْ ..
وأقول : إنَّ عفافَنا عُهْرٌ ..
وتَقْوَانَا قَذَارَةْ ..
وأقُولُ : إنَّ نِضالَنا كَذِبٌ
وأنْ لا فَرْقَ ..
ما بين السياسةِ والدَّعَارَةْ !!
سَأَقُولُ في التحقيق :
إنّي قد عَرَفْتُ القاتلينْ
وأقُولُ :
إنَّ زمانَنَا العربيَّ مُخْتَصٌّ بذَبْحِ الياسَمِينْ
وبقَتْلِ كُلِّ الأنبياءِ ..
وقَتْلِ كُلِّ المُرْسَلِينْ ..
حتّى العيونُ الخُضْرُ ..
يأكُلُهَا العَرَبْ
حتّى الضفائرُ .. والخواتمُ
والأساورُ .. والمرايا .. واللُّعَبْ ..
حتّى النجومُ تخافُ من وطني ..
ولا أدري السَّبَبْ ..
حتّى الطيورُ تفُرُّ من وطني ..
و لا أدري السَّبَبْ ..
حتى الكواكبُ .. والمراكبُ .. والسُّحُبْ
حتى الدفاترُ .. والكُتُبْ ..
وجميعُ أشياء الجمالِ ..
جميعُها .. ضِدَّ العَرَبْ ..

لَمَّا تناثَرَ جِسْمُكِ الضَّوْئِيُّ
يا بلقيسُ ،
لُؤْلُؤَةً كريمَةْ
فَكَّرْتُ : هل قَتْلُ النساء هوايةٌ عَربيَّةٌ
أم أنّنا في الأصل ، مُحْتَرِفُو جريمَةْ ؟
بلقيسُ ..
يا فَرَسِي الجميلةُ .. إنَّني
من كُلِّ تاريخي خَجُولْ
هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..
هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..
مِنْ يومِ أنْ نَحَرُوكِ ..
يا بلقيسُ ..
يا أَحْلَى وَطَنْ ..
لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يعيشُ في هذا الوَطَنْ ..
لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يموتُ في هذا الوَطَنْ ..
ما زلتُ أدفعُ من دمي ..
أعلى جَزَاءْ ..
كي أُسْعِدَ الدُّنْيَا .. ولكنَّ السَّمَاءْ
شاءَتْ بأنْ أبقى وحيداً ..
مثلَ أوراق الشتاءْ
هل يُوْلَدُ الشُّعَرَاءُ من رَحِمِ الشقاءْ ؟
وهل القصيدةُ طَعْنَةٌ
في القلبِ .. ليس لها شِفَاءْ ؟
أم أنّني وحدي الذي
عَيْنَاهُ تختصرانِ تاريخَ البُكَاءْ ؟

سَأقُولُ في التحقيق :
كيف غَزَالتي ماتَتْ بسيف أبي لَهَبْ
كلُّ اللصوص من الخليجِ إلى المحيطِ ..
يُدَمِّرُونَ .. ويُحْرِقُونَ ..
ويَنْهَبُونَ .. ويَرْتَشُونَ ..
ويَعْتَدُونَ على النساءِ ..
كما يُرِيدُ أبو لَهَبْ ..
كُلُّ الكِلابِ مُوَظَّفُونَ ..
ويأكُلُونَ ..
ويَسْكَرُونَ ..
على حسابِ أبي لَهَبْ ..
لا قَمْحَةٌ في الأرض ..
تَنْبُتُ دونَ رأي أبي لَهَبْ
لا طفلَ يُوْلَدُ عندنا
إلا وزارتْ أُمُّهُ يوماً ..
فِراشَ أبي لَهَبْ !!...
لا سِجْنَ يُفْتَحُ ..
دونَ رأي أبي لَهَبْ ..
لا رأسَ يُقْطَعُ
دونَ أَمْر أبي لَهَبْ ..

سَأقُولُ في التحقيق :
كيفَ أميرتي اغْتُصِبَتْ
وكيفَ تقاسَمُوا فَيْرُوزَ عَيْنَيْهَا
وخاتَمَ عُرْسِهَا ..
وأقولُ كيفَ تقاسَمُوا الشَّعْرَ الذي
يجري كأنهارِ الذَّهَبْ ..

سَأَقُولُ في التحقيق :
كيفَ سَطَوْا على آيات مُصْحَفِهَا الشريفِ
وأضرمُوا فيه اللَّهَبْ ..
سَأقُولُ كيفَ اسْتَنْزَفُوا دَمَهَا ..
وكيفَ اسْتَمْلَكُوا فَمَهَا ..
فما تركُوا به وَرْدَاً .. ولا تركُوا عِنَبْ
هل مَوْتُ بلقيسٍ ...
هو النَّصْرُ الوحيدُ
بكُلِّ تاريخِ العَرَبْ ؟؟...

بلقيسُ ..
يا مَعْشُوقتي حتّى الثُّمَالَةْ ..
الأنبياءُ الكاذبُونَ ..
يُقَرْفِصُونَ ..
ويَرْكَبُونَ على الشعوبِ
ولا رِسَالَةْ ..
لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..
من فلسطينَ الحزينةِ ..
نَجْمَةً ..
أو بُرْتُقَالَةْ ..
لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..
من شواطئ غَزَّةٍ
حَجَرَاً صغيراً
أو محَاَرَةْ ..
لو أَنَّهُمْ من رُبْعِ قَرْنٍ حَرَّروا ..
زيتونةً ..
أو أَرْجَعُوا لَيْمُونَةً
ومَحوا عن التاريخ عَارَهْ
لَشَكَرْتُ مَنْ قَتَلُوكِ .. يا بلقيسُ ..
يا مَعْبُودَتي حتى الثُّمَالَةْ ..
لكنَّهُمْ تَرَكُوا فلسطيناً
ليغتالُوا غَزَالَةْ !!...

ماذا يقولُ الشِّعْرُ ، يا بلقيسُ ..
في هذا الزَمَانِ ؟
ماذا يقولُ الشِّعْرُ ؟
في العَصْرِ الشُّعُوبيِّ ..
المَجُوسيِّ ..
الجَبَان
والعالمُ العربيُّ
مَسْحُوقٌ .. ومَقْمُوعٌ ..
ومَقْطُوعُ اللسانِ ..
نحنُ الجريمةُ في تَفَوُّقِها
فما ( العِقْدُ الفريدُ ) وما ( الأَغَاني ) ؟؟
أَخَذُوكِ أيَّتُهَا الحبيبةُ من يَدي ..
أخَذُوا القصيدةَ من فَمِي ..
أخَذُوا الكتابةَ .. والقراءةَ ..
والطُّفُولَةَ .. والأماني

بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..
يا دَمْعَاً يُنَقِّطُ فوق أهداب الكَمَانِ ..
عَلَّمْتُ مَنْ قتلوكِ أسرارَ الهوى
لكنَّهُمْ .. قبلَ انتهاءِ الشَّوْطِ
قد قَتَلُوا حِصَاني
بلقيسُ :
أسألكِ السماحَ ، فربَّما
كانَتْ حياتُكِ فِدْيَةً لحياتي ..
إنّي لأعرفُ جَيّداً ..
أنَّ الذين تورَّطُوا في القَتْلِ ، كانَ مُرَادُهُمْ
أنْ يقتُلُوا كَلِمَاتي !!!
نامي بحفْظِ اللهِ .. أيَّتُها الجميلَةْ
فالشِّعْرُ بَعْدَكِ مُسْتَحِيلٌ ..
والأُنُوثَةُ مُسْتَحِيلَةْ
سَتَظَلُّ أجيالٌ من الأطفالِ ..
تسألُ عن ضفائركِ الطويلَةْ ..
وتظلُّ أجيالٌ من العُشَّاقِ
تقرأُ عنكِ أيَّتُها المعلِّمَةُ الأصيلَةْ ...
وسيعرفُ الأعرابُ يوماً ..
أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرسُولَةْ ..
قَتَلُوا الرسُولَةْ ..
ق .. ت .. ل ..و .. ا
ال .. ر .. س .. و .. ل .. ة
***

نزار قباني – بيروت في 15/12/1981

alkatb
17-06-2005, 04:41 AM
أسألك الرحيلا لنفترق قليلا..

لخيرِ هذا الحُبِّ يا حبيبي

وخيرنا..

لنفترق قليلا

لأنني أريدُ أن تزيدَ في محبتي

أريدُ أن تكرهني قليلا

بحقِّ ما لدينا..

من ذِكَرٍ غاليةٍ كانت على كِلَينا..

بحقِّ حُبٍّ رائعٍ..

ما زالَ منقوشاً على فمينا

ما زالَ محفوراً على يدينا..

بحقِّ ما كتبتَهُ.. إليَّ من رسائلِ..

ووجهُكَ المزروعُ مثلَ وردةٍ في داخلي..

وحبكَ الباقي على شَعري على أناملي

بحقِّ ذكرياتنا

وحزننا الجميلِ وابتسامنا

وحبنا الذي غدا أكبرَ من كلامنا

أكبرَ من شفاهنا..

بحقِّ أحلى قصةِ للحبِّ في حياتنا

أسألكَ الرحيلا




لنفترق أحبابا..

فالطيرُ في كلِّ موسمٍ..

تفارقُ الهضابا..

والشمسُ يا حبيبي..

تكونُ أحلى عندما تحاولُ الغيابا

كُن في حياتي الشكَّ والعذابا

كُن مرَّةً أسطورةً..

كُن مرةً سرابا..

وكُن سؤالاً في فمي

لا يعرفُ الجوابا

من أجلِ حبٍّ رائعٍ

يسكنُ منّا القلبَ والأهدابا

وكي أكونَ دائماً جميلةً

وكي تكونَ أكثر اقترابا

أسألكَ الذهابا..



لنفترق.. ونحنُ عاشقان..

لنفترق برغمِ كلِّ الحبِّ والحنان

فمن خلالِ الدمعِ يا حبيبي

أريدُ أن تراني

ومن خلالِ النارِ والدُخانِ

أريدُ أن تراني..

لنحترق.. لنبكِ يا حبيبي

فقد نسينا

نعمةَ البكاءِ من زمانِ

لنفترق..

كي لا يصيرَ حبُّنا اعتيادا

وشوقنا رمادا..

وتذبلَ الأزهارُ في الأواني..



كُن مطمئنَّ النفسِ يا صغيري

فلم يزَل حُبُّكَ ملء العينِ والضمير

ولم أزل مأخوذةً بحبكَ الكبير

ولم أزل أحلمُ أن تكونَ لي..

يا فارسي أنتَ ويا أميري

لكنني.. لكنني..

أخافُ من عاطفتي

أخافُ من شعوري

أخافُ أن نسأمَ من أشواقنا

أخاف من وِصالنا..

أخافُ من عناقنا..

فباسمِ حبٍّ رائعٍ

أزهرَ كالربيعِ في أعماقنا..

أضاءَ مثلَ الشمسِ في أحداقنا

وباسم أحلى قصةٍ للحبِّ في زماننا

أسألك الرحيلا..

حتى يظلَّ حبنا جميلا..

حتى يكون عمرُهُ طويلا..

أسألكَ الرحيلا..



أعنف حب عشته

تلومني الدنيا إذا أحببتهُ

كأنني.. أنا خلقتُ الحبَّ واخترعتُهُ

كأنني أنا على خدودِ الوردِ قد رسمتهُ

كأنني أنا التي..

للطيرِ في السماءِ قد علّمتهُ

وفي حقولِ القمحِ قد زرعتهُ

وفي مياهِ البحرِ قد ذوّبتهُ..

كأنني.. أنا التي

كالقمرِ الجميلِ في السماءِ..

قد علّقتُه..

تلومُني الدنيا إذا..

سمّيتُ منْ أحبُّ.. أو ذكرتُهُ..

كأنني أنا الهوى..

وأمُّهُ.. وأختُهُ..



هذا الهوى الذي أتى..

من حيثُ ما انتظرتهُ

مختلفٌ عن كلِّ ما عرفتهُ

مختلفٌ عن كلِّ ما قرأتهُ

وكلِّ ما سمعتهُ

لو كنتُ أدري أنهُ..

نوعٌ منَ الإدمانِ.. ما أدمنتهُ

لو كنتُ أدري أنهُ..

بابٌ كثيرُ الريحِ.. ما فتحتهُ

لو كنتُ أدري أنهُ..

عودٌ من الكبريتِ.. ما أشعلتهُ

هذا الهوى.. أعنفُ حبٍّ عشتهُ

فليتني حينَ أتاني فاتحاً

يديهِ لي.. رددْتُهُ

وليتني من قبلِ أن يقتلَني.. قتلتُهُ..



هذا الهوى الذي أراهُ في الليلِ..

على ستائري..

أراهُ.. في ثوبي..

وفي عطري.. وفي أساوري

أراهُ.. مرسوماً على وجهِ يدي..

أراهُ منقوشاً على مشاعري

لو أخبروني أنهُ

طفلٌ كثيرُ اللهوِ والضوضاءِ ما أدخلتهُ

وأنهُ سيكسرُ الزجاجَ في قلبي لما تركتهُ

لو أخبروني أنهُ..

سيضرمُ النيرانَ في دقائقٍ

ويقلبُ الأشياءَ في دقائقٍ

ويصبغُ الجدرانَ بالأحمرِ والأزرقِ في دقائقٍ

لكنتُ قد طردتهُ..



يا أيّها الغالي الذي..

أرضيتُ عني الله.. إذْ أحببتهُ

هذا الهوى أجملُ حبٍّ عشتُهُ

أروعُ حبٍّ عشتهُ

فليتني حينَ أتاني زائراً

بالوردِ قد طوّقتهُ..

وليتني حينَ أتاني باكياً

فتحتُ أبوابي لهُ.. وبستهُ





إغضب

إغضبْ كما تشاءُ..

واجرحْ أحاسيسي كما تشاءُ

حطّم أواني الزّهرِ والمرايا

هدّدْ بحبِّ امرأةٍ سوايا..

فكلُّ ما تفعلهُ سواءُ..

كلُّ ما تقولهُ سواءُ..

فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبي

نحبّهمْ.. مهما لنا أساؤوا..



إغضبْ!

فأنتَ رائعٌ حقاً متى تثورُ

إغضب!

فلولا الموجُ ما تكوَّنت بحورُ..

كنْ عاصفاً.. كُنْ ممطراً..

فإنَّ قلبي دائماً غفورُ

إغضب!

فلنْ أجيبَ بالتحدّي

فأنتَ طفلٌ عابثٌ..

يملؤهُ الغرورُ..

وكيفَ من صغارها..

تنتقمُ الطيورُ؟



إذهبْ..

إذا يوماً مللتَ منّي..

واتهمِ الأقدارَ واتّهمني..

أما أنا فإني..

سأكتفي بدمعي وحزني..

فالصمتُ كبرياءُ

والحزنُ كبرياءُ

إذهبْ..

إذا أتعبكَ البقاءُ..

فالأرضُ فيها العطرُ والنساءُ..

وعندما تحتاجُ كالطفلِ إلى حناني..

فعُدْ إلى قلبي متى تشاءُ..

فأنتَ في حياتيَ الهواءُ..

وأنتَ.. عندي الأرضُ والسماءُ..



إغضبْ كما تشاءُ

واذهبْ كما تشاءُ

واذهبْ.. متى تشاءُ

لا بدَّ أن تعودَ ذاتَ يومٍ

وقد عرفتَ ما هوَ الوفاءُ...



إلى رجل

متى ستعرف كم أهواك يا رجلا

أبيع من أجله الدنيـــا وما فيها


يا من تحديت في حبي له مدنـا

بحالهــا وسأمضي في تحديهـا


لو تطلب البحر في عينيك أسكبه

أو تطلب الشمس في كفيك أرميها


أنـا أحبك فوق الغيم أكتبهــا

وللعصافيـر والأشجـار أحكيهـا


أنـا أحبك فوق الماء أنقشهــا

وللعناقيـد والأقـداح أسقيهـــا


أنـا أحبك يـا سيفـا أسال دمي

يـا قصة لست أدري مـا أسميها


أنـا أحبك حاول أن تسـاعدني

فإن من بـدأ المأساة ينهيهـــا


وإن من فتح الأبواب يغلقهــا

وإن من أشعل النيـران يطفيهــا


يا من يدخن في صمت ويتركني

في البحر أرفع مرسـاتي وألقيهـا


ألا تراني ببحر الحب غارقـة

والموج يمضغ آمـالي ويرميهــا


إنزل قليلا عن الأهداب يا رجلا

مــا زال يقتل أحلامي ويحييهـا


كفاك تلعب دور العاشقين معي

وتنتقي كلمــات لست تعنيهــا


كم اخترعت مكاتيبـا سترسلها

وأسعدتني ورودا سوف تهديهــا


وكم ذهبت لوعد لا وجود لـه

وكم حلمت بأثـواب سأشريهــا


وكم تمنيت لو للرقص تطلبني

وحيـرتني ذراعي أين ألقيهـــا


ارجع إلي فإن الأرض واقفـة

كأنمــا فرت من ثوانيهــــا


إرجـع فبعدك لا عقد أعلقــه

ولا لمست عطوري في أوانيهــا


لمن جمالي لمن شال الحرير لمن

ضفـائري منذ أعـوام أربيهــا


إرجع كما أنت صحوا كنت أم مطرا

فمــا حياتي أنا إن لم تكن فيهـا




أَيـظنُ


أيظن أني لعبة بيديه؟

أنا لا أفكر في الرجوع إليه

اليوم عاد كأن شيئا لم يكن

وبراءة الأطفال في عينيه

ليقول لي : إني رفيقة دربه

وبأنني الحي الوحيد لديه

حمل الزهور إليّ .. كيف أرده

وصباي مرسوم على شفتيه

ما عدت أذكر .. والحرائق في دمي

كيف التجأت أنا إلى زنديه

خبأت رأسي عنده .. وكأنني

طفل أعادوه إلى أبويه

حتى فساتيني التي أهملتها

فرحت به .. رقصت على قدميه

سامحته .. وسألت عن أخباره

وبكيت ساعات على كتفيه

وبدون أن أدري تركت له يدي

لتنام كالعصور بين يديه ..

ونسيت حقدي كله في لحظة

من قال إني قد حقدت عليه؟

كم قلت إني غير عائدة له

ورجعت .. ما أحلى الرجوع إليه ..




رسالة من تحت الماء


إن كنتَ صديقي.. ساعِدني

كَي أرحَلَ عَنك..

أو كُنتَ حبيبي.. ساعِدني

كَي أُشفى منك

لو أنِّي أعرِفُ أنَّ الحُبَّ خطيرٌ جِدَّاً

ما أحببت

لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِداً

ما أبحرت..

لو أنِّي أعرفُ خاتمتي

ما كنتُ بَدأت...



إشتقتُ إليكَ.. فعلِّمني

أن لا أشتاق

علِّمني كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق

علِّمني كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق

علِّمني كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق



إن كنتَ قويَّاً.. أخرجني

من هذا اليَمّ..

فأنا لا أعرفُ فنَّ العوم

الموجُ الأزرقُ في عينيك.. يُجرجِرُني نحوَ الأعمق

وأنا ما عندي تجربةٌ

في الحُبِّ .. ولا عندي زَورَق

إن كُنتُ أعزُّ عليكَ فَخُذ بيديّ

فأنا عاشِقَةٌ من رأسي حتَّى قَدَمَيّ

إني أتنفَّسُ تحتَ الماء..

إنّي أغرق..

أغرق..

أغرق..






حبيبي


لا تسـألوني... ما اسمهُ حبيبي

أخشى عليكمْ.. ضوعةَ الطيوبِ



زقُّ العـبيرِ.. إنْ حـطّمتموهُ

غـرقتُمُ بعاطـرٍ سـكيبِ



والله.. لو بُحـتُ بأيِّ حرفٍ

تكدَّسَ الليـلكُ في الدروبِ



لا تبحثوا عنهُ هُـنا بصدري

تركتُهُ يجـري مع الغـروبِ



ترونَهُ في ضـحكةِ السواقي

في رفَّةِ الفـراشةِ اللعوبِ



في البحرِ، في تنفّسِ المراعي

وفي غـناءِ كلِّ عندليـبِ



في أدمعِ الشتاءِ حينَ يبكي

وفي عطاءِ الديمةِ السكوبِ



لا تسألوا عن ثغرهِ.. فهلا

رأيتـمُ أناقةَ المغيـبِ



ومُـقلتاهُ شاطـئا نـقاءٍ

وخصرهُ تهزهزُ القـضيبِ



محاسنٌ.. لا ضمّها كتابٌ

ولا ادّعتها ريشةُ الأديبِ



وصدرهُ.. ونحرهُ.. كفاكمْ

فلن أبـوحَ باسمهِ حبيبي



كـلـمـات


يُسمعني.. حـينَ يراقصُني

كلماتٍ ليست كالكلمات



يأخذني من تحـتِ ذراعي

يزرعني في إحدى الغيمات



والمطـرُ الأسـودُ في عيني

يتساقـطُ زخاتٍ.. زخات



يحملـني معـهُ.. يحملـني

لمسـاءٍ ورديِ الشُـرفـات



وأنا.. كالطفلـةِ في يـدهِ

كالريشةِ تحملها النسمـات



يحمـلُ لي سبعـةَ أقمـارٍ

بيديـهِ وحُزمـةَ أغنيـات



يهديني شمسـاً.. يهـديني

صيفاً.. وقطيـعَ سنونوَّات



يخـبرني.. أني تحفتـهُ

وأساوي آلافَ النجمات



و بأنـي كنـزٌ... وبأني

أجملُ ما شاهدَ من لوحات



يروي أشيـاءَ تدوخـني

تنسيني المرقصَ والخطوات



كلماتٍ تقلـبُ تاريخي

تجعلني امرأةً في لحظـات



يبني لي قصـراً من وهـمٍ

لا أسكنُ فيهِ سوى لحظات



وأعودُ.. أعودُ لطـاولـتي

لا شيءَ معي.. إلا كلمات



قصيدة التحدّيات


أتحدّى..

من إلى عينيكِ، يا سيّدتي، قد سبقوني

يحملونَ الشمسَ في راحاتهمْ

وعقودَ الياسمينِ..

أتحدّى كلَّ من عاشترتِهمْ

من مجانينَ، ومفقودينَ في بحرِ الحنينِ

أن يحبّوكِ بأسلوبي، وطيشي، وجنوني..



أتحدّى..

كتبَ العشقِ ومخطوطاتهِ

منذُ آلافِ القرونِ..

أن ترَيْ فيها كتاباً واحداً

فيهِ، يا سيّدتي، ما ذكروني

أتحدّاكِ أنا.. أنْ تجدي

وطناً مثلَ فمي..

وسريراً دافئاً.. مثلَ عيوني



أتحدّاهُم جميعاً..

أن يخطّوا لكِ مكتوبَ هوىً

كمكاتيبِ غرامي..

أو يجيؤوكِ –على كثرتهم-

بحروفٍ كحروفي، وكلامٍ ككلامي..

أتحداكِ أنا أن تذكُري

رجلاً من بينِ من أحببتهم

أفرغَ الصيفَ بعينيكِ.. وفيروزَ البحورْ

أتحدّى..

مفرداتِ الحبِّ في شتّى العصورْ

والكتاباتِ على جدرانِ صيدونَ وصورْ

فاقرأي أقدمَ أوراقَ الهوى..

تجديني دائماً بينَ السطورْ

إنني أسكنُ في الحبّ..

فما من قبلةٍ..

أُخذتْ.. أو أُعطيتْ

ليسَ لي فيها حلولٌ أو حضورْ...



أتحدّى أشجعَ الفرسانِ.. يا سيّدتي

وبواريدَ القبيلهْ..

أتحدّى من أحبُّوكِ ومن أحببتِهمْ

منذُ ميلادكِ.. حتّى صرتِ كالنخلِ العراقيِّ.. طويلهْ

أتحدّاهم جميعاً..

أن يكونوا قطرةً صُغرى ببحري..

أو يكونوا أطفأوا أعمارَهمْ

مثلما أطفأتُ في عينيكِ عُمري..

أتحدّاكِ أنا.. أن تجدي

عاشقاً مثلي..

وعصراً ذهبياً.. مثلَ عصري



فارحلي، حيثُ تريدينَ.. ارحلي..

واضحكي،

وابكي،

وجوعي،

فأنا أعرفُ أنْ لنْ تجدي

موطناً فيهِ تنامينَ كصدري..



قصيدة الحزن


علَّمَني حُبُّكِ أن أحزن

وأنا مُحتَاجٌ منذُ عصور

لامرأةٍ تَجعَلَني أحزن

لامرأةٍ أبكي بينَ ذراعيها

مثلَ العُصفُور..

لامرأةٍ تَجمعُ أجزائي

كشظايا البللورِ المكسور

***

علَّمني حُبّكِ.. سيِّدتي

أسوأَ عادات

علّمني أفتحُ فنجاني

في الليلةِ آلافَ المرّات

وأجرّبُ طبَّ العطّارينَ..

وأطرقُ بابَ العرّافات

علّمني.. أخرجُ من بيتي

لأمشِّط أرصفةَ الطُرقات

وأطاردَ وجهكِ..

في الأمطارِ، وفي أضواءِ السيّارات

و أطارد ثوبك..

في أثواب المجهولات

وأطاردَ طيفكِ..

حتّى.. حتّى..

في أوراقِ الإعلانات

***

علّمني حُبّكِ

كيفَ أهيمُ على وَجهي ساعات

بَحثاً عن شِعرٍ غَجَريٍّ

تحسُدُهُ كُلُّ الغَجريّات

بحثاً عن وجهٍ.. عن صوتٍ..

هوَ كُلُّ الأوجهِ والأصوات

***

أدخلني حبُّكِ سيِّدتي

مُدُنَ الأحزان ..

وأنا من قبلكِ لم أدخل

مُدُنَ الأحزان..

لم أعرِف أبداً ..

أن الدمعَ هو الإنسان

أن الإنسانَ بلا حزنٍ..

ذكرى إنسان..

***

علّمني حبكِ..

أن أتصرَّفَ كالصّبيان

أن أرسمَ وجهك..

بالطبشورِ على الحيطان

وعلى أشرعةِ الصَّيادين

على الأجراسِ، على الصُّلبان

علّمني حبكِ.. كيف الحبُّ

يغيّرُ خارطةَ الأزمان ..

علّمني.. أنِّي حينَ أُحِبُّ

تكُفُّ الأرضُ عن الدوران..

علّمني حُبك أشياءً

ما كانت أبداً في الحُسبان

فقرأتُ أقاصيصَ الأطفالِ..

دخلتُ قصورَ ملوكِ الجان

وحلمتُ بأن تتزوجني

بنتُ السلطان ..

تلكَ العيناها..

أصفى من ماء الخُلجان

تلك الشفتاها..

أشهى من زهرِ الرُّمان

وحلمتُ بأني أخطِفُها مثلَ الفُرسان..

و حلمت بأني أهديها أطواق اللؤلؤ و المرجانْ..

علَّمني حُبُّكِ، يا سيِّدتي، ما الهذيان

علّمني.. كيفَ يمرُّ العُمر

ولا تأتي بنتُ السلطان..

***

علمني حبكِ..

كيف أحبك في كل الأشياءْ

في الشجر العاري, في الأوراق اليابسة الصفراءْ

في الجو الماطر.. في الأنواءْ..

في أصغر مقهى.. نشرب فيهِ..

مساءً..قهوتنا السوداءْ..

علمني حبك أن آوي..

لفنادقَ ليس لها أسماءْ

و كنائس ليس لها أسماءْ

و مقاهٍ ليس لها أسماءْ

علمني حبكِ..كيف الليلُ

يضخم أحزان الغرباءْ..

علمني..كيف أرى بيروتْ

إمرأة..طاغية الإغراءْ..

إمراةً..تلبس كل كل مساءْ

أجمل ما تملك من أزياءْ

و ترش العطرعلى نهديها

للبحارةِ..و الأمراء..

علمني حبك أن أبكي من غير بكاءْ

علمني كيف ينام الحزن

كغلام مقطوع القدمينْ..

في طرق (الروشة) و (الحمراء)..

علّمني حُبُّكِ أن أحزن

وأنا مُحتَاجٌ منذُ عصور

لامرأةٍ تَجعَلَني أحزن

لامرأةٍ أبكي بينَ ذراعيها

مثلَ العُصفُور..

لامرأةٍ تَجمعُ أجزائي

كشظايا البللورِ المكسور

alkatb
17-06-2005, 06:20 PM
أسألك الرحيلا





لنفترق قليلا..

لخيرِ هذا الحُبِّ يا حبيبي

وخيرنا..

لنفترق قليلا

لأنني أريدُ أن تزيدَ في محبتي

أريدُ أن تكرهني قليلا



بحقِّ ما لدينا..

من ذِكَرٍ غاليةٍ كانت على كِلَينا..

بحقِّ حُبٍّ رائعٍ..

ما زالَ منقوشاً على فمينا

ما زالَ محفوراً على يدينا..

بحقِّ ما كتبتَهُ.. إليَّ من رسائلِ..

ووجهُكَ المزروعُ مثلَ وردةٍ في داخلي..

وحبكَ الباقي على شَعري على أناملي

بحقِّ ذكرياتنا

وحزننا الجميلِ وابتسامنا

وحبنا الذي غدا أكبرَ من كلامنا

أكبرَ من شفاهنا..

بحقِّ أحلى قصةِ للحبِّ في حياتنا

أسألكَ الرحيلا



لنفترق أحبابا..

فالطيرُ في كلِّ موسمٍ..

تفارقُ الهضابا..

والشمسُ يا حبيبي..

تكونُ أحلى عندما تحاولُ الغيابا

كُن في حياتي الشكَّ والعذابا

كُن مرَّةً أسطورةً..

كُن مرةً سرابا..

وكُن سؤالاً في فمي

لا يعرفُ الجوابا

من أجلِ حبٍّ رائعٍ

يسكنُ منّا القلبَ والأهدابا

وكي أكونَ دائماً جميلةً

وكي تكونَ أكثر اقترابا

أسألكَ الذهابا..



لنفترق.. ونحنُ عاشقان..

لنفترق برغمِ كلِّ الحبِّ والحنان

فمن خلالِ الدمعِ يا حبيبي

أريدُ أن تراني

ومن خلالِ النارِ والدُخانِ

أريدُ أن تراني..

لنحترق.. لنبكِ يا حبيبي

فقد نسينا

نعمةَ البكاءِ من زمانِ

لنفترق..

كي لا يصيرَ حبُّنا اعتيادا

وشوقنا رمادا..

وتذبلَ الأزهارُ في الأواني..



كُن مطمئنَّ النفسِ يا صغيري

فلم يزَل حُبُّكَ ملء العينِ والضمير

ولم أزل مأخوذةً بحبكَ الكبير

ولم أزل أحلمُ أن تكونَ لي..

يا فارسي أنتَ ويا أميري

لكنني.. لكنني..

أخافُ من عاطفتي

أخافُ من شعوري

أخافُ أن نسأمَ من أشواقنا

أخاف من وِصالنا..

أخافُ من عناقنا..

فباسمِ حبٍّ رائعٍ

أزهرَ كالربيعِ في أعماقنا..

أضاءَ مثلَ الشمسِ في أحداقنا

وباسم أحلى قصةٍ للحبِّ في زماننا

أسألك الرحيلا..

حتى يظلَّ حبنا جميلا..

حتى يكون عمرُهُ طويلا..

أسألكَ الرحيلا..





إغضب



إغضبْ كما تشاءُ..

واجرحْ أحاسيسي كما تشاءُ

حطّم أواني الزّهرِ والمرايا

هدّدْ بحبِّ امرأةٍ سوايا..

فكلُّ ما تفعلهُ سواءُ..

كلُّ ما تقولهُ سواءُ..

فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبي

نحبّهمْ.. مهما لنا أساؤوا..



إغضبْ!

فأنتَ رائعٌ حقاً متى تثورُ

إغضب!

فلولا الموجُ ما تكوَّنت بحورُ..

كنْ عاصفاً.. كُنْ ممطراً..

فإنَّ قلبي دائماً غفورُ

إغضب!

فلنْ أجيبَ بالتحدّي

فأنتَ طفلٌ عابثٌ..

يملؤهُ الغرورُ..

وكيفَ من صغارها..

تنتقمُ الطيورُ؟



إذهبْ..

إذا يوماً مللتَ منّي..

واتهمِ الأقدارَ واتّهمني..

أما أنا فإني..

سأكتفي بدمعي وحزني..

فالصمتُ كبرياءُ

والحزنُ كبرياءُ

إذهبْ..

إذا أتعبكَ البقاءُ..

فالأرضُ فيها العطرُ والنساءُ..

وعندما تحتاجُ كالطفلِ إلى حناني..

فعُدْ إلى قلبي متى تشاءُ..

فأنتَ في حياتيَ الهواءُ..

وأنتَ.. عندي الأرضُ والسماءُ..



إغضبْ كما تشاءُ

واذهبْ كما تشاءُ

واذهبْ.. متى تشاءُ

لا بدَّ أن تعودَ ذاتَ يومٍ

وقد عرفتَ ما هوَ الوفاءُ...




نزار قباني

أيظن؟


أَيَـظُـنُّ أنِّـي لُعبَـةٌ بيَدَيْـهِ ؟

أنـا لا أفَكِّـرُ بالرّجـوعِ إليـهِ



اليومَ عادَ .. كأنَّ شـيئاً لم يكُـنْ

وبراءةُ الأطـفالِ في عَـيْنيْهِ ...



ليقـولَ لي : إنِّي رفيقـةُ دربِـهِ

وبأنّني الحـبُّ الوحيـدُ لَدَيْـهِ..



حَمَلَ الزّهورَ إليَّ .. كيـفَ أرُدُّهُ

وصِبَايَ مرسـومٌ على شَـفَتَيْهِ ؟



ما عدْتُ أذكُرُ، والحرائقُ في دَمي

كيـفَ التجَـأْتُ أنا إلى زَنْدَيْـهِ



خبَّأتُ رأسـي عنـدَهُ ... وكأنّني

طفـلٌ أعـادوهُ إلـى أبَوَيْـهِ ..



حـتّى فسـاتيني التي أهملتُـها

فَرحَتْ بهِ .. رَقَصَتْ على قَدَمَيْهِ



سـامَحتُهُ.. وسـألتُ عن أخبارِهِ

وبكيـتُ سـاعاتٍ على كَتِفَيْـهِ



وبدونِ أن أدري تركتُ له يـدي

لتنامَ كالعصفـورِ بيـنَ يَدَيـْهِ ..



ونَسيتُ حقدي كُلَّهُ فـي لَحظَـةٍ

مَن قالَ إنّي قد حَقَـدْتُ عليهِ ؟



كَم قُلتُ إنّي غيـرُ عائـدَةٍ لـهُ

ورَجعتُ .. ما أحلى الرّجوعَ إليهِ



قصيدة بلقيس - لنزار قباني ( كاملة )
شُكْرَاً لَكُمْ
شُكْرَاً لَكُمْ
فحبيبتي قُتِلَتْ وصارَ بوسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبرِ الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت ..
وهَلْ من أُمَّةٍ في الأرضِ ..
- إلاَّ نحنُ - تغتالُ القصيدة ؟

بلقيسُ ...
كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِِلْ
بلقيسُ ..
كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ
كانتْ إذا تمشي ..
ترافقُها طواويسٌ ..
وتتبعُها أيائِلْ ..
بلقيسُ .. يا وَجَعِي ..
ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمَسُهَا الأناملْ
هل يا تُرى ..
من بعد شَعْرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابلْ ؟
يا نَيْنَوَى الخضراء ..
يا غجريَّتي الشقراء ..
يا أمواجَ دجلةَ . .
تلبسُ في الربيعِ بساقِهِا
أحلى الخلاخِلْ ..
قتلوكِ يا بلقيسُ ..
أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ ..
تلكَ التي
تغتالُ أصواتَ البلابِلْ ؟
أين السَّمَوْأَلُ ؟
والمُهَلْهَلُ ؟
والغطاريفُ الأوائِلْ ؟
فقبائلٌ أَكَلَتْ قبائلْ ..
وثعالبٌ قتلتْ ثعالبْ ..
وعناكبٌ قتلتْ عناكبْ ..
قَسَمَاً بعينيكِ اللتينِ إليهما ..
تأوي ملايينُ الكواكبْ ..
سأقُولُ ، يا قَمَرِي ، عن العَرَبِ العجائبْ
فهل البطولةُ كِذْبَةٌ عربيةٌ ؟
أم مثلنا التاريخُ كاذبْ ؟.

بلقيسُ
لا تتغيَّبِي عنّي
فإنَّ الشمسَ بعدكِ
لا تُضيءُ على السواحِلْ . .
سأقول في التحقيق :
إنَّ اللصَّ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِلْ
وأقول في التحقيق :
إنَّ القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاوِلْ ..
وأقولُ :
إن حكايةَ الإشعاع ، أسخفُ نُكْتَةٍ قِيلَتْ ..
فنحنُ قبيلةٌ بين القبائِلْ
هذا هو التاريخُ . . يا بلقيسُ ..
كيف يُفَرِّقُ الإنسانُ ..
ما بين الحدائقِ والمزابلْ
بلقيسُ ..
أيَّتها الشهيدةُ .. والقصيدةُ ..
والمُطَهَّرَةُ النقيَّةْ ..
سبأٌ تفتِّشُ عن مَلِيكَتِهَا
فرُدِّي للجماهيرِ التحيَّةْ ..
يا أعظمَ المَلِكَاتِ ..
يا امرأةً تُجَسِّدُ كلَّ أمجادِ العصورِ السُومَرِيَّةْ
بلقيسُ ..
يا عصفورتي الأحلى ..
ويا أَيْقُونتي الأَغْلَى
ويا دَمْعَاً تناثرَ فوقَ خَدِّ المجدليَّةْ
أَتُرى ظَلَمْتُكِ إذْ نَقَلْتُكِ
ذاتَ يومٍ .. من ضفافِ الأعظميَّةْ
بيروتُ .. تقتُلُ كلَّ يومٍ واحداً مِنَّا ..
وتبحثُ كلَّ يومٍ عن ضحيَّةْ
والموتُ .. في فِنْجَانِ قَهْوَتِنَا ..
وفي مفتاح شِقَّتِنَا ..
وفي أزهارِ شُرْفَتِنَا ..
وفي وَرَقِ الجرائدِ ..
والحروفِ الأبجديَّةْ ...
ها نحنُ .. يا بلقيسُ ..
ندخُلُ مرةً أُخرى لعصرِ الجاهليَّةْ ..
ها نحنُ ندخُلُ في التَوَحُّشِ ..
والتخلّفِ .. والبشاعةِ .. والوَضَاعةِ ..
ندخُلُ مرةً أُخرى .. عُصُورَ البربريَّةْ ..
حيثُ الكتابةُ رِحْلَةٌ
بينِ الشَّظيّةِ .. والشَّظيَّةْ
حيثُ اغتيالُ فراشةٍ في حقلِهَا ..
صارَ القضيَّةْ ..
هل تعرفونَ حبيبتي بلقيسَ ؟
فهي أهمُّ ما كَتَبُوهُ في كُتُبِ الغرامْ
كانتْ مزيجاً رائِعَاً
بين القَطِيفَةِ والرُّخَامْ ..
كان البَنَفْسَجُ بينَ عَيْنَيْهَا
ينامُ ولا ينامْ ..

بلقيسُ ..
يا عِطْرَاً بذاكرتي ..
ويا قبراً يسافرُ في الغمام ..
قتلوكِ ، في بيروتَ ، مثلَ أيِّ غزالةٍ
من بعدما .. قَتَلُوا الكلامْ ..
بلقيسُ ..
ليستْ هذهِ مرثيَّةً
لكنْ ..
على العَرَبِ السلامْ

بلقيسُ ..
مُشْتَاقُونَ .. مُشْتَاقُونَ .. مُشْتَاقُونَ ..
والبيتُ الصغيرُ ..
يُسائِلُ عن أميرته المعطَّرةِ الذُيُولْ
نُصْغِي إلى الأخبار .. والأخبارُ غامضةٌ
ولا تروي فُضُولْ ..

بلقيسُ ..
مذبوحونَ حتى العَظْم ..
والأولادُ لا يدرونَ ما يجري ..
ولا أدري أنا .. ماذا أقُولْ ؟
هل تقرعينَ البابَ بعد دقائقٍ ؟
هل تخلعينَ المعطفَ الشَّتَوِيَّ ؟
هل تأتينَ باسمةً ..
وناضرةً ..
ومُشْرِقَةً كأزهارِ الحُقُولْ ؟

بلقيسُ ..
إنَّ زُرُوعَكِ الخضراءَ ..
ما زالتْ على الحيطانِ باكيةً ..
وَوَجْهَكِ لم يزلْ مُتَنَقِّلاً ..
بينَ المرايا والستائرْ
حتى سجارتُكِ التي أشعلتِها
لم تنطفئْ ..
ودخانُهَا
ما زالَ يرفضُ أن يسافرْ

بلقيسُ ..
مطعونونَ .. مطعونونَ في الأعماقِ ..
والأحداقُ يسكنُها الذُهُولْ
بلقيسُ ..
كيف أخذتِ أيَّامي .. وأحلامي ..
وألغيتِ الحدائقَ والفُصُولْ ..
يا زوجتي ..
وحبيبتي .. وقصيدتي .. وضياءَ عيني ..
قد كنتِ عصفوري الجميلَ ..
فكيف هربتِ يا بلقيسُ منّي ؟..
بلقيسُ ..
هذا موعدُ الشَاي العراقيِّ المُعَطَّرِ ..
والمُعَتَّق كالسُّلافَةْ ..
فَمَنِ الذي سيوزّعُ الأقداحَ .. أيّتها الزُرافَةْ ؟
ومَنِ الذي نَقَلَ الفراتَ لِبَيتنا ..
وورودَ دَجْلَةَ والرَّصَافَةْ ؟

بلقيسُ ..
إنَّ الحُزْنَ يثقُبُنِي ..
وبيروتُ التي قَتَلَتْكِ .. لا تدري جريمتَها
وبيروتُ التي عَشقَتْكِ ..
تجهلُ أنّها قَتَلَتْ عشيقتَها ..
وأطفأتِ القَمَرْ ..

بلقيسُ ..
يا بلقيسُ ..
يا بلقيسُ
كلُّ غمامةٍ تبكي عليكِ ..
فَمَنْ تُرى يبكي عليَّا ..
بلقيسُ .. كيف رَحَلْتِ صامتةً
ولم تَضَعي يديْكِ .. على يَدَيَّا ؟

بلقيسُ ..
كيفَ تركتِنا في الريح ..
نرجِفُ مثلَ أوراق الشَّجَرْ ؟
وتركتِنا - نحنُ الثلاثةَ - ضائعينَ
كريشةٍ تحتَ المَطَرْ ..
أتُرَاكِ ما فَكَّرْتِ بي ؟
وأنا الذي يحتاجُ حبَّكِ .. مثلَ (زينبَ) أو (عُمَرْ)

بلقيسُ ..
يا كَنْزَاً خُرَافيّاً ..
ويا رُمْحَاً عِرَاقيّاً ..
وغابَةَ خَيْزُرَانْ ..
يا مَنْ تحدَّيتِ النجُومَ ترفُّعاً ..
مِنْ أينَ جئتِ بكلِّ هذا العُنْفُوانْ ؟
بلقيسُ ..
أيتها الصديقةُ .. والرفيقةُ ..
والرقيقةُ مثلَ زَهْرةِ أُقْحُوَانْ ..
ضاقتْ بنا بيروتُ .. ضاقَ البحرُ ..
ضاقَ بنا المكانْ ..
بلقيسُ : ما أنتِ التي تَتَكَرَّرِينَ ..
فما لبلقيسَ اثْنَتَانْ ..

بلقيسُ ..
تذبحُني التفاصيلُ الصغيرةُ في علاقتِنَا ..
وتجلُدني الدقائقُ والثواني ..
فلكُلِّ دبّوسٍ صغيرٍ .. قصَّةٌ
ولكُلِّ عِقْدٍ من عُقُودِكِ قِصَّتانِ
حتى ملاقطُ شَعْرِكِ الذَّهَبِيِّ ..
تغمُرُني ،كعادتِها ، بأمطار الحنانِ
ويُعَرِّشُ الصوتُ العراقيُّ الجميلُ ..
على الستائرِ ..
والمقاعدِ ..
والأوَاني ..
ومن المَرَايَا تطْلَعِينَ ..
من الخواتم تطْلَعِينَ ..
من القصيدة تطْلَعِينَ ..
من الشُّمُوعِ ..
من الكُؤُوسِ ..
من النبيذ الأُرْجُواني ..

بلقيسُ ..
يا بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..
لو تدرينَ ما وَجَعُ المكانِ ..
في كُلِّ ركنٍ .. أنتِ حائمةٌ كعصفورٍ ..
وعابقةٌ كغابةِ بَيْلَسَانِ ..
فهناكَ .. كنتِ تُدَخِّنِينَ ..
هناكَ .. كنتِ تُطالعينَ ..
هناكَ .. كنتِ كنخلةٍ تَتَمَشَّطِينَ ..
وتدخُلينَ على الضيوفِ ..
كأنَّكِ السَّيْفُ اليَمَاني ..

بلقيسُ ..
أين زجَاجَةُ ( الغِيرلاَنِ ) ؟
والوَلاّعةُ الزرقاءُ ..
أينَ سِجَارةُ الـ (الكَنْتِ ) التي
ما فارقَتْ شَفَتَيْكِ ؟
أين (الهاشميُّ ) مُغَنِّيَاً ..
فوقَ القوامِ المَهْرَجَانِ ..
تتذكَّرُ الأمْشَاطُ ماضيها ..
فَيَكْرُجُ دَمْعُهَا ..
هل يا تُرى الأمْشَاطُ من أشواقها أيضاً تُعاني ؟
بلقيسُ : صَعْبٌ أنْ أهاجرَ من دمي ..
وأنا المُحَاصَرُ بين ألسنَةِ اللهيبِ ..
وبين ألسنَةِ الدُخَانِ ...
بلقيسُ : أيتَّهُا الأميرَةْ
ها أنتِ تحترقينَ .. في حربِ العشيرةِ والعشيرَةْ
ماذا سأكتُبُ عن رحيل مليكتي ؟
إنَ الكلامَ فضيحتي ..
ها نحنُ نبحثُ بين أكوامِ الضحايا ..
عن نجمةٍ سَقَطَتْ ..
وعن جَسَدٍ تناثَرَ كالمَرَايَا ..
ها نحنُ نسألُ يا حَبِيبَةْ ..
إنْ كانَ هذا القبرُ قَبْرَكِ أنتِ
أم قَبْرَ العُرُوبَةْ ..
بلقيسُ :
يا صَفْصَافَةً أَرْخَتْ ضفائرَها عليَّ ..
ويا زُرَافَةَ كبرياءْ
بلقيسُ :
إنَّ قَضَاءَنَا العربيَّ أن يغتالَنا عَرَبٌ ..
ويأكُلَ لَحْمَنَا عَرَبٌ ..
ويبقُرُ بطْنَنَا عَرَبٌ ..
ويَفْتَحَ قَبْرَنَا عَرَبٌ ..
فكيف نفُرُّ من هذا القَضَاءْ ؟
فالخِنْجَرُ العربيُّ .. ليسَ يُقِيمُ فَرْقَاً
بين أعناقِ الرجالِ ..
وبين أعناقِ النساءْ ..
بلقيسُ :
إنْ هم فَجَّرُوكِ .. فعندنا
كلُّ الجنائزِ تبتدي في كَرْبَلاءَ ..
وتنتهي في كَرْبَلاءْ ..
لَنْ أقرأَ التاريخَ بعد اليوم
إنَّ أصابعي اشْتَعَلَتْ ..
وأثوابي تُغَطِّيها الدمَاءْ ..
ها نحنُ ندخُلُ عصْرَنَا الحَجَرِيَّ
نرجعُ كلَّ يومٍ ، ألفَ عامٍ للوَرَاءْ ...
البحرُ في بيروتَ ..
بعد رحيل عَيْنَيْكِ اسْتَقَالْ ..
والشِّعْرُ .. يسألُ عن قصيدَتِهِ
التي لم تكتمِلْ كلماتُهَا ..
ولا أَحَدٌ .. يُجِيبُ على السؤالْ
الحُزْنُ يا بلقيسُ ..
يعصُرُ مهجتي كالبُرْتُقَالَةْ ..
الآنَ .. أَعرفُ مأزَقَ الكلماتِ
أعرفُ وَرْطَةَ اللغةِ المُحَالَةْ ..
وأنا الذي اخترعَ الرسائِلَ ..
لستُ أدري .. كيفَ أَبْتَدِئُ الرسالَةْ ..
السيف يدخُلُ لحم خاصِرَتي
وخاصِرَةِ العبارَةْ ..
كلُّ الحضارةِ ، أنتِ يا بلقيسُ ، والأُنثى حضارَةْ ..
بلقيسُ : أنتِ بشارتي الكُبرى ..
فَمَنْ سَرَق البِشَارَةْ ؟
أنتِ الكتابةُ قبْلَمَا كانَتْ كِتَابَةْ ..
أنتِ الجزيرةُ والمَنَارَةْ ..
بلقيسُ :
يا قَمَرِي الذي طَمَرُوهُ ما بين الحجارَةْ ..
الآنَ ترتفعُ الستارَةْ ..
الآنَ ترتفعُ الستارِةْ ..
سَأَقُولُ في التحقيقِ ..
إنّي أعرفُ الأسماءَ .. والأشياءَ .. والسُّجَنَاءَ ..
والشهداءَ .. والفُقَرَاءَ .. والمُسْتَضْعَفِينْ ..
وأقولُ إنّي أعرفُ السيَّافَ قاتِلَ زوجتي ..
ووجوهَ كُلِّ المُخْبِرِينْ ..
وأقول : إنَّ عفافَنا عُهْرٌ ..
وتَقْوَانَا قَذَارَةْ ..
وأقُولُ : إنَّ نِضالَنا كَذِبٌ
وأنْ لا فَرْقَ ..
ما بين السياسةِ والدَّعَارَةْ !!
سَأَقُولُ في التحقيق :
إنّي قد عَرَفْتُ القاتلينْ
وأقُولُ :
إنَّ زمانَنَا العربيَّ مُخْتَصٌّ بذَبْحِ الياسَمِينْ
وبقَتْلِ كُلِّ الأنبياءِ ..
وقَتْلِ كُلِّ المُرْسَلِينْ ..
حتّى العيونُ الخُضْرُ ..
يأكُلُهَا العَرَبْ
حتّى الضفائرُ .. والخواتمُ
والأساورُ .. والمرايا .. واللُّعَبْ ..
حتّى النجومُ تخافُ من وطني ..
ولا أدري السَّبَبْ ..
حتّى الطيورُ تفُرُّ من وطني ..
و لا أدري السَّبَبْ ..
حتى الكواكبُ .. والمراكبُ .. والسُّحُبْ
حتى الدفاترُ .. والكُتُبْ ..
وجميعُ أشياء الجمالِ ..
جميعُها .. ضِدَّ العَرَبْ ..

لَمَّا تناثَرَ جِسْمُكِ الضَّوْئِيُّ
يا بلقيسُ ،
لُؤْلُؤَةً كريمَةْ
فَكَّرْتُ : هل قَتْلُ النساء هوايةٌ عَربيَّةٌ
أم أنّنا في الأصل ، مُحْتَرِفُو جريمَةْ ؟
بلقيسُ ..
يا فَرَسِي الجميلةُ .. إنَّني
من كُلِّ تاريخي خَجُولْ
هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..
هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..
مِنْ يومِ أنْ نَحَرُوكِ ..
يا بلقيسُ ..
يا أَحْلَى وَطَنْ ..
لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يعيشُ في هذا الوَطَنْ ..
لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يموتُ في هذا الوَطَنْ ..
ما زلتُ أدفعُ من دمي ..
أعلى جَزَاءْ ..
كي أُسْعِدَ الدُّنْيَا .. ولكنَّ السَّمَاءْ
شاءَتْ بأنْ أبقى وحيداً ..
مثلَ أوراق الشتاءْ
هل يُوْلَدُ الشُّعَرَاءُ من رَحِمِ الشقاءْ ؟
وهل القصيدةُ طَعْنَةٌ
في القلبِ .. ليس لها شِفَاءْ ؟
أم أنّني وحدي الذي
عَيْنَاهُ تختصرانِ تاريخَ البُكَاءْ ؟

سَأقُولُ في التحقيق :
كيف غَزَالتي ماتَتْ بسيف أبي لَهَبْ
كلُّ اللصوص من الخليجِ إلى المحيطِ ..
يُدَمِّرُونَ .. ويُحْرِقُونَ ..
ويَنْهَبُونَ .. ويَرْتَشُونَ ..
ويَعْتَدُونَ على النساءِ ..
كما يُرِيدُ أبو لَهَبْ ..
كُلُّ الكِلابِ مُوَظَّفُونَ ..
ويأكُلُونَ ..
ويَسْكَرُونَ ..
على حسابِ أبي لَهَبْ ..
لا قَمْحَةٌ في الأرض ..
تَنْبُتُ دونَ رأي أبي لَهَبْ
لا طفلَ يُوْلَدُ عندنا
إلا وزارتْ أُمُّهُ يوماً ..
فِراشَ أبي لَهَبْ !!...
لا سِجْنَ يُفْتَحُ ..
دونَ رأي أبي لَهَبْ ..
لا رأسَ يُقْطَعُ
دونَ أَمْر أبي لَهَبْ ..

سَأقُولُ في التحقيق :
كيفَ أميرتي اغْتُصِبَتْ
وكيفَ تقاسَمُوا فَيْرُوزَ عَيْنَيْهَا
وخاتَمَ عُرْسِهَا ..
وأقولُ كيفَ تقاسَمُوا الشَّعْرَ الذي
يجري كأنهارِ الذَّهَبْ ..

سَأَقُولُ في التحقيق :
كيفَ سَطَوْا على آيات مُصْحَفِهَا الشريفِ
وأضرمُوا فيه اللَّهَبْ ..
سَأقُولُ كيفَ اسْتَنْزَفُوا دَمَهَا ..
وكيفَ اسْتَمْلَكُوا فَمَهَا ..
فما تركُوا به وَرْدَاً .. ولا تركُوا عِنَبْ
هل مَوْتُ بلقيسٍ ...
هو النَّصْرُ الوحيدُ
بكُلِّ تاريخِ العَرَبْ ؟؟...

بلقيسُ ..
يا مَعْشُوقتي حتّى الثُّمَالَةْ ..
الأنبياءُ الكاذبُونَ ..
يُقَرْفِصُونَ ..
ويَرْكَبُونَ على الشعوبِ
ولا رِسَالَةْ ..
لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..
من فلسطينَ الحزينةِ ..
نَجْمَةً ..
أو بُرْتُقَالَةْ ..
لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..
من شواطئ غَزَّةٍ
حَجَرَاً صغيراً
أو محَاَرَةْ ..
لو أَنَّهُمْ من رُبْعِ قَرْنٍ حَرَّروا ..
زيتونةً ..
أو أَرْجَعُوا لَيْمُونَةً
ومَحوا عن التاريخ عَارَهْ
لَشَكَرْتُ مَنْ قَتَلُوكِ .. يا بلقيسُ ..
يا مَعْبُودَتي حتى الثُّمَالَةْ ..
لكنَّهُمْ تَرَكُوا فلسطيناً
ليغتالُوا غَزَالَةْ !!...

ماذا يقولُ الشِّعْرُ ، يا بلقيسُ ..
في هذا الزَمَانِ ؟
ماذا يقولُ الشِّعْرُ ؟
في العَصْرِ الشُّعُوبيِّ ..
المَجُوسيِّ ..
الجَبَان
والعالمُ العربيُّ
مَسْحُوقٌ .. ومَقْمُوعٌ ..
ومَقْطُوعُ اللسانِ ..
نحنُ الجريمةُ في تَفَوُّقِها
فما ( العِقْدُ الفريدُ ) وما ( الأَغَاني ) ؟؟
أَخَذُوكِ أيَّتُهَا الحبيبةُ من يَدي ..
أخَذُوا القصيدةَ من فَمِي ..
أخَذُوا الكتابةَ .. والقراءةَ ..
والطُّفُولَةَ .. والأماني

بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..
يا دَمْعَاً يُنَقِّطُ فوق أهداب الكَمَانِ ..
عَلَّمْتُ مَنْ قتلوكِ أسرارَ الهوى
لكنَّهُمْ .. قبلَ انتهاءِ الشَّوْطِ
قد قَتَلُوا حِصَاني
بلقيسُ :
أسألكِ السماحَ ، فربَّما
كانَتْ حياتُكِ فِدْيَةً لحياتي ..
إنّي لأعرفُ جَيّداً ..
أنَّ الذين تورَّطُوا في القَتْلِ ، كانَ مُرَادُهُمْ
أنْ يقتُلُوا كَلِمَاتي !!!
نامي بحفْظِ اللهِ .. أيَّتُها الجميلَةْ
فالشِّعْرُ بَعْدَكِ مُسْتَحِيلٌ ..
والأُنُوثَةُ مُسْتَحِيلَةْ
سَتَظَلُّ أجيالٌ من الأطفالِ ..
تسألُ عن ضفائركِ الطويلَةْ ..
وتظلُّ أجيالٌ من العُشَّاقِ
تقرأُ عنكِ أيَّتُها المعلِّمَةُ الأصيلَةْ ...
وسيعرفُ الأعرابُ يوماً ..
أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرسُولَةْ ..
قَتَلُوا الرسُولَةْ ..
ق .. ت .. ل ..و .. ا
ال .. ر .. س .. و .. ل .. ة
***
نزار قباني – بيروت في 15/12/1981




قصيدة التحدّيات





أتحدّى..

من إلى عينيكِ، يا سيّدتي، قد سبقوني

يحملونَ الشمسَ في راحاتهمْ

وعقودَ الياسمينِ..

أتحدّى كلَّ من عاشترتِهمْ

من مجانينَ، ومفقودينَ في بحرِ الحنينِ

أن يحبّوكِ بأسلوبي، وطيشي، وجنوني..



أتحدّى..

كتبَ العشقِ ومخطوطاتهِ

منذُ آلافِ القرونِ..

أن ترَيْ فيها كتاباً واحداً

فيهِ، يا سيّدتي، ما ذكروني

أتحدّاكِ أنا.. أنْ تجدي

وطناً مثلَ فمي..

وسريراً دافئاً.. مثلَ عيوني



أتحدّاهُم جميعاً..

أن يخطّوا لكِ مكتوبَ هوىً

كمكاتيبِ غرامي..

أو يجيؤوكِ –على كثرتهم-

بحروفٍ كحروفي، وكلامٍ ككلامي..



أتحداكِ أنا أن تذكُري

رجلاً من بينِ من أحببتهم

أفرغَ الصيفَ بعينيكِ.. وفيروزَ البحورْ

أتحدّى..

مفرداتِ الحبِّ في شتّى العصورْ

والكتاباتِ على جدرانِ صيدونَ وصورْ

فاقرأي أقدمَ أوراقَ الهوى..

تجديني دائماً بينَ السطورْ

إنني أسكنُ في الحبّ..

فما من قبلةٍ..

أُخذتْ.. أو أُعطيتْ

ليسَ لي فيها حلولٌ أو حضورْ...



أتحدّى أشجعَ الفرسانِ.. يا سيّدتي

وبواريدَ القبيلهْ..

أتحدّى من أحبُّوكِ ومن أحببتِهمْ

منذُ ميلادكِ.. حتّى صرتِ كالنخلِ العراقيِّ.. طويلهْ

أتحدّاهم جميعاً..

أن يكونوا قطرةً صُغرى ببحري..

أو يكونوا أطفأوا أعمارَهمْ

مثلما أطفأتُ في عينيكِ عُمري..

أتحدّاكِ أنا.. أن تجدي

عاشقاً مثلي..

وعصراً ذهبياً.. مثلَ عصري



فارحلي، حيثُ تريدينَ.. ارحلي..

واضحكي،

وابكي،

وجوعي،

فأنا أعرفُ أنْ لنْ تجدي

موطناً فيهِ تنامينَ كصدري..





كل عام وأنت حبيبتي





1

كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي ..

أقولُها لكِ،

عندما تدقُّ السّاعةُ منتصفَ اللّيلْ

وتغرقُ السّنةُ الماضيةُ في مياهِ أحزاني

كسفينةٍ مصنوعةٍ من الورقْ ..

أقولُها لكِ على طريقتي ..

متجاوزاً كلَّ الطقوسِ الاحتفاليّهْ

التي يمارسُها العالمُ منذ 1975 سنة ..

وكاسراً كلَّ تقاليدِ الفرحِ الكاذب

التي يتمسّكُ بها الناسُ منذ 1975 سنة ..

ورافضاً ..

كلَّ العباراتِ الكلاسيكيّة ..

التي يردّدُها الرجالُ على مسامعِ النساءْ

منذ 1975 سنة ..



2

كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي ..

أقولها لكِ بكلِّ بساطهْ ..

كما يقرأُ طفلٌ صلاتهُ قبل النومْ

وكما يقفُ عصفورٌ على سنبلةِ قمحْ ..

فتزدادُ الأزاهيرُ المشغولةُ على ثوبكِ الأبيض ..

زهرةً ..

وتزدادُ المراكبُ المنتظرةُ في ميناءِ عينيكِ ..

مركباً ..

أقولُها لكِ بحرارةٍ ونَزَقْ

كما يضربُ الراقصُ الإسبانيُّ قدمهُ بالأرضْ

فتتشكَّلُ آلافُ الدوائرْ

حولَ محيطِ الكرةِ الأرضيّهْ



3

كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي

هذهِ هي الكلماتُ الأربعْ ..

التي سألفُّها بشريطٍ من القصبْ

وأرسلُها إليكِ ليلةَ رأسِ السنهْ

كلُّ البطاقاتِ التي يبيعونَها في المكتباتْ

لا تقولُ ما أريدُه ..

وكلُّ الرسومِ التي عليها ..

من شموعٍ .. وأجراسٍ .. وأشجارٍ .. وكُراتِ ثلجْ ..

وأطفالٍ .. وملائكهْ ..

لا تُناسبُني ..

إنني لا أرتاحُ للبطاقاتِ الجاهزهْ ..

ولا للقصائدِ الجاهزهْ ..

ولا للتمنّياتِ التي برسمِ التصديرْ

فهي كلُّها مطبوعةٌ في باريس، أو لندن، أو أمستردام ..

ومكتوبةٌ بالفرنسية أو الإنكليزية ..

لتصلحَ لكلِّ المناسباتْ

وأنت لستِ امرأة المناسباتْ ..

بل أنتِ المرأةُ التي أحبُّها ..

أنتِ هذا الوجعُ اليوميُّ ..

الذي لا يقالُ ببطاقاتِ المعايَدهْ ..

ولا يقالُ بالحروفِ اللاتينيّهْ ..

ولا يقالُ بالمراسلَهْ ..

وإنما يقالُ عندما تدقُّ السّاعةُ منتصفَ اللّيلْ ..

وتدخلينَ كالسمكةِ إلى مياهي الدافئهْ ..

وتستحمّينَ هناكْ ..

ويسافرُ فمي في غاباتِ شَعركِ الغجريّْ

ويستوطنُ هناكْ ..



4

لأنني أحبُّكِ ..

تدخُلُ السّنةُ الجديدةُ علينا ..

دخولَ المُلوكْ ..

ولأنني أحبُّكِ ..

أحملُ تصريحاً خاصاً من الله ..

بالتجوُّلِ بينَ ملايينِ النجومْ ..



5

لن نشتري هذا العيد شجرهْ

ستكونينَ أنتِ الشجرهْ

وسأعلّقُ عليكِ ..

أمنياتي .. وصلواتي ..

وقناديلَ دموعي ..



6

كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي ..

أمنيةٌ أخافُ أن أتمنّاها

حتى لا أُتّهَمَ بالطمعِ أو بالغرور

فكرةٌ أخافُ أن أفكّرَ بها ..

حتى لا يسرقَها الناسُ منّي ..

ويزعموا أنهم أوّلُ من اخترعَ الشِعرْ ..



7

كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي ..

كلَّ عامٍ وأنا حبيبُكِ ..

أنا أعرفُ أنني أتمنى أكثرَ مما ينبغي ..

وأحلمُ أكثرَ من الحدِّ المسموحِ به ..

ولكنْ ..

من لهُ الحقُّ أن يحاسبني على أحلامي؟

من يحاسبُ الفقراءْ ؟

إذا حلموا أنهم جلسوا على العرشْ

لمدّةِ خمسِ دقائقْ ؟

من يحاسبُ الصحراءَ إذا توحَّمَتْ على جدولِ ماءْ ؟

هناكَ ثلاثُ حالاتٍ يصبحُ فيها الحلمُ شرعياً :

حالةُ الجنونْ ..

وحالةُ الشِّعرْ ..

وحالةُ التعرُّفِ على امرأةٍ مدهشةٍ مثلكِ ..

وأنا أُعاني - لحسنِ الحظّ -

منَ الحالاتِ الثلاثْ ..



8

اتركي عشيرتكِ ..

واتبعيني إلى مغائري الداخليّهْ

اتركي قبّعةَ الورقْ ..

وموسيقى الجيركْ ..

والملابسَ التنكريّهْ ..

واجلسي معي تحتَ شجرِ البرقْ ..

وعباءةِ الشِّعرِ الزرقاءْ ..

سأغطّيكِ بمعطفي من مطرِ بيروتْ

وسأسقيكِ نبيذاً أحمر ..

من أقبيةِ الرُّهبانْ ..

وسأصنعُ لكِ طبقاً إسبانياً ..

من قواقعِ البحرْ ..

اتبعيني - يا سيّدتي - إلى شوارعِ الحلمِ الخلفيّهْ ..

فلسوفَ أطلعُكِ على قصائدَ لم أقرأها لأحدْ ..

وأفتحُ لكِ حقائبَ دموعي ..

التي لم أفتحها لأحدْ ..

ولسوفَ أحبُّكِ ..

كما لا أحبَّكِ أحدْ ..



9

عندما تدقُّ السّاعةُ الثانيةَ عشرهْ

وتفقدُ الكرةُ الأرضيّةُ توازنَها

ويبدأُ الراقصونَ يفكّرونَ بأقدامهمْ ..

سأنسحبُ إلى داخلِ نفسي ..

وسأسحبكِ معي ..

فأنتِ امرأةٌ لا ترتبطُ بالفرحِ العامْ ..

ولا بالزمنِ العامْ ..

ولا بهذا السّيركِ الكبيرِ الذي يمرُّ أمامَنا ..

ولا بتلكَ الطبولِ الوثنيّةِ التي تُقرعُ حولنا ..

ولا بأقنعةِ الورقِ التي لا يبقى منها في آخرِ اللّيل

سوى رجالٌ من ورقْ ..

ونساءٌ من ورقْ ..



10

آهٍ .. يا سيّدتي

لو كانَ الأمرُ بيدي ..

إذنْ لصنعتُ سنةً لكِ وحدكِ

تفصّلينَ أيّامها كما تريدينْ

وتسندينَ ظهركِ على أسابيعها كما تريدينْ

وتتشمّسينْ ..

وتستحمّينْ ..

وتركضينَ على رمالِ شهورها ..

كما تريدينْ ..

آهٍ .. يا سيّدتي ..

لو كانَ الأمرُ بيدي ..

لأقمتُ عاصمةً لكِ في ضاحيةِ الوقتْ

لا تأخذُ بنظامِ السّاعاتِ الشمسيّةِ والرمليَّهْ

ولا يبدأُ فيها الزمنُ الحقيقيُّ

إلا ..

عندما تأخذُ يدكِ الصغيرةُ قيلولتَها ..

داخلَ يدي ..



11

كلَّ عامٍ .. وأنا متورّطٌ بكِ ..

ومُلاحقٌ بتهمةِ حبّكِ ..

كما السّماءُ مُتّهمةٌ بالزُرقهْ

والعصافيرُ متّهمةٌ بالسّفرْ

والشفةُ متّهمةٌ بالاستدارهْ ...

كلَّ عامٍ وأنا مضروبٌ بزلزالكْ ..

ومبلّلٌ بأمطاركْ ..

ومحفورٌ - كالإناء الصينيّ - بتضاريسِ جسمكْ

كلَّ عامٍ وأنتِ .. لا أدري ماذا أسمّيكِ ..

اختاري أنتِ أسماءكِ ..

كما تختارُ النقطةُ مكانَها على السطرْ

وكما يختارُ المشطُ مكانهُ في طيّاتِ الشِّعرْ ..

وإلى أن تختاري إسمكِ الجديدْ

إسمحي لي أن أناديكِ :

" يا حبيبتي " ...

alkatb
18-06-2005, 01:45 AM
من قصـــــــــــائد نـــــــــــزار قبــــــــــاني


أحزان في الأندلس



كتبتِ لي يا غاليه..

كتبتِ تسألينَ عن إسبانيه

عن طارقٍ، يفتحُ باسم الله دنيا ثانيه..

عن عقبة بن نافعٍ

يزرع شتلَ نخلةٍ..

في قلبِ كلِّ رابيه..

سألتِ عن أميةٍ..

سألتِ عن أميرها معاويه..

عن السرايا الزاهيه

تحملُ من دمشقَ.. في ركابِها

حضارةً وعافيه..



لم يبقَ في إسبانيه

منّا، ومن عصورنا الثمانيه

غيرُ الذي يبقى من الخمرِ،

بجوف الآنيه..

وأعينٍ كبيرةٍ.. كبيرةٍ

ما زال في سوادها ينامُ ليلُ الباديه..

لم يبقَ من قرطبةٍ

سوى دموعُ المئذناتِ الباكيه

سوى عبيرِ الورود، والنارنج والأضاليه..

لم يبق من ولاّدةٍ ومن حكايا حُبها..

قافيةٌ ولا بقايا قافيه..



لم يبقَ من غرناطةٍ

ومن بني الأحمر.. إلا ما يقول الراويه

وغيرُ "لا غالبَ إلا الله"

تلقاك في كلِّ زاويه..

لم يبقَ إلا قصرُهم

كامرأةٍ من الرخام عاريه..

تعيشُ –لا زالت- على

قصَّةِ حُبٍّ ماضيه..



مضت قرونٌ خمسةٌ

مذ رحلَ "الخليفةُ الصغيرُ" عن إسبانيه

ولم تزل أحقادنا الصغيره..

كما هيَه..

ولم تزل عقليةُ العشيره

في دمنا كما هيه

حوارُنا اليوميُّ بالخناجرِ..

أفكارُنا أشبهُ بالأظافرِ

مَضت قرونٌ خمسةٌ

ولا تزال لفظةُ العروبه..

كزهرةٍ حزينةٍ في آنيه..

كطفلةٍ جائعةٍ وعاريه

نصلبُها على جدارِ الحقدِ والكراهيه..



مَضت قرونٌ خمسةُ.. يا غاليه

كأننا.. نخرجُ هذا اليومَ من إسبانيه..



*******************





بانتظار غودو





1

ننتظرُ القطارْ

ننتظرُ المسافرَ الخفيَّ كالأقدارْ

يخرجُ من عباءةِ السنينْ

يخرجُ من بدرٍ ، من اليرموكِ ،

من حطّينْ ..

يخرجُ ..

من سيفِ صلاحِ الدّينْ ..

من سنةِ العشرينْ

ونحنُ مرصوصونَ ..

في محطّةِ التاريخِ ، كالسّردينْ ..

يا سيّداتي سادتي :

هل تعرفونَ ما حُريّةُ السّردينْ ؟

حينَ يكونُ المرءُ مضطرّاً

لأن يقولَ رغمَ أنفهِ : (آمينْ)

حينَ يكونُ الجرحُ مضطرّاً

لأن يُقبّلَ السكّينْ ..

يا سيّداتي سادتي :

من سنةِ العشرينْ

ونحنُ كالدجاجِ في أقفاصنا

ننظرُ في بلاهةٍ

إلى خطوطِ سكّةِ الحديدْ

أفقيّةٌ حياتُنا ..

مثلَ خطوطِ سكّةِ الحديدْ

ضيّقةٌ .. ضيّقةٌ

مثلَ خطوطِ السكّةِ الحديدْ

ساعاتُنا واقفةٌ

لا اللهُ يأتينا .. ولا موزّعُ البريدْ

من سنةِ العشرينْ ، حتى سنةِ السبعينْ

نجلسُ في انتظارِ وجهِ الملكِ السعيدْ

كلُّ الملوكِ يشبهونَ بعضَهمْ

والملكُ القديمُ ، مثلُ الملكِ الجديدْ



2

ننتظرُ القطارْ

ونحملُ البيارقَ الحمراءَ ، والأزهارْ

تمضغُنا مكبّراتُ الصوتِ في الليلِ

وفي النهارْ

تنشرُنا إذاعةُ الدولةِ بالمنشارْ

إنتبهوا !

إنتبهوا !

خمسينَ يوماً - ربّما - تأخّرَ القطارْ

خمسينَ عاماً - ربّما - تأخّرَ القطارْ

تقيّحتْ أفخاذُنا من كثرةِ الجلوسْ

تقيّحَتْ ..

في رأسنا الأفكارْ

وصارَ لحمُ ظهرِنا

جزءاً من الجدارْ

جاؤوا بنا عشرينَ ألفَ مرّةً

تحتَ عويلِ الريحِ والأمطارْ

واستأجروا الباصاتِ كي تنقلنا

ووزّعوا الأدوار ..

وعلّمونا .. كالقرودِ الرقصَ

والعزفَ على المزمارْ

ودرّبونا ..

- ككلابِ الصيد - كيفَ ننحني

للقادمِ المسكونِ بالدهشةِ والأسرارْ

إذا أتى القطارْ ..



3

لم نَرَهُ ..

لكنَّ مَن رأوهُ فوقَ الشاشةِ الصغيرهْ

يبتلعُ الزجاجَ ..

أو يسيرُ كالهنودِ فوقَ النارْ

ويُخرجُ الأرانبَ البيضاءَ من جيوبهِ

ويقلبُ الفحمَ إلى نُضارْ

يؤكّدونَ أنّهُ ..

من أولياءِ اللهِ .. جلَّ شأنُهُ

وأنَّ نورَ وجههِ يحيِّرُ الأبصارْ ..

وأنّهُ سيحملُ القمحَ إلى بيوتنا

والسمنَ .. والطحينَ .. بالقنطارْ

ويجعلُ العميانَ يبصرونْ

ويجعلُ الأمواتَ ينهضونْ

ويزرعُ الحنطةَ في البحارْ

وأنّهُ - في سنواتِ حكمهِ -

يُدخلنا لجنّةٍ ..

من تحتها تنسكبُ الأنهارْ

لم نرَهُ ..

ولم نقبّلْ يدهُ

لكنَّ مَن تبرّكوا يوماً بهِ ..

قالوا بأنَّ صوتَهُ

يُحرّكُ الأحجارْ ..

وأنّهُ ..

وأنّهُ ..

هوَ العزيزُ الواحدُ القهّارْ ..



4

ننتظرُ القطارْ

مكسورةٌ - منذُ أتَينا - ساعةُ الزمانْ

والوقتُ لا يمرُّ ..

والثواني ما لها سيقانْ

تعلكُنا ..

تنهشُنا ..

مكبّراتُ الصوتِ بالأسنانْ ..

إنتبهوا !

إنتبهوا !

لا أحدٌ يقدرُ أن يغادرَ المكانْ

ليشتري جريدةً ..

أو كعكةً ..

أو قطعةً صُغرى من اللبانْ

لربّه ، لا أحدٌ ، يقدرُ أن يقولَ :

(يا ربّاه)

لا أحدٌ ..

يقدرُ أن يدخلَ ، حتّى ، دورةَ المياهْ ..

تعالَ يا غودو ..

وخلّصنا من الطغاةِ والطغيانْ

ومن أبي جهلٍ ، ومن ظُلمِ أبي سُفيانْ

فنحنُ محبوسونَ في محطّةِ التاريخِ كالخرفانْ

أولادُنا ناموا على أكتافِنا ..

رئاتُنا .. تسمّمَتْ بالفحمِ والدخانْ

والعَرْضَحَالاتُ التي نحملُها

عن قلَّةِ الدواءْ ..

والغلاء ..

والحِرمان ..

صادَرَها مرافقو السلطانْ

تعالَ يا غودو .. وجفِّفْ دمعَنا

وأنقذِ الإنسانَ من مخالبِ الإنسانْ



5

تعالَ يا غودو ..

فقد تخشَّبتْ أقدامُنا انتظارْ

وصارَ جلدُ وجهِنا ..

كقطعةِ الآثارْ ..

تبخّرتْ أنهارُنا

وهاجَرَتْ جبالُنا

وجَفّتِ البحارْ

وأصبحتْ أعمارُنا ليسَ لها أعمارْ

تعالَ يا غودو .. فإنَّ أرضَنا

ترفضُ أن تزورَها الأمطارْ

ترفضُ أن تكُبرَ في ترابِنا الأشجارْ

تعالَ .. فالنساءُ لا يحبلنَ ..

والحليبُ لا يدرُّ في الأبقارْ

إن لم تجئْ من أجلنا نحنُ ..

فمن أجلِ الملايينِ من الصّغارْ

من أجلِ شعبٍ طيّبٍ ..

ما زالَ في أحلامهِ

يُقرقشُ الأحجارْ

يقرقشُ المعلّقاتِ العشرَ ..

والجرائدَ القديمهْ

ونشرةَ الأخبارْ ..

***********



تلومني الدنيا



تلومني الدنيا إذا أحببتهُ

كأنني.. أنا خلقتُ الحبَّ واخترعتُهُ

كأنني أنا على خدودِ الوردِ قد رسمتهُ

كأنني أنا التي..

للطيرِ في السماءِ قد علّمتهُ

وفي حقولِ القمحِ قد زرعتهُ

وفي مياهِ البحرِ قد ذوّبتهُ..

كأنني.. أنا التي

كالقمرِ الجميلِ في السماءِ..

قد علّقتُه..

تلومُني الدنيا إذا..

سمّيتُ منْ أحبُّ.. أو ذكرتُهُ..

كأنني أنا الهوى..

وأمُّهُ.. وأختُهُ..



هذا الهوى الذي أتى..

من حيثُ ما انتظرتهُ

مختلفٌ عن كلِّ ما عرفتهُ

مختلفٌ عن كلِّ ما قرأتهُ

وكلِّ ما سمعتهُ

لو كنتُ أدري أنهُ..

نوعٌ منَ الإدمانِ.. ما أدمنتهُ

لو كنتُ أدري أنهُ..

بابٌ كثيرُ الريحِ.. ما فتحتهُ

لو كنتُ أدري أنهُ..

عودٌ من الكبريتِ.. ما أشعلتهُ

هذا الهوى.. أعنفُ حبٍّ عشتهُ

فليتني حينَ أتاني فاتحاً

يديهِ لي.. رددْتُهُ

وليتني من قبلِ أن يقتلَني.. قتلتُهُ..



هذا الهوى الذي أراهُ في الليلِ..

على ستائري..

أراهُ.. في ثوبي..

وفي عطري.. وفي أساوري

أراهُ.. مرسوماً على وجهِ يدي..

أراهُ منقوشاً على مشاعري

لو أخبروني أنهُ

طفلٌ كثيرُ اللهوِ والضوضاءِ ما أدخلتهُ

وأنهُ سيكسرُ الزجاجَ في قلبي لما تركتهُ

لو أخبروني أنهُ..

سيضرمُ النيرانَ في دقائقٍ

ويقلبُ الأشياءَ في دقائقٍ

ويصبغُ الجدرانَ بالأحمرِ والأزرقِ في دقائقٍ

لكنتُ قد طردتهُ..



يا أيّها الغالي الذي..

أرضيتُ عني الله.. إذْ أحببتهُ

هذا الهوى أجملُ حبٍّ عشتُهُ

أروعُ حبٍّ عشتهُ

فليتني حينَ أتاني زائراً

بالوردِ قد طوّقتهُ..

وليتني حينَ أتاني باكياً

فتحتُ أبوابي لهُ.. وبستهُ


***********



إفادة في محكمة الشعر

ألقيت في مهرجان الشعر التاسع ببغداد عام 1969





مرحباً يا عراقُ ، جئتُ أغنّيكَ
وبعـضٌ من الغنـاءِ بكـاءُ

مرحباً، مرحباً.. أتعرفُ وجهاً حفـرتهُ الأيّـامُ والأنـواءُ؟
أكلَ الحبُّ من حشـاشـةِ قلبي
والبقايا تقاسمتـها النسـاءُ

كلُّ أحبابي القدامى نسَــوني لا نُوارَ تجيـبُ أو عفـراءُ
فالشـفاهُ المـطيّبـاتُ رمـادٌ وخيامُ الهوى رماها الـهواءُ

سـكنَ الحزنُ كالعصافيرِ قلبي
فالأسى خمرةٌ وقلبي الإنـاءُ

أنا جـرحٌ يمشـي على قدميهِ
وخيـولي قد هدَّها الإعياءُ

فجراحُ الحسينِ بعضُ جراحي
وبصدري من الأسى كربلاءُ

وأنا الحزنُ من زمانٍ صديقي
وقليـلٌ في عصرنا الأصدقاءُ

مرحباً يا عراقُ، كيفَ العباءاتُ
وكيفَ المها.. وكيفَ الظباءُ؟

مرحباً يا عراقُ ... هل نسيَتني
بعدَ طولِ السنينِ سامـرّاءُ؟

مرحباً يا جسورُ يا نخلُ يا نهرُ
وأهلاً يا عشـبُ... يا أفياءُ

كيفَ أحبابُنا على ضفةِ النهـرِ
وكيفَ البسـاطُ والنـدماءُ؟

كان عنـدي هـنا أميرةُ حـبٍّ
ثم ضاعت أميرتي الحسـناءُ

أينَ وجـهٌ في الأعظميّةِ حلـوٌ
لو رأتهُ تغارُ منهُ السـماءُ؟

إنني السـندباد.ُ.. مزّقهُ البحـرُ
و عـينا حـبيبتي المـيناءُ

مضغَ الموجُ مركبي ... و جبيني
ثقبتهُ العواصـفُ الهـوجاءُ

إنَّ في داخلي عصوراً من الحزنِ
فهـل لي إلى العـراقِ التجاءُ؟

و أنا العاشـقُ الكبيرُ... ولكـن
ليس تكفي دفاتـري الزرقـاءُ

يا حزيرانُ.ما الذي فعلَ الشعرُ؟
وما الذي أعطـى لنا الشعراءُ؟

الدواويـنُ في يدينا طـروحٌ
والتعـابيرُ كـلُّها إنـشاءُ

كـلُّ عامٍ نأتي لسـوقِ عُـكاظٍ
وعـلينا العمائمُ الخضـراءُ

ونهـزُّ الرؤوسَ مثل الدراويشِ
...و بالنار تكتـوي سـيناءُ

كـلُّ عامٍ نأتي ... فهذا جريـرٌ
يتغنّـى.. وهـذهِ الخـنساءُ

لم نزَل ، لم نزَل نمصمصُ قشراً
وفلسطـينُ خضّبتها الـدماءُ

يا حزيـرانُ... أنـتَ أكـبرُ منّا
وأبٌ أنـتَ مـا لـهُ أبـناءُ

لـو مـلكـنا بقيّـةً مـن إبـاءٍ
لانتخـينا.. لكـننا جـبناءُ

يا عصـورَ المعلّقـاتِ مـلَلنا...
ومن الجسـمِ قد يملُّ الرداءُ

نصـفُ أشـعارنا نقوشٌ ومـاذا
ينفعُ النقشُ حين يهوي البناءُ؟

المـقاماتُ لعبةٌ ... والحريـريُّ
حشيشٌ.. والغولُ والعـنقاءُ

ذبحتنا الفسـيفسـاءُ عصـوراً
والدُّمى والزخارفُ البلـهاءُ

نرفـضُ الشعرَ كيمياءً وسحراً
قتلتنا القصيـدةُ الكيـمياءُ

نرفـضُ الشعرَ مسـرحاً ملكياً
من كراسيهِ يحرمُ البسـطاءُ

نرفـضُ الشعرَ أن يكونَ حصاناً
يمتطـيهِ الطـغاةُ والأقـوياءُ

نرفـضُ الشعرَ عتمـةً ورموزاً
كيف تستطيعُ أن ترى الظلماءُ؟

نرفـضُ الشعرَ أرنبـاً خشـبيّاً
لا طمـوحَ لـهُ ولا أهـواءُ

نرفضُ الشعرَ في قهوةِ الشـعر..
دخـانٌ أيّامـهم.. وارتخـاءُ

شعرُنا اليومَ يحفرُ الشمسَ حفراً
بيديهِ.. فكلُّ شـيءٍ مُـضاءُ

شـعرنا اليومَ هجمةٌ واكتشـافٌ
لا خطوطَ كوفيّـةً ، وحِداءُ

كلُّ شعـرٍ معاصـرٍ ليـسَ فيهِ
غصبُ العصرِ نملةٌ عـرجاءُ

ما هوَ الشعـرُ... إن غدا بهلواناً
يتسـلّى برقصـهِ الخُـلفاءُ

ما هو الشعرُ... حينَ يصبحُ فأراً
كِسـرةُ الخبزِ –هَمُّهُ- والغِذاءُ

و إذا أصـبحَ المفكِّـرُ بُـوقـاً
يستوي الفكرُ عندها والحذاءُ

يُصلبُ الأنبياءُ مـن أجـل رأيٍ
فلماذا لا يصلبَ الشعـراءُ؟

الفدائيُّ وحـدهُ.. يكتـبُ الشـعرَ
و كـلُّ الذي كتبناهُ هـراءُ

إنّهُ الكاتـبُ الحقيقـيُّ للعصـرِ
ونـحنُ الحُـجَّابُ والأجـراءُ

عنـدما تبـدأُ البنـادقُ بالعـزفِ
تمـوتُ القصـائدُ العصـماءُ

مـا لنا ؟ ما لنا نلـومُ حزيـرانَ
و في الإثمِ كـلُّنا شـركاءُ؟

من هـم الأبرياءُ ؟ نحنُ جميـعاً
حامـلو عارهِ ولا اسـتثناءُ

عقلُنا ، فكـرُنا ، هـزالُ أغانينا
رؤانا، أقوالُـنا الجـوفـاءُ

نثرُنا، شعرُنا، جرائدُنا الصـفراءُ
والحـبرُ والحـروفُ الإمـاءُ

البطــولاتُ موقـفٌ مسـرحيٌّ
ووجـوهُ الممثلـينَ طـلاءُ

و فلسـطينُ بينهـم كـمـزادٍ
كلُّ شـارٍ يزيدُ حين يشـاءُ

وحـدويّون! و البـلادُ شـظايا
كـلُّ جزءٍ من لحمها أجزاءُ

ماركسـيّونَ! والجماهـيرُ تشقى
فلماذا لا يشبـعُ الفقـراءُ؟

قرشـيّونَ! لـو رأتهـم قريـشٌ
لاستجارت من رملِها البيداءُ

لا يمـينٌ يجيـرُنا أو يســارٌ
تحتَ حدِّ السكينِ نحنُ سواءُ

لو قرأنا التاريخَ ما ضاعتِ القدسُ
وضاعت من قبـلها "الحمـراءُ"..

يا فلسـطينُ ، لا تزالينَ عطشى
وعلى الزيتِ نامتِ الصحـراءُ

العباءاتُ.. كـلُّها مـن حـريـرٍ
واللـيالي رخيصـةٌ حمـراءُ

يا فلسـطينُ، لا تنـادي عـليهم
قد تساوى الأمواتُ والأحياءُ

قتلَ النفـطُ ما بهم مـن سـجايا
ولقد يقتـلُ الثـريَّ الثراءُ

يا فلسـطينُ ، لا تنادي قريشـاً
فقريشٌ ماتـت بها الخيَـلاءُ

لا تنادي الرجالَ من عبدِ شمسٍ
لا تنادي.. لم يبـقَ إلا النساءُ

ذروةُ الموتِ أن تموتَ المروءاتُ
ويمشـي إلى الـوراءِ الـوراءُ

مرَّ عامـانِ والغـزاةُ مقيمـونَ
و تاريـخُ أمـتي... أشـلاءُ

مـرَّ عامانِ.. والمسـيحُ أسـيرٌ
في يديهم.. و مـريمُ العـذراءُ

مـرَّ عامـانِ... والمآذنُ تبكـي
و النواقيـسُ كلُّها خرسـاءُ

أيُّها الراكعونَ في معبدِ الحـرفِ
كـفانا الـدوارُ والإغـماءُ

مزِّقوا جُبَّـةَ الدراويـشِ عـنكم
واخلعوا الصوفَ أيُّها الأتقياءُ

اتـركـوا أولياءَنـا بـسـلامٍ
أيُّ أرضٍ أعادها الأولياءُ؟

في فمي يا عراقُ.. مـاءٌ كـثيرٌ
كيفَ يشكو من كانَ في فيهِ ماءُ؟

زعمـوا أنني طـعنتُ بـلادي
وأنا الحـبُّ كـلُّهُ والـوفاءُ

أيريدونَ أن أمُـصَّ نـزيفـي؟
لا جـدارٌ أنا و لا ببـغاءُ!

أنـا حريَّتي... فإن سـرقـوها
تسقطِ الأرضُ كلُّها والسماءُ

ما احترفتُ النِّفاقَ يوماً وشعري
مـا اشتـراهُ الملـوكُ والأمراءُ

كـلُّ حـرفٍ كتبتهُ كانَ سـيفاً
عـربيّاً يشـعُّ منهُ الضـياءُ

و قـليـلٌ مِنَ الكـلامِ نَـقِـيٌّ
وكـثيرٌ من الكـلامِ بغـاءُ

كم أُعـاني مِمَّا كَتَبْـتُ عـذاباً
ويعاني في شـرقنا الشـرفاءُ

وجعُ الحرفِ رائـعٌ.. أوَتشـكو
للـبسـاتينِ وردةٌ حمـراءُ؟

كلُّ من قاتلوا بحرفٍ شـجاعٍ
ثم ماتـوا.. فإنـهم شهداءُ

لا تعاقب يا ربِّ من رجموني
واعفُ عنهم لأنّـهم جهلاءُ

إن حبّي للأرضِ حـبٌّ بصيرٌ
وهواهم عواطـفٌ عمياءُ

إن أكُن قد كَوَيْـتُ لحمَ بلادي
فمن الكيِّ قد يجـيءُ الشفاءُ

من بحارِ الأسى ، وليلِ اليتامى
تطلـعُ الآنَ زهـرةٌ بيضاءُ

و يطلُّ الفـداءُ شـمساً عـلينا
ما عسانا نكونُ.. لولا الفداءُ

من جـراحِ المناضلينَ... وُلدنا
ومنَ الجرحِ تولدُ الكـبرياءُ

قبلَهُم ، لم يكـن هـناكَ قبـلٌ
ابتداءُ التاريخِ من يومِ جاؤوا

هبطـوا فـوقَ أرضـنا أنبياءً
بعد أن ماتَ عندنا الأنبياءُ

أنقذوا ماءَ وجهنا يـومَ لاحوا
فأضاءت وجوهُنا السوداءُ

منحـونا إلى الحـياةِ جـوازاً
لم تكُـن قبلَهم لنا أسمـاءُ

أصـدقاءُ الحروفِ لا تعذلوني
إن تفجّرتُ أيُّها الأصـدقاءُ

إنني أخزنُ الرعودَ بصـدري
مثلما يخزنُ الرعودَ الشتاءُ

أنا ما جئتُ كي أكـونَ خطيباً
فبلادي أضاعَـها الخُـطباءُ

إنني رافضٌ زماني وعصـري
ومن الـرفضِ تولدُ الأشـياءُ

أصدقائي، حكيتُ ما ليسَ يُحكى
و شـفيعي... طـفولتي والنـقاءُ

إنني قـادمٌ إليكـم ... و قلبـي
فـوقَ كـفّي حمامـةٌ بيضـاءُ

إفهموني... فما أنا غـيرُ طـفلٍ
فـوقَ عينيهِ يسـتحمُّ المـساءُ

أنا لا أعـرفُ ازدواجيّةَ الفكـرِ
فنفسـي.. بحـيرةٌ زرقـاءُ

لبلادي شـعري.. ولسـتُ أبالي
رفصتهُ أم باركتـهُ السـماءُ..

***********



الاستجواب





(1)



مَنْ قَتَلَ الإمامْ ؟

المُخبِرونَ يملأونَ غرفتي

مَن قتلَ الإمامْ ؟

أحذيةُ الجنودِ فوقَ رقبتي

مَنْ قتلَ الإمامْ ؟

مَن طعنَ الدرويشَ صاحبَ الطريقهْ ؟

ومزَّقَ الجُبَّةَ ، والكشكولَ ، والمِسبَحَةَ الأنيقهْ ؟

يا سادَتي :

لا تقلعوا أظافري بحثاً عن الحقيقهْ

في جثةِ القتيلِ ، دوماً ، تسكنُ الحقيقهْ .



(2)



مَن قتلَ الإمامْ ؟

عساكرٌ بكاملِ السّلاحِ يدخلونْ

عساكرٌ بكاملِ السّلاحِ يخرجونْ

محاضِرٌ .. آلاتُ تسجيلٍ .. مصوّرونْ

يا سادَتي :

ما النفعُ من إفادَتي ؟

ما دمتُمْ ـ إن قلتُ وإنْ ما قلتْ ـ سوفَ تكتبونْ

ما تنفعُ استغاثتي ؟

ما دمتمْ ـ إن قلتُ وإن ما قلتُ ـ سوفَ تضربونْ

ما دمتمْ منذُ حكمتُمْ بلدي ..

عنّي تُفَكّرونْ ..



(3)



لستُ شيوعيّاً ـ كما قيلَ لكمْ ـ يا سادَتي الكِرامْ

ولا يمينيّاً ـ كما قيلَ لكمْ ـ يا سادَتي الكِرامْ

مسقطُ رأسي في دمشقَ الشامْ ..

هل واحدٌ من بينكمْ يعرفُ أينَ الشامْ ؟

هل واحدٌ من بينكم أدمنَ سُكنى الشامْ ؟

رَواهُ ماءُ الشامْ .. كَواهُ عِشقُ الشامْ ؟

تأكّدوا يا سادتي

لن تجدوا في كلِّ أسواقِ الورودِ وردةً كالشامْ

وفي دكاكينِ الحِلى جميعِها .. لؤلؤةً كالشامْ

لن تجدوا .. مدينةً حزينةَ العينينِ مثلَ الشامْ ..



(4)



لستُ عميلاً قذراً ...

ـ كما يقولُ مخبروكمْ ـ يا سادتي الكرامْ

ولا سرقتُ قمحةً ، ولا قتلتُ نملةً

ولا دخلتُ مركزَ البوليسِ يوماً .. سادتي الكرامْ

يعرفُني في حارتي الصغيرُ والكبيرْ

يعرفُني الأطفالُ ، والأشجارُ ، والحَمامْ

وأنبياءُ اللهِ يعرفونني

عليهمْ الصلاةُ والسلامْ

الصلواتُ الخمسُ .. لا أقطعُها يا سادتي الكرامْ ..

وخطبةُ الجمعةِ لا تفوتُني .. يا سادتي الكرامْ ..

من ربعِ قرنٍ وأنا أمارسُ الركوعَ والسجودْ

أمارسُ القيامَ والقعودْ

أمارسُ التشخيصَ خلفَ حضرةِ الإمامْ

يقولُ : ( اللهمَّ إمحقْ دولةَ اليهودْ )

أقولُ : ( اللهمَّ إمحقْ دولةَ اليهودْ )

يقولُ : ( اللهمَّ شتّتْ شملَهمْ )

أقولُ : ( اللهمَّ شتّتْ شملَهمْ )

يقولُ : ( اللهمَّ إقطعْ نَسلَهُمْ )

أقولُ : ( اللهمَّ إقطعْ نسلهُمْ )

يقولُ : (أغرقْ حرثَهم وزرعَهمْ )

أقولُ : (أغرقْ حرثَهمْ وزرعَهمْ )

وهكذا .. يا سادتي الكرامْ

قضيتُ عشرينَ سنهْ ..

أعيشُ في حظيرةِ الأغنامْ

أعلفُ كالأغنامْ

أنامُ كالأغنامْ

أبولُ كالأغنامْ

أدورُ كحبّةٍ في مسبحةِ الإمامْ

لا عقلَ لي .. لا رأسَ .. لا أقدامْ ..

أستنشقُ الزكامَ من لحيتِه ..

والسُّلَّ في العظامْ ..

قضيتُ عشرينَ سنهْ

مُكَوَّماً كرزمةِ القشِّ على السجّادةِ الحمراءْ

أُجلَدُ كلَّ جمعةٍ بخطبةٍ غرّاءْ

أبتلعُ البيانَ ، والبديعَ ، والقصائدَ العصماءْ

أبتلعُ الهُراءْ

عشرينَ عاماً .. وأنا يا سادتي

أسكنُ في طاحونةٍ

ما طحنتْ قطُّ سوى الهواءْ



(5)



يا سادتي

بخنجَري هذا الذي تَرَوْنَهُ

طعنتُهُ بالصدرِ والرقبهْ

طعنتُه في عقلهِ المنخورِ مثلَ الخشبهْ

طعنتُه باسمي أنا ..

واسمِ الملايينِ من الأغنامْ

يا سادتي : أعرفُ أنَّ تُهمَتي عقابُها الإعدامْ

لكنّني قتلتُ إذ قتلتُهُ

كلَّ الصراصيرِ التي تنشدُ في الظلامْ

والمستريحينَ على أرصفةِ الأحلامْ

قتلتُ إذْ قتلتُهُ ..

كلَّ الطفيليّاتِ في حديقةِ الإسلامْ

كلَّ الذينَ يطلبونَ الرزقَ من دُكّانةِ الإسلامْ

قتلتُ إذْ قتلتُهُ ، يا سادتي الكرامْ

كلَّ الذينَ منذُ ألفِ عامْ ..

يَزْنُونَ بالكلامْ ...

**************




الخطاب







(1)



أوقَفوني ..

وأنا أضحكُ كالمجنونِ وحدي

من خطابٍ كانَ يلقيهِ أميرُ المؤمنينْ

كلّفتني ضحكتي عشرَ سنينْ

سألوني ، وأنا في غرفةِ التحقيقْ ، عمّن حرّضوني

فضحكتْ ..

وعن المالِ ، وعمّن موّلوني ..

فضحكتْ ..

كتبوا كلَّ إجاباتي .. ولم يستجوبوني .

قالَ عنّي المدّعي العام ، وقالَ الجندُ حينَ اعتقلوني :

إنني ضدَّ الحكومَهْ

لم أكنْ أعرفُ أنَّ الضحكَ يحتاجُ لترخيصِ الحكومَهْ

ورسومٍ ، وطوابعْ ..

لم أكنْ أعرفُ شيئاً .. عن غسيلِ المخِّ .. أو فرمِ الأصابعْ

في بلادي ..

ممكنٌ أن يكتبَ الإنسانُ ضدَّ الله .. لا ضدَّ الحكومهْ

فاعذروني ، أيّها السّادةُ ، إنْ كنتُ ضحكتْ

كانَ في ودّي أن أبكي .. ولكنّي ضحكتْ





(2)



كُنتُ بعدَ الظهرِ في المقهى .. وكانَ البهلوانْ

يلبسُ الطرطورَ بالرأسِ .. ويلقي كلَّ (ما يطلبهُ المستمعونْ)

عن حزيرانَ الذي صارَ معَ الأيامِ .. (ما يطلبهُ المستمعونْ)

واحتفالاً مثلَ عيدِ الفطرِ والأضحى ..

أراجيحَ ، وكعكاً ، وفطائرْ ..

وزياراتِ مقابرْ ..

كنتُ أسترجعُ أفكاري ، وكانَ المخبرونْ

كالجراثيمِ .. على كلِّ الفناجينِ ، وفي كلِّ الصحونْ ..

كنتُ أصغي .. كألوفِ البسطاءِ الطيّبينْ

لكلامِ البهلوانْ

وهوَ يحكي .. ثم يحكي .. ثم يحكي ..

مثلَ صندوقِ العجائبْ

.. وتذكّرتُ ليالي رمضانْ

وأرجوازَ الذي كانَ له ألفُ لسانٍ ولسانْ

وتذكّرتُ فلسطينَ التي صارتْ حقيبهْ

ما لها في الأرضِ صاحبْ

كانَ في حنجرتي ملحٌ ، وحزني كانَ في حجمِ الكواكبْ

فاعذروني ، أيّها السّادةُ ، إن حطّمتُ صندوقَ العجائبْ

وتقيّأتُ على وجهِ أميرِ المؤمنينْ

وكبيرِ الياورانْ

واسترحتْ ..

كانَ في ودّيَ أن أبكي ..

ولكنّي ضحكتْ ..





(3)



نشروا في صحفِ اليومِ تصاويري .. على أوّلِ صفحهْ ..

واعترافاتي على أولِ صفحهْ ..

فضحكتْ ..

قدّموني للإذاعاتِ طعاماً ، ولأسنانِ الصحافهْ

جعلوني - دونَ أن أدري - خُرافهْ

ربطوني بالسّفاراتِ .. وأحلافِ الأجانبْ

فضحكتْ ..

إنني لم أشتغلْ من قبلُ قوّاداً .. ولا كنتُ حصاناً للأجانبْ

أنا عبدٌ من عبادِ اللهِ مستورٌ ومغمورٌ ، ومحدودُ المواهبْ

أسمعُ الأخبارَ كالناسِ .. وأستقبلُ مأمورَ الضرائبْ

زوجتي طيّبةُ القلبِ ، وعندي ولدانْ

وأبي حاربَ ضدَّ التُركِ في الشامِ .. وماتْ

أنا لا أفهمُ في النحوِ .. وفي الصرفِ .. وفي علمِ الكلامْ

غيرَ أني لم أعدْ أفهمُ - من بعدِ حزيرانَ - الكلامْ ..

لم أعدْ أهضمُ حرفاً .. من أكاذيبِ أمير المؤمنينْ

صارت الألفاظُ مطاطاً ..

وصارت لغةُ الحكّامِ صمغاً وعجينْ

خدّروني بملايينِ الشعاراتِ .. فنمتْ

وأروني القدسَ في الحلمِ ..

ولم أجدَ القدسَ ، ولا أحجارَها ، حينَ استفقتْ

فاعذروني ، أيّها السّادةُ ، إن كنتُ ضحكتْ

كانَ في ودّيَ أن أبكي .. ولكنّي ضحكتْ





(4)



كنتُ في المخفرِ مكسوراً .. كبللور كنيسهْ

نافخاً (سورةَ ياسين) بوجهِ القاتلينْ

لم أكنْ أملكُ إلا الصبرَ .. (واللهُ يحبُّ الصابرينْ)

وجراحي .. كبساتينِ أريحا ..

يمطرُ الياقوتُ منها .. ويضوعُ الياسمينْ

وفلسطينُ على الأرضِ .. حمامهْ

سقطَتْ تحتَ نعالِ المخبرينْ ..

كنتُ وحدي ..

لم يزرْني أحدٌ في السجنْ ..

إلا جبلُ الكرملِ ، والبحرُ ، وشمسُ الناصرَهْ

كنتُ وحدي ..

وملوكُ الشرقِ كانوا جُثثاً فوقَ مياهِ الذاكرهْ

كنتُ مجروحاً .. ومطروحاً على وجهي ، كأكياسِ الطحينْ

أيّها السّادةُ : لا تندهشوا ..

كلّنا في نظرِ الحاكمِ .. أكياسُ طحينْ

كلّنا - بعد حزيرانَ - خِرافٌ

نتسلّى بحشيشِ الصبرِ .. (واللهُ يحبُّ الصابرينْ)

فأطالَ اللهُ في عمرِ أميرِ المؤمنينْ

نائبِ اللهِ على الأرضِ .. كبيرِ العادلينْ





(5)



أيّها السّادةُ :

إني وارثُ الأرضِ الخرابْ

كلّما جئتُ إلى بابِ الخليفهْ

سائلاً عن (شرمِ الشيخِ) وعن (حيفا) ..

و (رامَ الله) و (الجولانِ) أهداني خطابْ ..

كلّما كلّمتُهُ - جلَّ جلالُهْ -

عن حزيرانَ الذي صارَ حشيشاً .. نتعاطاهُ صباحاً ومساءْ

واحتفالاً مثلَ عيدِ الفطرِ ، والأضحى ، وذكرى كربلاءْ

ركبَ السيّارةَ المكشوفةَ السقف .. وغطّى صدرهُ بالأوسمهْ

ورشاني بخطابْ ..

كلّما ناديتُهُ : يا أميرَ البرّ .. والبحرِ .. ويا عالي الجنابْ

سيفُ إسرائيلَ في رقبتِنا .. سيفُ إسرا .. سيفُ إسـ ...

ركبِ السيّارةَ المكشوفةَ السقف .. إلى دارِ الإذاعهْ

ورشاني بخطابْ ..

ورماني بينَ أسنانِ الجواسيسِ ، وأنيابِ الكلابْ

فاعذروني ، أيّها السّادةُ ، إن كنتُ كفرتْ

وَصَفوا لي صبرَ أيّوبَ دواءً .. فشربتْ

أطعموني ورقَ النشّافِ .. ليلاً ونهاراً .. فأكلتْ

أدخلوني لفلسطينَ على أنغامِ (ما يطلبهُ المستمعونْ)

أدخلوني في دهاليزِ الجنونْ ..

فاعذروني - أيّها السّادةُ - إن كنتُ ضحتْ

كان في ودّيَ أن أبكي ..

ولكنّي ضحكتْ ..

*********




خمس رسائل إلى أمي





صباحُ الخيرِ يا حلوه..

صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوه

مضى عامانِ يا أمّي

على الولدِ الذي أبحر

برحلتهِ الخرافيّه

وخبّأَ في حقائبهِ

صباحَ بلادهِ الأخضر

وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر

وخبّأ في ملابسهِ

طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر

وليلكةً دمشقية..



أنا وحدي..

دخانُ سجائري يضجر

ومنّي مقعدي يضجر

وأحزاني عصافيرٌ..

تفتّشُ –بعدُ- عن بيدر

عرفتُ نساءَ أوروبا..

عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ

عرفتُ حضارةَ التعبِ..

وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر

ولم أعثر..

على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر

وتحملُ في حقيبتها..

إليَّ عرائسَ السكّر

وتكسوني إذا أعرى

وتنشُلني إذا أعثَر

أيا أمي..

أيا أمي..

أنا الولدُ الذي أبحر

ولا زالت بخاطرهِ

تعيشُ عروسةُ السكّر

فكيفَ.. فكيفَ يا أمي

غدوتُ أباً..

ولم أكبر؟



صباحُ الخيرِ من مدريدَ

ما أخبارها الفلّة؟

بها أوصيكِ يا أمّاهُ..

تلكَ الطفلةُ الطفله

فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي..

يدلّلها كطفلتهِ

ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ

ويسقيها..

ويطعمها..

ويغمرها برحمتهِ..



.. وماتَ أبي

ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ

وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ

وتسألُ عن عباءتهِ..

وتسألُ عن جريدتهِ..

وتسألُ –حينَ يأتي الصيفُ-

عن فيروزِ عينيه..

لتنثرَ فوقَ كفّيهِ..

دنانيراً منَ الذهبِ..



سلاماتٌ..

سلاماتٌ..

إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة

إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ "ساحةِ النجمة"

إلى تحتي..

إلى كتبي..

إلى أطفالِ حارتنا..

وحيطانٍ ملأناها..

بفوضى من كتابتنا..

إلى قططٍ كسولاتٍ

تنامُ على مشارقنا

وليلكةٍ معرشةٍ

على شبّاكِ جارتنا

مضى عامانِ.. يا أمي

ووجهُ دمشقَ،

عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا

يعضُّ على ستائرنا..

وينقرنا..

برفقٍ من أصابعنا..



مضى عامانِ يا أمي

وليلُ دمشقَ

فلُّ دمشقَ

دورُ دمشقَ

تسكنُ في خواطرنا

مآذنها.. تضيءُ على مراكبنا

كأنَّ مآذنَ الأمويِّ..

قد زُرعت بداخلنا..

كأنَّ مشاتلَ التفاحِ..

تعبقُ في ضمائرنا

كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ

جاءت كلّها معنا..



أتى أيلولُ يا أماهُ..

وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ

ويتركُ عندَ نافذتي

مدامعهُ وشكواهُ

أتى أيلولُ.. أينَ دمشقُ؟

أينَ أبي وعيناهُ

وأينَ حريرُ نظرتهِ؟

وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟

سقى الرحمنُ مثواهُ..

وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ..

وأين نُعماه؟

وأينَ مدارجُ الشمشيرِ..

تضحكُ في زواياهُ

وأينَ طفولتي فيهِ؟

أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ

وآكلُ من عريشتهِ

وأقطفُ من بنفشاهُ



دمشقُ، دمشقُ..

يا شعراً

على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ

ويا طفلاً جميلاً..

من ضفائرنا صلبناهُ

جثونا عند ركبتهِ..

وذبنا في محبّتهِ

إلى أن في محبتنا قتلناهُ...

*************





دكتوراه شرف في كيمياء الحجر





يرمي حجراً..

أو حجرينْ.

يقطعُ أفعى إسرائيلَ إلى نصفينْ

يمضغُ لحمَ الدبّاباتِ،

ويأتينا..

من غيرِ يدينْ..



في لحظاتٍ..

تظهرُ أرضٌ فوقَ الغيمِ،

ويولدُ وطنٌ في العينينْ

في لحظاتٍ..

تظهرُ حيفا.

تظهرُ يافا.

تأتي غزَّةُ في أمواجِ البحرِ

تضيءُ القدسُ،

كمئذنةٍ بين الشفتينْ..



يرسمُ فرساً..

من ياقوتِ الفجرِ..

ويدخلُ..

كالإسكندرِ ذي القرنينِ.

يخلعُ أبوابَ التاريخِ،

وينهي عصرَ الحشّاشينَ،

ويقفلُ سوقَ القوَّادين،

ويقطعُ أيدي المرتزقينَ،

ويلقي تركةَ أهلِ الكهفِ،

عن الكتفينْ..



في لحظاتٍ..

تحبلُ أشجارُ الزّيتونِ،

يدرُّ حليبٌ في الثديينْ..

يرسمُ أرضاً في طبريّا

يزرعُ فيها سنبلتينْ

يرسمُ بيتاً فوقَ الكرملْ،

يرسمُ أمّاً.. تطحنُ بُنَّاً عندَ البابِ،

وفنجانينْ..

وفي لحظاتٍ.. تهجمُ رائحةُ الليمونِ،

ويولدُ وطنٌ في العينينْ



يرمي قمراً من عينيهِ السوداوينِ،

وقد يرمي قمرينْ..

يرمي قلماً.

يرمي كتباً.

يرمي حبراً.

يرمي صمغاً.

يرمي كرّاسات الرسمِ

وفرشاةَ الألوانْ

تصرخُ مريمُ: "يا ولداهُ.."

وتأخذهُ بينَ الأحضانْ.



يسقطُ ولدٌ

في لحظاتٍ..

يولدُ آلافُ الصّبيانْ

يكسفُ قمرٌ غزّاويٌ

في لحظاتٍ...

يطلعُ قمرٌ من بيسانْ

يدخلُ وطنٌ للزنزانةِ،

يولدُ وطنٌ في العينين..



ينفضُ عن نعليهِ الرملَ..

ويدخلُ في مملكةِ الماء.

يفتحُ نفقاً آخرَ.

يُبدعُ زمناً آخرَ.

يكتبُ نصاً آخرَ.

يكسرُ ذاكرةَ الصحراءْ.

يقتلُ لغةً مستهلكةً

منذُ الهمزةِ.. حتّى الياءْ..

يفتحُ ثقباً في القاموسِ،

ويعلنُ موتَ النحوِ.. وموتَ الصرفِ..

وموتَ قصائدنا العصماءْ..



يرمي حجراً.

يبدأ وجهُ فلسطينٍ

يتشكّلُ مثلَ قصيدةِ شعرْ..

يرمي الحجرَ الثاني

تطفو عكّا فوق الماءِ قصيدةَ شعرْ

يرمي الحجرَ الثالثَ

تطلعُ رامَ الله بنفسجةً من ليلِ القهرْ

يرمي الحجر العاشرَ

حتّى يظهرَ وجهُ اللهِ..

ويظهرُ نورُ الفجرْ..



يرمي حجرَ الثورةِ

حتّى يسقطَ آخر فاشستيّ

من فاشستِ العصرْ

يرمي..

يرمي..

يرمي..

حتّى يقلعَ نجمةَ داوودٍ

بيديهِ،

ويرميها في البحرْ..



تسألُ عنهُ الصحفُ الكبرى:

أيُّ نبيٍّ هذا القادمُ من كنعانْ؟

أيُّ صبيٍّ؟

هذا الخارجُ من رحمِ الأحزانْ؟

أيُّ نباتٍ أسطوريٍّ

هذا الطالعُ من بينِ الجُدرانْ؟

أيُّ نهورٍ من ياقوتٍ

فاضت من ورقِ القرآنْ؟



يسألُ عنهُ العرَّافونَ.

ويسألُ عته الصوفيّونَ.

ويسألُ عنه البوذيّونَ.

ويسألُ عنهُ ملوكُ الأنسِ،

ويسألُ عنهُ ملوكُ الجانْ.

من هوَ هذا الولدُ الطالعُ

مثلَ الخوخِ الأحمرِ..

من شجرِ النسيانْ؟



من هوَ هذا الولدُ الطافشُ

من صورِ الأجدادِ..

ومن كذبِ الأحفادِ..

ومن سروالِ بني قحطانْ؟

من هوَ هذا الولدُ الباحثُ

عن أزهارِ الحبِّ..

وعنْ شمسِ الإنسانْ؟

من هوَ هذا الولدُ المشتعلِ العينينْ..

كآلهةِ اليونانْ؟



يسألُ عنهُ المضطهدونَ..

ويسألُ عنهُ المقموعونَ.

ويسألُ عنه المنفيّونَ.

وتسألُ عنهُ عصافيرٌ خلفَ القضبانْ.

من هوَ هذا الآتي..

من أوجاعِ الشمعِ..

ومن كتبِ الرُّهبانْ؟



من هوَ هذا الولدُ

التبدأُ في عينيهِ..

بداياتُ الأكوانْ؟

من هوَ؟

هذا الولدُ الزّارعُ

قمحَ الثورةِ..

في كلِّ مكانْ؟



يكتبُ عنهُ القصصيّونَ،

ويروي قصّتهُ الرُّكبانْ.

من هوَ هذا الطفلُ الهاربُ من شللِ الأطفالِ،

ومن سوسِ الكلماتْ؟

من هوَ؟

هذا الطافشُ من مزبلةِ الصبرِ..

ومن لُغةِ الأمواتْ؟

تسألُ صحفُ العالمِ،

كيفَ صبيٌّ مثل الوردةِ..

يمحو العالمَ بالممحاةْ؟؟



تسألُ صحفٌ في أمريكا

كيف صبيٌّ غزّاويٌّ،

حيفاويٌّ،

عكَّاويٌّ،

نابلسيٌّ،

يقلبُ شاحنةَ التاريخِ،

ويكسرُ بللورَ التوراةْ؟؟؟

*************




رسالة من تحت الماء.



إن كنتَ صديقي.. ساعِدني

كَي أرحَلَ عَنك..

أو كُنتَ حبيبي.. ساعِدني

كَي أُشفى منك

لو أنِّي أعرِفُ أنَّ الحُبَّ خطيرٌ جِدَّاً

ما أحببت

لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِداً

ما أبحرت..

لو أنِّي أعرفُ خاتمتي

ما كنتُ بَدأت...



إشتقتُ إليكَ.. فعلِّمني

أن لا أشتاق

علِّمني كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق

علِّمني كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق

علِّمني كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق



إن كنتَ قويَّاً.. أخرجني

من هذا اليَمّ..

فأنا لا أعرفُ فنَّ العوم

الموجُ الأزرقُ في عينيك.. يُجرجِرُني نحوَ الأعمق

وأنا ما عندي تجربةٌ

في الحُبِّ .. ولا عندي زَورَق

إن كُنتُ أعزُّ عليكَ فَخُذ بيديّ

فأنا عاشِقَةٌ من رأسي حتَّى قَدَمَيّ

إني أتنفَّسُ تحتَ الماء..

إنّي أغرق..

أغرق..

أغرق..

**************



رسالة من سيدة حاقدة



" لا تَدخُلي .."

وسَدَدْتَ في وجهي الطريقَ بمرفَقَيْكْ

وزعمْتَ لي ..

أنَّ الرّفاقَ أتوا إليكْ ..

أهمُ الرفاقُ أتوا إليكْ ؟

أم أنَّ سيِّدةً لديكْ

تحتلُّ بعديَ ساعدَيكْ ؟

وصرختَ مُحتدِماً : قِفي !

والريحُ تمضغُ معطفي

والذلُّ يكسو موقفي

لا تعتذِر يا نَذلُ . لا تتأسَّفِ ..

أنا لستُ آسِفَةً عليكْ

لكنْ على قلبي الوفي

قلبي الذي لم تعرفِ ..

ماذا ؟ لو انَّكَ يا دَني ..

أخبرتَني

أنّي انتهى أمري لديكْ ..

فجميعُ ما وَشْوَشْتَني

أيّامَ كُنتَ تُحِبُّني

من أنّني ..

بيتُ الفراشةِ مسكني

وغَدي انفراطُ السّوسَنِ ..

أنكرتَهُ أصلاً كما أنكَرتَني ..


لا تعتذِرْ ..

فالإثمُ يَحصُدُ حاجبَيكْ

وخطوطُ أحمرِها تصيحُ بوجنتَيكْ

ورباطُك المشدوهُ .. يفضحُ

ما لديكَ .. ومَنْ لديكْ ..

يا مَنْ وقفتُ دَمي عليكْ

وذلَلتَني، ونَفضتَني

كذُبابةٍ عن عارضَيكْ

ودعوتَ سيِّدةً إليكْ

وأهنتَني ..

مِن بعدِ ما كُنتُ الضياءَ بناظريكْ


إنّي أراها في جوارِ الموقدِ

أخَذَتْ هنالكَ مقعدي ..

في الرُّكنِ .. ذاتِ المقعدِ

وأراكَ تمنحُها يَداً

مثلوجةً .. ذاتَ اليدِ ..

ستردِّدُ القصص التي أسمعتَني ..

ولسوفَ تخبرُها بما أخبرتَني ..

وسترفعُ الكأسَ التي جَرَّعتَني

كأساً بها سمَّمتَني

حتّى إذا عادَتْ إليكْ

لترُودَ موعدَها الهني ..

أخبرتَها أنَّ الرّفاقَ أتوا إليكْ ..

وأضعتَ رونَقَها كما ضَيَّعتَني ..

يدك


يـدُكِ التي حَطَّـتْ على كَتِفـي

كحَمَامَـةٍ .. نَزلَتْ لكي تَشـربْ



عنـدي تسـاوي ألـفَ مملَكَـةٍ

يـا ليتَـها تبقـى ولا تَذهَـبْ



تلكَ السَّـبيكَةُ.. كيـفَ أرفضُها؟

مَنْ يَرفضُ السُّكنى على كوكَبْ؟



لَهَـثَ الخـيالُ على ملاسَـتِها

وانهَارَ عندَ سـوارِها المُذْهَـبْ



الشّمـسُ.. نائمـةٌ على كتفـي

قـبَّلتُـها ألْـفـاً ولـم أتعَـبْ



نَهْـرٌ حـريريٌّ .. ومَرْوَحَـةٌ

صـينيَّةٌ .. وقصـيدةٌ تُكتَـبْ..



يَدُكِ المليسـةُ ، كيـفَ أقنِـعُها

أنِّي بها .. أنّـي بها مُعجَـبْ؟



قولـي لَهَا .. تَمْضـي برحلتِها

فَلَهَا جميـعُ .. جميعُ ما تَرغبْ



يدُكِ الصغيرةُ .. نَجمةٌ هَرَبَـتْ

مـاذا أقـولُ لنجمـةٍ تلعـبْ؟



أنا سـاهرٌ .. ومعي يـدُ امرأةٍ

بيضاءُ.. هل أشهى وهل أطيَبْ؟


***************




الوصية



1

أفتحُ صندوقَ أبي

أمزِّقُ الوصيّهْ

أبيعُ في المزادِ ما ورثتُهُ :

مجموعةَ المسابحِ العاجيّهْ

طربوشُهُ التركيُّ ، والجواربُ الصوفيَّهْ

وعلبةُ النشوقِ، السماورُ العتيقُ، والشمسيَّهْ

أسحبُ سيفي غاضباً

وأقطعُ الرؤوسَ ، والمفاصل المرخيَّهْ

وأهدمُ الشرقَ على أصحابِهِ

تكيَّةً .. تكيَّهْ ..





2

أفتحُ صندوقَ أبي

فلا أرى ..

إلا دراويشَ ومولويَّهْ

والعودَ، والقانونَ، والبشارفَ الشرقيَّهْ

وقصَّةَ الزيرِ على حصانِهِ ..

وعاطلينَ يشربونَ القهوةَ التركيَّهْ

أسحبُ سيفي غاضباً

وأقتلُ المعلّقاتِ العشرَ .. والألفيَّهْ

وأقتلُ الكهوفَ، والدفوفَ،

والأضرحةَ الغبيَّهْ ..





3

أفتحُ تاريخَ أبي

أفتحُ أيّامَ أبي

أرى الذي ليسَ يُرى :

أدعيةٌ . مدائحٌ دينيَّهْ

أوعيةٌ . حشائشٌ طبيَّهْ

أدويةٌ للقُدرةِ الجنسيَّهْ

أبحثُ عن معرفةٍ تنفعُني

أبحثُ عن كتابةٍ

تَخُصُّ هذا العصرَ .. أو تخصُّني

فلا أرى حولي سوى ..

رملٍ وجاهليَّهْ ..



4

أرفضُ ميراثَ أبي ..

وأرفضُ الثوبَ الذي ألبَسَني

وأرفضُ العلمَ الذي علَّمَني

وكلَّ ما أورَثَني ..

من عُقَدٍ جنسيَّهْ

أرفضُ ألفَ ليلةٍِ ..

والقمقمَ العجيبَ، والماردَ،

والسجّادةَ السحريَّهْ

أرفضُ سيفَ الدولةِ المغرورَ

والقصائدَ الذليلةَ الغبيَّهْ

أحرقُ رسمَ أُسرتي

أحرقُ أبجديّتي

ومن فلسطينَ ومن صمودِها ..

من طلقاتِ النارِ في جرودِها ..

من قمحِها المغموسِ بالدمع ،

ومن ورودها

أصنعُ أبجديَّهْ ..



5

أدخلُ مثلَ البرقِ من نافذةِ الخليفَهْ

أراهُ لا يزالُ مثلما تركتُهُ

منذُ قرونٍ سبعةٍ

مضاجعاً جاريةً روميَّهْ

أقرأُ آياتٍ من القرآنِ فوقَ رأسِهِ

مكتوبةً بأحرفٍ كوفيَّهْ

عن الجهادِ في سبيلِ الله ، والرسولِ ،

والشريعةِ الحنفيَّهْ

أقولُ في سريرَتي

" تباركَ الجهادُ في النُحُورِ، والأثداءِ

والمعاصمِ الطريَّهْ ..

يا حضرةَ الخليفَهْ

أعبرُ من سراديقِ الحريم كالمنيَّهْ

أمشي على الأبدانِ ، والغلمانِ ،

والأساورِ المرميَّهْ

أمشي على ..

توجُّعِ الحريرِ والقطيفَهْ

أدخلُ مثلَ الموتِ من نافذةِ الخليفَهْ

يحسبُني مُرتزقاً

دَبَّجتُ في مديحِهِ قصيدةً همزيَّهْ

يأمرُ لي

من بيتِ مالِ المؤمنينَ كلَّ ما أطلبُهُ

عباءةً من قَصَبٍ

وساعةً من ذَهَبٍ

ومن نساءِ قصرهِ محظيَّهْ

أبصقُ فوقَ وجهِهِ

وفوقَ وجه الدولةِ العليَّهْ

من أنتَ ؟

يا سيَّافُ .. إقطعْ رأسَهُ

وهاتِ لي الرأسَ على صينيَّهْ

يا مَلِكَ الزمانِ .. إنْ قتلتَني

فمستحيلٌ تقتلُ الحريَّهْ .



6

قُم يا طويلَ العُمرِ ..

من حُجرَتِكَ الورديَّهْ

وافتحْ شبابيكَكَ ..

للشمسِ ، وللعدلِ ، وللرعيَّهْ

فما رآكَ الشعبُ منذُ آخرِ أيّامِ بني أميَّهْ

هل أنتَ حقاً من بني أميَّهْ ؟

أخرجْ إلى الشارعِ يا أميرَنا

واقرأْ ..

ولو صحيفةً يوميَّهْ

إقرأْ ..

عن السويسِ ، والأردنِّ ، والجولانِ

والمدائنِ السبيَّهْ

عن الذين يعبرونَ النهرَ ..

نحوَ الضفَّةِ الغربيَّهْ

هل يا طويلَ العُمرِ .. في بلاطِكمْ

خريطةٌ صغيرةٌ ..

للضفَّةِ الغربيَّهْ ؟


************




مع جريدة





أخرجَ من معطفهِ الجريده..

وعلبةَ الثقابِ

ودون أن يلاحظَ اضطرابي..

ودونما اهتمامِ

تناولَ السكَّرَ من أمامي..

ذوَّب في الفنجانِ قطعتين

ذوَّبني.. ذوَّب قطعتين

وبعدَ لحظتين

ودونَ أن يراني

ويعرفَ الشوقَ الذي اعتراني..

تناولَ المعطفَ من أمامي

وغابَ في الزحامِ

مخلَّفاً وراءه.. الجريده

وحيدةً

مثلي أنا.. وحيده


*********



لا تسألوني



لا تَسـألوني ما اسمُهُ حبيبي
أخشَى عليكمْ ضَوعَةَ الطُّيوبِ

زقُّ العَـبيرِ، إنْ حـطّمتموهُ
غَـرِقتُمُ بِعَاطِـرٍ سَـكِيبِ

واللهِ.. لو بُحْـتُ بأيِّ حَرْفٍ
تَكَـدَّسَ اللّيـلَكُ في الدُّروبِ

لا تبحَثوا عَنهُ هُـنا بِصَدري
تركتُهُ يَجري مَعَ الغُـروبِ

ترونَهُ في ضِـحكَةِ السَّواقي
في رَفَّةِ الفَرَاشَـةِ اللَّعُـوبِ

في البحرِ، في تنفّسِ المَراعي
وفي غـناءِ كُـلِّ عَندليـبِ

في أدمُع الشِّـتَاء حينَ يَبكي
وفي عطاءِ الديمَةِ السَّكُوبِ

لا تسـألوا عن ثَغرِهِ .. فهلاّ
رأيتـمُ أنَـاقَـةَ المَـغِـيبِ

ومُـقلَتَاهُ شَـاطِئا نَـقَـاءٍ
وَخَصرُهُ تَهَزهُـزُ القَضيبِ

مَحاسِـنٌ... لا ضَمَّها كِتابٌ
ولا ادَّعَتْها رِيشَـةُ الأديبِ

وصَـدرُهُ.. ونَحـرُهُ.. كَفَاكُمْ
فلن أبـوحَ باسـمِهِ حَبيبي

**********



أم المعتز



عندما كانتْ بيروتُ تموتُ بينَ ذِراعَيَّ

كسَمَكَةٍ اختَرَقَها رِمحْ

جَاءَني هاتفٌ مِن دِمَشقَ يقولْ:

"أمُّكَ ماتَتْ".

لم أستوعبِ الكلماتِ في البدايَهْ

لم أستوعبْ كيفَ يمكنُ أنْ يموتَ السمَكُ كُلُّهُ في وقتٍ واحدْ ..

كانتْ هناكَ مدينةٌ حبيبةٌ تموتْ .. إسمُها بيروتْ

وكانتْ هناكَ أمٌّ مُدهِشَةٌ تَموتْ .. إسمُها فائزَة ..

وكانَ قَدَري أن أخرُجَ من موتٍ ..

لأدخُلَ في موتٍ آخَرْ ..

كانَ قَدَري أن أُسافِرَ بينَ مَوتَيْنْ ...




كلُّ مَدينةٍ عربيّةٍ هي أمّي ..

دمشق ، بيروت ، القاهرة ، بغداد ، الخرطوم ،

الدار البيضاء ، بنغازي ، تونس ، عمّان ، الرياض ،

الكويت ، الجزائر ، أبو ظبي وأخواتِها ..

هذهِ هيَ شَجَرةُ عائلتي ..

كلُّ هذهِ المدائنِ أنزَلَتْني مِنْ رَحْمِها

وأرضَعَتْني من ثَديِها ..

وملأَتْ جيوبي عِنباً ، وتيناً ، وبرقوقاً ..

كلُّها هَزَّتْ لي نَخلَها .. فأكَلْتْ ..

وفَتَحَتْ سماواتِها لي .. كَرَّاسَةً زَرقاءْ ..

فَكَتَبْتْ ..

لذلكَ ، لا أدخلُ مدينةً عِربيّةً .. إلا وتُناديني :

" يا وَلَدي " ...

لا أطرقُ بابَ مدينةٍ عربية ..

إلا وأجدُ سريرَ طفولتي بانتظاري ..

لا تنزُفُ مدينةٌ عربية إلا وأنزفُ معها ..

فهلْ كانتْ مصادفةً أن تموتَ بيروتْ ..

وتموتُ أمّي في وقتٍ واحدْ ؟




يعرفونَها في دمشقَ باسم (أمّ المعتزّ).

وبالرغمِ من أنَّ اسمها غيرُ مذكورٍ في الدليلِ السياحيّ

فهيَ جزءٌ من الفولكلورِ الشاميّ.

وأهميّتُها التاريخيّةُ لا تَقِلُّ عن أهميَّةِ (قصرِ العظم)

و(قبرِ صلاحِ الدين) و(مئذنةِ العروس)

ومزارِ (محي الدين بن عربي)

وعندما تصلُ إلى دمشقَ ..

فلا ضرورةَ أنْ تسألَ شرطيَّ السيرِ عن بيتِها ..

لأنَّ كُلَّ الياسمينِ الدمشقيِّ يُهَرهِرُ فوقَ شُرفَتِها ،

وكلُّ الفُلِّ البلديِّ يَتَرَبّى في الدلالِ بينَ يديها ..

وكلُّ القططِ ذاتِ الأصلِ التركيِّ ..

تأكلُ .. وتشربُ .. وتدعو ضيوفَها .. وتعقدُ اجتماعاتِها ..

في بيتِ أمّي ..

alkatb
20-06-2005, 02:51 AM
كـــتب ومـــؤلفات نــــزار قباني

المجموعة الأولــى




الأعمال الشعرية الكاملة لنزار قباني ج1

http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/hard/8/8825.gif


الأعمال الشعرية الكاملة لنزار قباني ج2

http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/hard/8/8826.gif


الأعمال السياسية الكاملة لنزار قباني ج3،

http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/hard/8/8824.gif


الأعمال الشعرية الكاملة لنزار قباني ج4

http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/hard/8/8828.gif


الأعمال الشعرية الكاملة لنزار قباني ج5


http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/hard/8/8827.gif


الأعمال السياسية الكاملة لنزار قباني ج6

http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/hard/8/8824.gif


الأعمال النثرية الكاملة لنزار قباني ج7،

http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/hard/8/8830.gif

الأعمال النثرية الكاملة لنزار قباني ج8

http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/hard/8/8829.gif

الأعمال النثرية الكاملة لنزار قباني ج9

http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/hard/105/105163.gif

الأعمال الكاملة لنزار قباني

http://www.neelwafurat.com/images/LB/offers/covers/0/30.jpg

تنويعات نزارية على مقام العشق

http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/normal/76/76952.gif

سيبقى الحب سيدي

http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/normal/8/8866.gif

أحلى قصائدي

http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/normal/8/8801.gif

أشهد أن لا امرأة إلا أنت

http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/normal/8/8805.gif


قصيدة بلقيس
http://www.neelwafurat.com/images/LB/abookstore/covers/normal/84/84361.gif