هاميس
15-02-2005, 05:56 PM
... && السنديانة الأم && ...
و طأت قدماي أرضه للمرة الأولى منذ سنوات تيه مضت ، جاست حوله و كأنها تعرف طريقها إلى كل شبر فيه ..
كنت أحوم حول بيتنا القديم ، شعرت لوهلة أنني أقترب من معبد مهجور .. تعيش فيه جدتي لأمي على الذكريات وحدها ...
ضباب الصباح يكتنف الرؤية الصافية .. كل شيء هادئ ساكن ، كان الصبح يولد من جديد والندى الأبيض يغطي رؤوس الأشجار وسطوح أوراق الزهر ،
ثمة لسعة برودة خفيفة تدغدغ وجهي ، كنت قريبة من باب البيت تطاولني السنديانة العتيقة أمامه ، ثابتة كالطود ، تضرب بجذورها في الأرض وتبدو عليها ملامح الهرم .
مددت ذراعي حول جذعها أطوقها وأحتضنها ..
- كيف حالك أمي ؟؟
- لا بأس .
- مابك ؟؟
- لا شيء
- لست كعادتك ... !!
- أنا كما أنا ... كيف تريديني أن أكون ؟؟ أأرقص في الفضاء ؟؟!!
- فقط أراك متجهمة ... في الماضي عندما كنت طفلة كنت تحتضنيني ، أما الآن ... !
- أبداً لم يتغير شيء ، و أنا على استعداد لأن أقبلك و أحتضنك ، فما زالت ذكرياتك محفورة على جسدي ،
انظري هاهنا ( و أشارت بأحد أغصانها ) ... كانت بداية تعلمك القراءة والكتابة .. و أنت طفلة يتلعثم لسانك عند ترديد وهجاء الحروف ..
...أ حـ بـ ك ، أ همزة وضمة أُ ـ ح كسرة حـِ ـ ب ضمة بـُ ـ ك كسرة كِ
تصورتها تهمس في وجهي
- أين أنت من زمان ، أهكذا يخطفك منا التيه و الأيام ؟؟
لم أستطيع أن أرد فقد حطت غيمة ذكريات قريبة كئيبة أفعمت روحي بالألم ... أسررت لنفسي .. لا فائدة من تأجيل المواجهة ،توجهت نحو الباب لأطرقه ،
وأنا حزينة ينتفض قلبي في صدري كعصفور جريح .. لمحت على جدران سور الحديقة شخبطاتي القديمة .. بحروف اسمي هـ ا يـ د ي ...
أشحت بوجهي عنها نحو مخبيء الذي شرعت في بناء جدرانه منذ سنوات .. ولم يكتمل بعد ، ظلت ساكنة مستضعفة كمشروع طموح أصابه الفشل ،
طرقت الباب خرجت جدتي متشحة بعباءتها السوداء ، احتضنتني إلى صدرها ، استكنت برأسي تحت جناحيها ، كأن طمأنينة العالم كلها تتكثف في هذا الحضن الدافيء ...
لحظة صمت خاطفة .. أنا وهي تجاوبت نظراتنا في عتاب رقيق ، لم ترد أياً منا الإفصاح عنه ، عدت بعد فترة أقول ...
- آآه .. لكم اشتقتك ... !!
قالت الشجرة وقد تبللت أجفانها بالندى و بدأ يسيل على وجنتيها ...
- وأنتِ والله ، لكم اشتقنا إليكِ ...
قالت جدتي بلهجة عاتبة ...
- لا تخدعكِ كلماتها ، إنها ابنة عاقة نسيت منبعها ...
- لا تظلميني جدتي .
- لم أظلمك .. بل أنت من ظلمتِ نفسك ، أتتركين جوهرتك الضائعة الدافئة لتبحثين عن دفء وطن واهم .. ؟؟ !!
- جرفني أمل حالم .. متاهة أزلية نقشت حروفها على صفحات حياتي ومصيري ...
- حجة واهية ... تلجأين إليها عندما تريدين التدليس
صاحت الشجرة غاضبة محتجة ..
- لا نريد تدليس بيننا ، عيشي صادقة معنا نعش معك ...
- - تظلمونني مرة أخرى ، أنتم لا تشعرون بما أعانيه وما عانيته ...
قالت الشجرة وهي تكظم غيظها
- بعد لحظات ستحدثنا عن الضياع والقلق والآمال السراب في أرض العجائب والأحلام ...
- تخمنين أكثر مما ينبغي ... وتدعين أنك بكل شيء عالمة ..!!
- أخمن أو لا أخمن ، فالقصة منقوشة على صفحة وجهك ...
قالت جدتي
- لا تغضبي من أمك الشجرة .. فهي تحبك وتخاف عليكِ ، فتقبلي حديثها عن طيب خاطر ... ولا تنزعجي ...
- فيم أجرمت .. أن رحت أبحث عن وطن لي وهوية ؟؟
ـ ـ ـ ـ ـ
ومن حافة التيه أسأل ...
" " هل الوطن .. أرض هوية وجنسية ؟؟ ..
أم حيثما لوجودك وجود ؟؟ ... أم ماذا ... ؟؟؟ !!! "
يتبع
هاميس
و طأت قدماي أرضه للمرة الأولى منذ سنوات تيه مضت ، جاست حوله و كأنها تعرف طريقها إلى كل شبر فيه ..
كنت أحوم حول بيتنا القديم ، شعرت لوهلة أنني أقترب من معبد مهجور .. تعيش فيه جدتي لأمي على الذكريات وحدها ...
ضباب الصباح يكتنف الرؤية الصافية .. كل شيء هادئ ساكن ، كان الصبح يولد من جديد والندى الأبيض يغطي رؤوس الأشجار وسطوح أوراق الزهر ،
ثمة لسعة برودة خفيفة تدغدغ وجهي ، كنت قريبة من باب البيت تطاولني السنديانة العتيقة أمامه ، ثابتة كالطود ، تضرب بجذورها في الأرض وتبدو عليها ملامح الهرم .
مددت ذراعي حول جذعها أطوقها وأحتضنها ..
- كيف حالك أمي ؟؟
- لا بأس .
- مابك ؟؟
- لا شيء
- لست كعادتك ... !!
- أنا كما أنا ... كيف تريديني أن أكون ؟؟ أأرقص في الفضاء ؟؟!!
- فقط أراك متجهمة ... في الماضي عندما كنت طفلة كنت تحتضنيني ، أما الآن ... !
- أبداً لم يتغير شيء ، و أنا على استعداد لأن أقبلك و أحتضنك ، فما زالت ذكرياتك محفورة على جسدي ،
انظري هاهنا ( و أشارت بأحد أغصانها ) ... كانت بداية تعلمك القراءة والكتابة .. و أنت طفلة يتلعثم لسانك عند ترديد وهجاء الحروف ..
...أ حـ بـ ك ، أ همزة وضمة أُ ـ ح كسرة حـِ ـ ب ضمة بـُ ـ ك كسرة كِ
تصورتها تهمس في وجهي
- أين أنت من زمان ، أهكذا يخطفك منا التيه و الأيام ؟؟
لم أستطيع أن أرد فقد حطت غيمة ذكريات قريبة كئيبة أفعمت روحي بالألم ... أسررت لنفسي .. لا فائدة من تأجيل المواجهة ،توجهت نحو الباب لأطرقه ،
وأنا حزينة ينتفض قلبي في صدري كعصفور جريح .. لمحت على جدران سور الحديقة شخبطاتي القديمة .. بحروف اسمي هـ ا يـ د ي ...
أشحت بوجهي عنها نحو مخبيء الذي شرعت في بناء جدرانه منذ سنوات .. ولم يكتمل بعد ، ظلت ساكنة مستضعفة كمشروع طموح أصابه الفشل ،
طرقت الباب خرجت جدتي متشحة بعباءتها السوداء ، احتضنتني إلى صدرها ، استكنت برأسي تحت جناحيها ، كأن طمأنينة العالم كلها تتكثف في هذا الحضن الدافيء ...
لحظة صمت خاطفة .. أنا وهي تجاوبت نظراتنا في عتاب رقيق ، لم ترد أياً منا الإفصاح عنه ، عدت بعد فترة أقول ...
- آآه .. لكم اشتقتك ... !!
قالت الشجرة وقد تبللت أجفانها بالندى و بدأ يسيل على وجنتيها ...
- وأنتِ والله ، لكم اشتقنا إليكِ ...
قالت جدتي بلهجة عاتبة ...
- لا تخدعكِ كلماتها ، إنها ابنة عاقة نسيت منبعها ...
- لا تظلميني جدتي .
- لم أظلمك .. بل أنت من ظلمتِ نفسك ، أتتركين جوهرتك الضائعة الدافئة لتبحثين عن دفء وطن واهم .. ؟؟ !!
- جرفني أمل حالم .. متاهة أزلية نقشت حروفها على صفحات حياتي ومصيري ...
- حجة واهية ... تلجأين إليها عندما تريدين التدليس
صاحت الشجرة غاضبة محتجة ..
- لا نريد تدليس بيننا ، عيشي صادقة معنا نعش معك ...
- - تظلمونني مرة أخرى ، أنتم لا تشعرون بما أعانيه وما عانيته ...
قالت الشجرة وهي تكظم غيظها
- بعد لحظات ستحدثنا عن الضياع والقلق والآمال السراب في أرض العجائب والأحلام ...
- تخمنين أكثر مما ينبغي ... وتدعين أنك بكل شيء عالمة ..!!
- أخمن أو لا أخمن ، فالقصة منقوشة على صفحة وجهك ...
قالت جدتي
- لا تغضبي من أمك الشجرة .. فهي تحبك وتخاف عليكِ ، فتقبلي حديثها عن طيب خاطر ... ولا تنزعجي ...
- فيم أجرمت .. أن رحت أبحث عن وطن لي وهوية ؟؟
ـ ـ ـ ـ ـ
ومن حافة التيه أسأل ...
" " هل الوطن .. أرض هوية وجنسية ؟؟ ..
أم حيثما لوجودك وجود ؟؟ ... أم ماذا ... ؟؟؟ !!! "
يتبع
هاميس