المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العافية



EDrara
28-01-2005, 02:32 AM
العافية لا يَعْدِلُها شيء

منذ فترة ليست بالقصيرة والخواطر تتواردني أن أكتب حول قول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم : سلوا الله العافية .
وقوله عليه الصلاة والسلام : أيها الناس لا تمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية . رواه البخاري ومسلم .
بل عـدّ النبي عليه الصلاة والسلام العافية أفضل ما أُعطِيَ العبد ، فقال : سلوا الله العافية فإنه لم يعط عبد شيئا أفضل من العافية . رواه الإمام أحمد وغيره .
وكُنت أقف حيناً مُتأمِّلاً ، وأحياناً مُعتبِراً ، وحينا ثالثاً مُتسائلاً :
لماذا العافية وحدها ؟
وأين تكون العافية ؟
العافية .. عافية في الجسد .. وعافية في الولد .. وعافية في المال .. وفوق ذلك كلّه : العافية في الدِّين .
عافية الجسد .. وأنت تمشي على الأرض ولك وئيد ! وصوت شديد !
بَـزَقَ النبي صلى الله عليه وسلم يوماً في كَـفِّـه فوضع عليها إصبعه ، ثم قال : قال الله : ابن آدم أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ؟ حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ ، حتى إذا بلغت التراقي قلتَ : أتصدق ! وأنّى أوَان الصَّدَقـة . رواه الإمام أحمد .
عافية الجسد .. وأنت تنظر للبعيد
عافية الجسد .. وأنت تسمع للهمس
عافية الجسد .. وأنت تنام ملء عينيك
عافية الجسد .. وأنت تقوم وتقعد
عافية الجسد .. وأنت تتنفّس
عافية الجسد .. وأنت تنطق وتتكلّم وتُعبِّر عما تُريد
هنا .. تذكّرت موقفين :
أما الأول : فهو لشيخ كفيف .. دُعِي إلى تخريج حَفَظة لكتاب الله .. فألقى كلمته ، ثم قال كلِمة ..
قال : ما تمنّيت أني أُبصِر إلا مرتين :
مرّة حينما سمعت قول الله تبارك وتعالى : ( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ) لنظُر إليها نَظَر اعتبار ..
وهذه مرّة ثانية لأرى هؤلاء الحَفَظَة ..
يقول مُحدِّثي وقد حضر المشهد : لقد أبكى الجميع ..
هل تأملت هذا المشهد لرجل أعمى يتمنّى نعمة البصر لينظر فيها في موقفين فقط ؟
وأما الموقف الثاني : فهو لشاب أصمّ أبكم .. خَرَج يوماً مع بعض أصحابه ، وكان منهم من يُتقِن لُغة الإشارة فيُترجم له ..
وفي الطريق مرُّوا بمجموعة من الشباب اجتمعوا على لهو وغناء وطرب .. وقف الشباب بِصُحبة الأصمّ .. ترجَّلُوا من سيارتهم .. استأذنوا ثم جَلَسوا ..
تكلّموا .. تحدّثوا .. ذكّروا .. وعَظُوا .. انتهى الكلام .. همُّوا بالانصراف .. أشار إليهم الأصمّ أن انتظروا قليلاً ..
أشار إلى صاحبه المترجم أن يُترجم ..
تحدّث الأصمّ بلغة الإشارة .. ثم تَرجَم صاحبه ..
لقد قال لهم : أتمنّى أن لي لساناً ينطق .. لأذْكُر الله به ..
لقد وَقَعتْ كلماته على قلوب الجالسين ..
وأثّرت فيهم حتى لامَسَتْ شِغاف قلوبهم ..
رغم أنه لم يتكلّم ..
ومع أنه لم ينطق ..
إلا أن كلماته كان لها وقعها على نفوس الحاضرين .
أما عافية الولد .. ففي صلاح قلبِه وقالبه
وفي استقامته وهدايته ..
وفي أن تُمتّع به ..
حتى إذا شبّ وترعرع تمنّيت أن تَدْفَع عنه بالراحتين وباليَدِ ..
كما قال أبو الحسن التهامي في ابنه :



لو كنتَ تُمنَع خاض دونك فتية=مِنّـا بحـار عوامـل وشِفَـارِ
فَدَحَوا فُويق الأرض أرضاً من دَم=ثم انثنوا فَبَنَـوا سَمَـاء غُبـارِ




فإذا نَـزَل القضاء ضاق الفضاء ..

وأما العافية في المال ففي بركته .. وفي نمائه .. وفي أن يكون مصدره حلالاً ، ومصرفه حلالاً ..
وأن يُحفَظ من كل آفـة ..
وأما العافية التي هي فوق كل عافية .. فعافية الدِّين ..
العافية في الإيمان .
العافية في الثبات على دين الله عزّ وجلّ .
العافية في اليقين .
العافية في السلامة من الوسواس .
العافية في القلب من كل شُبهة وشهوة ، فيكون كالمرآة الصقيلة لا يضرّها ما مرّ على ظاهرها .
العافية في العلم والخشية .
لذا كان يُقال : من عُوفِي فليحمد الله .
تواردت هذه المعاني في خاطري حينما دَخَلت قسم الإسعاف والطوارئ بأحد المستشفيات
فهذا يئنّ .. وذاك يصرخ من شِدّة الألـم
وثالث في غيبوبة
ورابع قد شُجّ وجهه
وخامس ينـزف جُرحـه
فعلمت عِلم يقين .. أن العافية والسلامة لا يَعدِلهما شيء ..
وفي الأثر : إذا مرض العبد ثم عُوفي فلم يزدد خيرا ، قالت الملائكة عليهم السلام : هذا الذي داويناه فلم ينفعه الدواء !
فاللهم لك الحمد على العافية ..
ولك الحمد على كل نعمة أنعمتَ بها علينا في قديم أو حديث ، أو خاصة أو عامة ، أو سرٍّ أو علانية ..
اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرِّضـا ..
لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ..
لك الحمد على العافية .. ونسألك العافية في الدنيا والآخرة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه حين يمسي وحين يصبح :
اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة ، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ، اللهم استر عوراتي ، وآمن روعاتي ، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي ومن يميني وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي . رواه الإمام أحمد وابو داود وابن ماجه .




كتبه الشيخ عبد الرحمن السحيم بعد دخوله المشفى لتلقي العلاج وقد خرج معافى ولله الحمد
حفر الباطن – ليلة عيد الأضحى 1425 هـ

إشراقة أمل
28-01-2005, 05:14 AM
السلام عليكم ورحمة الله

.

صباحك مشرق بكل خير وطاعة اخي الفاضل ادرارا

.

جزى الله الشيخ خيرا وعافاه

وجزاك ربي كل خير على طيب نقلك هذا

ورزقك الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا

.

دمت على خير وطاعة

رحاب
28-01-2005, 05:19 AM
سبحان الله دائما نظرنا مقصور على الجانب السئ...وليتني مثل الشيخ الاعمى أوالشاب الاصم الابكم في أمنياتهم
موضوعك دعاني للتأمل في جوانب كثيرة يحسدني عليها الغير....وقد تكون خافية عن عيناي
أدام الله علينا لباس العافية وطهر قلوبنا من كل سوء
أخي الفاضل أبو عبدالملك
جزاك الرحمن كل الخير وجعل ممشاك للجنة إن شاء الله

أبو الخنساء
28-01-2005, 10:19 PM
جزاك الله خيرا اخي في الله ادرارا



،،



لقد وفقت في النقل والاختيار



،،



دائما مبدع اخي ابا عبد الملك



،،



اسأل الله ان يكتب لك الأجر والمثوبة




،،



نعم


،،



لقد ابدع الشيخ وفقه الله في وقفاته مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقد تضمن هذا الحيث معاني عظيمة قد تمر على الواحد منا ولم يوفق للوقوف عندها وتأملها



،،



اسأل الله ان يكتب الاجر لمن دل عليه ولمن كتبه ويرفع قدرهما ويجزيهما الجنة

EDrara
31-01-2005, 07:53 PM
لكم ارتاح عندما أجد من يأنس من موضوع فيه راحة النفس
وهذا يشدني أكثر للبحث في مكنونات الكتب والمواقع عن ما يفيد
شكراً والشكر هنا غير كافي
للمرور الطيب والمثمر لك يا إشراقة

EDrara
31-01-2005, 07:57 PM
اللهم اجب دعواتها
آمين
صدى ومن صدى تواجدك ننعم بالتحف والمفيد
فليبارك ربنا فيك مباركة نافعة ناجعة ابدية ما كتب الله لك الحياة

EDrara
31-01-2005, 08:02 PM
اشتقت لدعوات رجل صالح
فالحمد لله الذي وهبني رجل افتخر واعتز وافرح بدعائه ووجوده
رحم الله والديك ووالد والديك وبرك بهما وبر أبنائك بك وجعلك من الصادقين التائبين
يا ملقب بإبن الخنساء