الشمس
07-01-2005, 02:54 PM
لأن الحياة إثم عظيم، ولأنها جرح كبير، ولأنني في كل الأحوال لا أحياها على النحو الصحيح؛ عانيتُ منها كثيرًا. تسبقني؛ لأنني دائمًا متأخرة. تخطف لوني مني حين تسلبني أشياء تخصني؛ لأنني لا أحترس منها جيدًا. تكيدني بآدائها المتقن؛ لأنني لست الكفؤ لها. كنت الخاسرة دائمًا؛ لأنني – جاهلة – ظننتها خصمي!
فازت بك، وحرمتنا منك. نحن بيادق على لوح شاسع، لا قدرة و لا إرادة لنا. عمرنا القصير يحتّم علينا الرحيل، ونخلّد في عالم لا يمكننا التكهن به. أعرف ما يعوزك في عالمك البعيد عن عالمنا، الذي لا يشبهه في شيء. وأعلم إذ وصلتُ إلى ما أنا عليه، لأكتب ما أنوي، كنتُ متأخرة جدًا؛ فلا شيء مما أكتبه يبلغك وأنا أصرخ به، وكأنك في مكان يصلك ما يحمله صوتي العاجز. لا قول يدركك بعد رحيلك، ولا شيء منه سينفعك. هذا كله لأنني أعرف جيدًا ماذا تحتاجُ وأنت في المكان الذي لا يسعني تخيله، بالضبط مثل عجزي وضعفي أمام استرجاع ذكرياتي معك، وتصفح آثارك. مؤلم ذاك وقاس جدًا، يذكرني بشعور تقليب صور جدتي التي سبقتك إلى حيث أنت.
لأنها كاللسان حين يتآمر مع أوتارنا وقلوبنا لنحصد ذنوبًا كبارا؛ قد تكون الكتابة أحيانًا إثمًا أيضًا، حين أمارسها، وأنا لا أملك غيرها وسيلة تخلصني من نزفٍ داخلي حري أن يفتك بي. حين أنتهي سأستغفر كثيرًا، وسأدعو لك كثيرًا، لكنني لا أستطيع التوقف الآن، هناك الكثير لأكتبه. الكثير الكثير الذي تمنيت لو أنني كتبتُه قبل سنة من اليوم، أو شهر أو حتى يومين. كم كان سيصبح ذو معنى، وسيمنحني شعورًا إيجابيًا، وسيخفف عني مما أشعر به الآن.
أنا لست حزينة فقط، بل فريسة للندم، والحسرة القاتلة، وتحت وطأة سؤال: هل كان يدرك حقيقة شعور أكنّه له، مكانته عندي، وكم أنا ممتنة له؟
أنا لا أكتب ذلك لك بصفتك رجل رحل عنا، لا والله، لكنها الحقيقة التي أحملها لأجيء بها متأخرة. لأن هذا ما وددت لو علمتَه قبل رحيلك، لا لأنني جازمة بأنك تحتاج العلم به، بل لأنني أنا من أحتج ذلك.
كم سيكون جميلا لو أخبرتك بأن توقيعك الأنيق، الـ يذيل مشاركاتك أول ما لفت انتباهي منك، غيرتَه مرتين ربما، لكنه ظل محتفظًا بأناقته وتفرده. منه حزرتُ جمال خطك، و تساءلتُ عن طريقة تنفيذه، لكنني لم أطرح السؤال عليك لأعرف إجابته منك. معرفك قريب مني أيضًا، خصوصًا في المكان الذي نتشاركه. و إنني أتوقع وجودك في كل مكان سبقتك إليه، بل وأكثر من ذلك، أنا أترقب ما سيجيء به حضورك. أنت حاضر كليًا، بعفويتك، وبطيبة تخضعني لا إراديًا. كل تلك الانطباعات التي تُدفع إلي على نحو رديء، تجيء أنت بها لتقع وقع حبات المطر. أتابعك، أتابع ما تكتب وما تضيف، لكنني لا أثبت متابعتي حضوريًا. إنني من خلالك رأيت نفسي بشكل مختلف. وبرؤاك منحتني مشاعر يتعذر علي وصفها بغير بيضاء وعالية كالسحاب. مزهوة بك، وفخورة.
كم سيكون مناسبًا لو أخبرتك بأنني تركتُ عملي الـ كنتُ أشكو منه، والذي نصحتني بتركه، وأنها الفرصة الرابعة التي أتخلى عنها، وأنني أستعد للقبول في عمل جديد، أرى أنه بداية لتحقيق طموحي، و على هذا العمل الذي لم يتأكد بعد، بنيت سلسلة من الأهداف، وأنا أسعى بكل جهدي لكسب هذه الفرصة.
كم سيكون مؤلمًا لو تعلم أن في التالي من الأيام، حين أكتب عن شتاء الرياض وعن حديقة منزلي التي تعرّت من أزهارها، لتغدو خضراء تمامًا بعد ما كانت لوحة ألوان زاهية، حينها لن تكون موجودًا لتشاركني نعيها. وحين أكتب عن رغبتي في لقاء صحراء الثمامة، والتشبث بـ الشال والبالطو، والتحلق حول نار مشتعلة، لن تكون موجودًا لتشاركني دفء الحلم. وحين أكتب عن متاعب العمل الجديد، أو فسق البطالة والفراغ، لن تكون موجودًا لتشاكسني بظرفك المهذب. وحين أكتب عن عودة الثامن من يناير، وعن السنة التي مضت، لن تكون موجودًا لتشاركني خوفي من الكهولة التي أزعم أني اقتربت منها.
وكم سيكون صادقًا لو أخبرتك بما حصل في الواحد والثلاثين من ديسمبر الماضي، عندما كتبت عن السنة التي تحتضر، كنت أحصي ما لدي، من كل شيء، ما حصلت عليه وما فقدته، وكم كنت فادحة الجحود، كانت أحزاني أقل مما هي عليه الآن، وكنت أظن بأن لا طاقة لي بها، والآن عرفت كم كنت مخطئة وغبية. وأن رحيلك سيخلف فراغًا كبيرًا، وأنني لن أحتمل البقاء في مكان عرفتك فيه، و سأظل لساعات بعد صاعقة نبأ رحيلك، أترقب أحدًا ينفيه.
6:26-9:46
صباح الجمعة
7- 1- 2005
فازت بك، وحرمتنا منك. نحن بيادق على لوح شاسع، لا قدرة و لا إرادة لنا. عمرنا القصير يحتّم علينا الرحيل، ونخلّد في عالم لا يمكننا التكهن به. أعرف ما يعوزك في عالمك البعيد عن عالمنا، الذي لا يشبهه في شيء. وأعلم إذ وصلتُ إلى ما أنا عليه، لأكتب ما أنوي، كنتُ متأخرة جدًا؛ فلا شيء مما أكتبه يبلغك وأنا أصرخ به، وكأنك في مكان يصلك ما يحمله صوتي العاجز. لا قول يدركك بعد رحيلك، ولا شيء منه سينفعك. هذا كله لأنني أعرف جيدًا ماذا تحتاجُ وأنت في المكان الذي لا يسعني تخيله، بالضبط مثل عجزي وضعفي أمام استرجاع ذكرياتي معك، وتصفح آثارك. مؤلم ذاك وقاس جدًا، يذكرني بشعور تقليب صور جدتي التي سبقتك إلى حيث أنت.
لأنها كاللسان حين يتآمر مع أوتارنا وقلوبنا لنحصد ذنوبًا كبارا؛ قد تكون الكتابة أحيانًا إثمًا أيضًا، حين أمارسها، وأنا لا أملك غيرها وسيلة تخلصني من نزفٍ داخلي حري أن يفتك بي. حين أنتهي سأستغفر كثيرًا، وسأدعو لك كثيرًا، لكنني لا أستطيع التوقف الآن، هناك الكثير لأكتبه. الكثير الكثير الذي تمنيت لو أنني كتبتُه قبل سنة من اليوم، أو شهر أو حتى يومين. كم كان سيصبح ذو معنى، وسيمنحني شعورًا إيجابيًا، وسيخفف عني مما أشعر به الآن.
أنا لست حزينة فقط، بل فريسة للندم، والحسرة القاتلة، وتحت وطأة سؤال: هل كان يدرك حقيقة شعور أكنّه له، مكانته عندي، وكم أنا ممتنة له؟
أنا لا أكتب ذلك لك بصفتك رجل رحل عنا، لا والله، لكنها الحقيقة التي أحملها لأجيء بها متأخرة. لأن هذا ما وددت لو علمتَه قبل رحيلك، لا لأنني جازمة بأنك تحتاج العلم به، بل لأنني أنا من أحتج ذلك.
كم سيكون جميلا لو أخبرتك بأن توقيعك الأنيق، الـ يذيل مشاركاتك أول ما لفت انتباهي منك، غيرتَه مرتين ربما، لكنه ظل محتفظًا بأناقته وتفرده. منه حزرتُ جمال خطك، و تساءلتُ عن طريقة تنفيذه، لكنني لم أطرح السؤال عليك لأعرف إجابته منك. معرفك قريب مني أيضًا، خصوصًا في المكان الذي نتشاركه. و إنني أتوقع وجودك في كل مكان سبقتك إليه، بل وأكثر من ذلك، أنا أترقب ما سيجيء به حضورك. أنت حاضر كليًا، بعفويتك، وبطيبة تخضعني لا إراديًا. كل تلك الانطباعات التي تُدفع إلي على نحو رديء، تجيء أنت بها لتقع وقع حبات المطر. أتابعك، أتابع ما تكتب وما تضيف، لكنني لا أثبت متابعتي حضوريًا. إنني من خلالك رأيت نفسي بشكل مختلف. وبرؤاك منحتني مشاعر يتعذر علي وصفها بغير بيضاء وعالية كالسحاب. مزهوة بك، وفخورة.
كم سيكون مناسبًا لو أخبرتك بأنني تركتُ عملي الـ كنتُ أشكو منه، والذي نصحتني بتركه، وأنها الفرصة الرابعة التي أتخلى عنها، وأنني أستعد للقبول في عمل جديد، أرى أنه بداية لتحقيق طموحي، و على هذا العمل الذي لم يتأكد بعد، بنيت سلسلة من الأهداف، وأنا أسعى بكل جهدي لكسب هذه الفرصة.
كم سيكون مؤلمًا لو تعلم أن في التالي من الأيام، حين أكتب عن شتاء الرياض وعن حديقة منزلي التي تعرّت من أزهارها، لتغدو خضراء تمامًا بعد ما كانت لوحة ألوان زاهية، حينها لن تكون موجودًا لتشاركني نعيها. وحين أكتب عن رغبتي في لقاء صحراء الثمامة، والتشبث بـ الشال والبالطو، والتحلق حول نار مشتعلة، لن تكون موجودًا لتشاركني دفء الحلم. وحين أكتب عن متاعب العمل الجديد، أو فسق البطالة والفراغ، لن تكون موجودًا لتشاكسني بظرفك المهذب. وحين أكتب عن عودة الثامن من يناير، وعن السنة التي مضت، لن تكون موجودًا لتشاركني خوفي من الكهولة التي أزعم أني اقتربت منها.
وكم سيكون صادقًا لو أخبرتك بما حصل في الواحد والثلاثين من ديسمبر الماضي، عندما كتبت عن السنة التي تحتضر، كنت أحصي ما لدي، من كل شيء، ما حصلت عليه وما فقدته، وكم كنت فادحة الجحود، كانت أحزاني أقل مما هي عليه الآن، وكنت أظن بأن لا طاقة لي بها، والآن عرفت كم كنت مخطئة وغبية. وأن رحيلك سيخلف فراغًا كبيرًا، وأنني لن أحتمل البقاء في مكان عرفتك فيه، و سأظل لساعات بعد صاعقة نبأ رحيلك، أترقب أحدًا ينفيه.
6:26-9:46
صباح الجمعة
7- 1- 2005