المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في ظلال المحبة في الله!!!!



عمر باعقيل
17-11-2004, 03:48 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


يقولون إنها مسلاةٌ للهم
و يصفونها بأنها ماء العيش
و يمدحونها فيقولون هي من سعادة المرء

بل هي مُهجة القلب و ريحانة الحياة
كيف .. لا
و هي التي متى ما تفيَّأنا ظلالها نشعر بأن الكون كل الكون بين دفتيْ قلوبنا
ربما قد تُنسينا و نحن نعيش في ظلالها تلك
بعضاً من همومنا أو لنقُل غالب همومنا
هكذا نشعر عندما نحياها بكل ثانية من ثوانيها

و في كل ثانية تغيب عنا هي و من يحملها
تضيق علينا الدنيا بما رحُبت و تأسرنا ما بين كلاليبها آهااااات الحُرقة و دموع الفُرقة
فهي ذلك الوتر الذي نعيش على ترانيم عزفه
الدافيء دفء المشاعر
و الصادق صدق الحب
و الجميل جمال الروح
ذلك الوتر الذي طالما أسمعَنا من عذب ترانيمه أجمل الألحان و أصدقها
لتسكُن منا و بدون سابق إذن سُويداء القلب

إنها ذلك المعنى السامي المنتشي بعبق ليس ككل عبق و بأريج ليس كأي أريج
هي بحق روح الدنيا

هل تعلمون ما روح الدنيا ؟؟!!


إنها الأُخوَّة عندما تكون في ظلال المحبة في الله
إنها الأُخوَّة عندما تتجسَّد مشاعراً صادقةً بين الإخوة فيكونون بها كالروح الواحدة في أجساد متفرقة
إنها الأُخوَّة في الله اللغة الوحيدة التي لا يفهمها و لا يعي لها معنىً إلا من حمل في قلبه باقاتِ حب و أُلفة و صفاء و نقاء و وداد لكل من حوله من إخوانه

فهل هناك أجمل من هذا المعنى و هذه اللغة ؟؟!!
و هل هناك أسعد للنفس من لقيا من حملوا هذا المعنى بين دفتي قلوبهم ؟؟؟!!
لا .. و الله
فكم نحن في شوق لهذ المعنى و لكل من حمله بصدق و أعطاه من وقته و عطاءه الكثير و الكثير

هذه الاخوَّة التي ندب إليها الشارع عز و جل و حثَّ على آداء حقوقها و أعدَّ لمن أدَّى حقها الأجر العظيم و الجزاء
الكبير هذه الأخوَّة التي جمعت بين قلوبٍ و أرواح تهفو إِلى رغد الجنان ما كانت لتجتمع لولا أن يسَّر الله لها الاجتماع على محبته قال تعالى : ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) (آل عمران:103)
إنها نعمةٌ و منَّةٌ من الله عز و جل علينا أن يسَّر لنا الاجتماع بعد الفرقة و الإئتلاف بعد النُّفرة
قال عز و جل في محكم كتابه : ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (لأنفال:63)



فقط لو تأمّلنا أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم في ذكر ما أعدّه الله سبحانه لمن حقَّق هذه الأخوة
لدمعتِ الأعيُن من عطاء ربنا و لعلِمنا حقّاً كم نحن مقصرون في أخوَّتنا و علاقاتنا كأخوةٍ في الله لا تُفرِّق بيننا الألوان و لا الجنسيات و لا الأموال و لا اللغات


هيـَّـا معاً لنعيش هذه الأحاديث النبوية و تلك القصص التي تحمل جميل المعاني و القِيم الأخوية
لنعيش معها بأحاسيسنا و مشاعرنا و قلوبنا
ولننظر هل قدَّمنا لإخواننا و لمن أحببناهم في الله جزءاً من هذه الحقوق ؟؟!!


أُولى تلك الأحاديث النبوية هذا الحديث
الذي تتوق النفس عند قرائته و تأمُّلِ كلماته إلى الوصول إلى هذه المرتبة و المكانة العالية و الرفيعة
فيا ترى ماذا قال نبينا عمَّن تآخوا في الله ؟
و بماذا وصفهم ؟
لنقرأ معاً الحديث
يقول صلى الله عليه و سلم :
( إن من عباد الله عبادا ليسوا بأنبياء يغبطهم الأنبياء والشهداء
قيل : من هم لعلنا نحبهم ؟
قال : هم قوم تحابوا بنور الله على غير أرحام ولا أنساب
وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ
" أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ " )(رواه ابن حبان في صحيحه)

هل علِمنا ماهو الجزاء و ماهو الثواب ؟؟
إنه عظيم .. عظيم
عسى الله أن يجعلنا ممن تحابوا في الله و تصافوا فيه
و عسى أن يجمعنا الله و إيَّاكم على منابر من نور
فلا نخاف إذا خاف الناس و لا نحزن إذا حزِن الناس

اللهم آآآآآآآآآمين .. اللهم آآآآآآآآآآمين .. اللهم آآآآآآآآآآمين


و في حديثٍ آخر يُوجب الله سبحانه محبته للمتحابين فيه و المتصادقين فيه
يقول الله عز و جل في الحديث القدسي : ( حُقّت محبتي على المتحابين فيَّ و حُقّت محبتي على المتناصحين فيَّ و حُقّت محبتي على المتباذلين فيَّ .. هم على منابر من نور يغبطهم النبيون و الشهداء و الصديقون ) (رواه أحمد بإسناد صحيح)

و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثٍ آخر :
( إن في الجنة لعُمُداً من ياقوت عليها غُرف من زبرجد لها أبواب مُفتّحةٌ تضيء كما يضيء الكوكب الدري ..
قيل : يا رسول الله من يسكُنها ؟
قال : المتحابون في الله و المتباذلون في الله و المتلاقون في الله ) (رواه البزار)

و قال أيضاً :
( إن في الجنة غُرفاً تُرى ظواهرها من بواطنها و بواطنها من ظواهرها أعدها الله للمتحابين فيه و المتزاورين فيه و المتباذلين فيه ) (رواه الطبراني)

و لهذه المحبة و الاخوَّة في الله مقتضيات و أمور عدة و واجباتٌ جمَّة لابد من الأخذ بها و القيام بها على أكمل وجه لكي نحصل منها على الأجور العظيمة مُحتسبين في ذلك كل ما نقوم به من عطاء لإخواننا سواءاً كان هذا العطاء ماديَّاً أو معنويَّا ..
شعارُنا في ذلك
(لا نريد منكم جزاءاً و لا شكورا .. إنما نريد قصراً مشيداً و نعيماً لا يزول و قُرَّة عينٍ لا تنقطع هنااااااااك في جنات الخلود)
من تلك الواجبات على سبيل المثال لا الحصر


إلقاء السلام و المصافحة
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف وإلا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر ) (رواه الطبراني)


الزيارة
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إن رجلا زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله عز وجل على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه
قال : أين تريد ؟
قال : أخاً لي في هذه القرية
قال : هل لك عليه من نعمة ترُبُّها
قال : لا .. إني أُحبّه في الله عز وجل
قال : فإني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه ) (رواه مسلم)


الكلمة الطيبة
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( الكلمة الطيبة صدقة ) (رواه البخاري)


طلاقة الوجه
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو ان تلقى أخاك بوجه طلق ) (رواه مسلم)


التناصح
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ) (رواه مسلم)


قضاء حاجة المحتاج و إغاثة اللهفان و تفريج الكُربات
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة )(رواه مسلم)

و قال أيضاً :
( أيما مسلم كسا ثوبا على عري كساه الله من خضر الجنة وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله من ثمار
الجنة وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ) (رواه البيهقي في سننه)


الدعاء في ظهر الغيب
و ما أدراك مالدعاء في ظهر الغيب فيه تتجلى أريحية القلب و صفاء النفس برفع الأكف بالدعاء لمن نحب
لتنطلق الحروف من الأفواه فتصل إلى ذي الرحمة و المغفرة إلى ذي الرأفة دون أن يمنعها حِجاب فيكون الجزاء من جنس العمل كما قال الحبيب المصطفى
( من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل ) (رواه مسلم)


و قد وصّى الرسول صلى الله عليه و سلم بوجوب إخبار الأخ بمن يُحبه بأنه يحبه في الله
ليكون ذلك تثبيتاً للمودة و المحبة
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه ) ( رواه ابن حبان في صحيحه)


هذه فقط دُرر مُقتطفة من كنوز السنة النبوية
و هناك الكثير و الكثير من أحاديث المصطفى ما يبين أهمية الحِفاظ على هذه العلاقة الاخوية و فعل كل ما يزيد من قوتها و تلاحمها لكني اكتفيت بما سبق ذكره لعل فيه النفع و الفائدة

و مما قال الحكماء فيما يزيد هذه العلاقة قوةً و ثباتاً : ( إن مما يجب للأخ على أخيه مودته بقلبه وتزيينه بلسانه
ورفده بماله وتقويمه بأدبه وحسن الذب والمدافعة عنه في غيبته )


و لنا مع قصص السلف -رحمهم الله- وقفة تأمُّل لابد أن نقِفها
لنعلم كيف كانوا يرعون هذه الأخوَّة حق رعايتها و لِنعلم كم نحن مقصِّرون في حق إخواننا

فهذا عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- يذكر الرجل من إخوانه في بعض الليل فيقول :
يا طولها من ليلة فإذا صلى المكتوبة غدا إليه فإذا التقيا عانقه
و كأني به -رضي الله عنه- يقول كما قال الخليل بن أحمد لأخٍ له :
العين تُبصر ما تهوى وتفقده
فناظر القلب لا يخلو من النظر
إن كنتَ لستَ معي فالذكرُ منك معي
يراك قلبي وإن غُيِّبتَ عن بصري

و كان أحد السلف إذا لقي أخاه في الله يقول :
للُقياكَ أَحبُّ إليّ من العسل


و يُقال عن أحدهم أنه :
( إذا آخى أخاً في الله أخذ بيده فاستقبل به القبلة ثم قال :
اللهم اجعلنا شهداء بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم واجعل محمدا صلى الله عليه وسلم علينا شهيدا بالإيمان وقد سبقت لنا منك الحسنى غير مغلول علينا ولا
قاسية قلوبنا ولا قائلين ما ليس لنا بحق ولا سائلين ما ليس لنا بعلم )

ألستُم معي في إنها صورة من أروع صور الصدق في الأخوَّة
حيث كانت البداية دعاء نابع من قلب مخلص بكلمات مفعمة و مليئة بالإيمان
همُّهم كل همِّهم كسب رضى الرحمن و السير في طريق الجِنان

و هذا نبينا صلى الله عليه و سلم يُجسد لنا صورة جميلة رائعة في شوقه لأحبابه عندما وصله نعي زيد بن حارثة
حيث ذهب الرحيم العطوف الى بيته فاستقبلته ابنة زيد
و منذ أن رأته أجهشت بالبكاء .. فعندما رآها النبي عليه السلام بكى حتى انتحب ..
فقيل : له يا رسول الله ما هذا ؟..
قال : هذا شوق الحبيب إلى حبيبه ..


و هنا تتجسَّد لنا رائعةٌ من الروائع تفوح بعبق الأخوَّة و المحبة
حيث يقول أحد السلف :
( إنا لَوقوف بجبل عرفات فإذا شابان عليهما العباء القطواني نادى أحدهما صاحبه يا حبيب
فأجابه الآخر لبيك أيها المحب
قال : ترى في الذي تحاببنا فيه وتواددنا فيه يعذبنا غداً في القيامة
قال : فسمعنا مناديا سمعته الآذان ولم تره الأعين يقول : لا .. ليس بفاعل )


و هناك من السلف من وصل به حدَّ إيثار إخوانه على نفسه مبلغاً عظيماً حيث يُقال عنه أنه
يصل إخوانه بالدراهم والدنانير حتى ربما نزع ثوبه فيدفعه إلى بعضهم ويقول لهم ما أعدِل ببِرِّكم شيئا


و منهم أبو سليمان الداراني الذي يقول :
( لو أن الدنيا كلها لي في لقمة ثم جاءني أخ لأحببت أن أضعها في فيه )


و إن من أجمل ما تصنعه الأخوّة في النفوس جلاء الهموم و الأحزان
فإن كنت مع إخوانك ستجد من يسلِّيكَ في حزنك و يواسيك عند ألمِك و يخفِّف عنكَ ما أصابك
و يجدِّد فيكَ روح الأمل بالدعاء لك و إعانتك و الأخذ بيدِك لتصل إلى بر الأمان
و قد كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- إذا خرج على أصحابه يقول لهم :
أنتم جَلاء حزني




هل رأينا كم كانت تلك القلوب بيضاء نقيةً عامرةً بالعطاء و النقاء و الصفاء
كم كانت تلك المشاعر فياضةً بالبذل و العطاء
كم كانت تلك الكلمات و الدعوات المنطلقة من سويداء قلوبهم صادقةً صدقَ أُخوَّتهم
و كم كانت ذِكرى إخوانهم لا تُفارق ذاكرتهم صباح مساء

عندما نقرأ تلك الأحاديث و تلك القصص يهون في أعيُننا كل متاع الدنيا
فليس هنالك منها ما يُعادل قيمة أخوَّةٍ في الله تُفضي بنا إلى رياض الجِنان
تفضي بنا إلى تلك المنابر النورانية التي تحدّث عنها رسولنا الحبيب
فهلمُّوا بنا إلى تلك المنابر
هلمُّوا بنا إلى محبَّة الله
هلمُّوا بنا لنكون في ظِلال الرحمن
هلمُّوا بنا إلى غُرف الزبرجد في الجِنان
هي دعوة من قلبِ مُحبَّة إلى كل الأحبَّة
مُحبَّة قد اشتاقت للِّقاء بكن
و إني أُشهِدُ الله أني أُحبكنّ في الله ياجلاء حَزَني



اعذروني لاطالة عليكم

|238|