المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [..النهر لا يكذب .. ]



زاد الركب
23-09-2004, 06:40 PM
للمقاومة بقلم .. نزار بشير ..

هو يشعر ببرودة الطقس ولكنه يتجاهل ذلك، الريح شديدة الليلة ولكنه ما عاد يعبأ بها، أما الظلام المحيط به والذي يغلف بعباءته السرمدية الكون لم يعد يخيفه منذ زمن.

وكيف يخاف وملمس الحديد البارد في كفيه يدفئ روحه ويطرد كل رهبته؟

عيناه مازالتا ترقبان الطريق الملتوي الخارج من الحصن القريب بإنتظار مجيئ من يعتقد أنهم لا بد قادمون.

منذ ساعات بحساب ساعة يده أو قرون بحسب ساعة الكون وهو ينتظر هذه اللحظة.

هو في الأصل وجد من أجل هذا الموقف!

صوت تنفسه هو الصوت الاول الذي يسمعه، كما أنه يسمع صوت تنفس الكون في الريح التي تحاول عابثة إزاحة الكوفية المرقطة عن وجهه.

هو لا يأبه لها كثيرا لانه يعلم انها فقط تداعبه، كل ما يحيط به الان في صفه، فقط اولئك القادمون هم من يقف ضده.

منذ عصور وأمه الأرض تحنو عليه، لكنها اليوم اشد حنانا!

لابد أنها اذن تعلم هي الاخرى بما عقد عليه العزم، هل أخبرتها الرياح ؟.

حواسه الآن في أوج إنتباهها، فهو يشعر بقدومهم وإن كانت عيناه لم ترهم بعد.

ثلاث عربات، هذا ما يشعر به، ولكن هل هذا فعلا ما سوف يراه؟

الطريق الملتوي لم يعد كذلك، فهو أيضا متفق معه على ما سوف يحدث، لذلك هو لا يتعاطف معه بالإحساس فقط ولكنه ايضا يتمدد مستقيما لمنحه مجالا لرؤية أفضل.

يراهم الان بوضوح، ثلاث عربات بالفعل، أنوارها تفضحها في هذا الليل الدهيم، تنهب الطريق نهبا كما نهبت كل شيء آخر.
وهو هنا الليلة من أجل هذه الغاية بالذات، منع النهب!

الحديد البارد لم يعد كذلك في يديه، فلقد استمد من يديه نفسيهما الحرارة واعداً بردها قريبا، وقريبا جدا.

إستلقى نائما في حضن أمه الأرض، واضعا سلاحه العتيق بين ذراعيه مصوبا إياه نحو الطريق محاذرا من أن تكون شجرة الزيتون القابعة على يمينه في مجال الرعد القادم، فبالتأكيد هو لن يقوى على قتل ما يريد له الحياة.

مازالت العربات تتجه نحوه، ونحوه هو بالذات لأن الطريق يسعى لمساعدته وجلبهم اليه.

هو يعلم بالضبط ما سوف يحدث، ويعلم أنه لا يفعل إلا ما يجب أن يفعل، وبالطريقة التي لا بد أن يُفعل بها الامر.

ورغم علمه بكل ما سوف يحدث، فقد أخبره النهر بالأمس عن كيفية تدفق الاحداث ومجراها، والنهر لم يكذبه أبدا من قبل. كما أن ثقته بالنهر لا تتزعزع منذ عرفه.

النهر أخبره بأن الامور كانت هكذا على الدوام، وأنه لم يكن الوحيد من نوعه، وأن التاريخ لا يمل يعيد نفسه، وأنه –النهر- قد حفظ عن ظهر قلب ما يعتبروه هو غيبا.

تدخل العربات الان مجال رعده ولابد أن يحصل ما أخبره النهر من أنهم لا بد أن يتوقفوا عند تلك النقطة، ولكن العربات لم تخفف سرعتها بعد!

هل يكذب النهر؟

لا يمكن!

هل يخطئ إذا؟

غير معقول!

لقد كان كلامه أشبه بدروس التاريخ أكثر من كونه إعلاما بالمستقبل.

لابد أن بالامر خطأ ما، فإما أن النهر أختلطت عليه الامور، وإما أنه هو من لم يصغ للنهر جيدا رغم أنه طلب منه ذلك، أو ربما أنهم هم من لا يخضعون لنفس الغيب!

صوت صرير العجلات وإحتكاكها بالطريق كان شهادة براءة للنهر، وإعلان تجديد المصداقية للتاريخ الذي لا يرحم، ونتيجة طبيعية لوجود أحجار تسد الطريق وضعها هو بنفسه قبل ساعات!

يستطيع الان رؤيتهم من خلال سلاحه العتيق وهم يترجلون من عرباتهم، وعلامات الدهشة بادية على سحنهم.

هل هم لا يعلمون ما سوف يحدث؟

ألم يخبرهم النهر بذلك؟

أما أنهم رفضوا الاستماع له؟

سوف يفكر في هذا الامر فيما بعد، أما الآن فيجب أن ينظم الى ما دعوه هم اليه، الى المفاوضات!

إصبعه نافد الصبر إزداد تقوسا ليحكم أغلاق الحلقة المحاصرة للزناد، وليطالب حديد السلاح بأن يرد ما أخذ منذ قليل من حرارة يديه.

سلاحه رفيقه كان أكرم مما توقع، فلم يكد يطالبه بحقه حتى أعطاه بفرح اكثر مما طلب، لأن السلاح يؤمن منذ الأزل بعقيدة "ما ضاع حق وراءه مطالب".

الرعود الصغيرة تخرج من الفوهة الحديدية اللامعة لتدخل في الاجساد الصدئة.

وهنا بدأت المفاوضات!

فهم وعبر تاريخهم لطالما قالوا بأنه لا يفهم غير لغة السلاح، وأنه لا بد أن يعامل بالسلاح، وأنه لن يرضخ إلا بالسلاح.

لذلك تجري المفاوضات الان باللغة التي إقترحوها هم، بلغة السلاح!

سلاحه لم يكن ليصمت، فهو لم يصدق بأن فرصته التي طالما تمناها قد جاءت أخيرا.

فحتى لو رفع صاحبه إصبعه من على الزناد لأكمل هو الحوار دون حاجة لمن يعتصر زناده.

فالقوم لطالما إتهموه بأنه من خان منذ عقود، وأنه من كان فاسدا، وأنه قتل رفاقه وحامليه، وهو بالطبع يعرف بأنهم منافقون لأنهم هم من خان وأفسد وقتل وليس هو.

لذلك طالب رفيقه وحامله بالمزيد من الرصاصات ليستطيع إرسال المزيد من الرعود والصواعق الصغيرة على أعدائهما .

الصمت الان هو الملك، والجميع بمن فيهم الرياح ضيوف على بلاطه.

فالمفاوضات لم تستمر كثيرا، وإنتهت بأسرع حتى مما أبلغه به النهر!

والنتيجة التي تمخضت عنها هذه المفاوضات كانت الأتي:

هم لا يريدون أن يرحلوا، ولا يريدون إعادة ما أخذوا ويرفضون بتاتا فكرة أن يشاركهم ما حصلوا عليه.

لذلك كان الحل الذي قبله الجميع ونفذه سلاحه العتيق هو أن يحصل كل منهم على عدة أمتار أفقية، يطوون فيها الى الابد، على أن لا يشاركهم هو ما آلوا اليه.

وأعلنوا هم قبولهم بالنتيجة بنزيف دمائهم على قارعة الطريق الذي عاد ملتويا كما كان، ولكنه لم يعد منهوبا.


_____________________

بعد قراءتي لهذه القصة بدأت أشعر أن الطبيعة تقاتل معنا .. !!

زاد ( ... )

همس المشاعر
29-09-2004, 02:21 AM
درية رااااااااااااااااائعة ..

كلمات قوية ، سلسة ..

تشابيه متألقة ..

سلمت يداك على هذا النقل المميز ..


إلى الأمام و مزيد من اللؤلؤ .. :)
تحية

ROMEO
01-10-2004, 07:19 PM
ربما تبكي من أجلنــــــــا أن خشيت ...........


زاد تحية مسائية .... قصة تستحق القراءه ... سلمت على نقلها لنـــــا

زاد الركب
01-02-2005, 10:37 AM
الأخ الفاضل .. همس المشاعر ..

( شكراً لك ) على هذا المرور الطيب ..

ودمت في رعاية الله وحفظه ..
زاد الركب

جمال الروح
20-02-2005, 10:52 PM
غاليتي زاد الركب ..



اختيار مميز فعلا ..



امتعتنا وافدتنا ايضا ..



بانتظار زادك القادم :252:





تحية عطرة

-

-



اختك



جمال الروح