رغــد
25-08-2004, 02:42 AM
تقولُ العربُ : ليستِ النائحةُ الثكلى كالنّائحةِ المُستأجرةِ .
أضع رِثاءً للطنطاويِّ - رحمهُ اللهُ - في بنتهِ بنان ، كلمات رائعة محرقة .. اقرؤها وتمعنوا في سطورها .... فاجعة !!
يقولُ :
" وهذه أول مرةٍ أذكرُ فيها اسمها ، أذكرهُ والدمعُ يملأ عيني ، والخفقانُ يعصفُ بقلبي ، أذكرُ أول مرةٍ بلساني ، وما غابَ عن ذهني لحظةٍ ، ولا صورتها عن جناني ،
لمّا قضى اللهُ فيها ما قضى ، سألوني في نقلها ، قلتُ : لا ، بل توسّدُ حيثُ أراد اللهُ لها أن تُستشهدَ ، لأنّ نقلَ الميّتِ لا يجوزُ ، وما أحفظُ أنّه روي عن أحدٍ من السلفِ ..... ،
وقالَ أتبكي كلَّ قبر ٍ رأيتهُ ؟ .......... لقبر ٍ ثوى بين اللوى والدكادكِ
فقلتُ لهُ إنّ الشجى يبعثُ الشجى .......... فدعني فهذا كلّه قبرُ مالكِ !
أفكانَ متمّم بن نويرة أشدُ حباً لأخيهِ مالك ، من حبي لبنتي ؟! ،
وإذا كان يجدُ في كل قبر ٍ يمرُّ بهِ قبرَ مالكٍ ، أفتنكرونَ عليَّ أن أجدَ في كلِّ مأتمٍ مأتمها ؟! ، وفي كل خبر ِ وفاةٍ وفاتها ؟! ، وإذا كان كل شجى يثيرُ شجاه لأخيهِ ، أفلا يثيرُ شجاي لبنتي ؟! ، إن كل أبٍ يحبُ أولادهُ ، ولكن ما رأيتُ – لا واللهِ ما رأيتُ – من يحبُّ بناتهِ مثلَ حبّي بناتي .
ما صدّقتُ إلى الآن وقد مرّ على استشهادها أربعُ سنواتٍ ونصف السنةِ ، وأنا لا أصدقُ بعقلي الباطن أنّها ماتتْ ، إنّني أغفلُ أحياناً فأظنُّ إنْ رنَّ جرسُ الهاتفِ أنّها ستعلمني على عادتها بأنها بخير ٍ ، لأطمئنَ عليها ، تكلمني مستعجلة ً ترصفُ الكلامَ رصفاً ، مستعجلة ً دائماً ، كأنّ الردى لن يُبطأ عنها ،
وأنّ هذا المجرمَ ، هذا النذلَ ... هذا الـ ... يا أسفي ! ، فاللغة ُ العربية ُ على سعتها تضيقُ باللفظِ الذي يُطلقُ على مثلهِ ، ذلكَ لأنّها لغة ُ قوم ٍ لا يفقدونَ الشرفَ حتى عند الإجرام ِ ،
إنّ في العربيةِ كلمات النذالةِ والخسةِ والدناءةِ ، وأمثالها ، ولكنّ هذه كلّها لا تصلُ في الهبوطِ إلى حيثُ نزلَ هذا الذي هدّدَ الجارة بالمسدّس ِ حتى طرقت عليها البابَ لتطمئنَ فتفتحَ لها ، ثم اقتحمَ عليها ، على امرأةٍ وحيدةٍ في دارها ، فضربها ضربَ الجبان ِ ، والجبانُ إذا ضربَ أوجعَ ، أطلقَ عليها خمسَ رصاصاتٍ تلقتها في صدرها وفي وجهها ،
ما هربتْ حتى تقعَ على ظهرها ، كأنّ فيها بقية ً من أعراق ِ أجدادها الذينَ كانوا يقولونَ :
ولسنا على الأعقابِ تدمى كلومنا .......... ولكن على أقدامنا تقطرُ الدما
ثمّ داس الـ .... لا أدري واللهِ بم أصفهُ ؟! ،
إن قلتُ المجرم ، فمن المجرمينَ من فيهِ بقية َ من مروءةٍ تمنعهُ من أن يدوسَ بقدميهِ النجستين ِ ، على التي قتلها ظلماً ليتوثقَ من موتها ، ربّما كان في المجرم ِ ذرة ٌ من إنسانيةٍ تحجزهُ عن أن يخوضَ في هذه الدماءِ الطاهرةِ التي أراقها ، ولكنّهُ فعلَ ذلك كما أوصاهُ من بعثَ بهِ لاغتيالها ، دعسَ عليها برجليهِ ليتأكدَ من نجاح ِ مهمّتهِ ، قطعَ اللهُ يديهِ ورجليهِ ، لا ! ، بل أدعهُ وأدعُ من بعثَ بهِ للهِ ، لعذابهِ ، لانتقامهِ ، ولعذابُ الآخرةِ أشدُّ من كل عذابٍ يخطرُ على قلوبِ البشر ِ .
لقد كلمتها قبل الحادثةِ بساعةِ واحدةٍ ، قلتُ : أين عصام ؟ ، قالتْ : خبّروهُ بأنّ المجرمينَ يريدونَ اغتيالهِ وأبعدوهُ عن البيتِ ، قلتُ : كيف تبقينَ لوحدكِ ؟ ، قالتْ : بابا لا تشغل بالك بي ، أنا بخير ٍ ، ثِقْ واللهِ يا بابا أنا بخير ٍ ، إنّ الباب لا يفتحُ إلا إن فتحتهُ أنا ، وأنا لا أفتحُ إلا إن عرفتُ من الطارق وسمعتُ صوتهُ ، إنّ هنا تجهيزاتٍ كهربائية تضمنُ لي السلامة َ ، والمسلِّمُ هو اللهُ .
ما خطرَ على بالها أنّ هذا الوحشَ ، هذا الشيطانَ ، سيهدّدُ جارتها بمسدسهِ حتى تكلمها هي ، فتطمئنُ ، فتفتحَ لها البابَ ،
مرّت الساعة ُ فقرع جرسُ الهاتفِ ، وسمعتُ من يقولُ لي : كلّم وزارة الخارجية ، قلتُ : نعم ! ، فكلّمني رجلٌ أحسستُ أنّه يتلعثمُ ويتردّدُ ، كأنّه كلف بما تعجزُ عن الإدلاءِ بهِ بلغاءُ الرجال ِ ، بأن يُخبرني ... كيف يخبرني ؟ ، وتردّدَ ورأيتهُ بعين ِ خيالي ، كأنّهُ يطلبُ منجى من هذا الموقفِ الذي وقفوهُ فيهِ ، ثمّ قالَ : ما عندكْ أحد أكلّمه ؟ ، وكانَ عندي أخي ، فقلتُ لأخي : خذْ اسمع ما يقول ، وسمعَ ما يقولُ ، ورأيتهُ ارتاعَ ممّا سمعَ ، وحارَ ماذا يقولُ لي ، وكأنّي أحسستُ أنّ المخابرة َ من ألمانيا ، وأنّه سيلقي عليَّ خبراً لا يسرّني ، وكنتُ أتوقعُ أن ينالَ عصاماً مكروهٌ ،
فسألتهُ : هل أصابَ عصاماً شيءٌ ؟ ، قال : لا ، ولكنْ ... ، قلتُ : ولكن ماذا ؟ ، عجّل يا عبده فإنّكَ بهذا التردّدِ كمن يبترُ اليدَ التي تقرّرَ بترها بالتدريج ِ ، قطعة بعد قطعةٍ ، فيكونُ الألمُ مضاعفاً أضعافاً ، فقلي وخلّصني مهما كانَ سوءُ الخبر ِ ،
قال : بنان ، قلتُ مالها ؟ ، قال ، وبسطَ يديهِ بسطَ اليائس ِ الذي لم يبقَ في يدهِ شيءٌ ، وفهمتُ وأحسستُ كأنّ سكّيناً قد غُرسَ في قلبي ، ولكنّي تجلدتُ ، وقلتُ – هادئاً هدوءاً ظاهريّاً ، والنّارُ تضطرمُ في صدري - : حدّثني بالتفصيل ِ بكل ما سمعتَ ،
فحدّثني ، وثقوا أنّني لا أستطيعُ مهما أوتيتُ من طلاقةِ اللسان ِ ، ومن نفاذ البيان ِ ، أن أصفَ لكم ماذا فعلَ بي هذا الذي سمعتُ .
وانتشرَ في الناس ِ الخبرُ ، ولمستُ فيهم العطفَ والحبَّ والمواساة ، من الملكِ – حفظهُ اللهُ ووفقّهُ إلى الخير ِ - ، ومن الأمراءِ ، ومن الأدباءِ والعلماءِ ، ومن سائر ِ الناس ِ ، وقد جمعتُ بعضَ ما وصلَ إليَّ منها ، وتحت يدي الآن أكثرُ من مئتي برقيةٍ تفضّلَ أصحابها فواسوني بها ، وأمامي الآن جرائدُ ومجلاتٍ كتبت عن الحادثةِ كتابة صدق ٍ وكتابة َ عطفٍ ، وفيها تسلية ٌ لو كان مثلي يتسلّى بالمقالاتِ عمّا فقدَ ، حتى الجرائدُ الأجنبيّة ُ ، وهذه ترجمة ُ مثالةٍ نُشرتْ في جريدةٍ لا أعرفها ، لأنّي لا أقرأ الإنجليزية ، جريدة ُ الأوبزيرفر الأسبوعية بتاريخ 22/3/1981 بقلم الكاتب باتريك سيل .
حتّى الأجانبُ الذين لا يجمعني بهم دينٌ ولا لسانٌ عطفوا عليَّ ، واهتموا بمصابي ، وأنكروا الحادثَ ، وقالوا فيها كلمة الحق ، وممّن تربطني بهم روابطُ الدم ِ واللسان ِ لم يأبهوا لما كانَ ، بل لقد صنعوهُ هم بأيدهم ، إلى الله أشكوهم .
وصلتْ هذه البرقياتُ ، وجاءتني هذه الصحفُ ، وإنّها لمنّة ممن بعثَ بها وممّن كتبَ ، يعجزُ لسانُ الشكر عن وفاءِ حقها ، ولكنّي سكتُ فلم أشكرها ، ولم أذكرها ، لأنّ المصيبة عقلتْ لساني ، وهدّت أركاني ، وأضاعتْ عليَّ سبيلَ الفكر ِ ، فعذراً وشكراً للملكِ والأمراءِ جزاهم الله خيراً ، ولكل من كتبَ إليَّ ، وأسألُ الله أن لا يبتليَ أحداً بمثل ِ هذا الذي ابتلاني بهِ .
كنتُ أحسبني جلداً صبوراً ، أثبتُ للأحداثِ ، وأواجهُ المصايبَ ، فرأيتُ أنّي لستُ في شيءٍ من الجلادةِ ولا من الصبر ِ ولا من الثباتِ .
صحيحٌ أنّه :
ولا بدّ من شكوى إلى ذي مروءةٍ .......... يواسيكَ أو يُسليكَ أو يتوجّعُ
ولكنْ لا مواساة في الموتِ ،والسلوّ مخدّرٌ أثرهُ سريعُ الزوال ِ ، والتوجّعُ يُشكرُ ولكنّهُ لا ينفعُ شيئاً .
وأغلقتُ عليَّ بابي ، وكلّما سألوا عنّي ابتغى أهلي المعاذير ، يصرفونهم عن المجيء ، ومجيئهم فضلٌ منهم ، ولكنّي لم أكنْ أستطيعُ أن أتكلّمَ في الموضوع ِ ، لم أردْ أن تكونَ مصيبتي مضغة الأفواهِ ، ولا مجالاً لإظهار ِ البيان ِ ، إنّها مصيبتي وحدي فدعوني أتجرّعها وحدي على مهل ٍ .
ثمّ فتحتُ بابي ، وجعلتُ أكلّم من جاءني ، جاءني كثيرٌ ممّن أعرفهُ ويعرفني ، وممّن يعرفني ولا أعرفهُ ، وجعلتُ أتكلمُ في كل موضوع ٍ إلا الموضوعَ الذي جاءوا من أجلهِ ، استبقيتُ أحزاني لي ، وحدثتهم كلّ حديثٍ ، حتى لقد أوردتُ نكتاً ونوادرَ ،
أتحسبونَ ذلكَ من شذوذِ الأدباءِ ؟ ، أم من المخالفاتِ التي يريدُ أصحابها أن يعرفوا بها ؟ ،
لا واللهِ ، ولكن الأمر ما قلتُ لكم ،
كنتُ اضحكُ وأُضحكُ القومَ وقلبي وكل خليةٍ في جسدي تبكي ، فما كل ضاحكٍ مسرورٌ :
لا تحسبوا أنّ رقصي بينكم طرباً .......... فالطيرُ يرقصُ مذبوحاً من الألم ِ
كنتُ أريدُ أن أصفَ لكم ما بقلبي ، ولكن هل تركَ لي الشعراءُ مجالاً للحديثِ عن قلبي ؟ ، هل غادرَ الشعراءُ من متردّم ِ ، لقد جمعوا في الباطل ، في الخيال ، كل صورةٍ للقلبِ تصنعها الأحزانُ المتخيّلة ُ ، حتى لم يبقَ شيءٌ لمفجوع ٍ صادق ٍ مثلي .
قالوا : إنّ الحبيبة َ سرقتْ قلبي ، صدّعت قلبي ، أخذت قلبي ، سكنت قلبي ، أبكتْ قلبي ، حتى لقد جعلَ ذلك النحويونَ مجالاً لإثباتِ قواعدهم ، فقالوا في شعرهم السخيفِ :
يا ساكناً قلبي المعنّى .......... وما لهُ فيهِ قطُّ ثاني
لأي معنى كسرت قلبي .......... وما التقى فيه ساكنان ِ
والشعراءُ الذي رثوا أولادهم ، لقد وردوا النبعَ قبلي فاستقوا وملؤوا حياضهم ولم يدعوا لي إلا الثمالة والعكر ، : ابن الرومي في رثاءِ ولده ، والتهامي ، والشاعرة ُ التي لم يقلْ أحدٌ في وصفِ مصابهِ في ولدٍ مثل الذي قالت في بنتها ، عائشة التيموريّة ، أخت العالم الباحث : أحمد تيمور ، اقرؤوا قصيدتها فإنّها على ضعفِ أسلوبها ، قد خرجتْ من القلبِ لتقعَ في القلبِ ، وما أحسبُ أن امرأة استطاعتْ أن تصوغَ عواطفها ألفاظاً ، وأحزانها كلماتٍ ، كما فعلتْ عائشة ُ ،وابنُ الزيّاتِ الوزيرُ وما قال في ولدهِ ، والزياتُ الذي لم يكن وزيراً ، ولكنّهُ كانَ أكبر من وزير ٍ لما رثى ابنه رجاء ،
والدكتورُ حسين هيكل لمّا شغلَ نفسهُ عن حزنهِ بإنتاج ِ كتابِ ( ولدي ) ، فاقرؤوا كتاب ( ولدي ) ، فإنّه وإن لم يصف لكم مدى أحزانهِ ، فقد كان أثراً من آثار ِ أحزانهِ ، ومالي أضربُ الأمثالَ وأنسى مصابَ سيّدِ الخلق ِ ، وأحبِّ العبادِ إلى اللهِ ، محمّدٍ عليهِ الصلاة ُ والسلامُ حينَ أصيبَ بولدهِ .
إنّ في السيرةِ يا أيّها الإخوان قصصاً كاملة ، فيها كل ما يشترطُ أهل القصص ِ من العناصر ِ الفنيةِ ، وفيها فوق ذلكَ الصدقُ ، وفيها العبرة ُ ، فاقرؤوا خبرَ ولد بنتهِ عليهِ الصلاة ُ والسلامُ الذي ماتَ أمامهُ ، توفّي بين يديهِ فغسلهُ بدمعهِ ، إنّ دمعة رسول ِ اللهِ عليهِ الصلاة ُ والسلامُ أغلى عندنا من كل ما اشتملتْ عليهِ هذه الأرضُ .
إنّي لأتصوّرُ الآن حياتها كلّها مرحلة مرحلة ، ويوماً يوماً ، تمرُّ أمامي متعاقبة كأنّها شريطٌ أراهُ بعيني ، لقد ذكرتُ مولدها وكانت ثانية َ بناتي ، ولقد كنتُ أتمنّى أن يكونَ بكري ذكراً ، وقد أعددتُ أخلى الأسماءِ ، ما خطرَ على بالي أن تكونَ أنثى .
يقولون في أوروبا : حك جلد الروسي يظهر لك من تحته تتري ، ونحنُ مهما صنعنا فإن فينا بقية من جاهليتنا الأولى ، أخفاها الإسلامُ ، ولكن تُظهرُ طرفاً منها مصائبُ الحياةِ ، وكانوا في الجاهليةِ { إذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجههُ مسودّاً وهو كظيمُ يتوارى من القوم ِ من سوءِ ما بشّرَ بهِ : أيمسكهُ على هون ٍ أم يدسّهُ في الترابِ } ، وأنا لم أبلغْ أن أدسَّ بنتي في الترابِ ، ولكنّي أخفيتُ وجهي من الناس ِ ، وكأنّني أحدثتُ حدثاً ، أو اجترحتُ ذنباً .
اللهمّ ارحم بنان ، وهذه أوّل مرةٍ أو الثانيّة ُ التي أقولُ فيها اللهم ارحمها ، وإنّي لأرجو لها الرحمة َ ، ولكنّي لا استطيعُ أن أتصوّرَ موتها .
ولمّا صارَ عمرها أربع سنواتٍ ونصف السنةِ أصرّت على أن تذهبَ إلى المدرسةِ مع أختها ، فسعيتُ أن تقبلَ من غير ِ أن تسجلَ رسمياً ، فلمّا كانَ يومُ الامتحان ِ ، ووزّعت الصحفُ والأوراقُ ، جاءتْ بورقةِ الامتحان ِ وقد كتبت لها ظاهرياً لتسرّ بها ولم تسجل عليها .
قلتُ : هيه ماذا حدث ؟ ، فقفزت مبتهجة ً مسرورة ً ، وقالتْ بلهجتها السريعةِ الكلماتِ المتلاحقةِ الألفاظِ : بابا كلّها أصفار أصفار ! ، تحسبُ الأصفارَ خيرُ ما يُنالُ .
وماذا يهمُّ الآن بعدما فارقت الدنيا أكانت أصفاراً أم كانت عشراتٍ - والدرجة ُ الكاملة ُ عندنا عشرة ٌ - ؟ ، وماذا ينفعُ المسافرَ الذي ودّعَ بيتهُ إلى غير ِ عودةٍ ، وخلّف متاعهُ وأثاثهُ ، ماذا ينفعُه طرازُ فرش ِ البيتِ ولونهُ وشكلهُ ؟! . "
تمّت
منقول
أضع رِثاءً للطنطاويِّ - رحمهُ اللهُ - في بنتهِ بنان ، كلمات رائعة محرقة .. اقرؤها وتمعنوا في سطورها .... فاجعة !!
يقولُ :
" وهذه أول مرةٍ أذكرُ فيها اسمها ، أذكرهُ والدمعُ يملأ عيني ، والخفقانُ يعصفُ بقلبي ، أذكرُ أول مرةٍ بلساني ، وما غابَ عن ذهني لحظةٍ ، ولا صورتها عن جناني ،
لمّا قضى اللهُ فيها ما قضى ، سألوني في نقلها ، قلتُ : لا ، بل توسّدُ حيثُ أراد اللهُ لها أن تُستشهدَ ، لأنّ نقلَ الميّتِ لا يجوزُ ، وما أحفظُ أنّه روي عن أحدٍ من السلفِ ..... ،
وقالَ أتبكي كلَّ قبر ٍ رأيتهُ ؟ .......... لقبر ٍ ثوى بين اللوى والدكادكِ
فقلتُ لهُ إنّ الشجى يبعثُ الشجى .......... فدعني فهذا كلّه قبرُ مالكِ !
أفكانَ متمّم بن نويرة أشدُ حباً لأخيهِ مالك ، من حبي لبنتي ؟! ،
وإذا كان يجدُ في كل قبر ٍ يمرُّ بهِ قبرَ مالكٍ ، أفتنكرونَ عليَّ أن أجدَ في كلِّ مأتمٍ مأتمها ؟! ، وفي كل خبر ِ وفاةٍ وفاتها ؟! ، وإذا كان كل شجى يثيرُ شجاه لأخيهِ ، أفلا يثيرُ شجاي لبنتي ؟! ، إن كل أبٍ يحبُ أولادهُ ، ولكن ما رأيتُ – لا واللهِ ما رأيتُ – من يحبُّ بناتهِ مثلَ حبّي بناتي .
ما صدّقتُ إلى الآن وقد مرّ على استشهادها أربعُ سنواتٍ ونصف السنةِ ، وأنا لا أصدقُ بعقلي الباطن أنّها ماتتْ ، إنّني أغفلُ أحياناً فأظنُّ إنْ رنَّ جرسُ الهاتفِ أنّها ستعلمني على عادتها بأنها بخير ٍ ، لأطمئنَ عليها ، تكلمني مستعجلة ً ترصفُ الكلامَ رصفاً ، مستعجلة ً دائماً ، كأنّ الردى لن يُبطأ عنها ،
وأنّ هذا المجرمَ ، هذا النذلَ ... هذا الـ ... يا أسفي ! ، فاللغة ُ العربية ُ على سعتها تضيقُ باللفظِ الذي يُطلقُ على مثلهِ ، ذلكَ لأنّها لغة ُ قوم ٍ لا يفقدونَ الشرفَ حتى عند الإجرام ِ ،
إنّ في العربيةِ كلمات النذالةِ والخسةِ والدناءةِ ، وأمثالها ، ولكنّ هذه كلّها لا تصلُ في الهبوطِ إلى حيثُ نزلَ هذا الذي هدّدَ الجارة بالمسدّس ِ حتى طرقت عليها البابَ لتطمئنَ فتفتحَ لها ، ثم اقتحمَ عليها ، على امرأةٍ وحيدةٍ في دارها ، فضربها ضربَ الجبان ِ ، والجبانُ إذا ضربَ أوجعَ ، أطلقَ عليها خمسَ رصاصاتٍ تلقتها في صدرها وفي وجهها ،
ما هربتْ حتى تقعَ على ظهرها ، كأنّ فيها بقية ً من أعراق ِ أجدادها الذينَ كانوا يقولونَ :
ولسنا على الأعقابِ تدمى كلومنا .......... ولكن على أقدامنا تقطرُ الدما
ثمّ داس الـ .... لا أدري واللهِ بم أصفهُ ؟! ،
إن قلتُ المجرم ، فمن المجرمينَ من فيهِ بقية َ من مروءةٍ تمنعهُ من أن يدوسَ بقدميهِ النجستين ِ ، على التي قتلها ظلماً ليتوثقَ من موتها ، ربّما كان في المجرم ِ ذرة ٌ من إنسانيةٍ تحجزهُ عن أن يخوضَ في هذه الدماءِ الطاهرةِ التي أراقها ، ولكنّهُ فعلَ ذلك كما أوصاهُ من بعثَ بهِ لاغتيالها ، دعسَ عليها برجليهِ ليتأكدَ من نجاح ِ مهمّتهِ ، قطعَ اللهُ يديهِ ورجليهِ ، لا ! ، بل أدعهُ وأدعُ من بعثَ بهِ للهِ ، لعذابهِ ، لانتقامهِ ، ولعذابُ الآخرةِ أشدُّ من كل عذابٍ يخطرُ على قلوبِ البشر ِ .
لقد كلمتها قبل الحادثةِ بساعةِ واحدةٍ ، قلتُ : أين عصام ؟ ، قالتْ : خبّروهُ بأنّ المجرمينَ يريدونَ اغتيالهِ وأبعدوهُ عن البيتِ ، قلتُ : كيف تبقينَ لوحدكِ ؟ ، قالتْ : بابا لا تشغل بالك بي ، أنا بخير ٍ ، ثِقْ واللهِ يا بابا أنا بخير ٍ ، إنّ الباب لا يفتحُ إلا إن فتحتهُ أنا ، وأنا لا أفتحُ إلا إن عرفتُ من الطارق وسمعتُ صوتهُ ، إنّ هنا تجهيزاتٍ كهربائية تضمنُ لي السلامة َ ، والمسلِّمُ هو اللهُ .
ما خطرَ على بالها أنّ هذا الوحشَ ، هذا الشيطانَ ، سيهدّدُ جارتها بمسدسهِ حتى تكلمها هي ، فتطمئنُ ، فتفتحَ لها البابَ ،
مرّت الساعة ُ فقرع جرسُ الهاتفِ ، وسمعتُ من يقولُ لي : كلّم وزارة الخارجية ، قلتُ : نعم ! ، فكلّمني رجلٌ أحسستُ أنّه يتلعثمُ ويتردّدُ ، كأنّه كلف بما تعجزُ عن الإدلاءِ بهِ بلغاءُ الرجال ِ ، بأن يُخبرني ... كيف يخبرني ؟ ، وتردّدَ ورأيتهُ بعين ِ خيالي ، كأنّهُ يطلبُ منجى من هذا الموقفِ الذي وقفوهُ فيهِ ، ثمّ قالَ : ما عندكْ أحد أكلّمه ؟ ، وكانَ عندي أخي ، فقلتُ لأخي : خذْ اسمع ما يقول ، وسمعَ ما يقولُ ، ورأيتهُ ارتاعَ ممّا سمعَ ، وحارَ ماذا يقولُ لي ، وكأنّي أحسستُ أنّ المخابرة َ من ألمانيا ، وأنّه سيلقي عليَّ خبراً لا يسرّني ، وكنتُ أتوقعُ أن ينالَ عصاماً مكروهٌ ،
فسألتهُ : هل أصابَ عصاماً شيءٌ ؟ ، قال : لا ، ولكنْ ... ، قلتُ : ولكن ماذا ؟ ، عجّل يا عبده فإنّكَ بهذا التردّدِ كمن يبترُ اليدَ التي تقرّرَ بترها بالتدريج ِ ، قطعة بعد قطعةٍ ، فيكونُ الألمُ مضاعفاً أضعافاً ، فقلي وخلّصني مهما كانَ سوءُ الخبر ِ ،
قال : بنان ، قلتُ مالها ؟ ، قال ، وبسطَ يديهِ بسطَ اليائس ِ الذي لم يبقَ في يدهِ شيءٌ ، وفهمتُ وأحسستُ كأنّ سكّيناً قد غُرسَ في قلبي ، ولكنّي تجلدتُ ، وقلتُ – هادئاً هدوءاً ظاهريّاً ، والنّارُ تضطرمُ في صدري - : حدّثني بالتفصيل ِ بكل ما سمعتَ ،
فحدّثني ، وثقوا أنّني لا أستطيعُ مهما أوتيتُ من طلاقةِ اللسان ِ ، ومن نفاذ البيان ِ ، أن أصفَ لكم ماذا فعلَ بي هذا الذي سمعتُ .
وانتشرَ في الناس ِ الخبرُ ، ولمستُ فيهم العطفَ والحبَّ والمواساة ، من الملكِ – حفظهُ اللهُ ووفقّهُ إلى الخير ِ - ، ومن الأمراءِ ، ومن الأدباءِ والعلماءِ ، ومن سائر ِ الناس ِ ، وقد جمعتُ بعضَ ما وصلَ إليَّ منها ، وتحت يدي الآن أكثرُ من مئتي برقيةٍ تفضّلَ أصحابها فواسوني بها ، وأمامي الآن جرائدُ ومجلاتٍ كتبت عن الحادثةِ كتابة صدق ٍ وكتابة َ عطفٍ ، وفيها تسلية ٌ لو كان مثلي يتسلّى بالمقالاتِ عمّا فقدَ ، حتى الجرائدُ الأجنبيّة ُ ، وهذه ترجمة ُ مثالةٍ نُشرتْ في جريدةٍ لا أعرفها ، لأنّي لا أقرأ الإنجليزية ، جريدة ُ الأوبزيرفر الأسبوعية بتاريخ 22/3/1981 بقلم الكاتب باتريك سيل .
حتّى الأجانبُ الذين لا يجمعني بهم دينٌ ولا لسانٌ عطفوا عليَّ ، واهتموا بمصابي ، وأنكروا الحادثَ ، وقالوا فيها كلمة الحق ، وممّن تربطني بهم روابطُ الدم ِ واللسان ِ لم يأبهوا لما كانَ ، بل لقد صنعوهُ هم بأيدهم ، إلى الله أشكوهم .
وصلتْ هذه البرقياتُ ، وجاءتني هذه الصحفُ ، وإنّها لمنّة ممن بعثَ بها وممّن كتبَ ، يعجزُ لسانُ الشكر عن وفاءِ حقها ، ولكنّي سكتُ فلم أشكرها ، ولم أذكرها ، لأنّ المصيبة عقلتْ لساني ، وهدّت أركاني ، وأضاعتْ عليَّ سبيلَ الفكر ِ ، فعذراً وشكراً للملكِ والأمراءِ جزاهم الله خيراً ، ولكل من كتبَ إليَّ ، وأسألُ الله أن لا يبتليَ أحداً بمثل ِ هذا الذي ابتلاني بهِ .
كنتُ أحسبني جلداً صبوراً ، أثبتُ للأحداثِ ، وأواجهُ المصايبَ ، فرأيتُ أنّي لستُ في شيءٍ من الجلادةِ ولا من الصبر ِ ولا من الثباتِ .
صحيحٌ أنّه :
ولا بدّ من شكوى إلى ذي مروءةٍ .......... يواسيكَ أو يُسليكَ أو يتوجّعُ
ولكنْ لا مواساة في الموتِ ،والسلوّ مخدّرٌ أثرهُ سريعُ الزوال ِ ، والتوجّعُ يُشكرُ ولكنّهُ لا ينفعُ شيئاً .
وأغلقتُ عليَّ بابي ، وكلّما سألوا عنّي ابتغى أهلي المعاذير ، يصرفونهم عن المجيء ، ومجيئهم فضلٌ منهم ، ولكنّي لم أكنْ أستطيعُ أن أتكلّمَ في الموضوع ِ ، لم أردْ أن تكونَ مصيبتي مضغة الأفواهِ ، ولا مجالاً لإظهار ِ البيان ِ ، إنّها مصيبتي وحدي فدعوني أتجرّعها وحدي على مهل ٍ .
ثمّ فتحتُ بابي ، وجعلتُ أكلّم من جاءني ، جاءني كثيرٌ ممّن أعرفهُ ويعرفني ، وممّن يعرفني ولا أعرفهُ ، وجعلتُ أتكلمُ في كل موضوع ٍ إلا الموضوعَ الذي جاءوا من أجلهِ ، استبقيتُ أحزاني لي ، وحدثتهم كلّ حديثٍ ، حتى لقد أوردتُ نكتاً ونوادرَ ،
أتحسبونَ ذلكَ من شذوذِ الأدباءِ ؟ ، أم من المخالفاتِ التي يريدُ أصحابها أن يعرفوا بها ؟ ،
لا واللهِ ، ولكن الأمر ما قلتُ لكم ،
كنتُ اضحكُ وأُضحكُ القومَ وقلبي وكل خليةٍ في جسدي تبكي ، فما كل ضاحكٍ مسرورٌ :
لا تحسبوا أنّ رقصي بينكم طرباً .......... فالطيرُ يرقصُ مذبوحاً من الألم ِ
كنتُ أريدُ أن أصفَ لكم ما بقلبي ، ولكن هل تركَ لي الشعراءُ مجالاً للحديثِ عن قلبي ؟ ، هل غادرَ الشعراءُ من متردّم ِ ، لقد جمعوا في الباطل ، في الخيال ، كل صورةٍ للقلبِ تصنعها الأحزانُ المتخيّلة ُ ، حتى لم يبقَ شيءٌ لمفجوع ٍ صادق ٍ مثلي .
قالوا : إنّ الحبيبة َ سرقتْ قلبي ، صدّعت قلبي ، أخذت قلبي ، سكنت قلبي ، أبكتْ قلبي ، حتى لقد جعلَ ذلك النحويونَ مجالاً لإثباتِ قواعدهم ، فقالوا في شعرهم السخيفِ :
يا ساكناً قلبي المعنّى .......... وما لهُ فيهِ قطُّ ثاني
لأي معنى كسرت قلبي .......... وما التقى فيه ساكنان ِ
والشعراءُ الذي رثوا أولادهم ، لقد وردوا النبعَ قبلي فاستقوا وملؤوا حياضهم ولم يدعوا لي إلا الثمالة والعكر ، : ابن الرومي في رثاءِ ولده ، والتهامي ، والشاعرة ُ التي لم يقلْ أحدٌ في وصفِ مصابهِ في ولدٍ مثل الذي قالت في بنتها ، عائشة التيموريّة ، أخت العالم الباحث : أحمد تيمور ، اقرؤوا قصيدتها فإنّها على ضعفِ أسلوبها ، قد خرجتْ من القلبِ لتقعَ في القلبِ ، وما أحسبُ أن امرأة استطاعتْ أن تصوغَ عواطفها ألفاظاً ، وأحزانها كلماتٍ ، كما فعلتْ عائشة ُ ،وابنُ الزيّاتِ الوزيرُ وما قال في ولدهِ ، والزياتُ الذي لم يكن وزيراً ، ولكنّهُ كانَ أكبر من وزير ٍ لما رثى ابنه رجاء ،
والدكتورُ حسين هيكل لمّا شغلَ نفسهُ عن حزنهِ بإنتاج ِ كتابِ ( ولدي ) ، فاقرؤوا كتاب ( ولدي ) ، فإنّه وإن لم يصف لكم مدى أحزانهِ ، فقد كان أثراً من آثار ِ أحزانهِ ، ومالي أضربُ الأمثالَ وأنسى مصابَ سيّدِ الخلق ِ ، وأحبِّ العبادِ إلى اللهِ ، محمّدٍ عليهِ الصلاة ُ والسلامُ حينَ أصيبَ بولدهِ .
إنّ في السيرةِ يا أيّها الإخوان قصصاً كاملة ، فيها كل ما يشترطُ أهل القصص ِ من العناصر ِ الفنيةِ ، وفيها فوق ذلكَ الصدقُ ، وفيها العبرة ُ ، فاقرؤوا خبرَ ولد بنتهِ عليهِ الصلاة ُ والسلامُ الذي ماتَ أمامهُ ، توفّي بين يديهِ فغسلهُ بدمعهِ ، إنّ دمعة رسول ِ اللهِ عليهِ الصلاة ُ والسلامُ أغلى عندنا من كل ما اشتملتْ عليهِ هذه الأرضُ .
إنّي لأتصوّرُ الآن حياتها كلّها مرحلة مرحلة ، ويوماً يوماً ، تمرُّ أمامي متعاقبة كأنّها شريطٌ أراهُ بعيني ، لقد ذكرتُ مولدها وكانت ثانية َ بناتي ، ولقد كنتُ أتمنّى أن يكونَ بكري ذكراً ، وقد أعددتُ أخلى الأسماءِ ، ما خطرَ على بالي أن تكونَ أنثى .
يقولون في أوروبا : حك جلد الروسي يظهر لك من تحته تتري ، ونحنُ مهما صنعنا فإن فينا بقية من جاهليتنا الأولى ، أخفاها الإسلامُ ، ولكن تُظهرُ طرفاً منها مصائبُ الحياةِ ، وكانوا في الجاهليةِ { إذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجههُ مسودّاً وهو كظيمُ يتوارى من القوم ِ من سوءِ ما بشّرَ بهِ : أيمسكهُ على هون ٍ أم يدسّهُ في الترابِ } ، وأنا لم أبلغْ أن أدسَّ بنتي في الترابِ ، ولكنّي أخفيتُ وجهي من الناس ِ ، وكأنّني أحدثتُ حدثاً ، أو اجترحتُ ذنباً .
اللهمّ ارحم بنان ، وهذه أوّل مرةٍ أو الثانيّة ُ التي أقولُ فيها اللهم ارحمها ، وإنّي لأرجو لها الرحمة َ ، ولكنّي لا استطيعُ أن أتصوّرَ موتها .
ولمّا صارَ عمرها أربع سنواتٍ ونصف السنةِ أصرّت على أن تذهبَ إلى المدرسةِ مع أختها ، فسعيتُ أن تقبلَ من غير ِ أن تسجلَ رسمياً ، فلمّا كانَ يومُ الامتحان ِ ، ووزّعت الصحفُ والأوراقُ ، جاءتْ بورقةِ الامتحان ِ وقد كتبت لها ظاهرياً لتسرّ بها ولم تسجل عليها .
قلتُ : هيه ماذا حدث ؟ ، فقفزت مبتهجة ً مسرورة ً ، وقالتْ بلهجتها السريعةِ الكلماتِ المتلاحقةِ الألفاظِ : بابا كلّها أصفار أصفار ! ، تحسبُ الأصفارَ خيرُ ما يُنالُ .
وماذا يهمُّ الآن بعدما فارقت الدنيا أكانت أصفاراً أم كانت عشراتٍ - والدرجة ُ الكاملة ُ عندنا عشرة ٌ - ؟ ، وماذا ينفعُ المسافرَ الذي ودّعَ بيتهُ إلى غير ِ عودةٍ ، وخلّف متاعهُ وأثاثهُ ، ماذا ينفعُه طرازُ فرش ِ البيتِ ولونهُ وشكلهُ ؟! . "
تمّت
منقول