المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أوراق من سيرة مظلمة



عبدالله البقالي
13-07-2002, 12:35 PM
إلى المهاجرة التي كانت وراء حضوري إلى هذا الموقع






هل جربت أن تعري نفسك ؟.. هل فتحت يوما جبهة ضد ذاتك و اخترقت المتاريس التي تختفي خلفها وجعلتها مكشوفة بلا غطاء ؟


ماذا يصنف فعل كهذا ؟ .. جرأة ؟.. مصالحة ؟.. خصام ؟.. تطهر ؟.. انتحار ؟. ثم ما الذي يدفع الإنسان على الإقدام على مثل هذا الفعل علما أن كل ما ترسب في داخله من خبرة و تجارب لم تعلمه غير إخفائه...

شهرة ؟.. متعة ؟.. البحث عن انسجام مفقود ؟.. انتقام من نفس مغرورة ....

كيف يعيش الإنسان حياته بعد أن تنتهي المصارحة وتنزاح عنه الأنظار ؟ ألن يعيش عقدة أخرى مع ذاته ؟ هل يتمكن بعد ذلك من فتح الأبواب ليعود إلى عالمه القديم الذي غادره قبل أن تهب عليه رياح الإعصار ؟..هل يتمكن من العودة إلى الحياة العادية ؟..


أسئلة كثيرة جالت بخاطري و أنا أفكر في فتح هذا الملف الذي كان محكم الإغلاق في ذاكرتي . تساءلت للمرة الألف عن جدوى ما سأقوم به ، خصوصا أن ذلك ما عاد له أية صلة بحاضري ، و لا أجد أية أهمية لما سأحكيه خصوصا و أن ذلك لم يكن تصرفا معزولا عن ما جرى على ارض الواقع .

لكني أعود لأتساءل ما إن كانت هناك ظروف مشابهة تتظافر اليوم لتشكل إعصارا جديدا قد يترك هو الآخر ضحايا . و بالتالي تكون هذه الاعترافات تنبيها و تحذيرا لما يمكن أن يحدث ... و أخيرا ما مقدار مسؤوليتي فيما حدث ؟.. ماذا كنت فيما عشته ؟.. ضحية ؟.. جلاد ؟...و الآخرين الذين زجوا بي في ذلك العالم الرهيب هل كانوا هم الآخرين ضحايا ؟...

مهما يكن فالحكاية ابتدأت عند منتصف طفولتي . لا شئ على الإطلاق كان ينبئ على أني مقدم على إعصار سيعصف بي بلا رحمة ، وسيدمر كل شئ سام فيها
.
المحيط الذي نشأت فيه كان على العكس مما كنت مقبل عليه .فالوسط الذي كبرت فيه أصر ومنذ القدم على أن ينتج نوعين من الرجال . الفقهاء و المقاتلين . والرقعة الجغرافية التي عشت فيها حبلت بعشرات الأضرحة و الأولياء . والوسط تميز باحترام شديد لكل ما له صلة بالدين .

لكن الزمن كان يسير بوثيرة سريعة لم تتمكن الهياكل القديمة على مجاراتها ، و لم تجد بدا من التخلف عن الركب و بالتالي صارت بعد مدة خارج الزمن.

على العكس من ذلك كانت المدرسة العصرية قد همشت كليا التعليم الديني الذي كان سائدا من قبل . فتغير أسلوب الحياة و انفتاح المجتمع على آفاق جديدة و المكانة الاجتماعية التي صار خريجوها يتمتعون بها ، كل هذا جعل الجميع يتهافت على خدمات المدرسة التي صارت السلم الوحيد للرقي اجتماعيا بالنسبة للفئات الدنيا . و الجميع صار ينظر إليها كمخرج و بالتالي صبغ عليها نوع من القداسة ، غير مهتمين بما يجري داخلها.


سنواتي الأولى فيها كانت عادية و منسجمة مع الجو الذي عشت فيه من قبل ،و لم أحس بأية قطيعة ،وما حصلته فيها كان متجاوبا مع طموح كائن كانت تطلعاته أكبر من المحيط المعزول لقرية مفقودة في رحاب ضائعة.


مادة التاريخ كانت رحلات حقيقية إلى عصور الإشراق .

الأسماء الكبيرة حفرت أعمق مكانة لها في القلوب .وهنا لا بد أن أشير إلى ان مدرس هذه المادة كان استثنائيا بكل المقاييس .ربما كان الوحيد الذي التحق بالمهنة بعد خضوعه لتدريب .

وهذا يعني أن جل المدرسين صاروا كذلك بالصدفة لأنهم كانوا في تاريخ معين يعرفون القراءة و الكتابة .

مدرس مادة التاريخ كان قد حمل جديدا بالفعل تمثل في خطاب و تعامل جيد منفتح ، فيه أوسع مكان لطفولة ما كان لها مكانا و لا حضورا في تفكير الكبار .

الأقسام كانت عبارة عن مخافر ومراكز للتعذيب . و التواطؤ كان يتم من قبل جميع الأطراف . المدرسة والبيت .كل الأهداف كانت نفعية و الغاية تبرر الوسيلة .

معلم التاريخ كان جزيرة داخل محيط هائج يعرف مناخا قارا . دروسه كانت عروضا مسرحية . كل شئ يستغل بمهارة متناهية .
الصوت كان يسمع عاليا في لحظات الحسم و اتخاذ القرار ويلين في لحظات الحوار أو التأمل ، و الحركات كانت ترسم بيانات تعبر عن ما يتأجج في الداخل ، اللغة ...
اذكر أننا كنا نتصايح فرحا حين كان المسلمون يحققون نصرا في غزوة لهم ن كما اذكر أن كل من في القسم بكى حين انهزم المسلمون في أحدى الغزوات
..
إلى ذلك الحين كنت لا أزال أسير في الطريق الصائب .


لكن حلول السنة النهائية من التعليم الابتدائي بعثرت كل الأوراق وعصف بكل ما ترسب في ذاكرتي من قبل.

الزمن كان نهاية الستينات و بداية السبعينات . المد التحرري الذي اجتاح العالم الثالث بأسره كان في الأوج .و الأفكار اليسارية التي طبعتها الماركسية كانت قد حققت أوسع انتشار لها حتى أن أي مثقف غير يساري لم تكن لتباح له الفرصة للتعبير عن وجهة نظر معاكسة . و الرجعية و التخلف صارت سمة كل من لا يعتنق الفكر الماركسي .

بمقابل هذا كان هناك زحف من نوع آخر . الغرب و بعد حربه الاستعمارية ، و بعد ترسيخه للتبعية الاقتصادية عمد إلى شن حرب جديدة عرفت بــ "الغزو الثقافي". وقد هدفت الحرب الجديدة إلى تهميش الثقافات المحلية ودفع الناس إلى تبني الثقافة البديلة على اعتبار أن الأولى متقادمة و لا تساير العصر.

الرياح كانت تهب من كل صوب ، وأي تقدم لجهة ما اكن يعني تراجع الثقافة الأصلية وتراجعها.

بالنسبة لي كنت في هذه المرحلة عند نهاية طفولتي الثانية ومقبل على فصل ساخن من مراهقة لم تكن عادية .

المراهق يواجه أول ما يواجه البحث عن إثبات الذات وإفهام الآخرين انه لم يعد طفلا .

اعتراف لا ينتزع بسهولة خصوصا إذا كان المطالب بهذا الأخير يظل ينظر لمن هو اصغر منه على انه صغير حتى و لو عمر دهورا . المراهق من اجل أن ينتزع هذا الاعتراف يضطر إلى أن يدوس كل شئ بما في ذلك المثل التي يقدسها الكبار . ومن ثم قد ينفجر صراع قد يضيع فيه كل شئ . لكن ما علاقة هذا بما سبق ؟

في نهاية مرحلتي الابتدائية كان لي مدرسان .مدرس اللغة العربية وقد كان من دعاة الاشتراكية . ومدرس اللغة الفرنسية وقد كان علمانيا صرفا.


التغيير الكبير الذي غير مسار حياتي وطبع حياة كل من تتلمذوا هناك في تلك الفترة كان لمعلم اللغة الفرنسية . كان معوقا . عاش في الحضيض فسبب وضاعة مستوى أسرته. وكان من الفئة التي لم تجد أسرته ما تدفعه كرشوة من اجل إخراجه من المدرسة استجابة للنداء الداعي لمقاطعة المدرسة الاستعمارية .

حين تخرج كمدرس مارس في سلوكه عدوانية لا توصف ، وكراهية لكل موروث . كان قاس وغليظ الطبع . ولأن المجتمع كان هو الآخر عنيفا فقد صار هو المدرس الممتاز مادام يمارس اكبر قدر من العقاب و اشد أنواع القصاص . وبذلك رسم لنفسه سطوة فاقت كل تصور وجعلت كلمته لاتعلوها كلمة
و آراؤه لا تخضع لأي جدال ، و أفكاره تؤخذ على أنها الحقيقة التي لا تسمو عليها حقيقة أخرى .

من هذا الموقع انطلق يهدم ما ترسب في العقول ويبشر لمدنيته الجديدة . كان من أشد المعجبين بـ "أتاتورك" . حكى عنه مئات القصص التي تمجده وتنوه بفكره ، وتصور اصطدامه مع الفكر القديم الذي لم يكن غير الإسلام من حكاياته التي لا زالت محفورة في ذاكرتي هذه كمثال.




"
تولى زعيم من الزعماء الحكم في إحدى الدول الإسلامية . وانصرف يفكر في تقدم بلاده.لا حظ في هذا الصدد أن الناس لا يعملون و يصرفون كل أوقاتهم جالسين في الأحاديث الفارغة أو في المساجد وينتظرون من الله أن يفعل شيئا من اجلهم . فاستنتج أن الإشكال سببه الدين ، وهو المسؤول عن التأخر و التخلف .

فكر في حل ثم استدعى جميع من يعتبر عالما لدى عامة الناس . فجمعهم و ذهب بهم إلى سفح جبل . وطلب منهم أن يبذلوا كل ما في وسعهم لكي يتهدم الجبل ، وأمهلهم لبضعة أيام . وهي مدة قضاها العلماء في الذكر و دعوة لله كي يستجيب ويهدم الجبل . وحين انتهت المهلة . عاد الزعيم ووجد الجبل على حاله . فأصدر أوامره للطائرات و الدبابات أن تقصف الجبل . وما هي إلا ساعات حتى كان الجبل قد سوي بالأرض . وبعد ذلك سأل الزعيم العلماء : هل القرآن ودعواتكم هي التي هدمت الجبل ؟

من ذلك اليوم أمر الزعيم بإغلاق المساجد و تغيير كل شئ بما في ذلك الزي الذي يوحي بالدين أو الماضي.

"



تصوروا وقع كلمات و حكايات كهذه في زمن ما كان يحتاج أصلا إلى ذلك ..وتصوروا مدى التأثير الذي يمكن أن يمارسه هذا على أطفال مقبلين على مرحله صعبة كانوا في الأصل يبحثون عن تميز ليثبتوا أنهم ما عادوا صغارا.



لندع الآن معلم اللغة الفرنسية و لننتقل إلى معلم اللغة العربية

معلم اللغة العربية لم يكن ليساوي شيئا في ظل تواجد معلم اللغة الفرنسية . فهو لم يكن قاسيا من جهة ، وحتى لو كان العكس ، فقد كنا قد تعلمنا أن نحتقر كل ما يمت لواقعنا بصلة .

فالإنسان الناجح و الطفل المجتهد كانت الكتب المدرسية تصوره يلبس لباسا عصريا عكس الإنسان البليد و التلميذ المتخلف فهو يلبس جلبابا و يضع على رأسه عمامة أو قلنسوة . أي انه لم يكن سوى نموذج منبعث من تاريخنا وواقعنا . و لهذا ودون أن ندري كان قد ترسخ في دواخلنا احتقار لكل ما يمت لنا بصلة وتعظيم كل ما يفد إلينا من الخارج .

تأثير معلم اللغة العربية كان ينطلق من أرضية أخرى لكنها أكثر صلابة . لأن ما كان يدعو إليه كان له انعكاس مباشر على أوضاع حياتنا .وتتجاوب مع طموحات واقع بئيس . في كل مناسبة كان يتحدث عن مجتمع تذوب فيه الفوارق الطبقية لتسود العدالة الاجتماعية . أفكار كانت تبهر . لكنها ما عادت مجرد أفكار . صارت طموحا وبديلا لمجتمع يعمه الظلم الذي يزكيه الدين .

لم نكن ندرك التفاوت الحاصل بين أفكار معلم اللغة الفرنسية ومعلم اللغة العربية . لكن كان هناك إجماع على أن الدين مادة قديمة لا تصلح للعصر




.............................. ................. يتبع

المهاجرة
13-07-2002, 06:28 PM
عمت جمالا :)

أظننا نفلح بعض الشيء في التعبير عن أحزاننا

أمّا إحساس الفرح لا أعرف قد يعبر عنه هذا الرمز :) !!!







أستاذي الكبير ..

أنتظر التتمه بشغف





دمت بعطاء
..............ابنتك

BackShadow
14-07-2002, 05:36 PM
اسعدتم مساء جميعاً


عزيزي البقالي

في البداية احب ان ارحب بك بيننا هنا

واتمنى ان تستمتع بالمشاركة معنا

وتأكد باننا كلنا شغف لمتابعة ما ستنثرة من درر بيننا


واعتقد بانك قد بدأت مباشرة في ابداعاتك


كلي شوق لمتابعة قصتك .. والتي تمثل قصة جيل كامل :SMIL:



كما لا يفوتني ان اشكر المهاجرة

التي كانت قد احسنت الاختيار والدعوة :SMIL:


اشكرك مره أخرى ..


مع تحياتي

عبدالله البقالي
15-07-2002, 12:48 PM
شكرا لك على دعوتك الجميلة . واتمنى ان تجد في هذا الاسهام بعض ما توقعتيه مني . و الى اللقاء مع الحلقات الموالية .

عبدالله البقالي
15-07-2002, 03:21 PM
القاطرة المجنونة

ما الذي يمكن أن يشعر به فتى بدوي وهو في طريقه لأول مره إلى المدينة ؟..أكيد أن الإحساس سيكون متقاربا بين مختلف الأشخاص إذا كان الأمر يتعلق بزيارة عابرة . لكن الصورة قد تتغير كليا إن كان ذلك يعني هجرة نهائية .

ذلك اليوم انتظرته طيلة السنوات التي انصرمت من عمري ، و يمكنني القول أني عشت كل ما قبله من زمن في انتظار حلوله .

إنهاء الدروس في المدرسة الابتدائية في القرية كان يحتم على من يرغب في المتابعة أن ينتقل إلى مكان آخر بعيدا عن الأسرة و مهد الطفولة . لذا كنت أحس و أنا أقطع المشوار الفاصل بين الماضي و المستقبل أن جدارا غير مرئي كان يرتفع ليفصل وإلى الأبد بين ما عشته و بين ما سأعيشه. لكني لم أدرك قيام فاصل آخر حال بين رؤية طفولية بريئة للوجود وأخرى صاغتها تقلبات عالم حابل بالتغير و المتاهات.

حب استطلاعي لمعرفة ما يجري في العالم البعيد و تشوقي للغوص في تفاصيله أغشى بصيرتي على حقيقة مفادها أن أجمل صفحة من حياتي كانت تطوى ، و أنه كان يتوجب علي أن أكون حزينا خصوصا وقد كنت مقبلا على ركوب قاطرة مجنونة ستمضي بي قدما على طريق الجحيم.


أذكر جيدا ماذا كنت ألبس في ذلك السفر الذي احتجت فيه لأمي لآخر مرة مثلما أذكر زيها هي الأخرى .

أصررت أن أجلس جهة النافذة ، كان يروق لي أن أرى الأشجار و الأعمدة وكل الأشياء تركض إلى الخلف و تتوارى .
وكنت أترنم بمقاطع لأغنية كانت تذاع في الصباحات التي صارت قديمة .
أمي رغم صلابتها التي كانت تصل حد الشدة كانت تبدو حزينة تلك اللحظة . ربما كان ذلك من اجلي .
هل كانت تدرك أننا كنا نقطع آخر مشوار لنا سويا ، وأنها بعد ذلك لن تلقاني و لن تجد أي أثر لبصماتها في حياتي ؟


لم احتج إلى وقت طويل لكي أتأقلم مع أجواء المدينة . ربما لأني كنت مهيأ لذلك الانتقال منذ زمن بعيد . لكني رغم ذلك أحسست بالفراغ غير أنه لم يصل بي حد التفكير في العودة إلى القرية التي صرت أجد شخوصها بسطاء أكثر مما كان يجب .
كنت على وشك أن أنسى علمانية مدرس اللغة الفرنسية و اشتراكية مدرس اللغة العربية حين وجدت نفسي في أجواء أخرى .

الحركات و الأفكار اليسارية كانت قد غزت كل البقاع ووصلت حدا من القوة أنها صارت تطرح و بكل جرأة كل أفكارها بما في ذلك التي تتضارب في العمق مع الحقائق الدينية .

سمعت من أناس لا يمكن و صفهم بالجنون أفكارا أذهلتني . بقيت مشدوها و أنا اسمع أن لا وجود لشيء اسمه "الله" . و أن هذا الأخير إن ثبت أن له وجود فأكيد أنه خلق هذا الكون ثم نسيه .

يصعب علي أن أستعيد ردة فعلي على ما سمعته . أذكر أن الخوف داهمني ، وأني أحسست بالإشفاق على أولئك الناس ، و أني تصورت أي عذاب ينتظرهم . غير أني لم أستطع أن أهرب بعيدا . وردة فعلي كانت مجرد إحساس يعقب عادة الصدمات الأولى وبداية مرحلة تراكم طويل .

لم يكن لي من ملجأ سوى عالمي القديم . لكن مخلفاته التي ركامها داخلي صرت أجدها متهالكة وغير قادرة على تحصيني و السير معي طويلا . كنت أتوقف عند أشياء أخرى افتقدتها في عالمي الجديد . استعيد العلاقة المطبوعة بالروحانية التي أقرأها في الوجوه القديمة . أسترجع الدفء الذي كانت تمنحني إياه جدتي في جلساتها وهي تحكي حكاياتها الغرائبية . أتوقف عند هدوء ووقار الكهول . الطمأنينة التي كانت عليهم في سلوكهم وهم على أبواب المساجد أو قادمين من المصلى . أحاسيس كانت تجعلني أتساءل على ضوء ما سمعت.. أكل أولئك انخدعوا ؟..هل هذا الاكتشاف المتأخر قادر على أن يمنح إحساس مماثلا أو يزيد عن ما عاشه الناس في كل الدهور التي مرت ؟.. وعدم وجود رب أليس يعني أنه لن يكون هناك بعث و بالتالي المصير هو الفقد و الذوبان في عدم مطلق ؟ ..

عز علي أن أتصور أني سأتحول إلى لا شيء . أردت أن أطرد كل هذه الأفكار التي كانت تحاصرني و تتحول إلى ألسنة لهب على إيقاع تساؤلاتي . وحده مدرس مادت التاريخ من كنت أجد تذكره مفيدا لأنه كان الأقدر على دفعي للصمود ...آه كم كنت في حاجة في تلك اللحظات إلى وجود شخص مثله إلى جانبي ...كم كنت في حاجة إلى كلمة منه .

في طريقي إلى المحطة الموالية كنت أسمع صفير قاطرة قادمة من بعيد ، وكلما اقتربت أكثر كلما تباعد صدى الأصوات القديمة
تناهى إلي في ذلك الخضم ما هو أهم من السابق .الأفكار الجديدة أفادت أن "الله" هو مجرد فكرة ابتدعتها الفئات المسيطرة اجتماعيا لصرف أنظار الفئات المحرومة بعيدا عن مصالحها . إذ باعتقاد هذه الفئات بوجود عدالة في عالم آخر سيصرف ذلك نظرها عن المطالبة بتحقيقها في الدنيا ، وبذلك ستهدأ وتحمل مطالبها إلى يوم لن يأتي أبدا . وبذلك ستنفرد هي بخيرات الدنيا.

حقدي الأعمى على الفئات العليا الذي كان قد ترسب منذ طفولتي البئيسة جعلني أتبنى الفكرة هذه المرة من غير تردد .
وأذكر أني صرت بعد ذلك أبحث عن تجليات للفكرة على ارض الواقع . أنظر للتعساء الذين يشقون من اجل إطعام سادتهم ويبقون هم جياع .أنظر لأولئك الفيلة التي هي بتلك الضخامة كيف لا تفكر في أن تدوس مروضها الذي هو في حجم حشرة . وعن الشيء الذي يبطأ بصيرتهم وقوتهم و ما الذي يجعلهم يتجهون بشكاياتهم إلى جهة مجهولة .

اهتزت قناعاتي .. سحرت .. لم ينبهني سوى صفير القاطرة التي كانت في الانتظار .

تعرفت على "داروين" . أخطر شيء يمكن أن يترتب عن المعرفة هو بلا أدنى شك حين يصير الوسيط الناقل لها أكثر أهمية من قيمة المعرفة نفسها.

حكاية التحول أو التطور كانت زلزلا حقيقيا في تفكيري .لا أعرف كيف أخذت الفكرة على أنها بديهية مسلم بها لا تناقش . أشياء خطيرة تسارعت في ذهني على إيقاع سرعة القاطرة التي كانت قد أقلعت بعد أن انفتحت أبواب الإلحاد على مصراعيها في وجهي .
أن يكون الإنسان من شيء آخر غير التراب ، وغير نزوله من السماء فهذا يعني أن آدم وحواء و الشيطان و الملائكة و النجوم و السماوات و الأرض كلها مجرد حكايات في كتب هي من تأليف مؤلف لا علاقة لها بأية قوة

هكذا كان استنتاجي و أنا أزج بنفسي أو تزج بي نفسي في طريق الجحيم على إيقاع سرعة القاطرة التي كانت قد رفعت من الوثيرة لتصل إلى مستوى خرافي وتتوقف في محطة أخرى .

تعرفت على قانون الجدل ، قوام الماركسية و عمودها الأساسي الذي انبنت عليه طروحاتها في تفسير التاريخ .

الحلقة الأولى تبدأ بالمجتمع المشاعي و آخر حلقة في التطور تنتهي في المجتمع الشيوعي . كل شيء يحدده من يمتلك وسائل الإنتاج . وكل طبقة تخلق معها الطبقة النقيضة التي ستكون سبب فنائها . الحلقات متماسكة وعوامل التطور كلها تنهل من مصدر واحد هو انبعاثها من أرض الواقع . لا مجال و لا مكان لتدخل قوة غيبية في تحويل مسار التاريخ . كل شيء محسوب و معروف و بالتالي لا مكان للمعجزات . الطوفان و انحصار البحر وغيرها من المعجزات هي مجرد خيالات ..


القاطرة كانت قد أقلعت من جديد بعد أن صارت محركاتها تعمل بمصدر طاقة من الداخل . صفيرها صار حدا أكثر مما كان . الركاب الذين كانوا داخلها ما كانوا يسمعون شيئا .ربما لأن مسامعهم و أبصارهم كانت قد تعطلت و صارت مأخوذة بأشياء أخرى .

أستطيع الآن و أنا أنظر إلى تلك الصور من هذا العلو الشاهق أن استعيد أحاسيسي مثلما انتابتني و أنا أزج بنفسي في تلك الدروب المظلمة .

تلك الظلمة التي ازدادت قتامة مع تعرفي على أفكار "جوليان هكسلي". الأفكار التي دكت آخر معقل في تفكيري الذي كانت ما تزال فيه بعض الخلايا الحية ..

بعدها لم تتوقف القاطرة ثانية . سكتها كانت فارغة بل إنها ما عادت تحتاج في الأخير إلى سكة . صارت تمضي في كل اتجاه . في عبورها كانت تأتي على كل شيء . الأخضر و اليابس ولا تخلف وراءها غير الرماد و القحول.

الطفل البريء الذي كنته كان قد مات داخلي . بأصابعي ضغطت على حلقه . لم تصلني توسلاته لأني ما عدت أسمع . لم ألحظ عيونه وهي تجحظ و تنطق بالرجاء لأني كنت لا أحس .

مرحلة التراكم كانت قد انتهت . و مرحلة التحول المريعة كانت ملامحها قد بدأت تلوح في الأفق بعد أن تحولت إلى ملحد لا أثر في قلبه لأي شعور بالأيمان





.............................. .............................. ... يتبع

المستشار
15-07-2002, 03:32 PM
أخي الكريم البقالي ..

مجرد حضور للترحيب .. والتصفيق من بعيد ..

شكراً لك .. لإمتعانا بقراءة ما سطرته لنا ..



ونحن في الإنتظــار .. :SMIL:

عبدالله البقالي
16-07-2002, 05:56 PM
أبـــــو لهـــب

هل كان أبو لهب يعيش صراعا مع ذاته قبل أن يعيش صراعا مع الآخر ؟.. من أين كان يستمد ذلك العداء الذي هو بلا مثيل ؟.. ولمن كان يدين في حربه ؟.. لطموحه الشخصي أم لعشقه للوثنية ؟

عن أي شيء كانت قهقهاته التي كانت تملأ الأمكنة تعبر ؟ هل الذي كان أمامه كان يستدعي فعلا الضحك أم انه فقط كان يحاول طرد الخوف الذي كان يحاصره ؟.

حين كان يمشي كيف كانت تبدو خطاه ؟ ..هل كانت قصيرة قصر نظره ؟ .. هل كانت واسعة و سريعة تعبر عن ثقة و إقدام خانه في النهاية ؟ وهل كنت أنا فيما سأحكيه مجرد جسد لروحه التي سافرت عبر العصور لتستوطنه ؟

كنت قد صرت شيوعيا أو هكذا أعتقد . الأديان بالنسبة لي كانت مجرد غطاء يخفي مصالح النخبة الاجتماعية ومهدئ يسكن أوجاع الفقر و الحرمان الذي كان يسكن جسد الفئة العريضة .وعلى العكس من الكثيرين الذي كانوا قد التحقوا بالتيار فقد كنت أدرك ما معنى أن تكون ماركسيا . الآخرون كانوا يتحدثون عن الدين كأفيون لكنهم في النهاية كانوا يصومون رمضان .

على هذا الأساس انطلقت في حملة مسعورة همت كل ما له علاقة بالدين . سخرت من القرآن وهزئت من الأحاديث وتهكمت على كل الأسماء التي طالما افتخرت بها وضحكت ممن يعتقد بالبعث . إلا أن تفكيري تركز على محاربة أفكار النخبة .

كنت لا زلت هادئا ومعتقدا بجدوى اختياري حتى ذلك الوقت . لكن حملة الاعتقالات التي طالت كل القيادات قلبت كل شيء ،وتركت فراغا مهولا لم يمتلئ قط . و الأمل الذي كان يلوح قريبا قد بات بعيدا بعد أن شق طريق المستحيل.

القيادات التي ظهرت من بعد كانت ضعيفة .وإحساسها بالضعف جعلها تكتفي فقط باحتراف تفصيل ما مضى من التاريخ مع ضبابية شديدة كلما تطرقت للحاضر و المستقبل . و للحفاظ على تواجدها اختارت المواجهة لكن بعيدا عن الجبهة الرئيسية المؤجلة .

النقاشات التي صارت هي كل شيء لم تنتج غير تباين وجهات النظر التي لم تفرخ بدورها غير فصائل منشقة .
والنجمية و البطولة صارت أن تتزايد الفصائل في المواقف وإبداء ما يكفي من الدهاء و القوة لمحاصرة المنافسين الذين تحولوا إلى خصوم ..

بدا كل شيء يتفسخ في لحظة . ونجوم النقاشات اهتدوا إلى شيء آخر و انغمسوا في تحويل الوافدات على التنظيمات إلى منحلات و حتى عاهرات تحت غطاء الدعوة إلى التحرر ومحاربة الموروث وصولا إلى شيوعية الجنس .

بدأت أحس إحساس خنزير بري فاجأه طلوع الصباح وهو بعيد عن الغابة فاحتار و لم يعرف أي طريق يسلك .

صرت أدرك أن مبررات ولوج ذلك العالم بدأت تتداعى وتتساقط . و الجسور التي كان يمكن أن تعيدني من حيث أتيت كنت قد دمرتها . كما أن القاطرة التي حملتني حيث كنت لم تكن مجدية ما دام أنها لا تسير إلا في اتجاه وحيد .

كنت أعي إن النصر لا يمكن أن يتحقق إلا بزحف جماعي . ولأن الجماعة كانت تتفتت فقد شققت طريقا منحرفا داخل الانحراف الكبير.
اقتنعت أن اشتعال الجبهة التي ارقني خمودها هو حساب خاطئ . وانه قبل ذلك يجب المرور بمعارك أخرى . وان مهاجمة الأفكار التي تصنع الخنوعين يجب أن تحتل الأولوية في أي عمل .

هل روح أبي لهب كانت قد وصلتني أخيرا ؟ هل كان قلبي قد ختم عليه ؟ ..

ما سأحكيه حدث في رمضان و بالضبط في نهار ليلة القدر . الوقت كان عصرا . لا يمكن أن أقول انه قد غرر بي . لقد كنت صاحب الفكرة . كنت وبضع شباب . اشترينا قنينة الكحول الخاصة بالمواقد . شربناها . وخرجنا للشارع فاقدي الوعي .و أمعانا في التحدي اتجهنا إلى باب المسجد.

إن تحدثت في البدء عن خطوات أبي لهب وقهقهاته فلأني كنت أحس إنها هي نفسها التي خطها في سيرته ، لقد كنت أقلدها بشكل دقيق كان سيدهش أبا لهب نفسه . وان كان من شيء احمد الله عليه الآن هو أن الناس كانوا اكبر من طيشي و حماقاتي ..

حين صحوت لم اذهب إلى المنزل . لم اقصد أي مكان يعرفني الناس فيه . أمسيت امشي و بت امشي وكأني كنت افر من تلك الواقعة التي ظلت تطاردني رغم مرور كل هذه السنين.

انتبهت و أنا أسير إلى أني ما عدت أستطيع الدفاع عن نفسي ، و أن السرعة القصوى لا يمكن أن تخلف غير الحطام . لكنه لم يكن حطام الآخر هذه المرة ، لقد كان حطامي أنا.. الصور كانت مريعة بين طفل يبكي في قسم التاريخ لكون المسلمين انهزموا في أحد و فتى اسكر في ليلة القدر نهارا ، كان فراغ مهول لا يستطيع أن يملأه حتى الخيال .بين روح يانعة مبتهلة لخالقها وبين أخرى جافة ميتة بالشرك و الكفر السؤال كان يفر من نفسه بسبب قتامة الجواب .

أكيد أن أمي قد بكت وأنها لزمت البيت لأيام لكونها لم تستطع أن تكشف وجهها للناس بسبب عملتي و مدرس التاريخ أكيد انه لم يصدق ما سمع ولم يجد غير أن يصرح انه لا يعرف تلميذا باسمي . و آخرون الذين يعرفونني لا بد أنهم اندهشوا و أكدوا أني تعرضت لعملية سطو كان ضحيتها ذاكرتي التي زيفت مخزوناتها..

المعركة الأشرس كانت قد انتقلت إلى داخلي . وبت لا اعرف أي جهة في صارت تحاصر الجهة الأخرى وصرت أجد نفسي أمام سؤال ملح لا يقبل التأجيل ..من أنا ؟

مجريات الأيام بعد ذلك كانت اشد سوادا ..حين حاولت الهروب لم أجد سوى بابا واحدا ظل مفتوحا في وجهي . انه المخدرات





.............................. .............................. ... يتبع

أرسطوالعرب
17-07-2002, 02:57 PM
سلام

تحية برائحة التناقضات......ومسك الحيرة....وعنبر التخبط....وعود الكلمات....

قد قرأت في صحيفة المدينة ...بإحدى أعدادها الماضية مقالة لكاتب لا أذكر إسمه جيداً...


إنما كان يتحدث بقسوة - مطلوبة - عن كاتب يتجه إلى كتابة (المذكرات)...

فكان يمسك بالكاتب جيداً....ثم يضمه بشده...!

فيرفعه عن الأرض....كي يكون سقوطه سريعاً......والسرعة حتماً ستخلفه حطاماً....

وأبدى كاتب المقالة وجهة نظره عن كاتب المذكرات ....أن من أهم سماته....

ألا ينفي عن بطولته السقطات....ولايمجدها في أكثر من سطر !!

أعجبني بعض ما طرحه....وأضحكني باقي مقالته...

على أي حال..

لا أخفيك أيها البقالي....أنني إستمتعت رغماً عني....

فأنا أحبذ القراءة قبل الفجر وفي أول الصباح.......

وتتعبني قراءة فترة الظهيرة...


ولكن أجدني هنا أتذوق طعم الحرف في موضوعك...

وطعم المعنى في خوفك !!

ونكهة البقاء في فكرك...!

وأعدك...

أم صفحاتك المظلمة هذه ...

قد أشعلت بعضها شموعاًَ.......فقد أنارت لي أجزاءً لم أتوقع وجودها في جنبات عقلي المظلم....

وقطعاً .....ستكون لي عودة مع البقية الباقية ......



---------

سيدي......أقل ما يستحقه موضوعك......التقييم للأفضل...والتثبيت كأجمل...

---------

عبدالله البقالي
17-07-2002, 11:10 PM
التــــــــــوبة


حل زمن الجزر..


كل مخلفات و رواسب و أصداف الدهور كانت هنا . الرفاق كانوا قد افرغوا الساحات بعد أن خفت أصواتهم . وفي العتمة تجمعوا حول شواهد ورموز و أكمات خلفتها الموجة المنحصرة التي مرت ذات يوم من هنا.


نشأت مجالس في الواجهة الخلفية التي تطل على الساحة . الجدران كانت مغطاة بأشياء توحي أن تواجدهم خارج الساحة ما هي إلا تلك الخطوة إلى الوراء التي تليها خطوات واسعة إلى الأمام.


الرموز الكبيرة كانت حاضرة . صور من مختلف المراحل التي رافقت ميلاد رهان تحول إلى وهم . من ماركس إلى لينين ، ومن كمونة باريس إلى هوشي منه مرورا بتشي غيفارا . ومن فتيات نلن النجمة الحمراء إلى سعيدة المنبهي .


الجو كان يلزمه بعض الدفء ، ولذلك كان لا بد من أشرطة موسيقية ثورية تزيد الطقوس حميمية لعالم النضال داخل الغرف ، ومن ثم كان لابد من أغاني الشيخ عيسى و سعيد المغربي وناس الغيوان


ولا بأس من بعض الأشعار و الزجل . ولإلغاء الإحساس بالزمن وإعطاء انطباع انك في زمن آخر كان لا بد من المخدرات التي ابتدأت كموضة وانتهت إلى ممارسة يومية و إدمان .


في هذا الخضم بدأت التدخين وتعرفت على المخدرات . في البدء كانت تمنحني تركيزا مذهلا استغلته في كتاباتي التي كانت قد قطعت شوطها الأول . لكن العكس هو الذي حصل في النهاية . إذ صارت أحاسيسي تتبلد و تفقدني الإحساس بوجود الآخر وأظل فاغرا فمي لساعات غير مدرك لما يجر حولي .


مفعولها على قلبي ودماغي كان مدمرا . نقلت ثلاث مرات إلى غرفة الإنعاش . ولئن كانت حياتي قد استمرت بعد نوبتي الرابعة فلأن الله أراد ذلك فقط .


لا زلت أذكر تلك الوجوه التي كانت تحيط بي في تلك الساعة الرهيبة . كنت انظر إليها في يأس متوسلا إليها أن تفعل شيئا ما من اجل إنقاذ حياتي .لكن النظرات كانت صاعقة حين لم المس منها غير إشفاق كان يزيدني تعاسه .


ما كنت اصدق أني كنت سأبقى لأرى بزوغ الفجر . قلبي كان يخف بشدة . ورأسي كان فيه دوار رهيب . ودمائي كنت أحس أنها تمضي خارج جسمي ، وأنفاسي كانت تتلاحق بعسر شديد .


كان الموت يحلق في سمائي ، بل كان قد توغل داخلي . تأكدت أني راحل لا محالة . عز علي أن أغادر الدنيا في تلك الحالة . كان لي رجاء . أن يمهلني الله إلى غاية طلوع الفجر . كنت أتمنى أن أرى الشمس للمرة الأخيرة .


نعم كنت أتمنى أن يمهلني الموت لأرى الليل يسلم مفاتيح الحياة للنهار و بعد ذلك ليفعل ما شاء . ما أصعب أن يموت المرء في بداية الليل .. لكن الله منحني أكثر مما طلبت .


تجاوزت الأزمة بعد أربع ساعات . و الدرس كان بليغا ومليئا بالعبر . أقلعت عن المخدرات . ولحظة جنوحي إلى التوبة كانت قد بدأت في اليوم نفسه .



صرت أسأل نفسي . من أنا ؟...

ملحد ؟.. اقلب كل الوجوه لأجد أني لم أكن في أية لحظة ملحدا حتى في أوج تيهي و اندفاعي ..

كافر ؟.. ولا هذا أيضا .في كثير من الأوقات كنت أدعو الله وأنا مريض أو وأنا مقبل على شيء مهم ..

مؤمن ؟.. ما كنت أجد هذا أيضا . كثير من الأشياء قمت بها تدل على أن ذلك السلوك لم يكن سلوك إنسان يخشى الله ..



يعود السؤال ليهشم رأسي من أنا ؟.. كان يجب أن أكون شيئا ما . لكن أن أكون لا شيء . صعب أن يحس الإنسان انه لا شيء ..

بدأت الحيرة تحاصرني .. تستبد بي .. تؤرقني .. لو أني اهتديت إلى جواب لهان الأمر .

لم تغرب عني الحكاية الأخيرة . بل إنها صارت حاضرة بكل قوة داخلي .


بدا السور هائل يتنامى بيني و بين الرفاق الذين كانوا لا يزالون يعيشون أحلامهم الزائفة . بدأت أكتف أنهم ليسوا سوى ببغاوات يستوطن الفراغ قلوبهم . كل ما يعيشونه فراغ . كل أحالمهم فراغ . كل ما يسيرون اتجاهه فراغ .

سألت نفسي في أوج ثورتي على نفسي . ما هو الموروث ؟ وكيف يجب أن نفهم الموروث ؟ ..

لم أكن في حاجة إلى مناهجي القديمة كي احدد الجواب ولا إلى تلك الآلية التي تحدد فيها الاستنتاج .

قبل أن تحدد أدوات البحث . حددت الجواب بكل بساطة ..

الموروث هو قيمي التي تميزني عن الأخر . هي منظومات نشأت في علاقات متنوعة أعطت فها ورؤيا . أما كيف أفهم الموروث فلن أبحث بعيدا بقدر ما يجب أن أبحث عن كيف أفهم نفسي .

تبادر إلى ذهني سؤال و أنا ابحث عن أجوبتي أنه في منظومة الأفكار القديمة التي كنت اعتنقها قبل حين أنه لم يكن هناك مجال للشريعة و القوانين المنزلة . وبالتالي فباستثناء الملكية الفردية وجرائم السرقة و القتل ليس هناك شيء يسمى حلال و شيء حرام . وليس هناك إيمان بالأسرة في المدى البعيد

عند تحقيق الشيوعية . إلا يعد الزواج من الأخت مباحا ؟ ...


الجدار الجليدي كان قد تزحزح من مكانه . بدأت أحس أن الروح بدأت تسترجع حياتها . وشعرت أني أخيرا بدأت أفكر .


كان الوقت قبيل الفجر . لم أكن قد نمت بعد . كنت منشغلا بمسألة الموروث . هل كنت ابحث عن ترميم جسوري التي كنت من قبل قد دمرتها ؟

علا صوت المؤذن فجأة مكسرا الصمت المطبق على المكان . الصوت كان لشيخ طاعن في السن . نبرته كانت تفيد هذا ، و لذلك كان يصلني بإيقاع خاص تطبعه بصمة النوم . نقلت بصري لما حولي . لم يكن ممكنا أن ترى كل الأشياء . الظلمة كانت لا تزال ناشرة أجنحتها . رفعت رأسي إلى السماء . ضوء النجوم كان يتلألأ مودعا متواعدا على اللقاء في ليل جديد . وخيوط الضياء الأولى كانت قد شقت مسارا ت في كبد السماء التي كانت زرقتها قد انفتحت ..

بدا صوت المؤذن منسجما مع هذا الفضاء . إذ لا يمكن أن يقبل المرء أن يرتفع في وقت كهذا صوت غير صوت مؤذن ينادي للصلاة .


بدأت أردد مع المؤذن ألفاظ الأذان ....لا اله إلا الله ...

تسمرت في مكاني ولم اعرف ما الذي شل حركتي . ثم بدأت خطاي تسير من تلقاء نفسها كفراشة حين تنجذب إلى نور سراج وهاج لا تملك إزاءه أية مقاومة ...

هل كنت أعيش اللحظة التي سبق أن عشتها حين رفرف الموت في سمائي ؟.. هل كشفت أخيرا الشفرة التي تسمح بفك رموز أمنيتي ؟ ..

أحسست بجدار هائل تهاوى داخلي . و أنني في كل ما قطعته حتى تلك اللحظة منذ غادرت قريتي إنما كنت احمل القاطرة المجنونة التي ركبتها يوم كنت مغفلا لأعيدها إلى المحطة التي ركبتها منها ..


وقفت باب المسجد . النفس الأمارة بالسوء لم تتحرك هذه المرة وضعت خطوتي الأولى داخله فأحسست أن كل الماضي الأسود قد خلفت ورائي ، و توهمت أن الشيطان يحترق غيضا .

لم ينظر إليَّ احد كما كنت أتوقع دوما أو كما كانت تصور لي نفسي المريضة . لم تطالعني الوجوه بذلك الاستفسار الذي كنت أتخيله . المصلون كانوا غارقين في أعماقهم . توضأت و اتجهت إلى قاعة الصلاة ..


برهبة وقفت بين يدي الله و كأني كنت في يوم البعث منتظرا استلام كتابيه . سلمت.. كبرت .. ثم بدأت في القراءة ومن الوهلة الأولى أحسست أن الله اكبر من أن يضيق بطيش عبد ضعيف مثلي . وانه مختلف عن كل الكائنات و الموجودات بحيث لا يبخل برحمته وعفوه عن متهور تاب إلى رشده ..


حين سجدت ، تمنيت أن يتوقف الزمن هنا . انزاح عني كل القلق . أحسست أني في أمان .. الأمان الحقيقي الذي بحثت عنه طوال عمري ...

تضرعت للخالق أن يمنحني توبته ويعفو عني و عن كبائري . ودعوت لؤلئك الضالين أن يهديهم الصراط المستقيم و ينبههم إلى طريق التوبة و المغفرة ...

حين أنهيت صلاتي وخرجت من القاعة . كان الشيخ العجوز لا زال هناك . ناداني واحتضنني . لم يكن غريبا عني .. بكيت من التأثر وطمأنني بأن الله عفو غفور




.............................. .... انتهت وإلى لقاء في عمل جديد إن شاء الله

عبدالله البقالي
19-07-2002, 11:45 AM
سررت بترحيبك و بأجواء هذا الموقع وحتى بهذه الالوان الهادئة .

صدقني أني جئت الى هنا لمجرد الوفاء بالعهد الذي قطعته على نفسي ارضاء لابنة لا تتوقف عن المطالبة بالمزيد . لكن تاكد ان موقفي تغير حين انهيت سرد نصي بالرغم اني احس اني لم اثر اهتمام القارء هنا .

باك شادو

اعذرني ان كنت لا اجد صيغة الخطاب المناسبة . لكني اعرف اني سعيد بالتعرف عليكم . و ساعود من جديد .

عبدالله البقالي
19-07-2002, 11:50 AM
اخي

اسمح لي ان امزح قليلا . فاسمك ذكرني بصديق اصفه دائما بأن نصفه شيطاني و النصف الاخر مشكل من مادة قد تكون من نور او من لهب .
لكن مستشار الدرر ودته مختلفا رغم الكلمات المعدودة التي تلفظ بها ..

شكرا لك سيدي على ترحيبك و على قراءتك للنص .

عبدالله البقالي
19-07-2002, 11:54 AM
سررت بالتعرف عليك . وما دمت ستعود فسأنتظر لأرى المساحة التي انكشفت بفعل ضياء تلك الشموع التي أوقدت فجاة .

الى ذلك الحين دمت منيرا .

تل الرماد
19-07-2002, 05:42 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ألاف القطارات تتحرك يوميا في كل اتجاه من هذه الكرة الأرضية ويتفرج عليها ملايين الناس على جانبي السكك الحديدية .

ما هي إلا أنابيب مجزأة تنفث الغازات الخانقة المعادية لطبقة الأوزون و تتصل ببعضها بواسطة أذرع حديدية , هذا في نظر من هم خارجها , بينما هي آلة زمنية فارهة تنقل الناس حيث يريدون وتتيح لهم فرصة التفكير والتمتع بالمحطات والمواقع الموجودة على جانبي السكة, وهذا ما فعلته أنت يا سيدي,
أركبتنا قطارك الفكري وتجولت بنا بين المحطات القابعة في عقولنا جميعا ثم أوصلتنا إلى محطة النهاية وودعتنا بابتسامة وتمنيات السلامة.

تاريخ الفكر الإنساني حلقات متصلة قد تبدو واسعة وبطيئة ومملة إذا نظرنا لها كما ينظر الناس للقطار ولكنها ليست كذلك لمن هم داخل هذا القطار.

تجاوزا عن الصيحة البلهاء المشهورة التي تقول ( أنا أفكر إذن أنا موجود ) والتصاقا بنيتشة الذي نسخ المقولة السابقة عندما قال أنا أفكر إذن أنا شقي , والشقاء يا سيدي أصبح من مترادفات الاشتراكية التي تنادي برفع مستوى الفرد الثقافي حتى يتفهم ما يحيط به فيزداد بالتالي شقاؤه .


نيتشة يرى أن الاشتراكية تزيد من الآم الطبقات الدنيا لأنها ترفع من مستواها الثقافي !!!!
اسمح لي يا سيدي العزيز أن اتهمك بالانحياز المطلق للنهايات التوافقية التي لا تقتل الذئب ولا تُفني القطيع .
الإرتكان إلى عفو الله –المقدّر – في آخر العمر طلبا للجنة , يترك مساحات شاسعة للصراع الفكري خلال المراحل السابقة لآخر العمر.


الطفولة لدينا دائما ما ترتبط بالقرية –الدفء- الأمن – الانتصارات الإسلامية وهي مرحلة قد لا يكون لها ذلك الأثر الكبير في المراحل العمرية اللاحقة ولكنها بلا شك قد لا تهيئ الطفل لمواجهة الأفكار التي ستلج إلى عقلة عندما يبلغ المراهقة .
الطفل غالبا ما يكون متلقي فقط وقابلا للحشو بينما المراهق يكون نزقا مبارزا تصادميا بسبب كمية الأفكار المختلفة المنابع التي تخترق جمجمته باتجاه مخه الغض.

المراهقة لديك ارتبطت بالمدينة – الأفكار الجديدة –داروين – الاشتراكية ,لا شك أن فترة الستينات والسبعينات كانت غنية جدا بكم هائل من الفرص المتاحة لتجريب العديد من الأفكار والعقائد وما معلما اللغة العربية ( الاشتراكي) واللغة الفرنسية ( العلماني ) سوى نتاج تلك الفترة الصاخبة.

هل كانت الاشتراكية شرا بالمطلق , كما فهمت من حروفك ؟


في تلك الفترة كانت الاشتراكية تسود أكثر من ثلث العالم !!!!
كانت تنادي بالمساواة والعدالة الاجتماعية وإلغاء الاضطهاد الاجتماعي وانعدام الطبقات التي تكرس استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وصولا إلى توفير حق العمل والراحة والخدمات التعليمية والطبية المجانية .
مالذي جعل هذه الفكرة النبيلة تنكمش الآن ؟
الجانب الاقتصادي الذي كان الخاصرة الضعيفة في ذلك البدن القوي .


كان المؤمل أن يتكفل أسلوب الإنتاج بتغيير النظام الاجتماعي بالكامل وتطويره ولكن وللأسف لم تكن وسائل الإنتاج جاهزة للقيام بهذا الدور العظيم رغم تطورها المتصل منذ بدء الخليقة .
هذا الفشل لم يكن مقصورا على الاشتراكية التي تعتبر أحدث أساليب الإنتاج عمرا في التاريخ البشري .

كل النظريات السابقة فشلت أيضا بداية بالنظام المشاعي البدائي ومرورا بالنظام العبودي والاقطاع ووصولا إلى الرأسمالية - التي بدأت بوادر انهيارها تلوح من داخلها مؤخرا – وانتهاءً بالاشتراكية .

عندما صدع محمد(صلى الله عليه وسلّم) لأمر ربه وجاهر بدعوته توجه ابتداءً إلى الفقراء والعبيد والمستضعفين وهؤلاء هم الوقود التاريخي لأي ثورة , فآخى بينهم ووحد صفوفهم وجعلهم أخوة في الله فلا فرق بين ابيض واسود ولا بين عربي وأعجمي , وهذا ما جعل أشراف قريش ينفرون منه ومن دينه الجديد فاستخدموا الترغيب والترهيب مع المصطفى الذي قاوم ترهيبهم ورفض ترغيبهم حتى لو وضعوا القمر في يمينه والشمس في شماله لأنه لن يرجع عن أمرٍ أمره الله به .
قاطعوه اقتصاديا واجتماعيا وعندما رغب في حربهم اختار السلاح الاقتصادي في أول معركة إسلامية .

الاقتصاد دائما وأبدا هو محور النصر والهزيمة .


لا أريد الإسهاب أكثر في هذا الجانب لأنني لا أريد أن يطغى جانب على الجوانب الأخرى .

أبا لهب كان عم الرسول (صلى الله عليه وسلّم) ورغم ذلك كان أكثر الناس إيذاء له وكذلك زوجته حمالة الحطب
أبا طالب عمه الأخر وكافله لم يسلم رغم انه دافع عن الرسول وكان اقرب الناس له
جبلة بن الايهم ارتد بعد إسلامه وتنصّر لأن ازاره سقط وظهرت عورته وهو يطوف بالبيت الحرام ويسمع الأذان

ما انتهيت إليه يا سيدي العزيز هي النهاية الوردية التي يحلم بها كل إنسان تجاوز مرحلة الشباب والفتوه .

هل كانت تجاربك السابقة فاشلة جدا إلى الدرجة التي تجعلك تشطبها من وجدانك ؟

هل للمراحل الزمنية دور في تشكيل فكر الإنسان؟

هل الموروث المتراكم خلال الآلاف من سنوات التاريخ الإنساني عبء يثقل كاهل الإنسان الحي الذي لا يتجاوز عمره ال65 عام ؟

عندما وصل القطار إلى المحطة الأخيرة وهي محطة التوبة سمعت المؤذن يردد لا اله إلا الله وكأنك تسمعه لأول مرة وعندها عدت بنا إلى المحطة الأولى حيث الأضرحة والأولياء والتمسك الشديد بالدين عدنا إذن إلى القرية ولكنك وصلتها كهلا وقد فارقتها صبيا .

في النهاية لم استطع المرور السلبي والاكتفاء بإلقاء النظر كعادتي عندما وجدت هذا الموضوع الشيق فكتبت ما سبق واطلب منك الصفح إن لم استطع الإلمام بجميع المحاور الأخرى فهذا الموضوع دسم جدا إلى الدرجة التي تجعل سهام الفكر تطيش بين جوانبه .

كل تقديري واحترامي لقلمك السيّال وفكرك النيّر

أرسطوالعرب
20-07-2002, 12:19 AM
سلام

تحية برائحة جنان اللافندر يا سيدي......

وأخيراً إكتملت حلقات معزوفتك......وكم أسعدنا أن تكون صفحات منتداكم هذا هي النوتة التي أحتضنتها.........

سيدي....

أوراق من سيرة مظلمة ......

قمت بتفصيلها في عدة أجزاء...

الجزء الأول ولم تعنونه يا سيدي.......وكان (مقدمة)...

مشاعر البقالي ....الوحيدة المنفصلة عن الماضي.....في مقدمته....

فهل أنت مؤمن تماماً بعبارتك هذه ...
((أسئلة كثيرة جالت بخاطري و أنا أفكر في فتح هذا الملف الذي كان محكم الإغلاق في ذاكرتي . تساءلت للمرة الألف عن جدوى ما سأقوم به ، خصوصا أن ذلك ما عاد له أية صلة بحاضري ، و لا أجد أية أهمية لما سأحكيه خصوصا و أن ذلك لم يكن تصرفا معزولا عن ما جرى على ارض الواقع . ))........؟

هل حقاً كانت حياتك مجموعة من المراحل المنفصلة عن بعضها لبعض لتمتلك الحق بأن تخبرنا أنه لا صلة بك بهذا الشخص الذي يسكن المذكرات...؟؟
** خصوصا أن ذلك ما عاد له أية صلة بحاضري **
أليست خبرات الإنسان تراكمية يا بقالي...؟

أليست الخبرات المتراكمة مثل الكتب المرصوصة فوق بعضها البعض...الأحدث في الأعلى والأقدم في الأسفل...

فهل الكتاب الذي في الأعلى هو الذي يغنيك عن الذي تحته؟؟؟

إن كان كذلك فلماذا نحتفظ ببقية الكتب؟


ثم بدأ الجزء الثاني.......وهو مدخل لما سيطرحه البقالي...

وكان بصورة تبرير لما سيكتبه ....

((لكني أعود لأتساءل ما إن كانت هناك ظروف مشابهة تتظافر اليوم لتشكل إعصارا جديدا قد يترك هو الآخر ضحايا . و بالتالي تكون هذه الاعترافات تنبيها و تحذيرا لما يمكن أن يحدث ... و أخيرا ما مقدار مسؤوليتي فيما حدث ؟.. ماذا كنت فيما عشته ؟.. ضحية ؟.. جلاد ؟...و الآخرين الذين زجوا بي في ذلك العالم الرهيب هل كانوا هم الآخرين ضحايا ؟... ))

ثم يبدأ الجزء الثالث من الأطروحة.....وهي (البيئة)....

وقد وضح الكاتب ببراعته......أثر البيئة وعطائها سواءً السلبي أو الإيجابي....

وهذه نقطة يجب التوقف أمامها كثيراً....

فقراراتنا تتدخل بها - كثيراً - البيئة والمحيط الملامس لنا....

ثم بدأ جزء جديد ونقطة تحول كبير في حياة الكاتب...

مرحلة كانت البداية الحقيقية لنموه التخطيطي.....

حينما بدأ يخطط...معتمداً على التفكير في المتناقضات وجميع الخيارات في نفس الوقت...

وهذا هو المسبب الحقيقي للتخبط في هذه المرحلة...

حينما تجد نفسك تحارب خصم خالد....بينما أنت للتو قد حملت سيفك !!!

فتفكر حينها في جميع الخيارات وجميع الإحتمالات ....

ثم حلت مرحلة التصادم...

وهذه إعتمدت كثيراً على المرحلة التي سبقتها...

فكان الكاتب كمن جمع الحضارات وجميع الديانات والإلحاد وأنوية الشيوعية وجعلها مقدمة للتفكير !!


وهنا تبادر إلى ذهني سؤال .....

إن كنت مصدر إلهام نفسك.....وأنت الأرض الخصبة التي تزرع بها حضارتك الشخصية....

هل تؤمن بالأثر السلبي للغزو الثقافي عليك.........وإن تم إعتباطاً إعتبارها بيئية ضمناً .....؟

(( المراهق من اجل أن ينتزع هذا الاعتراف يضطر إلى أن يدوس كل شئ بما في ذلك المثل التي يقدسها الكبار . ومن ثم قد ينفجر صراع قد يضيع فيه كل شئ ))

وأنت هنا تتحدث عن مراهق مضطهد ....ولايحق لك التعميم - مع إحترامي الشديد لك -...

فالمراهق ...كلمة عامة وتظل أينما وضعتها (مضافاً)...بحاجة إلى مضاف إليه يفسرها...


وكان من ضمن مرحلة التصادم هذه ...معلم اللغة العربية والفرنسية...

الذين هما رموز لفكرة تم ترويجها ....فتم إسقاطها في شخصيتين....لأنهما بالفعل أثبتا أحقيتهما بالكينونة...

فعمد الكاتب إلى إحتوائهما في شخصيتين ....

ثم أتت مرحلة متقدمة ...كردة فعل غاضبة للفكر المتخبط العائم على المتناقضات...

وهي مرحلة توحيد الفكر..........والتي تناولها الكاتب في مفهوم الموروث...


وفي هذه المرحلة كنت تلميذاً....حفظ درسه جيداً وفهمه....:)


إنتهى تحليلي للجزء الأول من عملكم الثري....

أرجو من الله عز وجل ألا يزعجكم طول تحليلي ونقدي....وعشوائية أسئلتي...

فما أنا إلا تلميذ يجلس في الكرسي الأخير في محاضرتكم هذه....



---------

أعدكم - بإذن الله - أني سأغرس طرق تفكيركم وأسلوبكم.....في أقلام طلابي...

----------
أخوكم....أرسطوالعرب

naif_y
20-07-2002, 02:34 AM
تحية عذبه ,,,

صباح الفل والكادي




جميلة هي هذه المفاجأة , لم اصدق حقاً

شكراً للمهاجرة دعوتك إلى هنا


سعدت كثيراً للقراءة لك هنا , وساستمر ايضا بالمتابعة هنا و (هناك) :)


استاذي الجميل .. عبدالله البقالي ..

اعذرني , فحروفي تلعثمت أمامك , ولي عودة بانطباعات شتى خلفها نصاك , فلم استطع اتمام البقية , ساتممها واعود

تحياتي لك مرة اخرى



ولك محبتي ,,



نايف

ROMEO
20-07-2002, 06:27 AM
صباحا نرجسيـــــا يطوف باشرعته حولك سيدي


سيــــــــــدي المفــــكر البقــــــــالي


اجدني عــاجزا تماما عن البوح لك بمكنون سحري تحصلت عليه بينما تتراقص عيناي ذات اليمين وذات الشمال لتلحق بكل عبارة بكل شــدة وهمـــزة ,انت من رسمها باقتدار قل وجوده,وانت من وهبهها كل الاطياف البراقة لتشكل فى المحصلة ثمرة يطيب لي اُكلها لمخزون براق لامنتهي من العبر والدروس المستقاة..


سيـــــــــــدي..

قلمي الهاو يزيده فخرا على فخر وجود احبارك العجيبة بل يشرفه ارتشـــاف قطرات الندى الشهدية الساقطة علينا من علياكم البهيـــــــة....

قــــرأت وقــــــــرأت وفي كل مرة اُحـــار فيما اضع لهذا العمـــــلاق القادم بسرعة الضوء وبأن ذاك الشهـــــــاب المتجه باقصى سرعته لن يخلف حطاما حين ارتطام مفرداته بأدق خلايا المخيخ, بل علىالعكس ستنقلب الايه وسأكفر بدينكم المشـــاع وبان تســـارع وقع اوراقكم المنسوجة على نول ذهبي ,لن يزيدنا سوى اصرارا على المزيد والمزيد .....


اخــــــر فاصل اود طرحه

سيدي راعني مااختطه حسامكلكن تاكد ان موقفي تغير حين انهيت سرد نصي بالرغم اني احس اني لم اثر اهتمام القارء هنا . صدقا قد اثرت وكتبت فصفقنا مطولا ......ثق بأنك لم تثره وحسب بل خلقت من قبعتك السحرية مالايدع مجالا للشك بان مارأيناه ليس بالذي يسلب الالباب وحسب , ولكن جذبنا من بيداء قاصية لهضبة مروجك الدانيــــة.....

ســــلمت سيدي وسلم حســـــــــامك الشجي وبانتظار المزيد والمزيد من وصلات العزف المنفرد على قيثارة اطربني الرقص على وقع حروفها والتمايل مع ميلوديات مضامينها

تحية من الاعماق

تحية من أدق الشرايين

والمعذرة كل المعذرة على الاطالة او تشتت الافكار ...

مع أرق وأعذب الاماني ...


تلميذك الصغير

روميــــــــــــــــــو

عبدالله البقالي
20-07-2002, 11:03 AM
الاخوات والاخوة الكرام .

أنا اتابع كل ما تطرحونه هنا من تساؤلات . وقد لاحظت ان بعض الاخوة يخشون من ان أتأثر او قد اغضب من ما قد يوردونه من افكار . ما اريد ان اقوله اني لست ذلك الشخص الذي قد تغضبه وجهة نظر لا تتفق مع ارائه . لذلك لا داعي للتحفظ . وليعبر كل واحد بالطريقة التي تروقه ، وليطرح ما راج في تفكيره من تساؤل . و شكرا لكم .

عبدالله البقالي
21-07-2002, 12:40 AM
قال لي ضابط في الجيش المغربي محاولا تخفيف صدمتي بعد ان تم تعييني للعمل في تخم عميق بالصحراء حيث تجري الحرب
"...كنت في المطار استعد لركوب الهيلوكبتر" حيت توصلت ببرقية تأمر بأن احمل معي الى حيث اقصد مرسا ليعمل في المكان الذي يقع تحت اشراف قواتي . بحثت عن الرجل . ركب معي وانطلقنا . لكن بعد وصولنا انهار الرجل وصار يبكي . و الحقيقة لو اني كنت مكانه لفعلت الشئ نفسه . فالفترة كانت فترة مد بالنسبة للعدو . ومناوشاته لم تكن لتتوقف ولو ليوم واحد . لكنه تدريجيا بدا يالف الاجواء . وعندما يبدا القصف يختفي وتلاميذه في المكان المخصص . قضى هناك وقتا طويلا . وذات صباح . كنت في حالة سيئة ومزاجي متعكرا . رايت فجاة الرجل و كاني اراه للمرة الاولى . بدات افكر في شانه وارتب الامور . قلت : لو يموت جندي في الحرب او يؤسر او يصير معطوبا فهذا أمر عادي ، لأن الجندي نفسه وضع ذلك في حسبانه يوم اختار ان يكون جنديا . لكن هل وضع المدرس في حسبانه هذه الاحتمالات يوم اختلر تلك الوظيفة ؟.
نهضت من مكاني و قصدت الرجل قائلا : في المرة القادمة عندما تحضر الهيليكبتر يجب ان اجدك مستعدا كي تغادر هذا المكان . لا استطيع ان اتحمل مسؤوليتك ..
كنت اعتقد ان الرجل سيسر و سيشكر الله لكونه اخيرا خرج ناجيا من ذلك الجحيم . لكنه واجهني بافكار لم اكن اتوقعها على الاطلاق . قال لي : انت رجل عسكري وانا رجل مدني وامرك لا يلزمني في شئ ..
بقيت انظر للرجل غير مصدق ما اسمعه وبعدها سألته : اسمع انت ..لقد ادخلت الريبة في نفسي الان .. ماذا تجدهنا ؟.. اي شئ يستبقيك هنا ؟ ..الناس مثلك هناك صحيح انهم يصارعون الغلاء و الكراء وتكاليف العيش ، لكنهم ما عدا هذا فهم يحيون حياة عادية ..هل تريد ان تساق اسيرا الى هناك حيث تقضي عمرك في طبخ الجير في الافران ؟ .. هل حياتك بخسة الى هذا الحد كي تصرفها في هذا الفلاء ؟..
الرجل رد بقناعة راسخة متهكما من تساؤلاتي و انشغالاتها ..: لا انكر اني قبل حضوري الى هنا اني كنت احمل نفس هذا التفكير . لكن مع انفجار اول قذيفة انتهى الى مسمعي تغير كل شئ . ممكن انها لم تصب احدا . لكنها دكت كل معمار تفكيري القديم وعلى انقاضه نشا تفكير آخر ..
الحياة من قبل كانت ايما تتبع ايما . وشهورتلي شهورا وسنوات تطوي اخرى . و الانسان داخلها كانما يجري في ممر مغلق محدد البداية والنهاية . وكل انشغاله هو ان يؤخر وصوله الى خط النهاية . لكن الان ادرك ان الحياة هي اكبر من ذلك ، هي فرصة وحيدة تمنح للانسان كي يثبت جدارته . هي ان يترك بصمة تشهد على وجوده بعد ان يختفي من الوجود ..
سألت الرجل و هل اكتشفت ما يجعلك كذلك ؟
رد الرجل : بالصدفة اهتديت الىالجواب المطلوب . اذ و انا اتابع الاطفال وهم يعاندون الصعوبات كي يخطوا حرفا ، او يبذلون مجهودا كي ينطقون كلمة وجدت ان حياتي يخسة مقابل ان يحدث هذا ، ثم هناك شئ آخر . انا اعرف اني ان ذهبت من هنا فلا احد سيقبل بالعمل في هذا المكان ، وبالتالي سيحيا هؤلاء الناس كلهم اميون ليدفعوا ثمنا لتبعات قراري ..ولذلك وكما قلت لك ان اجد حياتي بخسة مقابل ان لا يحدث هذا ..
ردت عليه بقوة : الان اعطيتني المبرر الكافي . انت مجنون وهذا يلزمني اكثر على ترحيلك .. تصور اني احتجت الى اربعة جنود ووضعناه في الطائرة . وهكذا اتى وهو يبكي ومضى وهو يبكي ..

تل الرماد

انا اسألك الان من كان يبحث هنا عن نهاية توافقية ؟ وهل تمكن من لم يبحث عنها ان يمارس قناعته ؟ واي شئ حال بينه وبين ما اراد ؟
اتهامك لي من قبل يفترض اني على الاقل كنت اعرف اين اوجه حياتي وكاني كنت املك القرار . والحال اني كنت كبحار وجد نفسا ليلا خارج سفينته في البحر . وكل ما استطاع فعله هو انه اعتصر ذاكرته ليعرف فقط اي اتجاه سلكته السفينة بعد ان غادرت اليابسة . وحين اقتنع بتحديد معين ارخى رأسه وجعل لساعديه ان يقررا ما ان كان لا يزال يستطيع ان ينعم بالحياة ام لا ...

تل الرماد اود ان اسالك قبل ان انهي جوابي . هل يستطيع الرماد ان يشكل تلا ؟ كيف يستطيع ذلك ؟ كيف يمكن ان يترسب ؟ كيف ينمكن ان يسلم من الريح و الماء ؟ .....

شكرا لك سيدي . بقية الاجوبة سأوردها في الاجوبة للاسئلة اللاحقة . شكرا لك . وتدخلك كان متميزا .

أرسطوالعرب
21-07-2002, 01:00 AM
عزيزي البقالي...

أحتاج أقل شي أربع أيام عشان أسيطر على غضبي !!!!

كتبت لك رد لبقية أجزائك ...ويوم جيت أرسله علق جهازي !!!

ما بقت سبة إلا سبيت فيها جهازي

وعسى الله يعينني وأرجع أكتبها مرة ثانية ...

أرسطوالعرب ( أكره شي ...يوم يضيع وقتي من بعد العشا لين الساعة11 !!!)

تل الرماد
21-07-2002, 03:29 PM
بداية ... اسمح لي أن أعلن كرهي لحروب الصحراء لأن الدماء المُسالة والأجساد المشوّهة والنساء الثكالى والأطفال الميتّمة غالبا ما تكون عربية .

حتى حرب ( العلمين ) رغم أنها بين الفرنجة إلاّ أننا لا نزال ندفع ثمن ما تبقّى من ألغامها على أرضنا .

هل سمعت عن انفجار لغم أرضي في ضواحي لندن أو ستراسبورغ أو فيينا أو أوسلو ؟

هم من يشعل الحروب وهم من يصنع الأسلحة ونحن فقط من يموت

في جيوشنا يموت الجندي في حادث سيارة أو بمرض السرطان أو يُعدم بتهمة القيام بمحاولة إنقلابية تهدف إلى إسقاط صنم قديم ليحل محله صنم جديد

الجيوش العربية قتلت جنودها أكثر مما قتلته الجيوش الأجنبية لأننا لا نعرف كيف نعلن الحرب باللغات الأجنبية

العماد (طلاس) يحمل على صدره وكتفيه الصغيرين نياشين وأوسمة لا أحد يحيط بعددها أو أسمائها نظرا لإنعدام الإنتصارات العسكرية في سجلّه العسكري المزوّر , وعندما أراه مرتديا بزّته الفاخرة ذات الأوسمة أعرف حالا أن ( جينا لولو بريجيدا ) قد حطّت طائرتها في مطار دمشق

الجنود هم الجنود في كل زمان ومكان وهذا ما جعل (غويا ) يرسم الجنود الفرنسيين - وهم يقتلون فلاّحي أسبانيا الثائرين على الاحتلال الفرنسي لبلادهم- دون وجوة وبلا ملامح في لوحته الأشهر (3 مايو ) وهو تعمّد ذلك بهدف تعميم دلالة أن جنود كل زمان ومكان يقتلون ثوّار كل زمان ومكان .


يحدث هذا كثيرا في بلادنا ولكن الفرق أن الرسّام العربي لا يجد فرصته في رسم الثائر العربي وهو يُعدم نظرا لأن الإعدام دائما ما يكون بطرق مختلفة وفي أماكن لا تصل إليها الريشة وقد يكون وعاء الأسيد أكثر الوسائل استخداما وقد يكون ( بن بركة ) أشهر من ذاب حبا في وطنه قبل أن يذوب في أسيد ( أوفقير )


عندما قرأت رواية ( العتمة الباهرة ,لبن جلّون ) عرفت أن الموت كان إنسانيا أكثر من الإنسان الذي كان قيّما على سجن ( تزمامارت ) ففي حين كان الضابط يمنع الشمس والسماء على المسجونين كان الموت يهدي لهم الشمس والسماء كلما أخرجهم من زنازنهم كي يدفنوا أحد زملائهم في باحة السجن الرهيب .




يا سيدي

بكاء ذلك المدرّس يشبه بكاء الطفل حديث الولادة , كلاهما يخشى المجهول وبعد فترة من التعايش الحذر يتحوّل البكاء إلى ضحكات تقبّل وانسجام مع الواقع الجديد

وجود الأطفال والمدرّس والضابط في موقع واحد دليل على شجاعة الأطفال وجبن الضابط وتشتت المدرّس بين الشجاعة والجبن

لو أن المدرّس فعل كما فعل ( همنغواي) لترك البصمة التي يبحث عنها

كنت أتمنى لو أنه ترك تدريس الأطفال للضابط وأن الضابط ترك قيادة المعركة لإحدى الأمهات , لأصبح لكل شيء جدوى

الأمهات وأطفالهن هم من بقي في الموقع المستهدف دون إجبار بعكس الضابط والمدرّس اللذين تواجدا هناك بفعل الأوامر الواجب تنفيذها

النهايات التوافقية هي المحببة لنا دائما طالما نحن نرى الجائزة وهذا ما يجعلنا نشعر في قراره أنفسنا بأنها جائزة غير مُستحقة أو غير متميزة على الأقل .

أبحرت -يا سيدي- وكذلك فعل ( روبنسون كروزو ) و ( العجوز سانثياغو ) لكن الفرق بينكم جميعا هو أن ( كروزو ) وصل إلى إحدى الجزر التي لم تطأها قدم مبحر من قبل فكانت جائزته النجاة من الغرق و مُلك الجزيرة البكر

( سانثياغو) اصطاد السمكة التي ظل يحلم بها طوال عمره المثقل بالسنين وعاد إلى قريته حاملا جائزته أو بقايا جائزته التي أتت أسماك القرش عليها فلم يتبقى منها سوى ذيلها الضخم .

أما أنت فأبحرت مجهولا كما فعلا وعدت مجهولا بينما عادا هما بصيت وشهره جعلت محاورك البدوي القاطن في شبه الجزيرة العربية يحفظ اسميهما عن ظهر قلب

هل تلاحظ مدى الشبة بينك وبين المدرّس ؟

لم تورد حتى اسمه في ردك السابق !!!!!

تل الرماد هو أسمي الذي منحتنيه بسبب موضوعك الجميل , فأنا كما قلت لك لا أشارك في المنتديات ولم يسبق لي أن استخدمت أي اسم غير اسمي الذي أطلقه عليّ والدي قبل أكثر من عشرة ألاف يوم

لو كنت اعلم بأنك ستنبش (تلّي ) لأسميت نفسي ( جبال الأطلس الشامخة )

الرماد يا سيدي يملأ حلقي وأنفي وأذني وعيوني فأنا ابن الفلوات القاحلة والشموس العربية المحرقة

وددت لو كان اسمي ( وردة التيوليب ) البلجيكية ولكنني أعرف بأنه لن يشبهني أبدا

أنا ابن هذه البيئة العابسة فهل تستكثر الرماد علي ؟

أنا أحق به على الأقل من أي هندوسي عرف قدره فقدّره

هذا الرماد سيمنحني ما عجز عنه إله الخصب

لا أخشى الماء أبدا والسبب لا يعود لقوتي بقدر ما يعود إلى شح الماء وندرته حيث أحيا

وبإمكانك أيضا اعتبار اسمي تبذير للأسماء




سيدي البقالي

أنا هنا أحاورك فكريا فقط أمّا أدبيا فيشرّفني أن أخبرك بأنني أستطيع إحصاء 10 فوائد احتفظت بها من موضوعك الرائع

طوبى لك ولما تحمله معك من ثمار طال اشتهائي لها

عبدالله البقالي
21-07-2002, 10:06 PM
تل الرماد

لي عمل طويل يحمل هذا الاسم " الركض خلف السراب " وانا أورده لأن جعلتني اتجه اليه . العمل يبتدئ باهداء لوالدتي اذكره هو الاخر لصلته بالموضوع الذي اتجه صوبه في هذا الرد . اقول في الاهداء " الى امي التي علمتني ان الصيرورة اكبر من ان يختزلها ظرف عابر ".
شخوص هذا العمل - بالمناسبة فالمدرس الذي تحدثت عنه في ردي السابق هو احد شخصياته - كلهم يسعون الىاهداف يجرون من اجلها . يضعون جداول تمول بالاعمار و الرهانات و الانتظار و الجهود . وعند نهاية كل برمجة يجدون انهم اخطاوا في التقدير فيعمدون الى برمجة اخرى . ومن تخطيط الى التخطيط ، ومن محطة الى اخرى الى ان يجدوا انفسهم في انتظار الموت . وفي لحظة صحو قبل مواجهتهم يعبرهم السؤال . اي شئ كانوا يركضون خلفه طوال هذا العمر ؟..
ليست كل الشخصيات ضائعة . بل منها من اهتدى الى جواب . وكمثل المدرس الذي تحدثت عنه في السابق ، كذلك المقاتل الذي يأتي في غارة مفاجئة على احدى القرى في الصحراء دائما . هذا المقاتل بعد ان تجاوز حقول الالغام ، وتحى الطائرات ، واخترق الدفاعات وحين وصل الى هدفه باللغة العسكرية - اي ممارسة القتل - انهزم فجاة . من هزنه ؟ ..ليست القوة و لا البطش ن بل انهزم امام دموع الاطفال . اذ بعد ان اقتحم باب احد البيوت . وجد نفسه في مواجهة اسرة . سيدة البيت فقدت وعيها . الاطفال التفوا حول ابيهم وبدأوا يبكون . و صاحب البيت بقي شبه مشلول ينقل بصره من الزوجة الملقاة على الارض الى اطفاله الذين يحيطون به الى الرجل المسلح الذي كان يصوب نحوه رشاشه ... المقاتل بقي مدة شبه مشلول ينقل بصره بين الاشخاص و الاحاسيس التي تشكل الصورة . هل كان يضع نفسه في تلك اللحظة مكان كل شخص من الاشخاص الذين يؤلفون المشهد ؟ هل الاحساس الانساني استيقظ فجأة داخله ؟
نراجع بحذر . وحين وصل الباب قال مخاطبا الرجل : ليس لي ما اهديه لهؤلاء الاطفال غير حياتك .
شئ لا يصدق . هل وعى الرجل انه كان آلة قتل . وانه كان مطلوبا منه ان يمارس التدمير . وحين ادرك ان ذلك يتناقض مع عمقه الانساني انتفض ضد نفسه ؟

تل الرماد

كم يلزمنا من اشباه هذا المقاتل الذي ادرك ان تلك الاشياء التي تسمى بطولات وامجاد وانتصارات ما هي في العمق في كثير من الاحيان الا قتل لمشاعر الانسانبة داخل الانسان .
اظن اننا ابتعدنا كثيرا عن الموضوع . لكننا لم نزل مع ذلك في صلبه . لازلنا نتحدث عن الحياة وعن معنى الحياة .
سيدي . لا اريد ان اقول اني اشم فيك رائحة سبق ان تعرفت عليها . كما ان النبرة توحي انها كانت تنطلق باصرار حاول تعبيد طريق حلم . لكني مع هذا لا اريد ات اكون عرافا . ..

سررت بتدخلك . ولي حدس قوي بأنني ساجدك هنا من جديد . لكن تأكد ان ذلك سيسرني .. الى ذلك الحين دمت منيرا .

الشهد
22-07-2002, 07:00 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





أخي الفاضل... البقالي..

.
.
.

يبقى لتواجدك تميز ... ولتمير حروفك وعباراتك تواجد جميل

هز هدوء أعماقنا ...

بكل صدق... قرأت ومازلت أقرأ هذه السيرة...

التي تستوقف جملها وما تحوي من أفكار عقلي... وتدفعني لمعاودة

قراءة السطور الاولى...

فأجدني بين مد وجزر...وأي استمتاع أعيشه بين عوالم أوراقك...

.
.

شكرا لهذا القلم ...

الذي علمني كيف اعيد القراءة لافهم الجديد في كل مرة..

ومازلت أقرأ...

وانتظر الجديد أيضا...


بارك الله فيك...ووفقك لكل خير...




.
.
تحياتي واحترامي...

عبدالله البقالي
22-07-2002, 10:55 AM
طاب وقتك .

قد حدث معي مثل ما حدث معك . لكني لم اجد مبررا لأشتم الالة . ا> اعرف ان ثقافتي التقنية متواضعة جدا .

بالنسبة لتساؤلات المقدمةالتي وقفت عندها طويلا . وطرحت بشأنها عدة اسئلة . لكني تساءلت كبف لم تنتبه الى شئ مهم . وهو ان الشخص موضوع التساؤل قد قضى اكثر من عقدين من الزمن في مدرسة لها فهمها الخاص للتاريخ . ومهما تكن درجةالارتداد فهو بالرغم من كل المحاولات لا يمكن ان يتخلص من كل الحمولة .
لأوضح أكثر .

لقد كتبت "أوراق من سيرة مظلمة" كخاتمة لمجموعة من الاعمال . ومعنى هذا اني حين نشرت تلك الاعمال قد خلفت انطباعات و احكام لدى غير قليل من القراء . وذلك لا بد ان يمون قد شكل تصورا وافكارا عني من قبل المتلقي . و استطيع ان اقول ان تلك الصورة كانت ايجابية ان لم اقل نوذجية . وحين فكرت في كتابة الموضوع . كنت ادرك اني ساصدم القارئ بكون ان الشخص الذي اعتقده نموذجيا ليس هو كذلك .بل واكثر من هذا فقد وضعت في الحسبان ان الامر قد يذهب الى ابعد من هذا . ولذلك كانت تلك المقدمة التي لم تعبر عن نظرتي للتاريخ بقدر ما عبرت عن هذا التخوف .
لقد حاولت ان اطمئن القارئ في البدء بكون حياة الكفر التي عشتها و التي سأحكيها في ذلك الموضوع ليس لها علاقة بالحاضر . اي انه حصل تحول في حياتي . ومن ثم لا سبيل لاعتبار ذلك التصريح انه يعكس رؤيتي لتقسيم حياة الانسان .

هل أومن بالغزو الثقافي واثره السلبي علي ؟

الغزو الثاقفي هو كما يفيد اسمه غزو . والغزو يقتضي ان يكون هناك منتصر ومنهزم . غير انه كان في حالة كهذه غزو مؤدب يتسلل الى بنيات التفكير ليغير بهدوء الاسس التي تكون رؤية الانسان لما حوله . طبعا لا يدخل في هذا الاطار ما نسنميه تلاقح الحاضارات . لأنه بالشكل الاخير لا تستهدف حضارة تشطيب اخرى .

ماذا بخصوص المراهق ؟

في النص تحدثت عن مرحلة من العمر . اي عند نهاية طور المدرسة الابتدائية . وهو ما يواقف زمنيا سن الرابعة عشرة . ومعنى هذا فأنا اتحدث عن فتى في سن البلوغ ، وهو سن معروف بمجموعة من المتغيرات تحدث لا فيما يخص الشكل الفيزيزلوجي ولا فيما يخص التفكير . وتتميز هذه المرحلة ان الانسان يكف عن النظر الى نفسه انطلاقا مما توحي نظرات الاخر اليه ليحاول عكس الاية ويجعل الاخرين ينظرون اليه انطلاقا مما يوحي لهم به عن نفسه . ويحاول اقناعهم ان ما عاد طفلا . غير ان انتزاع هذا الاعتراف لا يتم بسهولة خصوصا وان بعض الكبار يظلون ينظرون للصعير على انه صغير حتى لو عمر دهورا . ولهذا تكون ردة المراهق حين لا يصل الى مبتغاه قد لا تخضع للمنطق احيانا ، ويعمد الى ممارسة اللامعتاد . وانا حين اوردت تطور الحكاية مع تطور العمر فلأن الافكار الجديدة كانت متضادة مع الموروث و بالتالي كانت مادة صالحة لي لاثبت الذات خصوصا وان الافكار الجديدة كانت تمنحني نوعا من التميز الذي كنت في حاجة اليه .

بالنسبة لباقي النقط فقد وجدتها عادية و لا خلاف حولها .

ارسطو

شكرا لتدخلك و لملاحظاتك الدقيقة . وانتظر البقية متمنيا ان يكون الهدوء قد عاودك . الى =لك الحين استودعك الله.

عبدالله البقالي
22-07-2002, 11:04 AM
سررت كثيرا باطلالتك و تواجدك في فضاء هذا النص . كما سرني ترحيبك بتواجدي هنا .

ماذا اقول لك يا نايف . كنتم انانيين جدا وحصرتم الاستمتاع هنا في انفسكم لوحدكم . ..

عبدالله البقالي
22-07-2002, 11:09 AM
لا اعرف كيف اشكرك و لا على ما>ا يجب ان اشكرك . هل عن الترحاب الحار ال>ي وجدته في كلماتك ؟ هل عن تلك الرقة التي تدل عن نبالة وكرم ؟ هل عن تلك التعابير الرقيقة التي و الله اقول انه اخجلتني من نفسي ؟ ولا هل عن ذلك التشجيع الذي يدفع المرء الى مزيد من العمل ونكران الذات ؟

روميو .


اشكرك بقياس المسافة التي تباعد بيننا . وانا متأثر جدا بما اوردته من طيب العبارات في حقي . و الف شكر لك .

عبدالله البقالي
23-07-2002, 11:51 AM
سرني جدا ما ترسب لديك من انطباعات بخصوص هذا النص . كما سرتني مشاركتك و تواجدك في هذا الفضاء . وصدقني أنك و امثالك جعلتموني احس اني ما عدت غريبا هنا ، عكس ما تشعر به في بعض المواقع

الشهد .

شكرا لك على هذا التشجيع و هذا الدعم . وشهادتك افتخر بها . واتمنى ان ابقى دوما قادرا على صنع مثل الاحاسيس التي عبرت عنها . والى اللقاء مجددا في عمل آخر ان شاء الله