قيصر
13-06-2004, 07:25 AM
http://arabic.salmiya.net/songs/feyroz/ram/feyroz36.ram
في صبيحة أحد أيام العطلة الصيفية أحضر أبي عائلة صغيرة من الأرانب تتكون من ذكر وأنثيين وأطلقها في مزرعتنا المليئة بأشجار الكنار واللوز والبمبر , لم تكن مساحة المزرعة تتجاوز العشرين مترا طولا وخمسة عشر مترا عرضا .
كانت هذة المساحة الترابية الصغيرة كافية كي أحظى بطفولة رائعة امتد تأثيرها السحري في روحي حتى اليوم رغم مضي ربع قرن من الزمن .
استوطنت تلك المخلوقات الرائعة مزرعتنا وتوثقت علاقتي بها فكنت لا افارق المزرعة ألا للنوم .
اقضي يومي الأرنبي في التجول صباحا على باعة الخضار لأخذ بقايا الخس والجرجير ثم العودة لإطعام الأرانب والجلوس لمراقبتها في ظل شجرة اللوز.
في المساء أقوم برش أرض المزرعة بالمياة لتلطيف حرارة الأرض كي تستلقي الارانب ليلا على الأرض الرطبة الباردة .
بعد 3 اسابيع حدثت المأساة , استيقظت باكرا كعادتي وانطلقت لتفقد اصدقائي فلم أجدهم , سألت أمي ولم تخبرني رأفةً بي لأنها تعلم مدى تعلقي بهم .
عدت للمزرعة ووضعت طعام الإفطار أمام الجحر وانتظرت فلم يخرج اي منها فأيقنت بأن مكروها قد وقع لها .
امتنعت عن الأكل ورفضت الدخول الى البيت ليوميين متتاليين مما اضطر امي لتنام معي في المزرعة رغم معدل الرطوبة المرتفع في تلك الفترة الحارة من السنة .
كان ذلك الموقف الطفولي أول عملية إضراب يتم اللجوء اليها في ذلك البيت الديمقراطي , نجح الإضراب واخبرتني أمي بما حدث .
بعد خلود اهلي للنوم تسللت بعض الكلاب الضالة الى المزرعة عن طريق باب (الحريم ) وهو الباب الخلفي لبيتنا الذي يطل على (الداعوس) وهو درب ترابي يمر خلف كل بيوت الحارة ويستخدمنه النساء في التزاور وتبادل الاطعمة والحاجات والنميمة والشتائم أحيانا , يبدو أن أمي قد نسيت إغلاق هذا الباب قبل ذهابها للنوم فتسللت منه الكلاب وقتلت أرانبي الحبيبة التي كانت محور حياتي في تلك الفترة الخضراء مما جعلني لا اخجل من البكاء بحرقة أمام امي وجاراتها الزائرات رغم بلوغي سناً لا يسمح بالبكاء العلني .
موت الأرانب قلب حياتي رأسا على عقب وملأ روحي بمشاعر الوحدة والإنكسار واليتم وبالعديد من المشاعر الاخرى التي لم أكن قد اكتشفتها من قبل, في حين أن هذا الموت المفجع كان مصدرا للإرتياح المبهج لدى عدة أطراف كانت قد تضررت من وجود الأرانب في المزرعة .
الطرف الأول نساء الحارة اللواتي كنّ قد تعودن على زيارة أمي قبل مغرب كل يوم , فيفرشن البساط على ارض المزرعة ويجلسن لتناول الشاي وحب الفصفص الحساوي اللذيذ .
الطرف الثاني ..أخوتي وعيال الحارة الذين تعودوا على تسلق أشجار المزرعة للتلذذ بأكل الثمار الشهية ولعب كرة القدم في المزرعة .
الطرف الثالث كان أصدقائي الذين امتنعت عن لقائهم مفضلا قضاء وقتي مع اصدقائي الجدد من الأرانب.
كل هذه الاطراف فقدت مزايا التمتع بالمزرعة قبل مجيء الأرانب .
كان موت الارانب يمثّل صدمة كبيرة , فهو أول تعامل مباشر لي مع الفراغ والغياب الذي يخلّفه الموت وراءه دائما .
كل محاولات المواساة المتكررة لم تنفع في إخراجي من نوبات البكاء المتواصلة ..
وعود أبي الجادة بشراء ارانب جديده
تنازل أخي التاريخي لي عن (السيكل ) والذي كان القاسم المشترك في صراعاتنا الازلية
تبرّع أخي الاكبر بتعليمي قيادة سيارته ال180 بي الخضراء
قيام مسفر ابن الجيران بإعطائي مجموعته القيّمة من ألغاز المغامرين الخمسة ( تختخ ونوسة وعاطف ولوزة والمغامر الخامس ذو الأذنين الكبيرتين الذي نسيت اسمه ).
كل ذلك لم يجد نفعا , لم يكن هناك أي شيء يستطيع تعويضي عن أرانبي الحبيبة .
جريمة الكلاب الشنعاء كان لها تأثيرغريب على تعاملي الشخصي مع كل من حولي , كل شيء سيء يحدث لا بد أن يكون له ارتباط بالكلاب !!!!!
البكاء والبؤس والدناءة وشرور العالم مصدره الكلاب .
مدرّس مادة الحساب الكريهة جدير بان يكون كلبا
والد هيلة ابنة الجيران كان كلبا بحق لأنه سافر بعائلته الى الجنوب لقضاء العطلة الصيفية وحرمني من هيلة التي كنت استمتع باللهو معها على ( المرجيحة )
أخي سالم لا بد أن يكون كلبا أيضا لأنه يمنعني من الجلوس مع اصدقاءه عند دكان الحارة
حمد عبيد كابتن فريق كرة قدم الحارة كان كلبا لأنه يجبرني على اللعب كحارس مرمى في حين أنني أتوق كي اصبح هداف الفريق على الرغم من عدم تمتعي بمؤهلات هداف الفريق .
عندما اردت تخليد ذكرى تلك المذبحة, قمت بنقش عبارة تأبين على جذع شجرة اللوز العجوز ولكن مدخراتي اللغوية لم تسعفني في إيجاد الشتيمة اللائقة بالكلاب , فكتبت وأنا ابكي(( بالليل واحنا نايمين ذبحت الكلاب الكلبين ارانبي الحلوين , الله ياخذ الكلاب كلهم - 5/8/1399 ).
بعد مضي اسبوع كامل من الكآبة الموجعة ايقظتني زوجة اخي الأكبر وانتزعتني من فراشي لتقودني أمامها وهي تضع يديها الطيبتين على عينيّ وهي تقول : لدي مفاجأة لك , عندما رفعت يديها كنت أقف في المزرعة وأشاهد اجمل منظر في حياتي ,3 أرانب صغيرة جدا تتجول في المزرعة , لم يمض على ولادتها اكثر من عشرة ايام , يبدو أن إحدى الأنثيين قد ولدت قبل موتها فبقيت الارانب الوليدة في جحورها حتى خرجت الآن .
أمطرتُ يدي زوجة أخي بقبلات الإمتنان وأطلقت العنان لحنجرتي كي توقظ الحارة النائمة بصيحات الفرح ولتعلن إعادة تطبيق الأحكام العرفية التي تم تعليقها بعد موت الأرانب .
بعد سنتين تقريبا أصبح في مزرعتنا قبيلة كاملة من الأرانب وبمرور الوقت قل اهتمامي بها تدريجيا ولكنني لم أهملها يوما واحدا
في أحد الأيام وبينما أبي يسير في المزرعة غاصت قدمه في أحد الجحور تحت الأرض فقرر التخلص من الأرانب , لم اكترث كثيرا وفي الحقيقة كنت مرتاحا لهذا القرار لأن تكاثر الأرانب كان يعيقني من ممارسة هوايتي الجديدة في صيد الطيور المهاجرة التي تاتي في شهر سبتمبر من كل عام هربا من صقيع روسيا وباكستان وايران فتقطع الخليج العربي باتجاه الجنوب الدافيء لتحط على أشجار مزرعتنا التي تصبح أول أشجار عربية تستقبل هذه الطيور الاجنبية .
بعد مضي تلك الفترة الرائعة وعندما أعود الآن لزيارة أهلي تصبح حادثة موت الأرانب وعبارة التأبين الشهيرة حديث اليوم الأول من الزيارة , تنصب كل التعليقات الساخرة على تلك العبارة البريئة رغم أنني قد قمت قبل عدة سنوات بإزالتها من ذاكرة شجرة اللوز ولكن ما انطبع في ذاكرة أمي وأخوتي وذاكرتي لم تفلح السنوات الطويلة في محوه أبدا .
في صبيحة أحد أيام العطلة الصيفية أحضر أبي عائلة صغيرة من الأرانب تتكون من ذكر وأنثيين وأطلقها في مزرعتنا المليئة بأشجار الكنار واللوز والبمبر , لم تكن مساحة المزرعة تتجاوز العشرين مترا طولا وخمسة عشر مترا عرضا .
كانت هذة المساحة الترابية الصغيرة كافية كي أحظى بطفولة رائعة امتد تأثيرها السحري في روحي حتى اليوم رغم مضي ربع قرن من الزمن .
استوطنت تلك المخلوقات الرائعة مزرعتنا وتوثقت علاقتي بها فكنت لا افارق المزرعة ألا للنوم .
اقضي يومي الأرنبي في التجول صباحا على باعة الخضار لأخذ بقايا الخس والجرجير ثم العودة لإطعام الأرانب والجلوس لمراقبتها في ظل شجرة اللوز.
في المساء أقوم برش أرض المزرعة بالمياة لتلطيف حرارة الأرض كي تستلقي الارانب ليلا على الأرض الرطبة الباردة .
بعد 3 اسابيع حدثت المأساة , استيقظت باكرا كعادتي وانطلقت لتفقد اصدقائي فلم أجدهم , سألت أمي ولم تخبرني رأفةً بي لأنها تعلم مدى تعلقي بهم .
عدت للمزرعة ووضعت طعام الإفطار أمام الجحر وانتظرت فلم يخرج اي منها فأيقنت بأن مكروها قد وقع لها .
امتنعت عن الأكل ورفضت الدخول الى البيت ليوميين متتاليين مما اضطر امي لتنام معي في المزرعة رغم معدل الرطوبة المرتفع في تلك الفترة الحارة من السنة .
كان ذلك الموقف الطفولي أول عملية إضراب يتم اللجوء اليها في ذلك البيت الديمقراطي , نجح الإضراب واخبرتني أمي بما حدث .
بعد خلود اهلي للنوم تسللت بعض الكلاب الضالة الى المزرعة عن طريق باب (الحريم ) وهو الباب الخلفي لبيتنا الذي يطل على (الداعوس) وهو درب ترابي يمر خلف كل بيوت الحارة ويستخدمنه النساء في التزاور وتبادل الاطعمة والحاجات والنميمة والشتائم أحيانا , يبدو أن أمي قد نسيت إغلاق هذا الباب قبل ذهابها للنوم فتسللت منه الكلاب وقتلت أرانبي الحبيبة التي كانت محور حياتي في تلك الفترة الخضراء مما جعلني لا اخجل من البكاء بحرقة أمام امي وجاراتها الزائرات رغم بلوغي سناً لا يسمح بالبكاء العلني .
موت الأرانب قلب حياتي رأسا على عقب وملأ روحي بمشاعر الوحدة والإنكسار واليتم وبالعديد من المشاعر الاخرى التي لم أكن قد اكتشفتها من قبل, في حين أن هذا الموت المفجع كان مصدرا للإرتياح المبهج لدى عدة أطراف كانت قد تضررت من وجود الأرانب في المزرعة .
الطرف الأول نساء الحارة اللواتي كنّ قد تعودن على زيارة أمي قبل مغرب كل يوم , فيفرشن البساط على ارض المزرعة ويجلسن لتناول الشاي وحب الفصفص الحساوي اللذيذ .
الطرف الثاني ..أخوتي وعيال الحارة الذين تعودوا على تسلق أشجار المزرعة للتلذذ بأكل الثمار الشهية ولعب كرة القدم في المزرعة .
الطرف الثالث كان أصدقائي الذين امتنعت عن لقائهم مفضلا قضاء وقتي مع اصدقائي الجدد من الأرانب.
كل هذه الاطراف فقدت مزايا التمتع بالمزرعة قبل مجيء الأرانب .
كان موت الارانب يمثّل صدمة كبيرة , فهو أول تعامل مباشر لي مع الفراغ والغياب الذي يخلّفه الموت وراءه دائما .
كل محاولات المواساة المتكررة لم تنفع في إخراجي من نوبات البكاء المتواصلة ..
وعود أبي الجادة بشراء ارانب جديده
تنازل أخي التاريخي لي عن (السيكل ) والذي كان القاسم المشترك في صراعاتنا الازلية
تبرّع أخي الاكبر بتعليمي قيادة سيارته ال180 بي الخضراء
قيام مسفر ابن الجيران بإعطائي مجموعته القيّمة من ألغاز المغامرين الخمسة ( تختخ ونوسة وعاطف ولوزة والمغامر الخامس ذو الأذنين الكبيرتين الذي نسيت اسمه ).
كل ذلك لم يجد نفعا , لم يكن هناك أي شيء يستطيع تعويضي عن أرانبي الحبيبة .
جريمة الكلاب الشنعاء كان لها تأثيرغريب على تعاملي الشخصي مع كل من حولي , كل شيء سيء يحدث لا بد أن يكون له ارتباط بالكلاب !!!!!
البكاء والبؤس والدناءة وشرور العالم مصدره الكلاب .
مدرّس مادة الحساب الكريهة جدير بان يكون كلبا
والد هيلة ابنة الجيران كان كلبا بحق لأنه سافر بعائلته الى الجنوب لقضاء العطلة الصيفية وحرمني من هيلة التي كنت استمتع باللهو معها على ( المرجيحة )
أخي سالم لا بد أن يكون كلبا أيضا لأنه يمنعني من الجلوس مع اصدقاءه عند دكان الحارة
حمد عبيد كابتن فريق كرة قدم الحارة كان كلبا لأنه يجبرني على اللعب كحارس مرمى في حين أنني أتوق كي اصبح هداف الفريق على الرغم من عدم تمتعي بمؤهلات هداف الفريق .
عندما اردت تخليد ذكرى تلك المذبحة, قمت بنقش عبارة تأبين على جذع شجرة اللوز العجوز ولكن مدخراتي اللغوية لم تسعفني في إيجاد الشتيمة اللائقة بالكلاب , فكتبت وأنا ابكي(( بالليل واحنا نايمين ذبحت الكلاب الكلبين ارانبي الحلوين , الله ياخذ الكلاب كلهم - 5/8/1399 ).
بعد مضي اسبوع كامل من الكآبة الموجعة ايقظتني زوجة اخي الأكبر وانتزعتني من فراشي لتقودني أمامها وهي تضع يديها الطيبتين على عينيّ وهي تقول : لدي مفاجأة لك , عندما رفعت يديها كنت أقف في المزرعة وأشاهد اجمل منظر في حياتي ,3 أرانب صغيرة جدا تتجول في المزرعة , لم يمض على ولادتها اكثر من عشرة ايام , يبدو أن إحدى الأنثيين قد ولدت قبل موتها فبقيت الارانب الوليدة في جحورها حتى خرجت الآن .
أمطرتُ يدي زوجة أخي بقبلات الإمتنان وأطلقت العنان لحنجرتي كي توقظ الحارة النائمة بصيحات الفرح ولتعلن إعادة تطبيق الأحكام العرفية التي تم تعليقها بعد موت الأرانب .
بعد سنتين تقريبا أصبح في مزرعتنا قبيلة كاملة من الأرانب وبمرور الوقت قل اهتمامي بها تدريجيا ولكنني لم أهملها يوما واحدا
في أحد الأيام وبينما أبي يسير في المزرعة غاصت قدمه في أحد الجحور تحت الأرض فقرر التخلص من الأرانب , لم اكترث كثيرا وفي الحقيقة كنت مرتاحا لهذا القرار لأن تكاثر الأرانب كان يعيقني من ممارسة هوايتي الجديدة في صيد الطيور المهاجرة التي تاتي في شهر سبتمبر من كل عام هربا من صقيع روسيا وباكستان وايران فتقطع الخليج العربي باتجاه الجنوب الدافيء لتحط على أشجار مزرعتنا التي تصبح أول أشجار عربية تستقبل هذه الطيور الاجنبية .
بعد مضي تلك الفترة الرائعة وعندما أعود الآن لزيارة أهلي تصبح حادثة موت الأرانب وعبارة التأبين الشهيرة حديث اليوم الأول من الزيارة , تنصب كل التعليقات الساخرة على تلك العبارة البريئة رغم أنني قد قمت قبل عدة سنوات بإزالتها من ذاكرة شجرة اللوز ولكن ما انطبع في ذاكرة أمي وأخوتي وذاكرتي لم تفلح السنوات الطويلة في محوه أبدا .