إشراقة أمل
06-08-2004, 02:29 AM
http://www.maknoon.com/mon/userfiles/heartttro1.gif
http://www.maknoon.com/mon/userfiles/heartttro11.gif
http://members.lycos.co.uk/alwaeeely/13.gif
التربية، مصدرها، ومتى تبدأ؟
كنوز القرآن والسنة أصول تربوية كبيرة الفائدة عظيمة الأثر، وحين يكون الحديث عن الطفولة فإن هذه المرحلة كالبذرة الصغيرة والنبتة الضعيفة إذا أردنا لها النمو والقوة والاشتداد فعلينا بمنبع الإسلام الصافي، لنربي أبناءنا على منهج كتاب الله ووفق سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولنحرص على هذه التربية منذ نعومة أظفارهم، حيث مرحلة التنشئة، فالأطفال كالنبتة الصغيرة تحتاج إلى رعاية تامة من ماء وهواء وشمس حتى تكبر وتشتد والأطفال بحاجة إلى متابعة وتوجيه ما داموا في هذه المرحلة من العمر حتى إذا اشتد عودهم وصاروا كبارا كانوا على خير بإذن الله تعالى أما إذا نشأوا مهملين فيصعب عند الكبر توجيههم وإصلاحهم.
نجد في وقتنا الحاضر كثيرا من الأمهات يشتكين من أبنائهن بعدم أداء صلاة الفجر في جماعة بسبب عدم تعودهم عليها منذ الصغر، تحكي إحدى الأخوات أن طفلها منذ أن كان في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي كان لا يترك الصلاة مع الجماعة في كل وقت حتى صلاة الفجر فكان في ليالي الشتاء الباردة يلبس الملابس الثقيلة ويخرج مع أبيه إلى المسجد وفي إحدى الليالي قال أحد جماعة المسجد لوالده لا تخرج به في مثل هذا الوقت لبرودة الجو وعدم تحمل الطفل له، لكن الأب استمر على الذهاب بابنه إلى المسجد في كل الأوقات لأنه ليس هناك فرق بين ذهابه إلى المسجد وموعد المدرسة- أي بين صلاة الفجر وموعد الدراسة سوى ساعة واحدة تقريبا- فلماذا نهتم بأمر الدنيا أكثر من الاهتمام بأمر الله والدار الآخرة، واستمر هذا الابن على المحافظة على الصلاة في المسجد في كل وقت وقد بلغ قرابة العشرين من عمره وهو مثال في المحافظة على الصلاة جماعة في الفجر وغيره لأن من شب على شيء شاب عليه.
وهذا الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- يذكر عنه أنه يقول كنا نعيش في بغداد وكان والدي قد توفي وكنت أعيش مع أمي فإذا كان قبل الفجر أيقظتني وسخنت لي الماء ثم توضأت. وكان عمره آنذاك عشر سنين- يقول وجلسنا نصلي حتى يؤذن الفجر- هو وأمه رحمهما الله- وعند الأذان تصحبه أمه إلى المسجد وتنتظره حتى تنتهي الصلاة لأن الأسواق حينئذ مظلمة وقد تكون فيها السباع والهوام ثم يعودان إلى البيت بعد أداء الصلاة، وعندما كبر أرسلته أمه لطلب العلم ويقول أحد العلماء: إن لأم الإمام أحمد من الأجر مثل ما لابنها لأنها هي التي دلته على الخير.
نعمة الذرية
إن نعمة الذرية نعمة جليلة لا يقدر قيمتها إلا من فقدها، والنعمة تستحق الشكر للمنعم، ومن أجل مظاهر شكرها حسن تربيتها ورعايتها الرعاية الشرعية الصحيحة، فكيف تكون هذه التربية وتلك الرعاية؟
هذا التساؤل هو ما سنحاول الإجابة عليه قدر المستطاع في هذه الكلمات بإذن الله، إن هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا وزين بها بيوتنا ثم أوكل إلينا حق رعايتها وإصلاحها والعناية بها جديرة بالدراسة والتخطيط والمتابعة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته إلى أن قال والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده" الحديث متفق عليه. فما هي تلك الرعاية؟
تبدأ الرعاية في الإسلام قبل عقد الزوجية حيث أوصى الإسلام باختيار الزوجة الصالحة لما لها من أثر في صلاح الذرية فحكمة الإسلام البدء بصلاح الأم وحسن اختيارها وهذا هو صريح وصية الرسول عليه الصلاة والسلام "فاظفر بذات الدين تربت يداك ". فالأم الصالحة مثل الأرض الصالحة للزراعة، ثم يأتي- بعد الزواج- التوجيه النبوي الكريم إلى ما يكون سببا في صلاح الأبناء قبل تكوينهم في أرحام أمهاتهم حيث ورد قوله صلى الله عليه وسلم:" لو أن أحدكم إذ أتى أهله قال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقنا، فقضي بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا". والحديث متفق عليه. تسمية ودعاء، وهذا دليل على بركة التسمية وأهميتها وأهمية الدعاء، وفي ذلك اعتصام بذكر الله وتبرك باسمه واستشعار بأن الله تعالى هو الميسر والمعين، وفيه إشارة إلى أن ذكر الله سبحانه وتعالى يطرد الشياطين.
وأمر آخر مما يدل على عناية الإسلام بالرعاية الطيبة للأبناء هو الدعاء لهم فدعاء الله سبحانه وتعالى هو نهج الأنبياء والصالحين في كل حال من أحوالهم، فهذا زكريا عليه السلام يدعو الله سبحانه وتعالى قبل أن يرزق الذرية قال تعالى: {)هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ] [آل عمران:38]. فلننظر إلى قوله ذرية طيبة لأنه لا يريد أية ذرية ويحدثنا القرآن الكريم أيضا عن امرأة عمران- أم مريم عليها السلام . ودعائها ربها حين الحمل وبعد الولادة يقول تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:34- 36]
الله أكبر تدعو لابنتها ولذريتها، فهل لفت انتباهنا- نحن المربون- هذا الدعاء ودعونا به.
كانت إحدى الأخوات حاملاً وعند آلام الوضع تذكرت دعاء أم مريم لابنتها مريم عليها السلام بعد ولادتها لها وتقول لقد ألهمني الله أن أدعوا الله بهذا الدعاء بعد ولادتي طفلتي: "اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ".
تقول هذه الأخت لقد رأيت على هذه البنت صفة الهدوء والراحة في تربيتها ما لم أجده فيمن قبلها من أخوتها ولله الحمد ونسأل الله أن يديم عليها ويجعلها قرة عين لوالديها وذخرا للإسلام والمسلمين.
عناية السلف بالتربية
يحكى أن رجلاً ذهب إلى أحد العلماء يسأله- كيف تكون التربية؟ فسأله العالم كم عمر ابنك الآن؟ قال أربعة أشهر، فقال العالم لقد فاتتك التربية! لأن التربية يبدأ بها منذ اختيار الزوجة، ومن هنا نعلم أن التربية لا تبدأ مع ولادة الطفل أو بعد مضي سنوات عمره الأولى، بل نلاحظ هنا أن التربية تسبق الإقدام على الزواج، وذلك بالتروي في اختيار الزوجة الصالحة لأنها هي المدرسة الأولى للطفل في حمله وبعد ولادته والأم هي الفاعل الأساس في العملية التربوية، وهي المربي الأسبق قبل الأب وذلك لالتصاقها بالطفل- ولأن الطفل قطعة منها ولأن عاطفة الأم أقوى من عاطفة الأب والأم المسلمة هي نواة البيت المسلم لأنها تعيش مع الابن أكثر سنوات حياته أهمية، وهي مرحلة ما قبل المدرسة التي تحدد شخصية الطفل، وهي مرحلة أساسية في حياته وكلما دعمت بالرعاية والإشراف والتوجيه كان ذلك أثبت للطفل أمام الهزات المستقبلية التي ستعترض الطفل في مستقبل أيامه، وكلما أخذت التربية منا جهدا أكبر أثمرت أطيب، فمن يرد إنشاء بيت محكم فليتقن التأسيس ليكون ذلك أقوى له وأشد صلابة في مواجهة دواعي السقوط والانهيار، وهكذا تنبغي العناية بتأسيس الأبناء.
وهناك أشارة إلى أن التربية الإسلامية التي عليها الأساس القوي هي تربية الروح فتنمية فطرة الطفل السليمة على الخير وربط صلته بالله تعالى بالذكر والدعاء في كل حين وفي كل عمل، وبيان نعمة الله على هذا الطفل في خلقه ومأكله ومشربه ولبسه مطلب أهم من العناية بالأكل والشرب واللباس مجردة من استشعار فضل الله فيها فهذه الحاجات الظاهرية من السهولة إصلاحها ومتابعتها وتحققيها للطفل، إذن فالمهم من الذي هيأها وأنعم بها علينا.
لنقرأ قول الله تعالى في سورة لقمان: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.
المتأمل في هذه الآيات يدرك كثيرا من الركائز التربوية القرآنية التي يريدها ربنا سبحانه وتعالى لنا ولأبنائنا ومن أهم تلك الركائز:
1- القدوة في المربي الأب ومثله الأم.
2- أسلوب الحكمة في الموعظة واللين والرفق في التربية.
3- الركن الأول في التربية والتعليم، وهو ترسيخ العقيدة "يا بني لا تشرك بالله ".
4- إحياء عاطفة الأبوة وبيان واجب الولد نحو والديه وتنمية جانب المحبة والتقدير بين الآباء والأمهات والأبناء.
5- ربط السلوك بالعقيدة "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله، إن الله لطيف خبير".
ليدرك الطفل هذه الحبة الصغيرة وأنها لا تخفى عن علم الله في ملكوته الواسع بل يأت بها الله لأنه عليم بصير لطيف لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
وهكذا عناية المربي كما يصورها القرآن الكريم على لسان لقمان لتكون دستورا ومنهاجا لكل المربين عبر العصور.
وسجل التاريخ حافل بالعبر في مجال عناية السلف بالتربية وسيرة الأمهات الصالحات تعطر صفحاته بمداد من ذهب والمتصفح لذلك السجل يتبين له ما كان عليه نساء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرون الإسلام المفضلة من حرص تام على تنشئة جيل رباني متمسك بعقيدته عامل عالم بشريعة الله مطبق لأحكامها في مسلكه في هذه الحياة.
http://members.lycos.co.uk/alwaeeely/13.gif
وللحديث بقية..
http://www.maknoon.com/mon/userfiles/heartttro11.gif
http://members.lycos.co.uk/alwaeeely/13.gif
التربية، مصدرها، ومتى تبدأ؟
كنوز القرآن والسنة أصول تربوية كبيرة الفائدة عظيمة الأثر، وحين يكون الحديث عن الطفولة فإن هذه المرحلة كالبذرة الصغيرة والنبتة الضعيفة إذا أردنا لها النمو والقوة والاشتداد فعلينا بمنبع الإسلام الصافي، لنربي أبناءنا على منهج كتاب الله ووفق سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولنحرص على هذه التربية منذ نعومة أظفارهم، حيث مرحلة التنشئة، فالأطفال كالنبتة الصغيرة تحتاج إلى رعاية تامة من ماء وهواء وشمس حتى تكبر وتشتد والأطفال بحاجة إلى متابعة وتوجيه ما داموا في هذه المرحلة من العمر حتى إذا اشتد عودهم وصاروا كبارا كانوا على خير بإذن الله تعالى أما إذا نشأوا مهملين فيصعب عند الكبر توجيههم وإصلاحهم.
نجد في وقتنا الحاضر كثيرا من الأمهات يشتكين من أبنائهن بعدم أداء صلاة الفجر في جماعة بسبب عدم تعودهم عليها منذ الصغر، تحكي إحدى الأخوات أن طفلها منذ أن كان في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي كان لا يترك الصلاة مع الجماعة في كل وقت حتى صلاة الفجر فكان في ليالي الشتاء الباردة يلبس الملابس الثقيلة ويخرج مع أبيه إلى المسجد وفي إحدى الليالي قال أحد جماعة المسجد لوالده لا تخرج به في مثل هذا الوقت لبرودة الجو وعدم تحمل الطفل له، لكن الأب استمر على الذهاب بابنه إلى المسجد في كل الأوقات لأنه ليس هناك فرق بين ذهابه إلى المسجد وموعد المدرسة- أي بين صلاة الفجر وموعد الدراسة سوى ساعة واحدة تقريبا- فلماذا نهتم بأمر الدنيا أكثر من الاهتمام بأمر الله والدار الآخرة، واستمر هذا الابن على المحافظة على الصلاة في المسجد في كل وقت وقد بلغ قرابة العشرين من عمره وهو مثال في المحافظة على الصلاة جماعة في الفجر وغيره لأن من شب على شيء شاب عليه.
وهذا الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- يذكر عنه أنه يقول كنا نعيش في بغداد وكان والدي قد توفي وكنت أعيش مع أمي فإذا كان قبل الفجر أيقظتني وسخنت لي الماء ثم توضأت. وكان عمره آنذاك عشر سنين- يقول وجلسنا نصلي حتى يؤذن الفجر- هو وأمه رحمهما الله- وعند الأذان تصحبه أمه إلى المسجد وتنتظره حتى تنتهي الصلاة لأن الأسواق حينئذ مظلمة وقد تكون فيها السباع والهوام ثم يعودان إلى البيت بعد أداء الصلاة، وعندما كبر أرسلته أمه لطلب العلم ويقول أحد العلماء: إن لأم الإمام أحمد من الأجر مثل ما لابنها لأنها هي التي دلته على الخير.
نعمة الذرية
إن نعمة الذرية نعمة جليلة لا يقدر قيمتها إلا من فقدها، والنعمة تستحق الشكر للمنعم، ومن أجل مظاهر شكرها حسن تربيتها ورعايتها الرعاية الشرعية الصحيحة، فكيف تكون هذه التربية وتلك الرعاية؟
هذا التساؤل هو ما سنحاول الإجابة عليه قدر المستطاع في هذه الكلمات بإذن الله، إن هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا وزين بها بيوتنا ثم أوكل إلينا حق رعايتها وإصلاحها والعناية بها جديرة بالدراسة والتخطيط والمتابعة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته إلى أن قال والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده" الحديث متفق عليه. فما هي تلك الرعاية؟
تبدأ الرعاية في الإسلام قبل عقد الزوجية حيث أوصى الإسلام باختيار الزوجة الصالحة لما لها من أثر في صلاح الذرية فحكمة الإسلام البدء بصلاح الأم وحسن اختيارها وهذا هو صريح وصية الرسول عليه الصلاة والسلام "فاظفر بذات الدين تربت يداك ". فالأم الصالحة مثل الأرض الصالحة للزراعة، ثم يأتي- بعد الزواج- التوجيه النبوي الكريم إلى ما يكون سببا في صلاح الأبناء قبل تكوينهم في أرحام أمهاتهم حيث ورد قوله صلى الله عليه وسلم:" لو أن أحدكم إذ أتى أهله قال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقنا، فقضي بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا". والحديث متفق عليه. تسمية ودعاء، وهذا دليل على بركة التسمية وأهميتها وأهمية الدعاء، وفي ذلك اعتصام بذكر الله وتبرك باسمه واستشعار بأن الله تعالى هو الميسر والمعين، وفيه إشارة إلى أن ذكر الله سبحانه وتعالى يطرد الشياطين.
وأمر آخر مما يدل على عناية الإسلام بالرعاية الطيبة للأبناء هو الدعاء لهم فدعاء الله سبحانه وتعالى هو نهج الأنبياء والصالحين في كل حال من أحوالهم، فهذا زكريا عليه السلام يدعو الله سبحانه وتعالى قبل أن يرزق الذرية قال تعالى: {)هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ] [آل عمران:38]. فلننظر إلى قوله ذرية طيبة لأنه لا يريد أية ذرية ويحدثنا القرآن الكريم أيضا عن امرأة عمران- أم مريم عليها السلام . ودعائها ربها حين الحمل وبعد الولادة يقول تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:34- 36]
الله أكبر تدعو لابنتها ولذريتها، فهل لفت انتباهنا- نحن المربون- هذا الدعاء ودعونا به.
كانت إحدى الأخوات حاملاً وعند آلام الوضع تذكرت دعاء أم مريم لابنتها مريم عليها السلام بعد ولادتها لها وتقول لقد ألهمني الله أن أدعوا الله بهذا الدعاء بعد ولادتي طفلتي: "اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ".
تقول هذه الأخت لقد رأيت على هذه البنت صفة الهدوء والراحة في تربيتها ما لم أجده فيمن قبلها من أخوتها ولله الحمد ونسأل الله أن يديم عليها ويجعلها قرة عين لوالديها وذخرا للإسلام والمسلمين.
عناية السلف بالتربية
يحكى أن رجلاً ذهب إلى أحد العلماء يسأله- كيف تكون التربية؟ فسأله العالم كم عمر ابنك الآن؟ قال أربعة أشهر، فقال العالم لقد فاتتك التربية! لأن التربية يبدأ بها منذ اختيار الزوجة، ومن هنا نعلم أن التربية لا تبدأ مع ولادة الطفل أو بعد مضي سنوات عمره الأولى، بل نلاحظ هنا أن التربية تسبق الإقدام على الزواج، وذلك بالتروي في اختيار الزوجة الصالحة لأنها هي المدرسة الأولى للطفل في حمله وبعد ولادته والأم هي الفاعل الأساس في العملية التربوية، وهي المربي الأسبق قبل الأب وذلك لالتصاقها بالطفل- ولأن الطفل قطعة منها ولأن عاطفة الأم أقوى من عاطفة الأب والأم المسلمة هي نواة البيت المسلم لأنها تعيش مع الابن أكثر سنوات حياته أهمية، وهي مرحلة ما قبل المدرسة التي تحدد شخصية الطفل، وهي مرحلة أساسية في حياته وكلما دعمت بالرعاية والإشراف والتوجيه كان ذلك أثبت للطفل أمام الهزات المستقبلية التي ستعترض الطفل في مستقبل أيامه، وكلما أخذت التربية منا جهدا أكبر أثمرت أطيب، فمن يرد إنشاء بيت محكم فليتقن التأسيس ليكون ذلك أقوى له وأشد صلابة في مواجهة دواعي السقوط والانهيار، وهكذا تنبغي العناية بتأسيس الأبناء.
وهناك أشارة إلى أن التربية الإسلامية التي عليها الأساس القوي هي تربية الروح فتنمية فطرة الطفل السليمة على الخير وربط صلته بالله تعالى بالذكر والدعاء في كل حين وفي كل عمل، وبيان نعمة الله على هذا الطفل في خلقه ومأكله ومشربه ولبسه مطلب أهم من العناية بالأكل والشرب واللباس مجردة من استشعار فضل الله فيها فهذه الحاجات الظاهرية من السهولة إصلاحها ومتابعتها وتحققيها للطفل، إذن فالمهم من الذي هيأها وأنعم بها علينا.
لنقرأ قول الله تعالى في سورة لقمان: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.
المتأمل في هذه الآيات يدرك كثيرا من الركائز التربوية القرآنية التي يريدها ربنا سبحانه وتعالى لنا ولأبنائنا ومن أهم تلك الركائز:
1- القدوة في المربي الأب ومثله الأم.
2- أسلوب الحكمة في الموعظة واللين والرفق في التربية.
3- الركن الأول في التربية والتعليم، وهو ترسيخ العقيدة "يا بني لا تشرك بالله ".
4- إحياء عاطفة الأبوة وبيان واجب الولد نحو والديه وتنمية جانب المحبة والتقدير بين الآباء والأمهات والأبناء.
5- ربط السلوك بالعقيدة "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله، إن الله لطيف خبير".
ليدرك الطفل هذه الحبة الصغيرة وأنها لا تخفى عن علم الله في ملكوته الواسع بل يأت بها الله لأنه عليم بصير لطيف لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
وهكذا عناية المربي كما يصورها القرآن الكريم على لسان لقمان لتكون دستورا ومنهاجا لكل المربين عبر العصور.
وسجل التاريخ حافل بالعبر في مجال عناية السلف بالتربية وسيرة الأمهات الصالحات تعطر صفحاته بمداد من ذهب والمتصفح لذلك السجل يتبين له ما كان عليه نساء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرون الإسلام المفضلة من حرص تام على تنشئة جيل رباني متمسك بعقيدته عامل عالم بشريعة الله مطبق لأحكامها في مسلكه في هذه الحياة.
http://members.lycos.co.uk/alwaeeely/13.gif
وللحديث بقية..