المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـتــدجـــيـن الـثـــقــافــي - لكريستيان واوليفييه



الوجيه
13-01-2004, 01:33 AM
الـتــدجـــيـن الـثـــقــافــي

كريستيان سالمون واوليفييه بي



في ايامنا هذه، سمحت لفظة "ثقافة" في تعريفها بادخال العديد من العناصر الهجينة. فالفن والفكر يشهدان تدريجيا ارتدادا وتقلصًا بفعل وسائل الاتصال والتسلية والعروض والسياحة والمقياس الجماهيري. وقد فقدت الوزارة التي تحمل الاسم نفسه اي معنى لها، وما عادت سوى الحكم والرقيب لسوق، نوع من الاستشاري المالي والفني للاذواق، تلك التي تكوّن وفق قوانين العرض والطلب التي تنتسب بدورها الى وسائل الاتصال.

اليوم، اياً يكن الخالق، عليه ان يؤدي ولاء مزدوجا الى قوانين السوق وقوانين المناخات السياسية الاكثر باطنية. سبعة وزراء للثقافة منذ عشر سنين، وعشرات المستشارين من شتى الانواع، متنورين نوعاً ما، لكن مأخوذين بالعشق الحزين اليائس نفسه، الذي يريد ان يحوّل كل فن عرضاً: الموسيقى المعاصرة تصير مجموعة من موسيقى اليوم، والادب سوقا للكتب، والسينما انقلابا متـسـارعاً لـلنجوم والمسرح عرضا حياً (ثمة عرض ميت اذاً!).



لم يعد شارع فالوا مركزاً لمقاومة امتداح الفنون وبيعها، بل هو ينظمها ويتعاون معها. اما مبدأه الذي اصبح القاعدة الاساسية لمسلسلنا الثقافي القومي: فالتسلية. عيد الموسيقى والسينما! جنون القراءة! عيد الانترنت! هوس مهرجانات!... عروض رؤوس فارغة! انها التسلية ايا يكن الثمن. العيد في الاوقات كلها. لا امل لأي مشروع ثقافي اليوم اذا لم يؤدِّ الى احد الاعياد او يترافق معها. مع فقدانها معناها، ربحت لفظة "ثقافة" قيمة تجارية، معادلة بلا مفاجآت لكن بلا نتيجة ايضاً.

هكذا انتقلنا خلال عشرين عاما من السياسة الثقافية الى ثقافة التقارب. قريبا جدا ستتولى مؤسسات خاصة مسؤولية الثقافة في عالم الاتصالات والترفيه المثالي. ثقافة استعدت بطيئة لمعلمها الجديد، فأصبحت في مجملها خرساء واحتفالية وتنميقية وتربوية ومسلية الخ. اي في اختصار: داجنة.

لقد اصبح تدجين الافراد اليوم هدف الحياة في المجتمع. لأن الامر لم يعد يقتصر على استبدال الثقافة بالتسلية، والفن بالثقافة، بل طرد اي واقع للمساحة الاجتماعية، واستبدال التجربة بالاستعراض، والرواية بتلفزيون الوقائع. ان تنجح اينما كان العلاقات الشبحية بين الناس. منع تكوّن ما كان بالنسبة الى كافكا جوهر الفن وتبريره الوحيد "ظروف الكلمة الحقيقية من كائن الى آخر" - وذلك أياً يكن الثمن.

كل مغامرة روحية تصير موقعا على شبكة الانترنت، والسينما اجزاء من السوق السمعية البصرية، والفلسفة حالة متلفزة، والفكرة جدلية. الكل في رقصة تنويمية، حيث تؤدي لفظة "ثقافة" دور الرابط، والضباب والمقياس، واخيرا الشرطة. هي تؤدي دور الشرطة لأن الحرية الفردية تحولت حرية للحصول على المبتغى. في متاهة الاتصال، يحصل المواطن على كل شيء: في صفته مستهلكا وسائحا ومسافرا. هكذا يعطي الكُتّاب الذين يُعتبرون مهدمين مقابلات الى صحف الموضة. يختلط مصممو الازياء بجراحي التجميل ويعززون مكانتهم، تستخدم الاعلانات السلطة الروحية وقيمة الشعر المـضـافـة لـتـبيع سيارات اسطورية وغسالات كاتمة للصوت.

لنذكّر بأنه لا يسعنا تقليص المسرح والادب والشعر والفن بشكل عام الى ظواهر (ثقافية)، وقطاعات (نشاطات) وفئات (مأجورين). لا يجلس الفن الى مائدة المفاوضات. والادب بحث قاتم ومزروع بالفشل، رواية خاسرة، ما كان يسمّيه جاك لندن جنوب الوجود، هذا القطب حيث تلتقي التجربة مع روايتها.

الشفهية هي مفتاح مستقبلنا، والممكن هو بلا اي شك رافد الشعر الوحيد. اما في ما يتعلق بقوة الرواية والاسطورة الازلية هذه، وبفضيلة الغنائية هذه، فتبقى غير متأثرة بليل الغرب. انها تحترق تحت الرماد. هي هذه الشعلة الاخيرة التي تُدان وتُحارب، خاصة لأن وجودها مهما كان محدودا، ينافس تسلح الاتصال بعكس وسائل التعبير الاخرى. لكن، اردنا ذلك ام لا، سيشهد المسرح قرنا كبيرا، سيجد شباب كامل نفسه فيه، سيختبر المسرح مغامرة كبيرة، كبيرة بقدر ما ستحاكم الكلمة، وسيصير الكتاب وصفة فرح، والادب صحافة، والصورة ايقونة، والسياسة نفاقا اقتصاديا واسعا. سيشهد المسرح قرنا كبيرا وسيبرز شعراء. قد نتساءل ممن نطالب بشاعر جديد؟ من البحر والليل والشمس والحب؟ولماذا؟ لكن، ربما هو وجع شعب بأكمله قد شُوِّهت كلمته، ما سيؤدي الى خلق شاعر. العالم فقير في الافكار، لكنه غني بالاوجاع. لن يحصل المرتهنون على الافضلية وبما أننا سنكون قريبا كلنا قطعان سلطة فريدة وغير مرئية، سنتشارك ايضا كلمة الشعراء الجدد. ليس ثمة تعريف آخر للامل.

ترجمة ندين نصرالله

المصدر : الملحق الثقافي لجريدة النهار اللبنانية

****************************** *************