- الإهدائات >> ابوفهد الي : كل عام وانتم الي الله اقرب وعن النار ابعد شهركم مبارك تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال والله لكم وحشه ومن القلب دعوة صادقة أن يحفظكم ويسعدكم اينما كنتم ابوفهد الي : ابشركم انه سيتم الإبقاء على الدرر مفتوحة ولن تغلق إن شاء الله اتمنى تواجد من يستطيع التواجد وطرح مواضيع ولو للقرأة دون مشاركات مثل خواطر او معلومات عامة او تحقيقات وتقارير إعلامية الجوري الي I miss you all : اتمنى من الله ان يكون جميع في افضل حال وفي إتم صحه وعافية ابوفهد الي الجوري : تم ارسال كلمة السر اليك ابوفهد الي نبض العلم : تم ارسال كلمة السر لك ابوفهد الي : تم ارسال كلمات سر جديدة لكما امل ان اراكم هنا ابوفهد الي الأحبة : *نجـ سهيل ـم*, ألنشمي, ملك العالم, أحمد السعيد, BackShadow, الأصيـــــــــل, الدعم الفني*, الوفيه, القلب الدافىء, الكونكورد, ايفا مون, حياتي ألم, جنان نور .... ربي يسعدكم بالدارين كما اسعدتمني بتواجدكم واملى بالله أن يحضر البقية ابوفهد الي : من يريد التواصل معى شخصيا يرسل رسالة على ايميل الدرر سوف تصلني ابوفهد الي : اهلا بكم من جديد في واحتكم الغالية اتمنى زيارة الجميع للواحة ومن يريد شياء منها يحمله لديه لانها ستغلق بعد عام كما هو في الإعلان اتمنى ان الجميع بخير ملك العالم الي : السلام عليكم اسعد الله جميع اوقاتكم بكل خير ..
إضافه إهداء  

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: رحلة في رحاب كتاب.. 3

  1. #1
    الصورة الرمزية إشراقة أمل
    تاريخ التسجيل : Apr 2002
    رقم العضوية : 249

    رحلة في رحاب كتاب.. 3




    [ALIGN=CENTER]للعاقلات فقط

    100 وقفة تربوية للمرأة

    مع الرسول صلى الله عليه وسلم

    تأليف

    جمال عبدالرحمن



    إهـداء[/ALIGN]



    [COLOR=blue][ALIGN=CENTER][ALIGN=CENTER][ALIGN=CENTER]
    أهدي هذا الكتاب إلى واحدة من العاقلات- أحسبها من الصالحات ولا أزكي على الله أحدا- هي أم العيال وربة البيت، هي أم محمد "زوجتي"- حفظها الله-.

    تلك المرأة التي لا تحب شيئا من الدنيا مثلما أحبت تعلم القرآن وتعليمه وتلاوته، فقد قامت بتحفيظ خمسة من أولادي وبناتي كتاب الله في سن أقل من عشر سنوات، ولم تكن يوم تزوجتها تحفظ القرآن كله، لكنها لكثرة إشرافها على تحفيظ الأسرة، لا يخطئ أحد منا أمامها في أي سورة إلا ردته وراجعته، وغير هذا، قامت بتحفيظ جميع أفراد الأسرة " الأربعين حديثا النووية " و"الأسماء الحسنى"، و"المنظومة البيقونية"، و"منظومة سلم الوصول " التي بها مئات الأبيات، وتشرف على ذلك كله من حين لآخر لكافة الأسرة، حتى من تزوج من البنات، وختمت تحفيظ القرآن لنساء من خارج الأسرة، وتراجعه في رمضان أكثر من ثلاث ختمات.

    وسبب توفيقها في ذلك الله جل وعلا، الذي يسر لها اغتنام فترة البكور بعد صلاة الفجر، فهي لا تفوتها ولو كانت مريضة، ولو كانت ليلة ولادتها.

    وهي بجانب ذلك تذاكر لصغارنا دروسهم في المدرسة الابتدائية التي تعلمتها، فقد تزوجتها تحمل الشهادة الابتدائية فقط، لكن الله أكثر، فهي ربة البيت، وخادمة الجميع، تستقبل ضيوفها، وتربي أولادها، وتعمل عمل أهلها، فالله يسعدها ويرزقها سعادة الدارين. إنه على كل شيء قدير



    مـقدمة



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه... وبعد:

    فإن العقل أصل الفضائل، وينبوع الآداب، وخير المواهب؛ وأفضل رزق الوهاب، وصدق القائل:



    وأفضل قسم الله للمرء عقله فليس من الأشياء شيء يقاربه

    إذا أكمل الرحمن للمرء عقله فقد كملت أخلاقه ومآربه



    وبالعقل تعرف حقائق الأمور، ويفصل بين الخيرات والشرور، إذا تم في الإنسان سمي عاقلا، وكان نصيبه من الرشد كاملا.

    والعاقل من عقل عن الله أمره ونهيه، واتبع النبي صلى الله عليه وسلم واقتفى أثره، واجتنب محارم الله، وأدى فرائضه جل وعلا، ثم تنفل بالصالحات وتزود من فعل الخيرات.

    وشر البلية والمصائب، إهمال العقل، وإلغاء الفهم، فهو السبيل إلى جهنم، وقد قال الله تعالى عن أهل النار: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10].

    وفي كتابنا هذا نتعرض لنماذج من سير أعلام العقلاء، ليس من الرجال، ولكن من النساء؛ لترى كل مسلمة فيها القدوة الحسنة والسيرة العطرة، ومن هنا تحدد موقفها بصراحة ووضوح، هل استعملت عقلها أم ألغت فهمها؟ هل تزداد من الله قربا، أم تزداد عنه بعدا؟

    والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.



    المؤلف



    1- العاقلة ومراقبة ربها



    ذكر ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ...} [البقرة:226] قصة في المراقبة لله والخوف منه، حدثت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد كان يعس بالمدينة كعادته، فسمع امرأة كان زوجها قد خرج غازيا في جيش عمر، تقول:



    طال هذا الليل وازور جانبه وليس إلى جنبي خليل ألاعبه

    فوالله لولا الله أني أراقـبه لحرك من هذا السرير جوانبه

    مخافة ربي والحياء يصدني وأكرم بعلي أن تنال مراكبه

    فمراقبة تلك المرأة ربها وخشيتها إياه كانت حائلا بينها وبين دخول أجنبي عليها.



    2- العاقلة والثقة فيما عند الله



    روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إبراهيم عليه السلام بأم إسماعيل " هاجر " وابنها إسماعيل، وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة " شجرة" فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هناك، ووضع عندهما جرابا (كيسا) فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفي إبراهيم عليه السلام منطلقا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟! قالت له ذلك مرارا وهو لا يلتفت إليها!! فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذا لا يضيعنا.

    فهل ضيعها الله؟ كلا " لقد أكرمها إكراما تتحدث به الدهور والأيام والخلق والأنام؟! فالله لا يضيع أجر المحسنين ولا إيمان المؤمنين.

    وهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سألها مسكين وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه، فقالت: أعطيه إياه، ففعلت، قالت: فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدى لنا، شاة وكفنها، فدعتني عائشة فقالت كلي من هذا فهذا خير من قرصك.

    قال العلماء: هذا من المال الرابح والفعل الزاكي عند الله تعالى، يعجل منه ما يشاء ولا ينقص ذلك مما يدخر عنده، ومن ترك شيئا لله لم يجده فقده، وعائشة رضي الله عنها في فعلها هذا من الذين أثنى الله عليهم بأنهم يؤثرون على أنفسهم مع ما هم فيه من الخصاصة، وأن من فعل ذلك فقد وقي شح نفسه، وأفلح فلاحا لا خسارة بعده، ومعنى شاة وكفنها، فإن العرب أو بعض العرب أو بعض وجوههم كان هذا من طعامهم، يأتون إلى الشاة أو الخروف إذا سلخوه غطوه كله بعجين البر، وكفنوه به ثم علقوه في التنور فلا يخرج من ودكه شيء إلا في ذلك الكفن، وذلك من طيب الطعام عندهم.



    3- العاقلة وثمرة حفظها لربها



    عن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: " صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ".

    انظري يا أختاه لما صنعته أم شريك من المعروف.

    عن ابن عباس قال: وقع في قلب أم شريك الإسلام وهي بمكة وهي إحدى نساء قريش ثم إحدى بني عامر بن لؤي، فأسلمت، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرها لأهل مكة، فأخذوها وقالوا لها: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا سنردك إليهم، قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء موطأ ولا غيره، ثم تركوني ثلاثا لا يطعمونني ولا يسقونني، قالت: فما أتت علي ثلاث حتى ما في الأرض شيء أسمعه، فنزلوا منزلا وكانوا إذا نزلوا أوثقوني في الشمس واستظلوا وحبسوا عني الطعام والشراب حتى يرتحلوا، فبينما أنا كذلك إذ أنا بأثر شيء علي برد منه، ثم رفع، ثم عاد فتناولته، فإذا هو دلو ماء، فشربت منه قليلا، ثم نزع مني، ثم عاد فتناولته فشربت منه قليلا، ثم رفع، ثم عاد أيضا، ثم رفع، فصنع ذلك مرارا، حتى رويت، ثم أفضت سائره على جسدي وثيابي، فلما استيقظوا، فإذا هم بأثر الماء، ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا لي: انحللت فأخذت سقاءنا فشربت منه؟ فقالت: لا والله ما فعلت ذلك، كان من الأمر كذا وكذا، فقالوا لئن كنت صادقة فدينك خير من ديننا، فنظروا إلى الأسقية فوجدوها كما تركوها، وأسلموا بعد ذلك.



    4- العاقلة والحرص على طلب العلم والسؤال عن الدين



    جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك- أي سمعوه وتعلموه- فاجعل لنا من نفسك يوما نأتي فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال عليه الصلاة والسلام: " اجتمعن يوم كذا وكذا " فاجتمعن، فجاء صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله (رواه مسلم).

    وهذه بعض أسئلة نسائية:

    - عن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي أصابتها الحصبة فتمرق شعرها- تقصف وسقط- وإني زوجتها، أ فأصل فيه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " لعن الله الواصلة والموصولة " (البخاري ومسلم) يعني صاحبه الشعر والتي تصل لها.

    - امرأة أخرى تسأل عن كيفية غسل الشعر عند الاغتسال، فتقول: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي- أجعله ضفائر- أ فأنقضه للجنابة؟ يعني أ أفكه؟ قال: " إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي على سائر جسدك؛ فإذا أنت قد طهرت " (مسلم وغيره).

    وسألتني إحدى النساء؛ ماذا تفعل لكي تمسح برأسها أثناء الوضوء لأنها لو مسحت برأسها مدبرة مقبلة بيدها يتفرق شعرها ويسبب لها مشقة؟

    وأجبتها بما ذكره الشوكاني في " نيل الأوطار ": عن الربيع بنت معوذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها ومسح برأسه، فمسح الرأس كله من فوق الشعر، كل ناحية لمنصب الشعر، لا يحرك الشعر عن هيئته(رواه أحمد وأبو داود وقال الألباني في صحيح أبي داود:حسن). وفي هذا بلا شك تيسير عظيم.

    - وها هي أم سليم رضي الله عنها تسأل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ قال: " نعم، إذا رأت الماء ". متفق عليه.

    ومن عظيم الأسئلة التي وجهت للنبي صلى الله عليه وسلم وتحمل الدلالة على الفقه والحس الديني، هذا السؤال: وفيه أن أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين، كلهن يقلن بقولي، وعلى مثل رأيي، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء، فآمنا بك واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات (في الخدر وهو الستر) قواعد بيوت، وإن الرجال فضلوا بالجمعات، وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم، وربينا أولادهم، أ فنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال: " هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالا عن دينها من هذه؟ " فقالوا: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصرفي يا أسماء، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل- أي معاشرة- إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته، وإتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت ". فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارا بما قال لها عليه الصلاة والسلام.

    لماذا فرحت أسماء رضي الله عنها؟

    لأنها رأت فضل الله عز وجل وهو القائل:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]. فالأجر الذي تناله المرأة في ترتيب مسكنها وتربية أولادها، ورعاية بيت زوجها وماله يعدل أجر المجاهد في جهاده ويعدل شهود الرجل الجمع والجماعات، كما تبين من الحديث. وأخرى من العاقلات تطلب العلم وتستفسر عن حقوق الزوج وعدم غشه:

    فعن سلمى بنت قيس وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلت معه القبلتين، وكانت إحدى نساء بني عدي بن النجار، قالت: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته في نسوة من الأنصار، فلما شرط علينا أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصي في معروف، قال: " ولا تغششن أزواجكن "، قالت: فبايعناه، ثم انصرفنا، فقلت لامرأة منهن: ارجعي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غش أزواجنا؟ قال: " تأخذ ماله فتحابي به غيره ". (رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله ثقات)

    وقد ذكر الحافظ ابن عساكر- وهو أحد رواة الحديث- أن عدد شيوخه وأساتذته من النساء كان بضعا وثمانين أستاذة.



    5- العاقلة ومعالجة مشاكل الحيض والاستحاضة



    جاءت امرأة وهي خولة بنت يسار تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إني امرأة أحيض وليس عندي غير ثوب واحد فلا أدري كيف أصنع يا رسول الله- أي عند الصلاة-؟ فقال: " إذا تطهرت فاغسلي ثوبك ثم صلي فيه ". قلت: يا رسول الله، إني أرى الدم فيه، فقال: " اغسليه ولا يضرك أثره " (صحيح أبي داود للألباني).

    سبحان الله! لا تملك غير ثوب واحد تحيض فيه وتصلي فيه!! ونساء كثيرات في هذا الزمن امتلأت بيوتهن بالثياب، بل لا تقبل الواحدة منهن أن تكرر لبس الثوب في مناسبتين، ولا بد من ثوب جديد، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا بالتعسة والنكسة على عباد الثياب، عباد الموضة، واللاهثات خلف كل جديد، فقال صلى الله عليه وسلم: " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتفش" (رواه البخاري عن أبي هريرة) أي: إذا أصيب بشوكة فلا برأ منها.

    والحديث يعم الرجال والنساء، ولا نحرم زينة الله التي أخرج لعباده، ولكن نقول فقط: هل من تعظم الدنيا إلى هذا الحد تعظم دينها وتقف عند حدوده؟!

    وفي شأن الاستحاضة- وهي استمرار نزول الدم على المرأة وجريانه في غير أوانه-، فقد قالت حمنة بنت جحش: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم، فقال: ((أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم "، قالت: هو أكثر من ذلك، قال: " فاتخذي ثوبا "، فقالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجا، قال صلى الله عليه وسلم أجزأ عنك من الآخر، وإن قويت عليهما فأنت أعلم ". قال لها: " إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثا وعشرين ليلة، أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي وصومي إن قدرت على ذلك ". قال صلى الله عليه وسلم: " وهذا أعجب الأمرين إلي ". قال الخطابي تعليقا على الحديث: إنما هي امرأة مبتدأة- يعني من يوم بلغت المحيض وهي على هذه الحال فلم تجرب أيام الحيض بعددها- لم يتقدم لها أيام ولا هي مميزة لدمها- يعني لون دم الحيض من دم الاستحاضة، وقد استمر بها الدم حتى غلبها، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها إلى العرف الظاهر والأمر الغالب من أحوال النساء... الخ.



    6- العاقلة وحب التنزيل



    عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على أم أيمن فقربت إليه لبنا، فإما كان صائما وإما قال: " لا أريد "، فأقبلت إليه تضاحكه، فلما كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر لعمر: انطلق بنا نزر أم أيمن كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما دخلا عليها بكت، فقالا: ما يبكيك فما عند الله خير لرسوله؟ قالت: أبكي أن وحي السماء انقطع، فهيجتهما على البكاء، فجعلت تبكي ويبكيان معها (أخرجه مسلم وأحمد وأبو يعلى).

    وفي رواية: " ولكني أبكي على الوحي.. " وأم أيمن هي مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته، وكانت مولاة لأبيه عبد الله، وهي أم أسامة بن زيد رضي الله عن الجميع.

    فأم أيمن رضي الله عنها حين تبكي يظهر من بكائها هموم المرأة المؤمنة العاقلة وأحزانها، تبكي لأنها تابعت القرآن وهو ينزل آيةً آية ولم تعد ترى من التنزيل المزيد.

    وقد بكت أيضا لما قتل عمر؛ لعلمها أن عمر كان حصنا للإسلام ونصرا، ولذلك قيل لها في بكائها على عمر، فقالت: اليوم وهى الإسلام؛ أي ضعف. فما هي آلامك وأحزانك أيتها المسلمة؟ لأي شيء تذهب دموعك وتسح عبراتك؟ نريدك باكية على الخطيئة، نادمة على المعصية، نريدك باكية من قراءة القرآن، فإن لم تقدري فمتباكية. أيتها المسلمة، هل تقرأين من القرآن شيئا في اليوم والليلة؟ هل أبكتك بعض آياته، ومواقفه الجليلة؟ هل تعلمين بأحكامه، وتهذبين نفسك، وتطهرين سلوكك وقلبك بتوجيهاته وأوامره ونواهيه؟ هذا ما نريده منك أيتها العاقلة.



    7- العاقلة وفداؤها لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسها وأهلها



    عن عمارة بن غزية قال: قالت أم عمارة -أمه- رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فما بقي إلا نفير - نفر قليل- ما يتمون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه- ندافع عنه- والناس يمرون منهزمين، ورآني ولا ترس معي- وهو درع يحمي المقاتل من الضربات- فرأى صلى الله عليه وسلم رجلا موليا- هاربا- ومعه ترس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ألق ترسك إلى من يقاتل "، فألقاه، فأخذته فجعلت أترس به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل- تقصد اشتد عليهم في القتال راكبوا الخيل من الكفار. لو كانوا رجالة- أي على أرجلهم مثلنا- أصبناهم إن شاء الله، فيقبل رجل على فرس، فيضربني، وترست له -بالدرع- فلم يصنع شيئاً وولى، فأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح:" يا ابن أم عمارة، أمك، أمك" أي عاونها على قتل الرجل، فعاونني عليه حتى أوردته شعوب –اسم للموت. ما شاء الله!

    ولو كان النساء كمن ذكرن لفضلت النساء على الرجال

    ولكن أيتها المسلمة، هل تعرفين لماذا هذا الحب كله والفداء كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ اقرئي الفقرة التالية.



    8- العاقلة ومنزلة النبي صلى الله عليه وسلم عندها



    لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من دفن شهداء أحد انصرف راجعا إلى المدينة، وخرجت النساء تتفقد أحوال المسلمين، فمر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار، وقد أصيب- قتل- زوجها وأخوها وأبوها بأحد، فلما نعوا إليها- أبلغت بموتهم- قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه- وكانت لا تعرفه- فأشير إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل- أي هينة.

    سبحان الله! تلك المرأة من بني دينار يقتل زوجها وأخوها وأبوها ولا تبالي، وكل همها الاطمئنان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأته بعينها سالماً معافى سكن روعها وهدأت نفسها.

    سيدي يا رسول الله، لقد كان أصحابك يعرفون حقا قدرك ومنزلتك عند الله وعندهم، ففدوك بأنفسهم وأزواجهم وآبائهم وإخوانهم، لكن لما ضعف الإيمان وقلت الهمة وخارت العزيمة تجرأ البعض على أمرك ونهيك وعلى سنتك، بل على شخصك الجليل. وحسبنا الله ونعم الوكيل.



    9- العاقلة مستجيبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم



    قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24]. فاستجابت أم حميد رضي الله عنها وعن زوجها أبي حميد الساعدي، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك. فقال لها: " قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي ".



    قال الراوي عبد الله بن سويد: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله تعالى. وبيت المرأة هو المكان الذي تبيت فيه، وهو أستر مكان في المنزل كله، فهل تستجيب أخواتنا لتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم فيما يخص الخروج إلى المساجد وآداب ذلك، في الوقت الذي كثر فيه الاختلاط والسفور والفتن، وغابت الضوابط الشرعية التي تضبط خروج المرأة، وكثر مرضى القلوب والمتعرضون؟ وإن العاقلة لتختار بيتها لتصلي فيه إذا عرفت أن زمننا أشد وأفظع من زمن أم حميد.

    ولما خطب النبي صلى الله عليه وسلم في النساء يوم عيد قائلا: "يا معشر النساء، تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم" البخاري ومسلم وغيرهما. تأثرت النساء جدا بهذا الخبر، فكانت الاستجابة سريعة جدا أيضا، وفي نفس الموقف، فجعلن يتصدقن من حليهن ويلقين في ثوب بلال رضي الله عنه من أقراطهن وخواتيمهن- والقرط هو الحلق. وفعل النساء هذا الشيء يوم عيد وفرحة وزينة وتباهي بالحلي يدل على سرعة الاستجابة لله ورسوله، والخوف من جهنم، ولو طلب النبي صلى الله عليه وسلم أرواحهن لقدمنها رخيصة افتداء من عذاب النار.

    إنها القلوب الحية التي تستجيب لله ورسوله وتختار ما عند الله.

    والحديث كما أسلفنا كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلى النساء في يوم عيد، حيت قام صلى الله عليه وسلم يعظهن وبذكرهن بالله. وها هو بتمامه. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر النساء، تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار". فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي بي منكن ". قالت: يا رسول الله، وما نقصان عقلها؟ قال: " أما نقصان العقل؛ فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي؛ وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين "(رواه مسلم).



    10- العاقلة والتعبد بالليل



    قال الله تعالى:{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ..} [الزمر:9]. ها هي حفصة بنت سيرين الأنصارية العالمة الزاهدة العابدة تحفظ القرآن وهي بنت اثنتي عشرة سنة، وعاشت سبعين سنة، عمرت كلها بالعبادة والقرآن، مكثت حفصة بنت سيرين ثلاثين سنة لا تخرج من مصلاها إلا لقائلة- الراحة وقت القيلولة- أو قضاء حاجة كما قال عنها مهدي بن ميمون. ويقول عنها إياس بن معاوية: ما أدركت أحدا أفضله عليها.

    وليس معنى هذا دعوة النساء إلى الرهبنة، " فلا رهبانية في الإسلام "، فالإسلام لا يدعو إلى التبتل والانقطاع وترك الأعمال والتربية والخدمة وغير ذلك من الأمور الاجتماعية والحياتية، لكن لا يبغي أحدها على الآخر.

    ونموذج آخر هو امرأة رباح بن عمرو القيسي وهو رجل صالح أراد أن يختبر عزيمة امرأته على قيام الليل، فتناوم، فقامت هي تصلي وأيقظته، فادعى التثاقل وأنه سيقوم، فكررت إيقاظه بعدما مضى ربع الليل، وهكذا إلى أن مضى الليل ولم يقم، فقالت: مضى الليل وعسكر المحسنون وأنت نائم! ليت شعري من غرني بك يا رباح، من غرني بك؟

    إن هذه المرأة ما هي إلا نموذج عملي لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء " أي رشت عليه من الماء.



    وامرأة رباح تأسف على زواجها منه لما رأته لا يقيم الليل، فعلى أي شيء تأسفين في زوجك أيتها المسلمة؟ أ لأنه فقير، أم لأنه لا يمتلك سيارة، أم لأنه ليس من أسر عريقة مرموقة، أم لأنه ضعيف في دينه؟! هذه الأخيرة التي نريد أن تكون مصدر قلق وانزعاج المسلمة العاقلة.



    11- العاقلة والثبات مع حسن التصرف عند فجيعة المأزق



    ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الجواب الكافي " أن رجلا كان واقفا بإزاء داره، وكان بابها يشبه باب حمام منجاب، فمرت جارية لها منظر، فقالت: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ فأشار إلى بيته وقال لها: هذا حمام منجاب، فدخلت الدار- وهي لم تعرف أنه خدعها- ودخل وراءها، فلما رأت نفسها في داره وعلمت أنه قد خدعها، أظهرت له البشرى والفرح باجتماعها معه، وقالت له: يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا وتقر به عيوننا، فقال لها: الساعة آتيك بكل ما تريدين وتشتهين، وخرج وتركها في الدار ولم يغلقها، فأخذ ما يصلح ورجع فوجدها قد خرجت وذهبت..".

    سبحان الله! رغم أنها وقعت في ورطة عظمى، ومصيبة كبرى، لكنها بما تتمتع به من ذكاء وثبات، ورجاحة عقل وهدوء أعصاب استطاعت بتوفيق الله أن تنجو من هذا المأزق المهين كما تخرج الشعرة من العجين، ولو أنها ارتبكت، وصاحت وبكت؛ لحاول الخبيث كتم فمها وأنفاسها، ثم قام بافتراسها، ليفعل بها ما يريد، وليقضي على الأخضر واليابس من عرضها وشرفها. نسأل الله تعالى أن يعافي بنات المسلمين من مثل ذلك الخائن اللئيم.



    12- العاقلة وتحصين فرجها عن الفاحشة:



    ضرب الله تعالى مثلا في الطهر والعفاف بواحدة من سيدات نساء العالمين، وهي مريم ابنة عمران، فقال تعالى:{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم:12]. وعلى طريق مريم سارت عاقلات صالحات قانتات، نذكر منهن هذه الأمثلة:

    1- هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، بايعت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح مع النساء، وبايعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يسرقن ولا يزنين، فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قولتها المشهورة: وهل تزني الحرة؟ وحقا ما قالت، فإنها تعبر عما ينبغي أن يستقر في قلب كل حرة عاقلة، وأن الحرة حقا ينبغي ألا تكون أسيرة لشهوتها ولا مطيعة لمن يقضي على عفتها.

    وعن جابر رضي الله عنه أنه كان لعبد الله بن أبي بن سلول جارية يقال لها: مسيكة، وأخرى يقال لها: أميمة، فكان يكرههما على الزنى، فشكتا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ...} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} (صحيح مسلم).

    2- وهذه معاذة جارية عبد الله بن أبي بن سلول أيضا، وكان عنده أسير، فكان ابن سلول يضربها لتمكن الأسير من نفسها، رجاء أن تحبل منه فيأخذ ابن سلول فداء عن الأسير وابنه، وهو العَرَض الذي قال الله تعالى فيه: {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. وكانت الجارية تأبى عليه، وكانت مسلمة، فأنزل الله تعالى فيها الآية: {...وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...} [النور:33]. والقصة رواها الطبراني والبزار عن ابن عباس قال: كانت لعبد الله بن أبي جارية تزني في الجاهلية، فلما حرم الزنى قالت: لا والله لا أزني أبدا، فنزلت:{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ...} الآية.

    وفي القصة الأولى كنا نذكر قول هند: " هل تزني الحرة؟ ". وفي غيرها رأينا الجاريات ترفض أيضا الزنى! إذن فمن هذه التي تقبل الزنى وتُقْدِم عليه؟ لا شك أنها الوضيعة الحقيرة التي وضعت شرفها وعفتها تحت تصرف الزاني بها، وهي دون الحرة، وأقل من الجارية، فهي أقرب إلى الحيوانات، والعاقلة لا تفعل ذلك.



    13- العاقلة والحياء



    عن يعلى بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تعالى حيي ستير يحب الحياء والستر" (صحيح أخرجه أحمد والنسائي والدارمي). وأعظم ما يجمل المرأة حياؤها، وإذا فقدت حياءها فقدت أنوثتها وعفتها وصارت عرضة لكل خلق سيئ.

    ومن النماذج المشرفة في الحياء ما روته عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءت فاطمة بنت عتبة بن ربيعة- رضي الله عنها- تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عليها: {أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ...} الآية، قالت عائشة: فوضعت فاطمة بنت عتبة يدها على رأسها حياء، فأعجب رسول الله في ما رأى منها (أخرجه أحمد والبزار). فبمجرد أن سمعت فاطمة بنت عتبة نص البيعة: {لا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ} وضعت يدها على رأسها وأخفت وجهها حياء، حتى أعجب النبي صلى الله عليه وسلم بما رأى منها، فأين كثير من بنات زمننا من ذلك؟!

    وهذه فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم لما رأت جنائز النساء تحمل الواحدة منهن على النعش مكشوفا وتغطى بثوب فيُعرف رأسها وصدرها وحجمها، فاستقبحت فاطمة ذلك، فقالت لأسماء بنت عميس: إني أستقبح ما يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب فيصفها- أي يُظهر حجم أعضائها-، فقالت لها أسماء: يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد- عيدان الجريد- رطبة، فحنتها- أي جعلتها محنية على شكل قوس- ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعلي ولا يدخلن أحد علي.

    قال ابن عبد البر: هي أول من غطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة.

    إذا كان هذا حياء فاطمة رضي الله عنها عند الموت، تريد غطاء مرتفعا من جريد تعرف به المرأة من الرجل ولا يُعرف لها حجم وهي تحته فلا ينظر إليها بعد إذ عُلِمَ أنها امرأة. فماذا نقول لمن تلبس الثياب المجسمة التي تظهر تفصيلات جسمها لتعرضه على البر والفاجر، أهي عاقلة؟! إن الحيية المحتشمة امرأة، والمتبرجة التي لا تستحي أيضا امرأة، لكن كم من الفرق بين المرأتين؟!!



    14- العاقلة ولزوم البيت وعدم التعرض للرجال:



    في قصة موسى صلى الله عليه وسلم مع المرأتين في سورة القصص، قال الله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23]. فامتنعت المرأتان عن سقي غنمهما ابتعادا عن مخالطة الرجال على البئر، وكان بإمكانهما أن يسقيا قبل كثير من الناس، وذلك بالتعرف على بعض الرجال الذين يحبون مخالطة النساء، كما يحدث من كثيرات ممن تظن أنها صاحبة فهم وتصرف، لكنهما لعفتهما امتنعتا عن مجرد الوقوف عند الرجال على البئر، فاعتزلتا بالغنم حتى ينتهي الرعاة من السقي، ثم ذكرتا العلة من خروجهما أنهما مضطرتان بسبب كبر سن الوالد المقعد في البيت، ويوم أن علمت كل منهما بقوة موسى وأمانته سارعت إلى ترك الخروج، وقالت إحداهما:{يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26]، لكن الرجل حريص، لا يستأجره فيختلط ببناته بلا محرم وهو كبير مقعد، فرأى أن زواجه بإحدى بناته حل للمشكلة من جذورها، بل وجعل المهر عملا يساهم أيضا في حل المشكلة: {ِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص: 27]، يعني ثمان سنوات أو عشر من الخدمة تكون مهرا لابنته، فوافق موسى صلى الله عليه وسلم. إن العاقلة هي التي تعرف أن بيتها هو حصنها وصيانتها.

    وعن عمرة رضي الله عنها أن الزبير كان شرط ألا يمنعها المسجد، وكانت امرأة خليقة، فكانت إذا تهيأت إلى الخروج للصلاة قال لها: والله إنك لتخرجين وإني لكاره، فتقول: فامنعني فأجلس، فيقول: كيف وقد شرطت لك ألا أفعل؟ فاحتال لها على الطريق في الغَلَس، فلما مرت وضع يده على كفلها فاسترجعت، ثم انصرفت إلى منزلها، فلما حان الوقت الذي كانت تخرج فيه إلى المسجد لم تخرج فقال لها الزبير: مالك لا تخرجين إلى الصلاة؟ قالت فسد الناس، والله لا أخرج من منزلي، فعلم أنها ستفي بما قالت، فقال: لا روع يا ابنة عمر، وأخبرها الخبر، فقتل عنها يوم الجمل، ثم خطبها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد انقضاء عدتها من الزبير.



    15- العاقلة في الحج



    كثير من النساء تتساهل في الحج في أمور عظيمة لا ينبغي التساهل فيها أمام الرجال، فيكشفن وجوههن ويختلطن بالرجال، ويتعللن بعلل لا تصلح دليلا على التساهل، فمن قائلة: نحن في حج والقلوب صافية، ومن قائلة: ظروف الحج تختلف عن أي وقت، وغير ذلك. ونسأل: هل قلوب تلك النساء ومن حولهن من الرجال أصفى من قلوب نساء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن حولهن من الصحابة؟ والجواب: لا. فلماذا إذن قالت فاطمة بنت المنذر العفيفة التقية النقية- رضي الله عنها- وهي في الحج "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر، تعني جدتها". قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف (جمع خف)، وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلا خفيفا تستتر به عن نطر الرجال (صحيح البخاري). وإذا كان الحج الآن يحضره ملايين من البشر، فلا تكاد تمشي المرأة إلا والرجال خلفها وأمامها وعن أيمانها وعن شمائلها، فهل يجوز لها أن تكشف وجهها؟ العاقلة تقول: لا.



    16- العاقلة مبلغة للنساء حديث النبي صلى الله عليه وسلم



    قال النبي صلى الله عليه وسلم: " بلغوا عني ولو آية " (صحيح البخاري). وها هي امرأة ممن بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام وعلى ألا يعصين في معروف، توضح للمسلمات شيئا مما أخذ عليهن من المعروف الذي لا تعصي فيه المرأة فتقول: " ألا نخمش وجها، ولا ندعوا ويلاً على الميت، ولا نشق جيبا، وألا ننشر شعراً " (صحيح أبي داود).

    إنها تقول ذلك لأن كثيرا من النساء إذا أصابتها مصيبة لطمت الخدود وشفت الجيوب، ودعت بدعوى الجاهلية. والأمثلة من المسلمات المبلغات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر، لكن يكفي أن تعلم المبلغة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لها بأن ينضر الله وجهها يوم تنضر الوجوه، فقال: " نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها عني، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " (صحيح ابن حبان).



    17- العاقلة وتجنبها الفتنة وصمودها عند وقوعها



    هذه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط- رضي الله عنها- أسلمت بمكة وبايعت ولم يتهيأ لها هجرة إلى سنة سبع، وكان خروجها- إلى المدينة- زمن صلح الحديبية، فخرج في إثرها - خلفها- أخواها الوليد وعمارة، فما زالا حتى قدما المدينة، فقالا: يا محمد "فِ" لنا بشرطنا- وكان من الشروط في صلح الحديبية أن يرد النبي صلى الله عليه وسلم من جاءه مسلما إلى الكفار- فقالت أم كلثوم: أتردني يا رسول الله إلى الكفار يفتنونني عن ديني ولا صبر لي، وحال النساء في الضعف ما قد علمت؟ فأنزل الله تعالى- الرحيم-: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ...} [الممتحنة:10]، فكان صلى الله عليه وسلم يمتحن النساء، فيقول: " آلله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله والإسلام؟ ما خرجتن لزوج ولا مال؟" فإذا قلن ذلك لم يرجعهن إلى الكفار.

    فأم كلثوم خشيت من الكفار أن يفتنوها في دينها، وأكدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خشيتها بضعف النساء المعلوم، فأيد الله تعالى رأيها ورحم حالها وبارك فعالها وأنزل الفرج (فإنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ)(الممتحنة:الآية10)

    لكن إذا وقعت الفتنة فما على المسلمة إلا الصبر والاستعانة بالله العظيم.

    فها هي سمية أم عمار بن ياسر، سابعة سبعة في الإسلام، عذبها أبو جهل وطعنها في قبلها بحربة، فماتت، فكانت أول شهيدة في الإسلام، فكانوا يعذبونها وهي تأبى غير الإسلام، حتى قتلوها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بعمار وأمه وأبيه ياسر وهم يعذبون بالأبطح- مكان في أعلى مكة- في رمضاء مكة- حرها الشديد- فيقول: " صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة" .

    سمية لا تبـالي حين تلقى عذاب النكر يوما أو تهـونا

    وتأبى أن تردد ما أرادوا وكانت في عـداد الصابرين



    18- العاقلة غير ناظرة إلى الرجال ولا تختلط بهم



    لا يجوز جلوس الرجال والنساء واجتماعهم في مجلس واحد مختلطين ينظر بعضهم إلى بعض.

    قالت أم سلمة- رضي الله عنها-: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احتجبا منه ". فقلنا: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه؟" (صحيح ابن حبان).

    قال ابن حجر: وفيه دليل على أن النساء محرم عليهن النظر إلى الرجال إلا أن يكونوا لهن بمحرم، سواء أكانوا مكفوفين أو بصراء.

    قلت: وهذا لا يتعارض مع أمره صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، لما قاله القرطبي قال ابن العربي: وإنما أمرها بالانتقال من بيت أم شريك إلى بيت ابن أم مكتوم " لأن ذلك أولى بها من بقائها في بيت أم شريك؟ إذ كانت أم شريك مؤثرة بكثرة الداخل إليها، فيكثر الرائي لها، وفي بيت ابن أم مكتوم لا يراها أحد، فكان إمساك بصرها عنه أقرب من ذلك وأولى فرخص لها ذلك. والله أعلم.

    لكن يجوز أن تنظر المرأة المسلمة إلى الرجال للحاجة وهم يمشون في الطرقات، أو أثناء البيع والشراء، أو يلعبون ألعابا غير محرمة، بشرط ألا يظهر من الرجال شيء من عوراتهم من الركبة إلى السرة، كمن يلعب مظهرا فخذيه، ويشرط ألا يترتب على هذا النظر فتنة، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينظر إلى الحبشة وهم يلعبون في حرابهم في المسجد يوم العيد، وعائشة- رضي الله عنها- تنظر من ورائه وهو يسترها منهم، حتى ملت ورجعت. فالعاقلة المنصفة تعرف أن عائشة كانت مختفية مستترة خلف جسم النبي صلى الله عليه وسلم، فتراهم من حيث لا يرونها.

    وعلى هذا فالنظر إلى الرجال مشترط بشرطين:

    الأول: ألا يترتب عليه فتنة.

    الثاني: ألا يكون في مجلس واحد مواجهة كمجلس ابن أم مكتوم.

    وفي الجملة فإن الله تعالى أمر الفريقين- الرجال والنساء- بتقوى الله وغض البصر، لأنه كما قال جل وعلا: {...ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30].



    19- العاقلة والحجاب



    عن عطاء بن رياح قال: قال لي ابن عباس: ألا أربك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: " إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ". فقالت: أصبر، قالت: وإني أتكشف فادع الله ألا أتكشف، فدعا لها (رواه مسلم والبخاري).

    وعند البزار عن ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت: إني أخاف الخبيث- أي الشيطان- أن يجردني، فدعا لها، فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها . يعني أنها بربها تستغيث من كيد ذلك الخبيث.

    انظري أيتها المسلمة إلى إصرار تلك المرأة على أن تتستر ولا ينكشف منها شيء، وتخشى أن يجردها وبكشفها الشيطان الخبيث إذا صرعها، رغم أنها سوداء، ربما لا يشتهيها أحد، وهي معذورة، وفي ذلك عبرة لمن تقول: أنا لن أتحجب لأنني لست جميلة، ومن تقول: أن أرجلها مثل الكِسرة البالية! لكن الناظر إلى حال تلك المرأة السوداء الصابرة المحتسبة يجد أن هذه المرأة أفزعها انكشافها أكثر مما أفزعها الصرع والجن الذي يصرعها، فصبرت على الصرع ولم تصبر على أن تتكشف، ولو أصاب جن امرأة في زماننا لذهبت إلى السحرة والكهان وارتكبت شتى المخالفات في سبيل تحصيل الشفاء، إلا من رحمها اوهذ0ه فتاة فرنسية " فاطمة عشبون " في حديث مع صحيفة " الفيجارو الفرنسية " تقول للصحيفة: أنا لن أخلع الحجاب مهما كلف الأمر. وتقول: لن أخضع لأي ضغط لخلع الحجاب ولو كان هذا الضغط من والدي. وتقول: وإذا ما حاولوا دون عودتي إلى المدرسة فسأبقى في المنزل.

    نعم: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8].

    تلك الكلمات الناصعة المذهبة التي ستظل خالدة في سمع الزمان وسمع الدنيا، سطرتها فاطمة عشبودن، تلك الفتاة المثالية التي آمنت بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، وعرفت قوله صلى الله عليه وسلم: " ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء " (رواه البخاري ومسلم). ولذلك فهي تقول: لن أخلع الحجاب مهما كلف الأمر، في حين أننا في المقابل نرى من المسلمات من انهزمت في دينها فصارت تقول: لن ألبس الخمار مهما كلف الأمر !! بعكس فاطمة عشبون التي تعيش في مجتمع فرنسي غير مسلم، أما بناتنا ونساؤنا فالمجتمع لا يمنعهن من ذلك، فأيتهما أعقل؟!

    وبوم يكون خروج المرأة مؤديا إلى مخالفات شرعية كخلع الحجاب، فإن العودة إلى المنزل حينئذ هي التصرف الشرعي الصحيح، وهكذا فعلت وقالت فاطمة: " وإذا ما حاولوا دون عودتي إلى المدرسة فسأبقى في المنزل ".

    بارك الله فيك يا فاطمة، وأكثر من أمثالك، ونصرك على القوم الظالمين، ويا ليتك يا ابنتي، يا صغيرة السن، يا طالبة المدرسة تكوني عبرة ومثلا ودرسا لكثير من أخواتنا الجامعيات حاملات الشهادات، أنا أشهد لك يا فاطمة أنك تحملين أغلى وأعز شهادة في الوجود وهي شهادة ألا إله إلا الله، وعرفت معناها وعملت بمقتضاها، كما أشهد أن كثيرات غيرك يحملن شهادات الدنيا العالية –كما يسمونها- لكنهن ينطبق عليهن قول الله جلا وعلا: { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7].



    20- العاقلة ومصافحة الرجال



    أخرج الطبراني عن عقيلة بنت عتيك بن الحارث قالت:" جئت أنا وأمي بريرة بنت الحارث العتوارية في نساء من المهاجرات فبايعنا رسول الله ي، فإذا هو ضارب عليه قبة- خيمة- بالأبطح- وهو مكان بأعلى مكة- فأخذ علينا ألا نشرك بالله ولا نسرق... الحديث. وفيه: فبسطنا أيدينا- لمصافحته- فقال: " إني لا أمس أيدي النساء ". فاستغفر لنا فكانت تلك بيعتنا ".

    واستغفاره لهن كان تحقيقا لقول الله جل وعلا: {فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة:12].

    فكيف يصافحهن صلى الله عليه وسلم وهو القائل: " لأن يُطعن أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " (رواه الطبراني). وعند البخاري ومسلم وغيرهما قالت عائشة: " والله ما مست يد رسول الله يد امرأة ".



    21- العاقلة والصراحة المنصفة



    هذه هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، وصفوها بأنها من عقلاء النساء، كانت قبل إسلامها لا تكره أحدا مثلما تكره بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد أن أسلمت لم تكن تحب أهل بيت مثلما أحبت بيت النبوة، وها هي تصارح النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المعلومة التي تحمل في طياتها اعتذارا عن شقها بطن عمه حمزة رضي الله عنه وهو مقتول بمعركة أحد، وإخراجها كبده ومضغها تشفيا وكراهية، وهي تعلم أن ذلك أثر في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أن أرادت بعد إسلامها أن تثبت صدقها في حبها لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، قدمت أولا أنها لم تكن تكره بيتا أشد من بيته صلى الله عليه وسلم، واعترافها بهذا راضية غير مكرهة وصدقها فيه يدل على صدقها في الأخرى وهي حب آل بيته صلى الله عليه وسلم.

    عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: جاءت هند بنت عتبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يُذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يُعَزُّوا من أهل خبائك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وأنا أيضا والذي نفسي بيده " الحديث (رواه البخاري ومسلم وابن حبان). رحم الله هند.

    لقد عفا عنها النبي صلى الله عليه وسلم وقبل منها وقابلها بنفس شعورها، وأقسم على ذلك رغم ما فعلته في عمه حمزة رضي الله عنه، لكنها فعلت ذلك تحت وطأة الكفر الذي يُكنُّ للإسلام كل عداوة، ثم بعد ذلك أسلمت، والإسلام يجب ما قبله؛ أي يمحو كل ما سبقه من انحراف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليدخل الناس في الإسلام لا لينتقم لنفسه منهم، فلذلك لم يعد أهل بيت أحب إلى قلب هند من أن يعزوا من بيت النبي صلى الله عليه وسلم.



    22- العاقلة وتحري الصدق



    عن أسماء بنت عميس قالت: كنت صاحبة عائشة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة، قالت: فوالله ما وجدنا عنده قرى- شيئا يضيفنا به- إلا قدحا من لبن، فشرب منه ثم ناوله عائشة، فاستحيت الجارية- عائشة-، فقلنا لها: لا تردي يد رسول الله، فأخذت منه على حياء فشربت، ثم قال: " ناولي صواحبك ". فقلنا: لا نشتهيه، فقال- صلى الله عليه وسلم: " لا تجمعن جوعا وكذبا ". فقلت: يا رسول الله، إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه: لا أشتهيه، أيعد ذلك كذبا؟ قال: ((إن الكذب يُكتب، حتى تُكتب الكذيبة كذيبة " (رواه أحمد في مسنده). يعني: كل ما هو كذب ومخالف للحقيقة نكتب حتى الكذيبة- الكذبة الصغيرة-، وحتى ما يسمونه- الكذبة البيضاء- أو الكذب الأبيض، وإنه لأسود فاقع السواد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا " (رواه البخاري وابن حبان وغيرهما). قال الله تعالى:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ...} [الزمر:60].



    23- العاقلة وخاطبها



    عن أنس رضي الله عنه قالت: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على جليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها، فقال: حتى استأمر أمها- يعني يأخذ رأيها- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فنَعَم إذن ". قال: فانطلق الرجل إلى امرأته، فذكر ذلك لها، قالت: لاها الله، إذن ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جليبيب وقد منعناها من فلان وفلان؟ قال: والجارية في سترها تسمع، قال: فانطلق الرجل يريد أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك- برفض زوجته- فقالت الجارية- البنت العروس-: أتريدون أن تردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟ إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه، قال: فكأنها جلت- كشفت الغشاوة- عن أبويها، وقالا: صدقت، فذهب أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن كنت رضيته فقد رضيناه، قال –صلى الله عليه وسلم: " فإني قد رضيته ". قال: فزوجها.

    ثم فزع أهل المدينة- للحرب- فركب جليبيب، فوجدوه قد قتل وحوله ناس من المشركين قد قتلهم. وقصة ذلك كما أخرجها مسلم في صحيحه عن أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزى له، فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: " هل تفقدون من أحد؟" قالوا: نعم، فلانا وفلانا وفلانا، ثم قال: " هل تفقدون من أحد؟" قالوا: نعم، فلانا وفلانا وفلانا، ثم قال: " هل تفقدون من أحد؟" قالوا: لا، قال: " لكني أفقد جليبيبا فاطلبوه "، فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عليه فقال: "قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه ". قال: فوضعه على ساعديه ليس له إلا ساعدا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فحفر له ووضع في قبره ولم يذكر غسلا.

    سبحان الله! جاء الخاطب جليبيب وهو عبد، لكنه زكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم واختاره، واختار له المخطوبة، وفي لحظة غفلة كاد الأب والأم أن يرفضا، لكن البنت التي تعلمت من الإسلام أعظم المبادئ تذكر أبويها حين هما بالرفض فتقول: أتريدون أن تردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟ هذه هي العروس التي نتمناها لكل مسلم، كم من عروسين ينتسبان إلى الإسلام، ولا يَمُتُّ عرسهما إلى الإسلام بصلة، كم من أوامر لله ورسوله تُرد، وكم من سنن تترك ومعاصي ترتكب ويدع تمارس من يوم أن يخطب الخاطب مخطوبته إلى ما شاء الله؟! فاعتبروا يا أولي الأبصار بجليبيب وبعروس جليبيب.

    وعن ابن داجة عن أبيه قال: لما مات عبد الله بن عبد الملك، رجعت هند بميراثها منه، فقال عبد الله بن حسن لأمه فاطمة: اخطبي علي هندا، فقالت: إذا تُرِدك، أتطمع في هند وقد ورثت ما ورثته؛ وأنت ترب لا مال لك؟ فتركها ومضى إلى أبي عبيدة فخطبها إليه، فقال: في الرحب والسعة، أما مني فقد زوجتك، مكانك لا تبرح، ودخل على هند، فقال: يا بنية، هذا عبد الله بن حسن، أتاك خاطبا، قالت: فما قلت له؟ قال: زوجته. قالت: أحسنت، قد أجزت ما صنعت، وأرسلت إلى عبد الله، لا تبرح حتى تدخل على أهلك! قال فتزينت له، فبات بها معرساً من ليلته، ولا تشعر أمه، فأقام سبعا ثم أصبح يوم سابعه غادياً على أمه، وعليه ردع الطيب، وفي غير ثيابه التي تعرف، فقالت له: يا بني، من أين لك هذا؟ قال: من عند التي زعمت أنها لا تريدني.

    بهذه السهولة واليسر عفت هذه المرأة نفسها، وكانت سببا في عفة رجل، وهذا من أهم أسباب البركة، ولم يثنها أنها غنية وهو فقير كما تخوفت أمه، وقد ساعد في هذا أيضا الأب العاقل الذي ييسر على الناس، لعل الله ييسر عليه.



    24- العاقلة ومصارحتها خاطبها بأحوالها



    أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب أم سلمة- رضي الله عنها- بعد وفاة زوجها أبي سلمة، فلما انقضت عدتها بعث إليها عمر بن الخطاب يخطبها عليه، فقالت: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني غيرى- شديدة الغيرة من الضرائر-، وأني مصبية- ذات صبية صغار ولا تريد أن تضيق بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم- وليس أحد من أوليائي شاهدا - فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال: " ارجع إليها فقل لها: أما قولك: إني امرأة غيرى فأسأل الله أن يذهب غيرتك، وأما قولك: إني امرأة مصبية فتكفين صبيانك، وأما قولك: إنه ليس من أوليائك شاهد، فليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك " فقالت لابنها: يا عمر، قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها ليدخل بها، فإذا رأته أخذت ابنتها زينب فجعلتها في حجرها، فينقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلم بذلك عمار بن ياسر وكان أخاها من الرضاعة، فجاء إليها فقال: أين هذه المقبوحة التي آذيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخذها فذهب بها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فجعل يضرب ببصره في جوانب البيت، وقال: " ما فعلت زينب؟". قالت: جاء عمار فأخذها فذهب بها، فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " إني لا أنقصك مما أعطيت فلانة؛ رحائين وجرتين ومرفقة حشوها ليف ". وقال: " إن سبعت لك سبعت لنسائي".(صحيح ابن حبان)

    هذه أم سلمة تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكل صراحة بكافة أحوالها، ومَن من النساء تتحصل على الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لكن أم سلمة رضي الله عنها لم يمنعها ذلك من أن تعلمه بالحقيقة ولو كانت النتيجة الرفض منه، إلا أننا نرى نساء إذا جاءهن الخاطب قالت هي وأهلها: فرصة لا نضيعها، افرشوا له الأرض بالحرير، وحلوا له الكلام بالعسل، وابتسموا في وجهه، وإن لم يكن هذا طبعكم، واكتموا عنه كل شيء يسيئه، ثم بعد ذلك يا سادة، نعلمه أين يخبئ القرد أولاده!!

    حتى إذا ما عقدوا العقد كشرت الحية عن أنيابها، وشنت الحرب الأهلية، حتى يقول الزوج: يا ليتي مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا.

    هذا يحدث في العادة، فأين يا قوم السعادة!! لكن أم سلمة الشريفة العاقلة، العفيفة الفاضلة تعطينا الدرس.

    ودرس آخر: تقول أم سلمة رضي الفه عنها: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمني وبيننا حجاب فخطبني... الحديث (أخرجه ابن سعد وأحمد وإسناده صحيح).

    فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم التقي النقي، وهذه أم سلمة المبشرة بالجنة، قبل أن يحدث بينهما رؤية شرعية يكلمها أولاً أنه يريد الزواج منها، فكان الكلام من وراء حجاب، وتلك هي الأخلاق والآداب، فما بال الذين جاءونا بدين جديد؟! يتعرفون أولاً ثم صداقة، واختلاط وعلاقة، وتجربة وحب، وإذا سألتهم: قالوا حب شريف! ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف الحب الشريف حتى عرفتموه للأمة؟! " من سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"(رواه مسلم). نسأل الله السلامة.



    25- العاقلة ومهرها



    عن أنس رضي الله عنه قال: خطب أبو طلحة أم سليم- قبل إسلامه وهي مسلمة، فقالت: إني آمنت، فإن تابعتني على ديني تزوجتك، قال: فأنا على مثل ما أنتِ عليه، فتزوجته أم سليم وكان صداقها الإسلام. وفي رواية: قالت: ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد نَبَتَ من الأرض؟ قال: بلى، قالت: أفلا تستحي؟ تعبد شجرة؟ إن أسلمت فلا أريد منك غيره- أي لا أريد منك صداقا غير الإسلام- قال: حتى أنظر في أمري، فذهب ثم جاء، فقال: أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فقالت: يا أنس- ابنها- زوج أبا طلحة، فزوجها. (أخرجه النسائي والحاكم وسنده صحيح)

    لقد كسبت أم سليم زوجا، وكسبت ما هو أعظم من ذلك، هداية رجل على يديها يظل في ميزانها إلى أن تلقى ربها بوم القيامة. " لأن يهدي بك الله رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها ". إنها تعرف حقا معنى الزواج، زوج مسلم صالح، وبيت مؤمن ناجح. أذلك خير أم التي تبحث عن المظاهر والتكاثر، من كل غرض الدنيا على حساب الدين والمبادئ والأخلاق ثم بعد ذلك تشكو من زوجها الأمرين؟!



    26- العاقلة وجهاز عرسها



    اخرج ابن سعد في طبقاته عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف، ورحاءين- لتطحن بهما الحب- وسقاءين- إناءين للشرب.

    فاطمة واحدة من سيدات نساء العالمين، وهذا مهرها؟ فلماذا كل هذا التخفف؟ لأن الزواج بناء أسرة في الحقيقة وليس بناء مستعمرة أو ثكنة عسكرية مكتظة بكافة الآلات والمعدات. وبناء الأسرة السعيدة لا يقوم إلا على عمودين أساسيين: زوج صالح، وامرأة عاقلة ذات دين.

    وقد مر بنا في الفقرة قبل السابقة جهاز أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وهو عبارة عن رحائين وجرتين ومرفقة حشوها ليف.

    27- العاقلة وغناء الأفراح

    ليس معنى الأفراح الخروج عن الجادة، وليس معنى الغناء؛ تعاطي الفجور بين تبرج وسفور، وردي الكلام وفاحش القول، وليس معنى أن الزواج مرة في العمر- تقريبا- أن يستهين المرء بفعل وقول ما يغضب الله، ولو كان يوما في العمر؛ بل لحظة، ولكن الحق أن ذلك اليوم إما أن يكون تأسيسا لبنيان الزوجية على تقوى من الله ورضوان، وإلا؛ فهو على شفا جرف هار، فانهار بذل وهوان، وخيبة وخسران.

    وسأحدثكم الآن عن عرس وفرح من أفراح سلفنا الصالح: عن نبيط بن جابر عن جدته أم نبيط قالت: أهدينا جارية لنا من بني النجار إلى زوجها، فكنت مع نسوة من بني النجار ومعي دف أضربه وأنا أقول:

    أتيناكم أتيناكم فحيونا نحيكم

    ولولا الذهب الأحمر لما خلت بواديكم

    قالت: فوقف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما هذا يا أم نبيط؟ " فقلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، جارية منا من بني النجار نهديها إلى زوجها. قال: " فتقولين ماذا؟ " قالت: فأعدت عليه قولي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قولي:

    ولولا الحنطة السمر لما سمنت عذاريكم"

    والحنطة: نوع من الدقيق يفضله العرب، وهذا الغناء ومثله جائز في الأفراح إن لم يصحبه آلة لهو محرمة كالمزمار والعود وغيره، فإن صاحبه شيء من هذه الممنوعات لم يجز هذا الغناء؛ لا أداء ولا استماعا، وقد امتثلت أمهات المؤمنين لمثل هذا المفهوم الذي يغالط فيه كثير من أبناء المسلمين وبناتهم.

    فعن أم علقمة أن بنات أخي عائشة ختِنَّ، فقيل لعائشة: ألا ندعو لهن من يلهيهن؟ قالت: بلى، فأرسلت إلى فلان المغني فأتاهن، فمرت عائشة في البيت فرأته يتغنى وبحرك رأسه طربا- وكان ذا شعر كثير، فقالت: أف، شيطان، أخرجوه، أخرجوه.

    فانظري أيتها المسلمة، هذه أم المؤمنين أذنت أن يأتي من ينشد الشعر لتسلية بنات أخيها حال اختتانهن وهن بنات صغيرات، لكنهن يفهمن الشعر والعربية، فلما رأت عائشة رضي الله عنها هذا الشاعر لم يقتصر على أداء الشعر، بل كان يتمايل ويحرك رأسه طربا، فتأففت من وجوده ووصفته بأنه شيطان، وأمرت بإخراجه، فأُخرج.

    فهل عرفت أيتها العاقلة ما هو الغناء وما هي ضوابطه؟

    وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في الناس من يستحل المعازف- أي يجعلها حلالا- بعد إذ حرمها الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم:" ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحِر- الفرج- والحرير والخمر والمعازف " (أخرجه البخاري). وهي آلات العزف والموسيقى.

    وقال صلى الله عليه وسلم: " ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم سارحتهم، فيأتيهم آت لحاجته فيقولون له: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله ويضع العَلَم ويمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة" (رواه البخاري).

    وعن عبد الرحمن بن عوف قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، فانطلقت معه إلى ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه، قال: فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه في حجره حتى خرجت نفسه، قال: فوضعه ثم بكى، فقلت: تبكي يا رسول الله وأنت تنهى عن البكاء؟ فقال: "[إني لم أنه عن البكاء، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، عند نعمة، لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة، لطم وجوه وشق جيوب، وهذه رحمة،، ومن لا يَرحم لا يُرحم، يا إبراهيم لولا أنه وعد صادق، وقول حق، وأن آخرنا سيلحق بأولنا، لحزنا عليك حزنا أشد من هذا، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب عز وجل".

    وقال صلى الله عليه وسلم: " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نغمة، ورنة عند مصيبة".

    وروى ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يُمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة وخنازير ". قالوا يا رسول الله، أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ قال: " بلى، ويصومون ويصلون ويحجون ". قالوا: فما بالهم يا رسول الله؟ قال " اتخذوا المعازف والقينات والدفوف وشربوا الأشربة فباتوا على شربهم ولهوهم فأصبحوا وقد مُسخوا قردة وخنازير، وليمرن الرجل على الرجل في حانوته يبيع فيرجع إليه وقد مسخ قردا أو خنزيرا ". قال أبو هريرة: لا تقوم الساعة حتى يمشي الرجلان في الأمر فيمسخ أحدهما قردا أو خنزيرا ولا يمنع الذي نجا منهما ما رأى من صاحبه أن يمضي إلى شأنه حتى يقضي شهوته. قاله الشوكاني، قال المنذري: وأخرجه البخاري تعليقا، وانظر عون المعبود(11/59).

    وهل تخلو مجالس الغناء ومسارح الطرب في أنحاء من الدنيا كثيرة من رقص خليع فاجر، وخمر يُدار، وصياح السكارى، وكلمات فاحشة مثيرة للشهوات والفواحش، واختلاط شائن بين الجنسين، وتحلل وإباحية، وآلات اللهو المحرمة، فأين الحلال في هذا الغناء أو جزء منه أيها الضالون المكذبون؟!



    28- العاقلة وحفظ سر زوجها



    " إن من شر الناس منزلة يوم القيامة الرجل الذي يجامع زوجته ثم ينشر سرها أو تنشر هي سره" (رواه مسلم وأبو داوود).

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم "إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانا في السكة فقضى حاجته والناس ينظرون إليه " (رواه أحمد وأبو داوود).

    ولا شك أن مثل هذا السر من أعظم الأسرار، وإفشاؤه من أخطر الأخطار، ولا يفعل ذلك إلا حمار!

    والعاقلة تحافظ على سرها وسر زوجها، بل كل سر يسر إليهما به ينبغي الحفاظ عليه، وها هي فاطمة- رضي الله عنها - يسر إليها أبوها صلى الله عليه وسلم حديثا فلما سألتها عائشة عنه قالت: ما كنت لأفشي سره. وكذلك أم سليم- رضي الله عنها- تقول لابنها أنس: لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا (رواه مسلم).



    29- العاقلة وحفاظها على غيرة زوجها



    الغيرة فطرة فطر الله البشر عليها، تزيد وتنقص بين الناس، فتزيد عند البعض حتى أنه لربما شدد على زوجته فحرم عليها ما أحل الله، وتقل عند البعض حتى أنه ليحل لزوجته ما حرم الله، فيتركها تخالط الرجال ويخالطونها، يجلسون معها ويصافحونها، ومثل هذا لا شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بأنه "ديوث" لا يغار على أهل بيته ومحارمه.

    ودرسُنا هنا مع أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنها- التي تلقن المسلمات درسا في الغيرة، فكانت تمشي يوما تحمل على رأسها علفا لفرس زوجها الزبير رضي الله عنه تقول: فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر- بضعة أفراد- فدعاني، فقال: إخ، إخ- للجمل- ليحملني خلفه، فاستحييت وذكرت الزبير وغيرته، قالت: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم... (رواه البخاري ومسلم).

    قال النووي: قال القاضي عياض: هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف غيره، فقد أمرنا بالمباعدة من أنفاس الرجال والنساء، وكانت عادته صلى الله عليه وسلم مباعدتهن ليقتدي به أمته، قال: وإنما كانت هذه خصوصية له، لكونها بنت أبي بكر، وأخت عائشة، وامرأة للزبير، فكانت كإحدى أهله ونسائه، مع ما خُص به صلى الله عليه وسلم أنه أملك لإربه، وأما إرادف المحارم فجائز بلا خلاف بكل حال. أقول: فهل يفهم أهل التخليط والهوى؟!!



    30- العاقلة وواجباتها الزوجية



    قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الزوجة الصالحة:"خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك " (السلسلة الصحيحة للألباني).

    ومن حفظ المرأة لنفسها في غياب زوجها ألا تدخل عليها أحدا يكرهه، ومعنا قصة المرأة التي كان زوجها غائبا في الحرب في جيش عمر بن الخطاب، فجلست وحيدة لا أنيس لها، فقالت شعرا في ذلك تبين فيه أنها رغم وحدتها وخلوتها فإنها ستحفظ زوجها في غيابه بحفظ نفسها، فلن تدخل أحدا عليها فيدنس فراشه وينتهك حرمته، وكان مما قالته:

    طال هذا الليل تسرى كواكبه وأرقنـي ألا خليل ألاعبه

    فوالله لـولا الله أنـي أراقـبه تحرك من هذا السرير جوانبه

    مـخافة ربي والـحياء يصدني وإكرام ببعلي أن تنال مراكبه



    ومن اهتمام العاقلة بحقوق زوجها ما فعلته زوجة رباح القيسي؟! ! قال رباح: ذكرت لي امرأة فتزوجتها، فكانت إذا صلت العشاء الاخرة تطيبت وتدخنت- أي من البخور- ولبست ثيابها- أي ملابس الفراش- ثم تأتيني فتقول: ألك حاجة؟ فإن قلت: نعم كانت معي، وإن قلت لا، قامت فنزعت ثيابها ثم صفت بين قدميها حتى تصبح.



    31- العاقلة وحسن تدللها مع زوجها



    لا شك أن الرجل الحصيف يعطي زوجته الفرصة لتمزح وتتدلل معه، بل ويدللها هو، فإن ذلك من حسن العشرة التي أمر الله تعالى بها في قوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...} [النساء:19]، وإذا كان الأمر كذلك فلا غرابة أن نرى عائشة- رضي الله عنها- تقول: يا رسول الله، أرأيت لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها، وشجرة لم يؤكل منها، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال صلى الله عليه وسلم: " في التي لم يُرتع منها". قالت - رضي الله عنها-: فأنا هي (رواه البخاري).

    ومثل هذا الحديث يُدخل السرور في نفس الزوج، وهي تقصد- رضي الله عنها- أنه تزوجها بكرا، ولم يسبقه إليها أحد قبله صلى الله عليه وسلم، مثل الشجرة التي لم يؤكل منها، وهذا من حسن العشرة، وتأتي الأمور والتدلل مع الزوج. وتقول أيضا: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم - أي سمنت- سابقني فسبقني، فقال: " هذه بتلك " (رواه النسائي.



    32- العاقلة وعون زوجها على طاعة ربه



    أم كلثوم بنت الصديق- رضي الله عنهما- ترى زوجها أبا طلحة بن عبيد الله مهموما لم ينم ليلته، وكان غنيا فتسأله عما أهمه وأقض مضجعه، فقال لها: أتاني من حضرموت سبعمائة ألف درهم، فتفكرت منذ الليلة، فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته؟ قالت: فأين أنت عن بعض أخلائك وأصحابك؟ فإذا أتى الصباح فادع بجفان وقصاع- أواني- وقسمه بينهم، فقال لها: رحمك الله، إنك موفقة بنت موفق، فلما أصبح دعا بجفان ووضع فيها المال، فقسمه بين المهاجرين والأنصار، ولم يكد يترك لبيته شيئا، فقالت له: أبا محمد، أما كان لنا في هذا المال من نصيب؟ فقال أين أنت منذ اليوم؟ فشأنك بما بقي، قالت: فما بقي إلا صرة فيها نحو ألف درهم.

    نعم، فإن أم كلثوم زوجة أبي طلحة لم تجعل الدنيا أكبر همها، فهي تربية أبي بكر الصديق، وأخت عائشة، وزوجها أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومثلها تعد من أمهات نساء الإسلام، عون للزوج على طاعة ربه، لكننا نرى حفيداتها اليوم ولسان حالهن يقول: نفسي نفسي، فساتيني، موضتي، بيتي، حفلاتي، صديقاتي، لكن العاقلة تعلم قول الله تعالى: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ} [يوسف:109].



    33- العاقلة وعون زوجها في عمله



    تقول أسماء بنت الصديق- رضي الله عنها-: تزوجني الزبير وما له شيء غير فرسه، فكنت أسُوسُه- أي أقوم عليه بما يصلحه- وأعلفه، وأدق لناضحه النوى، وأستقي وأعجن، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير- التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم- على رأسي، وهي على ثلثي فرسخ- ثلاثة كيلو مترات تقريبا- قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد بخادم فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني. (رواه البخاري ومسلم وغيرهما).

    وقولها: فكأنما أعتقني، يدل على شدة المعاناة والتعب الذي كانت تلقاه من ذلك العمل، لكن المرأة كلما استطاعت معونة زوجها في حدود طاقتها فلتفعل، وهي في ذلك في عداد الصالحات.



    34- العاقلة عند غضب زوجها



    لنسائنا وبناتنا في أمهات المؤمنين أسوة، وخاصة معاملة الزوج، فالزوج بشر يعتريه الغضب، وعلى العاقلة أن تمتص غضب زوجها؛ إما ببشاشتها في وجهه حتى لا يزداد في غضبه، وإما بالانصراف من أمامه حال غضبه إن كان البقاء ربما يصعد الموقف ويزيد من الغضب، وإما بسؤاله بسرعة عما أغضبه لمحاولة إزالة سبب الغضب، وإبداء الاستعداد للاعتذار وإرضاء الزوج، وهذا ما فعلته أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- تقول أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، قالت: فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ قال:" ما بال هذه النمرقة؟" فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم ". وقال:" إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة" (رواه البخاري). فعائشة- رضي الله عنها- اشترت وسادة أو سجادة ليجلس عليها النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر أنها لم تعرف أن التصاوير التي عليها ممنوعة، فلذلك لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم من خارج بيتها ورأى الصور وقف غاضبا ولم يدخل، وهي لم تعلم سبب غضبه، فبادرت بالاعتذار والتوبة مما أغضبه صلى الله عليه وسلم، فبين لها أن الصور يعذب صانعوها يوم القيامة وإذا عُذب صانعوها عُذب من يستعملها مثلهم، فمزقت النمرقة وشقتها حتى شوهت الصورة، وجعلتها وسادتين.

    ذكر ذلك ابن حجر - رحمه الله- في شرح الحديث وأوردته باختصار.



    35- العاقلة عندما يطلقها زوجها



    في أول ظهار وقع في الإسلام، قال أوس بن الصامت لزوجته: أنتِ علي كظهر أمي، وكان الظهار عند أهل الجاهلية يعد طلاقا، فشق ذلك على زوجته، فقد كانت وحيدة، فقيرة، ذات صبية صغار، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في أمرها، فقال لها: " ما أراكِ إلا وقد حرمت عليه ". فحزنت واشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراجعت النبي صلى الله عليه وسلم وحاورته وجادلته مرة بعد مرة، وهي تنظر إلى السماء وتشتكي وتقول: أشكو إلى الله مما لقيت من زوجي حال فاقتي- فقري- ووحدتي، وقد طالت معه صحبتي ونفضت له بطني- يعني وَلَدَت له كل ما في بطنها- وتقول: اللهم أنزل على لسان نبيك، يعني وحيا يحل المشكلة.

    وسبحان من وسع سمعه الأصوات: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1].

    وجاء الوحي بالفرج، جاء بالكفارة فنزل الوحي، وقد قامت عائشة تغسل شق رأسه صلى الله عليه وسلم.

    ما أعظم الشكوى إلى الله واللجوء إليه حين تلجأ العاقلة إلى ربها وخالقها وقت الشدة، تدعوه وتشتكي إليه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62]، بدلاً من أن تشتكي إلى أمها وأبيها والجيران وكل من يعنيه الأمر ومن لا يعنيه، وتلجأ إلى المحاكم وشهود الزور وتطول القضية، وتسوء العاقبة.



    36- العاقلة عندما تطلب هي الطلاق من زوجها (الخلع)



    جاءت حبيبة بنت سهل زوجة ثابت بن قيس وكان مسلما صالحا، وكان أسود دميما، فقالت: يا رسول الله، إن ثابت بن قيس لا أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنني أكره الكفر في الإسلام (أي كفران نعمة الزوج والعشير وعدم إعطائه حقه بسبب بغضها لسواده ودمامته). فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته؟" وكان أعطاها حديقة مهراً، فقالت: نعم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فقال له: " طلقها طلقة ". فطلقها ثابت. (أخرجه البخاري).

    وذكر الحافظ في الفتح أنها قالت: يا رسول الله، لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدا، إني رفعتُ الخباء فرأيته أقبل في عِدة هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها. فقال: " أتردين... " الحديث.

    وكثير من النساء إذا نوت الطلاق نوت الشقاق، لكن زوجة ثابت أتت بها صريحة صادقة، لأنها تعلم أنها سترجع إلى ربها يوما ويحاسبها على كل شيء، فلم ترد أن تعيش مع زوجها حياة مزيفة، تبخسه فيها حقه بسبب بغضها لشكله وهيئته، وفي نفس الوقت قررت أن الطلاق (الخلع) رغبة منها، فلم تظلمه ولم تزعم أنه هو المطلق لتضيع عليه حقه ومهره، وما أحوج نساءنا لهذا الخلق.



    37- العاقلة والحذر من المحلل



    عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها فتزوجت آخر، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أنه لا يأتيها، وأنه ليس معه إلا مثل الهدبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " أي: يستمتع كل منكما بالآخر استمتاعا كاملا، والعسيلة: هي لذة الجماع، وشبهها النبي صلى الله عليه وسلم بذوق العسل، وجاءت عسيلة مؤنثة لتأخذ معنى النطفة.

    وأيضا الغميضاء أو الرميصاء- زوج عمر بن حزم- طلقها زوجها، فتزوجها رجل آخر، فطلقها قبل أن يمسها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال صلى الله عليه وسلم: " حتى يذوق الآخر من عسيلتها... " الحديث.

    والحقيقة فإن مجيء تلك النساء لتستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواز العودة إلى الزوج الأول من عدمه يدل على الخشية من الوقوع في الحرمة والإثم، كما يدل على عدم التجرؤ على حدود الله جل وعلا، وعدم التحايل على ما يسمى " بالمحلل"، في حين أننا نرى في زماننا الجرأة الواضحة على شرط القرآن: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}، وشرط السنة: " حتى يذوق من عسيلتها".

    فالمرأة إذا طلقت ثلاثا حرمت على زوجها ولا يمكنها الرجوع إليه حتى تتزوج زوجا غيره وتعيش معه حياة عادية تفضي إليه ويفضي إليها ويستمتع كل منهما بالآخر، بحيث لا تفارقه حينئذ إلا بموته أو بطلاقه إياها طلاقا عاديا ليس فيه التحايل والتلاعب بشرع الله وحدوده، قال الله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235].



    38- العاقلة ورجاحة عقلها في حل مشاكل زوجها



    ها هي خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الملك في غار حراء، ارتاع ورجف وخاف على نفسه صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى خديجة وأخبرها الخبر، ثم قال: " لقد خشيت على نفسي ". فوقفت خديجة- رضي الله عنها- موقف العاقلة البصيرة التي تستشف روح الأحداث، فقالت له: ((كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ (المثقل بإعاشة عياله)، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فطمأنته حين قلق، وأراحته حين جهد، وذكرته بما فيه من فضائل، مؤكدة له أن الأبرار أمثاله لا يخذلون أبدا، وبهذا العقل الراجح والقلب الصالح استحقت خديجة أن يجيبها رب العالمين فيرسل إليها السلام مع الروح الأمين.

    وكذلك أم سلمة رضي الله عنها وهي زوج النبي أيضا، وكانت تعرف بأنها عاقلة حكيمة حليمة، فلما رد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة بالحديبية وأجروا معه صلحا على أن يؤدي العمرة هو وأصحابه من العام القادم، وكان كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممتعضا لما يرى في الظاهر من إجحاف شروط المعاهدة على المسلمين، فلما تأجلت العمرة إلى العام التالي وهم محرمون، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " قوموا فانحروا ثم احلقوا ". ليتحللوا من إحرامهم وعمرتهم ويعودوا إلى المدينة، فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس (أصحابه) فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ - أي أن يطيعوك- اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك (الإبل) وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج صلى الله عليه وسلم فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، فلما رأوا ذلك قاموا- عجلين- فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما(رواه البخاري وابن حبان وغيرهما). أي لشدة الغيظ على الكافرين.

    بهذا الحلم ورجحان العقل من أم سلمة- رضي الله عنها- وثبات قلبها وهدوء نفسها عندما تبلغ الشدة ذروتها، تستطيع أيضا كل زوجة أن تكون من أعظم أهل العقل والشورى لدى زوجها. وكم من النساء من هن أعباء فقط على أزواجهن والعاقلة لا تكون كذلك.



    39- العاقلة ومعاملة الشابات حديثات السن



    عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف ". ثم تقول: " فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو ". وفي رواية البخاري: " التي تسمع اللهو" (رواه مسلم والبخاري).

    قال النووي: " وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال، نظر إلى نفس البدن، وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق، وإن كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة فالأصح أنه محرم، وأجاب عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل بلوغ عائشة، أو كانت تنظر إلى لعبهم بحرابهم لا إلى وجوههم وأبدانهم، وإن وقع بلا قصد أمكن أن تصرفه في الحال ".

    فعائشة رضي الله عنها تريد ألا تقهر الشابة الحديثة السن العَربة كما في رواية مسلم وهي المتدللة، ولا تعامل- بمجرد زواجها- معاملة الزوجة الكبيرة الخبيرة، الهادئة الزاهدة، والنبي صلى الله عليه وسلم هو خير قدوة في بيان ذلك، حتى أنه رأى مرة بنات لعائشة لُعَب، فقال: " ما هذا يا عائشة؟ " قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع- رقعة جلد- فقال: " ما الذي أرى وسطهن؟" قالت: فرس، قال: " وما هذا الذي عليه؟" قالت: جناحان، قال: " فرس له جناحان؟" قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه (رواه البيهقي وأبو داوود).

    فعائشة رضي الله عنها عروس، وفي بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولها لُعَب (بنات) تلعب بها، والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك لأنه خير من يحسن عشرة النساء ويراعي سن الشابة والزوجة كل على قدر حالها، فهو خير الناس لأهله صلى الله عليه وسلم.



    40- العاقلة ومؤهلات الزوجة الدينية



    لما ماتت خديجة رضي الله عنها، اشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فسئل عن ذلك، فقال: " أجل، كانت أم العيال وربة البيت ". وعندما أرادت خديجة أن يتوجه النبي صلى الله عليه وسلم في تجارتها قالت: " إنه دعاني إلى البعث إليك، ما بلغني من صدق حديثك، وعِظَم أمانتك وكرم أخلاقك".

    فما اختارته لتجارتها إلا لما فيه من صفات ومؤهلات دينية يحبها الله ورسوله، ولا تفعل ذلك إلا من فيها هذه الصفات وتلك المؤهلات.



    قال ابن حبان: وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة... بعثت إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إني قد رغبت فيك وفي قرابتك وفي أمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك (رواه ابن حبان).

    ولما وجدت ميل النبي صلى الله عليه وسلم إلى زيد بن حارثة وكان في ملك يمينها، وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم. فكانت هي السبب فيما امتاز به زيد من السبق إلى الإسلام، حتى قيل إنه أول من أسلم مطلقا.

    فصدق الحديث، وعظم الأمانة، وكرم الخلق، والجود، كلها صفات ربانية، وكلها كانت مؤهلات خديجة في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لتجارتها ثم اختياره كزوج، رغم أنها قد تمناها أكابر قريش ورؤساؤها وكانت ترفضهم، ومثل هذه استحقت أن يتوجها النبي صلى الله عليه وسلم بتاج النجاح والفلاح، فيقول: " كانت أم العيال وربة البيت ".

    فانظري أيتها الأخت المسلمة كيف كانت رعاية الأولاد وإدارة البيت وساما نبويا على صدر خديجة- رضي الله عنها - في الوقت الذي نرى في كثير من بيوت المسلمين؛ أمر تربية الأولاد وإدارة البيت موكولاً فقط إلى الخادمة!



    41- العاقلة والزهد في المال وإنفاقه والتطلع إلى ما عند الله



    بعث معاوية بن أبي سفيان لابنه بثمانين ألف درهم إلى عائشة- رضي الله عنها- وكانت صائمة وعليها ثوب خلق (بالي)، فوزعت هذا المال من ساعتها (في الحال) على الفقراء والمساكين.. ولم تبق منه شيئا، فقالت لها خادمتها: يا أم المؤمنين، ما استطعت أن تشتري لنا لحما بدرهم تفطرين عليه؟ فقالت: يا بنية، لو ذكرتني لفعلت.

    ومن المواقف العظيمة لأم المؤمنين رضي الله عنها في الإنفاق والزهد ما قاله الإمام مالك رحمه الله في موطئه، قال: أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن مسكينا سألها وهي صائمة، وليس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه، فقالت: أعطيه إياه، قالت: ففعلت، قالت: فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان؛ ما كان يهدى لنا؛ شاة وكفنها، فدعتني عائشة أم المؤمنين فقالت: كلي من هذا، هذا خير من قرصك.

    وعن مالك أيضا قال: بلغني أن مسكينا استطعم عائشة أم المؤمنين، ويين يديها عنب، فقالت لإنسان: خذ حبة فأعطه إياها، فجعل ينظر إليها ويعجب، فقالت عائشة: أتعجب! كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة!

    نعم {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7، 8].. وهذا ما فهمته عائشة رضي الله عنها.

    وعن عطاء بن السائب قال: أوصى إلي رجل من أهل الكوفة في تركته وذكر أنه مولى لآل علي بن أبي طالب، فقدمت المدينة فدخلت على أبي جعفر؛ محمد بن علي، فقال: ما أعرفه، ودلني على (أخته) أم كلثوم بنت علي، فإذا عجوز على سرير في بيت رث، فإذا في البيت سقاء معلق، فجعلت أقلب بصري في البيت، فقالت: يا بني، لا يحزنك ما ترى، فأنا بخير، قلت: أوصى رجل إلي بتركته، وذكر أنه مولى لكم، قالت: ما أعرفه، وإن مولى لنا يقال له هرمز أو كيسان أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يا كيسان، إن آل محمد لا يأكلون الصدقة، وإن مولى القوم من أنفسهم فلا تأكله".

    فانظري أيتها المسلمة لهذا النموذج الفذ العظيم، ليس عندها في البيت متاع إلا ما يبلغها وبحفظ حياتها " وتقول لعطاء: يا بني لا يحزنك ما ترى، فأنا بخير، نعم هي بخير مادامت تشعر بأنها قريبة من ربها وأن الدنيا ليست دار مقر، وأن الآخرة خير وأبقى.

    أما عمر رضي الله عنه فقد أرسل إلى أم المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- نصيبها من العطاء، فلما أدخل عليها قالت: غفر الله لعمر، غيري من أخواتي كان أقوى على قَسْم هذا مني، قالوا: هذا كله لك، قالت: سبحان الله! واستترت من المال بثوب، وقالت: ضعوه واطرحوا عليه ثوبا، قالت بَرَّة أو برزة بنت رافع راوية الحديث: ثم قالت لي: أدخلي يدك فاقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من أهل رحمها وأيتامها، فقسمت حتى بقي منه بقية تحت الثوب، فقالت لها برة: غفر الله لك يا أم المؤمنين، والله لقد كان لنا في هذا حق، فقالت: فلكم ما تحت الثوب، قالت: فكشفنا فوجدنا ما تحته خمسة وثمانين درهما، ثم رفعت أم المؤمنين يدها، فقالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا. فتوفيت من عامها.

    ومن هنا نرى أن أم المؤمنين:

    أولا: كرهت مجيء هذا المال إليها.

    ثانيا: سترته بثوب عن وجهها لتحفظ عينيها من النظر إلى فنته، ومن ثم لا يصل إلى قلبها حب ذلك المال.

    ثالثا: أمرت الجارية أن تقبض منه بيدها لتحفظ أم المؤمنين يدها من مس ذلك المال فتؤثر في يدها فتنته.

    رابعا: دعت الله ألا يدخل عليها مثل هذا المال بعد يومها، فاستجاب الله لها وقبضها. فالدنيا ليست هم أم المؤمنين، بل جعلت المال وسيلة لنيل أعلى درجات الآخرة، ولم تجعله هدفاً، كما هو في حياة الكثيرين اليوم.



    42- العاقلة ومال زوجها



    المرأة مأمورة أن تحافظ على مال زوجها، فهي مؤتمنة عليه وهي عندئذ من خير النساء كما بين ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم في قوله: " خير النساء من تسرك إذا أبصرت وتطيعك إذا أمرت وتحفظ غيبتك في تمسها ومالك ". وليس لها أن تتصرف في شيء منه إلا بإذنه ما دام أنه يحسن الإنفاق عليها وعلى بيتها وأولادها، لكنه في حالة ما إذا كان الزوج شحيحا في الإنفاق على أولاده، فيجوز أن تأخذ المرأة من ماله بدون علمه وإذنه ما يكفيها وأولادها بالمعروف، كما أذن بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

    عن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- أن هند بنت عتبة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان- زوجها- رجل مسيك، وفي رواية: شحيح، فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ قال: " لا أراه إلا بالمعروف ". وفي رواية: " خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك " (رواه البخاري ومسلم وغيرهما).


    ......

    [ المؤمن يألف ويؤلف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، وخير الناس أنفعهم للناس ]
    ( حسن صحيح )


  2. #2
    الصورة الرمزية إشراقة أمل
    تاريخ التسجيل : Apr 2002
    رقم العضوية : 249



    [ALIGN=CENTER]43- العاقلة والتصدق على زوجها



    انطلقت زينب امرأة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه وعنها- إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا امرأة من الأنصار حاجتها كحاجة زينب. تقول: فخرج علينا بلال، فقلنا: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وأيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن، فدخل بلال فسأله، فقال صلى الله عليه وسلم: "من هما" قال: امرأة من الأنصار وزينب، : قال:"أي الزيانب؟ " قال بلال: امرأة عبد الله، فقال صلى الله عليه وسلم:" لهما أجران، أجر القرابة، وأجر الصدقة" (رواه مسلم والبخاري).



    44- العاقلة وأكل الحلال



    هذه عمرة بنت الحارث الخزاعية أخت أم المؤمنين جويرية -رضي الله عنها- تحدِّث عمرة حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " الدنيا خضرة حلوة، فمن أصاب منها من شيء من حِلّهِ بورك له فيه، ورُبَّ متخوض في مال الله (أي يخوض فيه بأكله حراما) ومال رسوله، له النار يوم القيامة " (رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح).

    فالعاقلة التي تأكل من حلال وتوصي زوجها كلما خرج من البيت وتقول له: اتق الله فينا ولا تكسب إلا من حلال ولا تطعمنا إلا من حلال، فكل جسم نبت من شحت فالنار أولى به، ومعاذ الله.



    45- العاقلة والعفو عن المسيء ومقابلة السيئة بالحسنة



    للعفو والصفح أهل كظموا غيظهم وعفوا عمن أساء إليهم، والله يحب المحسنين، ومن هؤلاء عائشة- رضي الله عنها- بلغها أن عبد الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء، كان في دار لها فباعتها فتسخط عبد الله بيع تلك الدار، فقال: أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رياعها (منازلها)، أو لأحجرن عليها، قالت عائشة: أَوَ قال ذلك؟ قالوا: قد كان ذلك، قالت: لله علي ألا أكلمه حتى يفرق بيني ويينه الموت، فطالت هجرتها إياه، فشق عليه ذلك، فاستشفع بكثيرين لكي تكلمه، فأبت أن تكلمه، فلما طال ذلك كلم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود أن يستأذنا على عائشة وهو معهما، فإن أذنت لهما قالا: كلنا؟ وذلك حتى يدخلوا كلهم، فقالت: نعم كلكم فليدخل، ولا تشعر أن معهما عبد الله، فدخل فكشف الستر – وهي خالته- فاعتنقها وبكى، وبكت عائشة بكاء كثيرا، ونشدها عبد الله بن الزبير الله والرحم، ونشدها مسور وعبد الرحمن بالله والرحم وذكرا لها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسم أن يهجر أخاه فوق ثلاث " فلما أكثروا عليها كلمته بعدما خشي ألا تكلمه، ثم كفرت عن نذرها ذلك بعتق أربعين رقبة، قال عوف راوي الحديث: ثم سمعتها بعد ذلك تذكر نذرها ذلك فتبكي حتى تبل خمارها. نعم فإن عبد الله ابن الزبير بشر يصيب ويخطئ، وعائشة بشر تصيب وتخطئ، لكنهم إذا ذكروا تذكروا {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201].

    وفيما يخص النذر وكفارته؛ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كفارة النذر كفارة اليمين ". يعني أن من نذر فعل طاعة ثم عجز عن الوفاء، أو نذر نذرا محرما فلا يفعل المحرم وعليه كفارة يمين، وهذا الذي فعلته أم المؤمنين.

    أيضا فإن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تعرف بأنها " شريفة عاقلة، ذات حسب وجمال ودين" رضي الله عنها، وأبوها حيي بن أخطب من زعماء اليهود (بني قريظة)، أسلمت وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عبد البر: روينا أن جارية لصفية أتت عمر بن الخطاب- في خلافته- فقالت له: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود. فبعث عمر يسألها، فقالت: أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحما فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: الشيطان، قالت: فاذهبي فأنت حره. سبحان الله! من سمع أن النمام يعطى أعز جائزة (عتق رقبته)؟! وانظري أيتها العاقلة إلى ثمرة الصدق وجزائه. وكثيرا ما تُظْلَم صفية رضي الله عنها وهي بريئة صادقة.

    قال الحافظ ابن حجر: أخرج ابن سعد بسند حسن عن زيد بن أسلم قال: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه، فقالت صفية بنت حيي: إني والله يا نبي الله، لوددت أن الذي بك بي! فغمزن أزواجه ببصرهن، فقال: " مضمضن ". فقلت: من أي شيء؟ فقال: " من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة ".



    46- العاقلة والوفاء بالعهد والشرط



    قالت الربيع بنت معوذ: قلت لزوجي: أختلع منك بجميع ما أملك، قال: نعم، فدفعت إليه كل شيء إلا درعي (قميصي) فخاصمني (شكاني) إلى عثمان فقال: له شرطه، فدفعته إليه. وفي رواية فقال عثمان: الشرط أملك فخذ كل شيء حتى عقاص رأسها (ضفائرها). وأصل العقيصة هي الشعر المضفور، والعقص هو اللَّي وإدخال أطراف الشعر في أصوله.

    فلتحذر العاقلة حين تشترط ولتعلم أن المسلمين على شروطهم كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.



    47- العاقلة وإنزال الناس منازلهم



    عن الشعبي قال: تزوج علي بن أبي طالب أسماء بنت عميس رضي الله عنها، فتفاخر ابنها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر، فقال كل منهما: أنا أكرم منك، وأبي خير من أبيك، فقال لها علي: اقضي بينهما، فقالت: ما رأيت شاباً خيراً من جعفر، ولا كهلا خير من أبي بكر، فقال لها: فما أبقيت لنا؟.

    رحم الله أسماء بنت عميس، فهي دائما صاحبة الموقف النبيل الكريم وفي وجود زوجها الثالث؛ علي بن أبي طالب تضع كل زوج من أزواجها الذين توفوا عنها في موضع حسن، وتلقن أبناءها درساً تربوياً بألا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد، وهذا غاية النُّبل في إنزال الناس منازلهم.



    48- العاقلة وتقربها إلى الله بأحسن شيء



    لما نذرت امرأة عمران ما في بطنها لخدمة المسجد؛ سألت ربها القبول، فلما وضعت كان المولود أنثى، والأنثى ليست كالذكر في الخدمة والقيام ببعض الأعمال، فقالت: يا رب كنت أريدها ذكرا ليقوم بالخدمة على وجه أكمل وأقوى من الأنثى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران:36]، فلما رأى الله تعالى منها الصدق والإخلاص في نذرها{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً} [آل عمران: 37].

    فلتتقرب المسلمة إلى ربها بأحسن ما تستطيع في كل شيء، ولتكن ذات قوة وعزيمة وإتقان في عملها، والله تعالى يقول:{ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:63] ويقول:{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر:55].



    49- العاقلة وجزاء الإحسان



    عن ميمون بن مهران قال: خطب معاوية أم الدرداء، فأبت أن تزوجه، وقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" المرأة في آخر أزواجها". أو قال: " لآخر أزواجها " أو كما قال، ولست أريد بأبي الدرداء بدلاً.

    وقد صحح الشيخ الألباني رحمه الله الأحاديث الدالة على هذا المعنى، الحديث الأول في مسند الخرائطي عن عائشة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرأة لآخر أزوجها" (صحيح الجامع). والحديث الثاني عند الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة توفي عنها زوجها فتزوجت بعده فهي لآخر أزواجها " (صحيح الجامع).

    فهذه المؤمنة الفاضلة أم الدرداء بلغ بها الإحسان والوفاء لزوجها الميت أبي الدرداء أن ترفض الزواج من أحدٍ بعده، ولو كان أميرا على المسلمين، لِما رأته من إحسان زوجها أبي الدرداء إليها إحسانا جعلها لا تفكر في الزواج بعده، وتنتظر لقاءه في الجنة. فاللهم ارزقنا وإياها الجنة. وهذه بلا شك رسالة إحسان، فليفهمها أزواج آخر الزمان!!



    50- العاقلة والتحلل من المظالم قبل الموت



    أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم على فراش الموت، مقبلة على ربها والدار الآخرة، ترى أنه لا مفر من التسامح وطلب العفو من الآخرين. تقول عائشة- رضي الله عنها-: دعتني أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: عند موتها فقالت: قد كان بيننا ما يكون بين الضرائر- أي من كراهية وكيد- فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك، فقلت: غفر الله لك ذلك كله وحللك من ذلك، فقالت: سررتني سرك الله. وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك (أخرجه ابن سعد والحاكم).

    رحم الله أمهات المؤمنين فإنهن يعلمن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانت عنده مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قيل ألا يكون دينار ولا درهم (يعني يوم القيامة) إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه" (رواه البخاري عن أبي هريرة).

    وما أكثر المظالم بين الضرائر، والعاقلة من حسبت حسابها وخرجت من الدنيا وليس أحد يطلبها يوم القيامة بشيء.



    51- العاقلة ومعاملة الأسير



    قالت مارية أو ماوية مولاة حجر بن أبي إهاب وكان خبيب بن عدي- الصحابي الجليل- قد حبسه المشركون في بيتها- قبل إسلامها- فكانت تحدث بعد أن أسلمت قالت: إنه لمحبوس في بيتي مغلق دونه إذ اطلعت من خَلَل الباب وفي يده قطف من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه، وما أعلم في الأرض (مكة) حبة عنب، فلما حضره القتل قال يا مارية: التمسي لي حديدة أتطهر بها، قالت فأعطيت الموسى غلاما منا وأمرته أن يدخل بها عليه، فما هو إلا أن ولى داخلا عليه، فقلت: أصاب هذا الرجل ثأره، يقتل هذا الغلام بهذه الحديدة ليكون رجل برجل، فلما انتهى إليه الغلام أخذ الحديدة وقال: لعمري ما خافت أمك غدري حين أرسلت إلي بهذه الحديدة معك؟ ثم خلى سبيله. وفي رواية أنهم حبسوه عندها حتى يخرج الشهر الحرام فيقتلوه، وكانت تحدث بقصته بعد أن أسلمت وحسن إسلامها، وفيها: " وكان يتهجد بالقرآن فإذا سمعه الناس- الكافرات- بكين ورفقن عليه، فقلت له: هل لك من حاجة؟ قال: لا، إلا أن تسقيني العُذيب (الماء العذب)، ولا تطعميني ما ذبح على النصب، وتخبريني إذا أرادوا قتلي، فلما أرادوا قتله أخبرته، فوالله ما اكترث (ما اهتم بذلك)، وقال: ابعثي لي بحديدة أستصلح بها- يعني يحلق بها الشعر الداخلي- فبعثت إليه بموسى مع ابني من الرضاعة".

    سبحان الله! كيف عامل نساء المشركين أسير المسلمين، وكيف بكت الناس الكافرات لتهجده وقراءته؟ وكيف أنجزن له كل رغباته بكل أمانة؟ وكثير من الأسرى المسلمين لا يرون مثل هذه المعاملة من أبناء ملتهم في أنحاء من الدنيا كثيرة!!

    رواية البخاري:

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت، فانطلقوا حتى إذا كان بين عسفان ومكة ذُكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد، وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم بلغ نبيك، فرموهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل، وبقي خبيب وزيد ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قِسِيَّهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم، فلم يفعل فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها فأعارته، قالت: فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك مني، وفي يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله، وكانت تقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزق رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين ثم انصرف إليهم، فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو، ثم قال: اللهم أحصهم عدداً، ثم قال:

    ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي شق كان لله مصرعي

    وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع

    ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء.



    52- العاقلة والشدة في الحق ومجانبة أهل المعاصي



    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" (رواه مسلم). وانطلاقا من هذا الحديث أيتها المسلمة انظري كيف استقامت لأمره أم المؤمنين ميمونة.

    عن يزيد بن الأصم أن أحد أقارب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فوجدت منه ريح شراب (خمر) فقالت: لئن لم تخرج إلى المسلمين فيجلدوك، لا تدخل علي أبدا.

    إن المسلم حين يغضب لله، ويغير المنكر ما استطاع ذلك، ولا يجامل القرابة على حساب دينه، يكون قد استكمل إيمانه، وذلك الذي فعلته ميمونة- رضي الله عنها-.



    53- العاقلة والكفر بالطاغوت



    لما أسلمت هند- رضي الله عنها- (زوج أبي سفيان رضي الله عنه) جعلت تضرب صنما لها في بيتها بالقدوم حتى فلذته (قطعته) فلذة فلذة، وتقول: كنا معك في غرور. أي اغتروا به فاعتقدوا النفع منه والضر، فلم يجدوا منه ذلك، وما فعلته هند هو مقتضى الإيمان وحقوق لا إله إلا الله، فقد قال الحق جل شأنه:{ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:256].

    فهل تترك العاقلة أصنام الجاهلية ومعتقداتها ولا تأتي السحرة والكهان الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون؟. وهل تترك صنم الجاهلية الخطير الذي كثر ضرره وقل نفعه وشاع فساده وإفساده، ذلك الصنم هو الجهاز المسمى بالتلفاز، وقى الله تعالى بيوت المسلمين شره وبلاءه، وفساده ووباءه.



    54- العاقلة والبراءة من المشرك ولو كان من أهلها



    عن هشام بن عروة عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: أتتني أمي راغبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم: أَصِلُها؟ قال:"نعم". قال ابن عيينة: فأنزل الله تعالى فيها: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة:8]. وفي الرواية الأخرى أنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيها، فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، قال: " نعم، صلي أمك ".(رواه البخاري)

    وفي رواية مسلم وغيره أن أم أسماء أتتها وهي راغبة وراهبة. قال الحافظ ابن حجر: والمعنى أنها قدمت طالبة في بر ابنتها لها، خائفة من ردها إياها خائبة... وقال الخطابي: فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه، كما توصل المسلمة، ويستنبط منه وجوب نفقة الأب الكافر والأم الكافرة وإن كان الولد مسلما. ا هـ. ما أرحم الإسلام بالوالدين.



    55- العاقلة وإيثارها قصور الجنة على قصور زوجها الكافر



    عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلى مريم بنت عمران وآسية بنت فرعون وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " (رواه البخاري ومسلم).

    وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، و مريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم، مع ما قص الله علينا من خبرها في القرآن: { قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11].

    وآسية بنت مزاحم هي زوجة فرعون الطاغية الذي ملأ الأرض ظلما وفسادا وعلا فيها وجعل أهلها شيعا، وقال للناس: أنا ربكم الأعلى، وكان عنده من الملك والمال والسلطة والقصور ما ليس عند أحد في زمنه، ورغم كل ذلك المتاع والدنيا بزينتها وفتنتها، شاء الله تعالى لامرأة فرعون أن تكون من الصالحات، الرافضات لهذا الانحراف الخطير، والتطرف المثير، فلم تفتن بالقصور ولا الذهب والحرير، وآثرت ما عند الله العلي القدير، فطلبت من ريها عز وجل النجاة فقالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11]. فاستحقت آسية بنت مزاحم سيدة مصر الأولى أن تكون واحدة من سيدات نساء العالمين.

    سبحان الله! وهل هناك فتنة أعظم من فتنة قصر فرعون؟ حيث يبلغ التنعم مداه، والترف أقصاه، ولكن امرأة فرعون علمت أنه زائل فانٍ، فنظرت نظرة بعيدة لترى قصور الجنة، مشيدة تتلألأ، باقية لا تزول، فاختارت الباقي على الفاني. رحم الله آسية بنت مزاحم.



    56- العاقلة والطب النبوي قبل الطب البشري



    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى مريضا أو أُتِيَ به إليه قال:" أذهب البأس رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما" (صحيح الجامع).

    وهذه ميمونة بنت أبي عسيب مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تُحدِّث أن امرأة مريضة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا عائشة أغيثيني بدعوة من رسول الله تطمئنني، فقال صلى الله عليه وسلم: " ضعي يدك اليمنى علي فؤادك فامسحيه وقولي: بسم الله اللهم داوني بدوائك واشفني بشفائك وأغنني بفضلك عمن سواك " (أخرجه الطبراني).

    وجدير بكل مسلم ومسلمة إذا أصاب أحدهم شيء أن يفزع إلى الخالق قبل أن يفزع إلي المخلوق فلا شك أن هذا زيادة في التوكل ورسوخ في التوحيد.



    57- العاقلة عروسا في ساحة القتال



    أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية زوجة عكرمة بن أبي جهل، قتل عنها عكرمة بموقعة أجنادين، وبعد عدتها خطبها خالد بن سعيد فتزوجها على أربعمائة دينار، فلما نزل المسلمون " مرج الصفر " أراد خالد أن يعرس بأم حكيم- أي يدخل بها- فجعلت تقول: لو أخرت الدخول حتى يهزم الله هذه الجموع، فقال خالد: نفسي تحدثني أني أقتل في جموعهم، قالت: فدونك (هيا)، فأعرس بها عند القنطرة التي بالصفر (اسم مكان) وبها سميت قنطرة أم حكيم، وأولم عليها، فدعا أصحابه على طعام فلما فرغوا من الطعام، صفت الروم صفوفها، صفوفا خلف صفوف... وبرز خالد بن سعيد فقاتل فقتل، وشدت أم حكيم على ثيابها وتبدَّت وإن عليها أثر الخَلوق فاقتتل المسلمون والروم أشد القتال على النهر، وصبر الفريقان جميعا، وأخذت السيوف بعضها بعضاً، وقَتَلت أم حكيم يومئذ سبعة بعمود الفسطاط (الخيمة) الذي بات فيه خالد معرساً بها.

    سبحان الله! ما هذا الثبات؟! لا يؤخرهم زواج عن قتال، ولا قتال عن زواج، صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

    تـنبـيه هـام

    يستدل بعض المسلمين بخروج المرأة للجهاد أيام النبي صلى الله عليه وسلم وبيعده بجواز خروج المرأة مطلقا لكل الأعمال ولو أدى ذلك إلى الاختلاط وغيره، وجعلوا بهذا الدليل خروجها أصلا، في حين أن خروجها كان استثنائي وليس أصلا، ولن أطيل في تفسير هذه الجزئية لقلة بضاعتي، لكني سأترك السهم لراميه والقوس لباريه، وأستمع مع إخواني لسيد البشر صلى الله عليه وسلم ليفسر هو بنفسه خروج المرأة للجهاد وغيره، فماذا قال صلى الله عليه وسلم؟ عن سعيد بن عمرو القرشي أن أم كبشة (امرأة من قضاعة) قالت: يا رسول الله، ائذن لي أن أخرج في جيش كذا وكذا، قال: " لا "، قالت: يا رسول الله: إني لست أريد أن أقاتل، وإنما أريد أن أداوي الجرحى والمرضى وأسقي الماء، قال صلى الله عليه وسلم:" لولا تكون سُنة ويقال: فلانة خرجت. لأذنت لك، ولكن اجلسي، لا يتحدث الناس أن محمدا يغزو بامرأة".

    والحديث واضح ومفهوم، فإن قال قائل: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن للنساء في أحد وكن يقاتلن معه كأم عمارة، وفي خيبر كأم سنان الأسلمية التي استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج معه إلى خيبر لتخرز السقاة وتداوي الجرحى، فقال لها صلى الله عليه وسلم: " إن لك صواحب قد أذنت لهن من قومك ومن غيرهم".

    فإن قيل ذلك فأترك المجال ليرد عليه الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله، قال: " يمكن الجمع بين هذا ويين ما تقدم- أي بين إذنه صلى الله عليه وسلم ثم عدم إذنه- أن هذا ناسخ لذاك، يعني قصة أم كبشة ناسخة لذلك كله، لأن قصة أم كبشة كانت عام الفتح سنة ثمانية من الهجرة، وغيرها كان في أحد وخيبر سنة ثلاث وسبع من الهجرة- على الترتيب- " ا هـ.

    ولننظر إلى قول أسماء بنت يزيد كما سبق بالفقرة [4] وهي تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات (مستترات) قواعد بيوت، وإن الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا لهم أولادهم " حتى أعجب النبي صلى الله عليه وسلم بفقهها والتفت إلى أصحابه وقال: " هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟ ".

    إن خروج المرأة له ضوابط منها عدم الاختلاط فإذا وُجد الاختلاط فبيتها أولى بها. فأين الاستدلال على خروج النساء إلى كل مكان على الإطلاق؟ أيها الأحباب لا يجوز بحال أن نجعل الاستثناء أصلا نسير عليه.



    58- العاقلة داعية إلى الإسلام



    عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: ".... ووقع في قلب أم شريك الإسلام وهي بمكة وهي إحدى نساء قريش فأسلمت، ثم جعلت تدخل على النساء من قريش سرا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام حتى ظهر أمرها لأهل مكة، فأخذوها وقالوا لها: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا سنردك إليهم. قالت: فحملوني على بعير، ليس تحتي شيء موطأ ولا غيره، ثم تركوني ثلاثا لا يطعمونني ولا يسقونني، قالت: فما أتت علي ثلاث حتى ما في الأرض شيء أسمعه، فنزلوا منزلا، وكانوا إذا نزلوا (استراحوا) أوثقوني في الشمس واستظلوا، وحبسوا عني الطعام والشراب حتى يرتحلوا، فبينما أنا كذلك إذا أنا بأثر شيء ترد علي منه، ثم رفع ثم عاد فتناولته، فإذا هو دلو ماء فشربت منه قليلا ثم نزع مني، ثم عاد فتناولته فشربت منه قليلا... قالت فصنع ذلك مرارا حتى رويت، ثم أفضت سائره على جسدي وثيابي، فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا لي: انحللت فأخذت سقاءنا فشربت منه؟ فقلت: لا والله ما فعلت، كان من الأمر كذا وكذا. فقالوا: لئن كنت صادقة فدينك خير من ديننا، فنظروا إلى الأسقية فوجدوها كما تركوها وأسلموا بعد ذلك".

    أرأيت يا أختاه كيف يحفظ الله تعالى الداعية إذا صبر وأخلص بل وبجري الكرامات على يديه؟ وما أشبه دلو أم شريك بقطف العنب في يد خبيب في سجنه وليس بمكة كلها يومئذ حبة عنب.



    59- العاقلة وبيان حدود الرجال والنساء في النكاح



    عن عبد الرحمن بن يزيد ومجمع بن يزيد الأنصاريين رضي الله عنهما أن رجلا منهم يدعى خداما؛ أنكح ابنة له فكرهت نكاح أبيها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له، فرد عليها نكاح أبيها، فنكحت أبا لبابة بن عبد المنذر، وذكر يحيى أنها كانت ثيبا (أخرجه البخاري).

    وعن نافع بن جبير قال: تأيمت خنساء بنت خدام (أي صارت بلا زوج، والأيم في الأصل التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، مطلقة كانت أو متوفى عنها) فالخنساء تأيمت من زوجها، فزوجها أبوها بغير علمها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: إن أبي تغوَّث علي (أغاث بي غيري) فزوجني ولم يشعرني فقال صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح له، انكحي من شئت" فنكحت أبا لبابة.

    وفي قصة أخرى لرجل أراد أن يزوج ابنة أخيه على رغبته دون رغبتها هي وأمها، فقالت أمها: والله لا يكون هذا حتى يقضي به علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتحبس أيم بني عدي على ابن أخيك، سفيه أو ضعيف؟ ثم خرجت حتى أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر فدعاه فقال له: " صل رحمك، وارض أيمك وأمها فإن لهما من أمرهما نصيبا".

    وقد فهمت النساء هذه المسألة، حتى أن أم القاسم بنت ذي الجناحين جعفر لما تأيمت، دعت رجلين من المهاجرين ورجلين من الأنصار، فقالت لهم إني قد تأيمت كما ترون، وإني مشفقة (خائفة) من الأولياء (أولياء أمرها) أن ينكحوني من لا أريد نكاحه، إني أشهدكم أني من أُنكِحت من الناس بغير إذني فإني عليه حرام ولست بامرأة (بزوجة).

    فشهدوا لها جميعا وأقروها وقالوا: لو فعلوا ذلك لم يَجرِ عليك. واستدلوا بقصة الخنساء المتقدمة.



    60- العاقلة وطلاء الأظفار



    قالت أم سنان الأسلمية: أتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإسلام، فنظر إلى يدي فقال: " ما على إحداكن أن تغير أظفارها".

    فهذه امرأة لم تكن مسلمة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت فرأى النبي يدها مكشوفة وهي مغيرة أظفارها إما بطلاء، أو غيرت طريقة تقليم الأظفار فبدلا من تقليمها تماما جعلتها مدببة كالحربة أو غير ذلك، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منها استنكره، ويين لها أن المرأة لم يطلب منها شرعا أن تفعل في نفسها مثل ذلك. وللعلم فإن طلاء الأظفار الذي يكون بمثابة قشرة على الأظفار لا يصلح الوضوء معه، وبالتالي تبطل الصلاة به إن حصل الوضوء في وجوده، فمن شروط الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، والحناء لا تدخل في هذا بلا شك.



    61- العاقلة وبشرى لكل المذنبين



    عن أم عصمة العوصية امرأة ابن قيس قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يعمل ذنبا إلا وقف الملك الموكل بإحصاء ذنوبه ثلاث ساعات، وإذا استغفر من ذنبه ذلك في شيء من تلك الثلاث ساعات لم يرفعه عليه يوم القيامة ".

    فما أوسع رحمة الله جل وعلا الذي قال في ذلك:

    {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110]، و الشرط في ذلك الصدق في التوبة والاستغفار وليس استغفار المستهزئين.



    62- العاقلة والتوبة النصوح



    التوبة النصوح هي التي تكون عامة وشاملة لكل الذنوب، مما يعني تسليم المرء قلبه كله لله رب العالمين، فلا يتوب عن معصية ويترك غيرها بلا توبة؛ فالتسليم لله لا يتجزأ.

    روى مسلم في صحيحه عن بريدة أن امرأة تسمى الغامدية جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني زنيت فطهرني، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله، لم تردني؟ لعلك تردني كما رددت ماعزا، فوالله إني لحُبلى، فقال صلى الله عليه وسلم: "... فاذهبى حتى تلدي" فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: " اذهبى فأرضعيه حتى تفطميه"، فلما فطمته أتت بالصبي في يده كسرة خبز فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فَيُقبِل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال:" مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس (نوع خبيث من أكل أموال الناس بالباطل) لغُفِر له "، ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت، فهل هناك توبة أصدق من مثل هذه التوبة؟ تلح المرأة وتجادل، ليس للهروب من الذنب والخطأ كما يفعل الكثيرون ولكن لتطهر من دنس الذنب ورجس المعصية، ولو كان التطهير رجما بالحجارة حتى الموت.

    إنها تعرف أن الرجم مهما كان قاسيا فهو أهون بكثير من غمسة واحدة في النار، من أجل ذلك جادت بأعز ما تملك؛ بروحها. فليسارع العصاة والزناة بالتوبة إلى الله، فإن الله تعالى يغفر لمن تاب ويهدي إليه من أناب.



    63- العاقلة وهي وحيدة أبويها



    سهل بن رافع صاحب الصاعين الذي لمزه المنافقون- فأنزل الله تعالى في حقه:{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ.} [التوبة:79].

    خرج سهل بابنته عميرة، وبصاع من تمر فقال: يا رسول الله إن لي إليك حاجة، قال: " وما هي؟ " قال: تدعو الله لي ولابنتي، وتمسح رأسها فإنه ليس لي ولد غيرها. قالت عميرة: فوضع كفه علي، فأقسم بالله لكان برد كف رسول الله صلى الله عليه وسلم على كبدي بعد. رضي الله تعالى عن عميرة؛ فحب أبيها لها وهي وحيدته لم يدفعه أن يهمل تربيتها أو يتساهل في تأديبها، لكنه ذهب يلتمس صلاحها والبركة بدعوة من سيد البشر، (تدعو الله لي ولابنتي).



    64- العاقلة وبر أبويها قبل وبعد موتهما



    جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله يا رسول الله: إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أ فأحج عنه؟ قال: " نعم " (رواه البخاري ومسلم).

    وأخرى جاءت إليه تسأله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها نذر أن تمشي إلى الكعبة (في حج أو عمرة أو اعتكاف أو صلاة) فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " اقض عنها ".



    65- العاقلة واحترام الأب



    عن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلاً وهديا برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها، من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها وقبلته وأجلسته في مجلسها (رواه البخاري وأبو داود والترمذي).

    ما أحسن العشرة حين يكون الاحترام متبادلاً سواء بين الزوج وزوجته أو بين الوالدين والأبناء، عندها يكون البيت جنة وبهجة، وتنمو المبادئ والقيم فيتلقنها الأولاد بالرضا والقبول.



    66- العاقلة وصلة أمها ولو كانت كافرة



    لقد أوصى الله سبحانه وتعالى بصلة الرحم، قال تعالى:{ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد:21].

    وقال صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه " (رواه البخاري).

    واشتق الله تعالى للرحم اسما من اسمه "الرحمن" جل وعلا، ووعد بوصل من وصلها، وتوعد بقطع من قطعها، فقال سبحانه للرحم كما بالحديث القدسي: "... أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟". قالت: بلى، قال: " فذاك لك ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقرأوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ...} [محمد: 22-23]"( رواه مسلم). وهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ترى أمها مشركة وأتتها، فلم تعرف أسماء ماذا تفعل، فاستفتت معلم البشرية صلى الله عليه وسلم في ذلك، قالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت (إلي)، وهي راغبة أ فأصلها؟ قال: " نعم صلي أمك "(رواه البخاري ومسلم وغيرهما).

    وكانت أمها كافرة، فكيف إذا كانت الأم مسلمة؟ وكيف إذا كانت كبيرة وضعيفة وفقيرة؟! إن من وصل رحما وصله الله، ومن قطع رحما قطعه الله كما جاء به ديننا.



    67- العاقلة وملاينة العجوز المسن



    عن أسماء بنت الصديق- رضي الله عنهما- قالت: لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة مهاجرا- حمل أبو بكر معه جميع ماله- خمسة آلاف، أو ستة آلاف، فأتاني جدي- والد أبي بكر- وقد عَمي، فقال: إن هذا- يعني أبا بكر- قد فجعكم بماله ونفسه- يعني هاجر وفارقكم ولم يترك لكم مالا- فقلت: كلا؛ قد ترك لنا خيرا كثيرا، قالت: فعمدت إلى أحجار فجعلتهن في كوة البيت (طاقة)، وغطيت عليها بثوب ثم أخذت بيده ووضعتها على الثوب فقلت: هذا تركه لنا -تقصد الثوب حتى لا تقع في الكذب، أما جدها فقد فهِم أن ما تحت الثوب نقود تركها أبو بكر- فقال: أما ترك لكم هذا فنعم ".

    رحمك الله يا أسماء، الذكاء والفطنة، والصدق والخلق الحسن، كيف لا وأنت بنت الصديق؟.



    68- العاقلة والحداد على الميت



    المعروف شرعا أنه لا يجوز للمرأة الحداد على الميت أكثر من ثلاث ليال، إلا على الزوج فقط، فتحد عليه زوجته أربعة أشهر وعشرا، والمقصود بالحداد الحزن وترك التزين، يقال أحدَّت المرأة على زوجها إذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة. تقول زينب بنت أبي سلمة- رضي الله عنهما- : دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان وذلك بعد وفاته بأكثر من ثلاث ليال- فدعت بطيب فيه صفرة خلوق (عطر) أو غيره، فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: " لا يحل لامرأة مؤمنة بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا..." (رواه البخاري ومسلم).

    الناس ليسوا سواء، فمن الناس من يهمل الضوابط الشرعية عند الوصية، ومنهم من يهملها عند الأفراح والليالي الملاح، ومنهم من يهمل الضوابط الشرعية في كل أحيانه، والجميع على خطر لكن الصنف الأخير هم شرار الخلق، لا في فرح يشكرون ولا في مصيبة يصبرون، ولا لأمر الله ورسوله يعظمون. لكن المسلم العاقل والمسلمة العاقلة يحسنون طاعة ريهم في السر والعلن، والسراء والضراء، والغنى والفقر، فإن أصابهم سراء شكروا فكان خيرا لهم وإن أصابهم ضراء صبروا فكان خيرا لهم وما ذلك إلا للمؤمنين.



    69- العاقلة والاستتار عن الرجال ولو كانوا صالحين



    عن عائشة -رضي الله عنها- قالت كنت ألعب بالبنات (اللُّعب) فيجيء صواحبي، فينقمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعني يتغيبن منه ويدخلن وراء الستر)، وكان صلى الله عليه وسلم يسربهن إلي (يرسلهن) فيلعبن معي.

    وفي لفظ: يأتين يلعبن معي بها، فإذا رأين رسول الله صلى الله عليه وسلم تقمعن (اختبأن وراء الستر) (رواه البخاري ومسلم).

    ما شاء الله! طهر وعفاف في مجتمع طاهر عفيف، رسول الله صلى الله عليه وسلم أتقى الناس وأصفاهم قلبا وأصلحهم سرا وعلانية، تختبئ الجاريات منه وراء الستر حتى يمر، ثم يرجعن للعب مع عائشة، ولا زال هناك من تختلط بالرجال وتقول: أنا قلبي صافي، ونيتي سليمة، وفلان مثل أخي والآخر كأنه أبي، ورباني على يديه، والحب شريف، أ هذه عاقلة؟

    أذكر أن جمعية خيرية نظمت مسابقة لتحفيظ القرآن الكريم، وكان من بين المتسابقات في الاختبار بنتان لي، الكبيرة تسع سنوات والصغيرة ثمان سنوات، فلما جاء دورهما في استلام الجائزة، قام وكيل الوزارة مبتسما ليسلم الجائزة للكبيرة ثم مد يده ليصافحها كالعادة عند تسليم الجوائز، فقالت له أنا لا أصافح الرجال، ولما جاءت الصغيرة قالت مثل ذلك، وبعد هذا الموقف بأيام تقابلت بعض المتعلمات تعليما عاليا كما يقولون؛ مع ابنتي وقالت لها: يا فلانة، هل هناك بنت تتاح لها فرصة مصافحة وكيل الوزارة أمام كل المشاهدين وتضيع هذه الفرصة؟

    إنني أتساءل، في أي مدرسة تعلمت البنات اللاتي استترن وراء الستر حتى يمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا لم تصافح البنت منهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر- وليس وكيل وزارة- لتكون فرصة ثمينة لا تضيع؟ الجواب لأنهن تعلمن حقا التعليم العالي ولكن في مدرسة الإسلام، ومدرسها القدوة الحسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من لم يتعلم من مدرسة الإسلام ويقتدي بإمامها محمد صلى الله عليه وسلم فهو جاهل وإن بلغ الثريا.



    70- العاقلة والتخفف من ملأ البطن



    عائشة رضي الله عنها وهي تحكي قصة الإفك التي نسجها المنافقون، تذكر أن الرجال المخصصين لحمل هودجها حملوه ووضعوه على البعير ظنا منهم أنها بداخله، تقول: " فاحتملوا هودجي فرحلوه (وضعوه) على بعيري، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم، إنما يأكلن العُلقة من الطعام، فلم يستنكروا خفة المحمل حين رفعوه ". فلم يكن الهدف ملأ البطون وتخزين الأطعمة وإنما كانت الآخرة هدفهم فنالوها.



    71- العاقلة وترك فضول الكلام في محادثة الرجال



    فلما ساروا وانطلق الجيش وتركوا عائشة- رضي الله عنها- وهم لا يعلمون، كان صفوان بن المعطل من وراء الجيش للتأكد من أن الناس لم يتركوا شيئا وراءهم، تقول:"فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب فاسترجع فاستيقظت باسترجاعه، فخمرت رأسي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، فأناخ راحلته (ناقته) فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة (يمشي ويسحبها من ورائه..... " الحديث.

    إنها رضي الله عنها تعلم- وهو أيضا- أن الإسلام نهى عن المحادثات والحوارات والسمر بين الرجل والمرأة الأجنبية؛ فلذلك سارا، لا يكلمها ولا تكلمه.

    عن الحسن في بيعة الناس قال: " كان فيما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم (على النساء) ألا تحدثن الرجال إلا أن تكون ذات محرم فإن الرجل لا يزال يحدث المرأة حتى يمذي بين فخذيه ".

    والمذي: هو ماء أبيض لزج يخرج من الرجل عند التفكير في النساء أو عند الملاعبة وهو نجس باتفاق العلماء.



    72- العاقلة والتستر بسواد الليل



    فلما رجعت عائشة- رضي الله عنها- إلى المدينة مرضت شهرا وهي لا تعلم ما يقول أهل الإفك، فلما نقهت (شعرت بالعافية) تقول: " خرجت بعدما نقهت، فخرجت مع أم مسطح قِبل المناصع، تقول: وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل...

    فلم تكن تخرج النساء لقضاء الحاجة إلا ليلا إلى ليل (من الليل إلى الليل) وفيه فائدتان:

    الأولى: أن الليل سترة للنساء وأن النساء رغم تسترهن بالحجاب والتزامهن به، كن يخرجن ليلا لئلا يراهن أحد. الثانية: أنهن لا يحتجن إلى قضاء الحاجة إلا مرة في اليوم والليلة تقريبا، وهذا سببه التخفيف في ملأ البطن، فكم مرة ندخل " الحمام " في زماننا؟!



    73- العاقلة والدفاع عن أعراض المسلمين



    ثم تقول عائشة رضي الله عنها: "فعثرث أم مسطح في مرطها (كساء) فقالت: تعس مسطح (ابنها) فقلت لها: بئس ما قلت! أتسبين رجلا شهد بدرا؟ قالت أم مسطح: أولم تسمعي ما قال؟ (وكان قد استدرج فقال ما قاله المنافقون في عائشة، ولم يكن يقصد الكيد لبيت النبوة مثلهم فزلت قدمه معهم عن غير قصد) فعرفت عائشة من أم مسطح بالذي يقول الناس منذ شهر وهي لا تدري، تقول: " فازددت مرضا على مرضي"، فعائشة- رضي الله عنها- غافلة عما يقوله الناس وهي البريئة المطهرة، تدافع عن مسطح في غيابه من سب أمه له، فمن دفع عن مؤمن سوءا دفع الله عنه ودافع عنه{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا...} [الحج:38]. وحقا دافع الله عنها وبرأها من فوق سبع سماوات بقرآن يتلى بكرة وعشيا.



    74- العاقلة وشهادة الحق



    وفي خضم تلك الأحداث المفجعة والآلام المروعة، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يدري ما الحقيقة، فاستشار بعض أصحابه ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال علي: اسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة (وقيل جارية غير بريرة) فقال: " أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ " (يعني على عائشة! قالت: لا، والذي بعتك بالحق، إن رأيت (يعني ما رأيت) عليها أمرا أغمصه (أعيبه) أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فيأتي الداجن (الشاة) فيأكله.

    وكذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوجته رضي الله عنها، (وهي ضر عائشة)، وأمر الضرائر معروف، لكن الشهادة لله فوق كل اعتبار، فتورعت وقالت: " أحمي سمعي وبصري "، يعني لا تقول في عائشة شيئا يشينها.

    ومن الأدلة الرائعة في شهادة الحق، ما فعلته أسماء بنت عميس رضي الله عنها وكانت زوجة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ثم لما قتل في غزوة مؤتة، تزوجت أبا بكر الصديق رضي الله عنه، ثم لما مات عنها تزوجت عليا بن أبي طالب رضي الله عنه.

    أخرج ابن الموطأ بسند صحيح عن الشعبي قال: تزوج علي أسماء بن عميس، فتفاخر ابنها محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر، فقال كل منهما: أنا أكرم منك، وأبي خير من أبيك، فقال علي: اقضي بينهما، فقالت: ما رأيت شابا خيرا من جعفر، ولا كهلاً خيرا من أبي بكر. فقال لها علي: فما أبقيت لنا؟

    فانظري أيتها المسلمة إلى شهادة أسماء- رضي الله عنها لرجلين كان كل منهما زوجا لها يوما ما. وقد أدلت بتلك الشهادة في حضور زوجها علي رضي الله عنها، حتى قال لها مازحا: فما أبقيت لنا؟!



    75- العاقلة ومشاركة أخواتها أحزانهن



    وعائشة تبكي قبل أن تنزل براءتها- تقول: " حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، فبينما أبواي جالسان عندي، وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي... ".

    إنها ببكائها مع عائشة تخفف عنها آلامها، وتشاطرها أحزانها، وتشعرها بأن حولها من يشفق عليها، ويحزن لحزنها، وهذا بلا شك واجب على المسلمة نحو أختها عند الشدائد. فالمسلمون قتلهم في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحُمى.



    76- العاقلة والاستعانة بالله على البلاء



    ثم تقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبيها وأمها رضي الله عنهما: " إنكم سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة- والله يعلم أني بريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أني بريئة- لتصدقني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18]. (نسيت اسم يعقوب عليه السلام).



    77- العاقلة والتواضع واحتقار النفس



    وتقول- رضي الله عنها-: " ولكن ما ظننت أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني كان في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها...".



    78- العاقلة والورع والعدل



    ثم تقول رضي الله عنها: " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، وهي التي كانت تساميني (تنافسني) من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (في الجمال وحب النبي لها)، فعصمها الله بالورع... " فلما سئلت عن عائشة قالت: أحمي سمعي وبصري. ا هـ.

    فلم تساهم رضي الله عنها في الفتنة بشيء، لا تصريحا ولا تلميحا، وكانت فرصة أن تتخلص من منافستها كما تفعل ضرائر زماننا إلا من رحم الله، لكنها عصمها الله تعالى بالورع حتى قالت فيها عائشة نفسها: " لم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة ....)) الحديث (رواه مسلم). ما شاء الله، وتبارك الله، هؤلاء حقا هم النساء.

    وبهذه الفقرة انتهى حديثنا عن بعض المواقف للعاقلات أمهات المؤمنين والمؤمنات، فيها عبر وعظات، في قصة الإفك كما أتت بصحيحي البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى، ثم نكمل حديثنا عن العاقلة.



    79- العاقلة وفقهها في البلاء



    كانت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما- تصدع- صداع الرأس- فتضع يدها على رأسها وتقول: " بذنبي، وما يغفره الله أكثر ". حتى الصداع تعرف أنه بذنبها، هذا هو الفقه الصحيح، وقد قال الله تعالى:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ...} [النساء:79].

    ولو أن المسلمة وضعت هذه القاعدة أمام عينيها، لعرفت أن كل مصيبة تأتيها وكل بلاء يحل بها؛ إنما هو بسبب ذنوبها هي فتريح نفسها وتصلح من شأنها.



    80- العاقلة ومولودها الجديد



    أرادت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم أم الحسن والحسين أن تعق (عقيقة) عن الحسن ابنها بكبشين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تعقي ولكن احلقي رأسه فتصدقي بوزنه- وزن الشعر- من الوَرق (الفضة) " ثم ولدت الحسين فصنعت مثل ذلك.(رواه أحمد والبيهقي)

    ومعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع العقيقة ولكن أراد أن يعفي ابنته فاطمة منها لأنه سيقوم هو بذلك، فعق عنهما صلى الله عليه وسلم.

    فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا (رواه أبو داوود).



    فعليك أيتها العاقلة أن تعُقِّي عن مولودك يوم سابعه لتصيبي السنة، وتكون بركة في المولود، وأهله بدلاً من البدع والخرافات والإبريق ورش الملح وعروسة وحصان، وتكاليف ما أنزل الله بها من سلطان.



    81- العاقلة ورحمة أولادها والإحسان إليهم



    عن أنس بن مالك قال: جاءت امرأة إلى عائشة- رضي الله عنها- ومعها صبيان لها فأعطتها ثلاث تمرات فأعطت- المرأة- كل صبي لها تمرة، وأمسكت لنفسها تمرة، فأكل الصبيان التمرتين ونظرا إلى أمهما، فعمدت الأم إلى التمرة فشقتها فأعطت كل صبي نصف تمرة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة، فقال: " وما يعجبك من ذلك؟ لقد رحمها الله برحمتها صبييها " (رواه البخاري). وفي رواية عن عائشة قالت: دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته فقال:" من ابتلى (اختبر) من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار" [متفق عليه] وفي رواية مسلم: " إن الله قد أوجب لها بهما الجنة أو أعتقها بهما من النار".



    82- العاقلة ورعاية الأبناء بعد أبيهم



    كانت أم سليم- رضي الله عنها تقول: " لا أتزوج حتى يبلغ أنس ويجلس في المجالس ". يعني يصير شابا يافعا يواجه الرجال، وهذا من عناية تلك الأم بولدها بعد فقد زوجها، فالمرأة راعية ومسئولة عن رعيتها، قال أنس رضي الله عنه: جزى الله أمي عني خيرا فقد أحسنت ولايتي (تربيته وهي ولية أمره)، ثم خطبها أبو طلحة وقال لها: " فقد جلس أنس في المجالس وتكلم "، فتزوجها، حتى أنها جعلت أنسا وليها في الزواج فقالت له: يا أنس قم فزوج أبا طلحة. رحم الله أم سليم.



    83- العاقلة ونصح ولدها وحثه على ترك المعصية



    قال عبد الله بن المبارك: قالت عائشة: يا بَنِي، لا تطلبوا ما عند الله، من عند غير الله مما يسخط الله. وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن يمن بن عطية التاهرتي: كانت والدتي تحفظ القرآن، وكتاب المجمل في النحو للزجاجي، وكتبت المدونة بخطها، وتقول لي: يا بني، لا تحتقر من الخير ولا من الشر شيئا، فقد قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}، فانتفعت بكلامها ووصيتها.

    وعن أبي إسحاق عن الأسود قال: قلت لعائشة: إن رجلا من الطلقاء يبايع له- يعني معاوية- قالت: يا بني، لا تعجب، هو ملك الله يؤتيه من يشاء.

    وعن أصبغ بن زيد الواسطي قال كان لسعيد بن جبير ديك، كان يقوم من الليل بصياحه، قال: فلم يصحُ ليلة، فشق عليه، فقال: ما له قطع الله صوته؟ قال: فما سُمع بعدها، فقالت أمه: يا بني، لا تدعو على شيء بعدها.

    فالمرأة العاقلة تنصح بنيها وتعلمهم، وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر.



    84- العاقلة وتربية ولدها وتدبير مستقبله



    عن حسن بن دحمان الأشقر قال: كنت بالمدينة، فخلا لي الطريق وسط النهار، فجعلت أتغنى:

    ما بال أهلِكِ يا رَبَاب خُزْرا كأنهم غِضاب؟

    قال: فإذا خوخة " نافذة " قد فتحت، وإذا وجه قد بدا تتبعه لحية حمراء، فقال: يا فاسق، أسأت التأدية، ومنعت القائلة، وأذعت الفاحشة، تم اندفع يغنيه، فظننت أن طويسا قد نشر بعينه، فقلت له: أصلحك الله، من أين لك هذا الغناء؟ فقال: نشأت وأنا غلام حدث أتبع المغنين، وآخذ عنهم، فقالت لي أمي: يا بني، إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يُلتفت إلى غنائه، فدع الغناء واطلب الفقه، فإنه لا يضر معه قبح الوجه، فتركت المغنين واتبعت الفقهاء، فبلغ الله بي عز وجل ما ترى، فقلت له: فأعد جُعلتُ فداءك، قال: لا، ولا كرامة’ أتريد أن تقول أخذته عن مالك بن أنس وإذا هو مالك بن أنس. فترك الغناء وطلب الفقه رحمه الله، عملاً بنصيحة أمه، فناله أعظم ما يكون.

    وأخرج البخاري رحمه الله عن أنس رضي الله عنه أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سراقة- وكان حارثة قتل يوم بدر- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ألا تحدثني عن حارثة، فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال: " يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى". إن أم حارثة ربته وتعبت في تربيته وتريد أن تطمئن عليه، هل بعد تعبها يدخل النار؟ فما فائدة التربية؟! لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بشرها بأن تعبها جاء بثمرته وفائدته، ونجح ابنها النجاح الأعلى وحصل على الدرجات العليا (الفردوس الأعلى).

    فهل يا أختاه تتعبين في تربية أبنائك؟ وهل حسبت الحساب بالضبط وأن تعبك في تربيتهم هو طريق الجنة؟ إن المرأة الحنونة على أبنائها هي التي تشفق عليهم من عذاب الله، وليست التي تشفق أن توقظهم من النوم للصلاة.

    وهذه الخنساء بنت عمرو السلمية رضي الله عنها، حضرت حرب القادسية ضد الفرس ومعها بنوها الأربعة، تعظهم وتحرضهم على القتال وعدم الفرار وتقول لهم " إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، وإنكم لإبن- أي أبناء- أب واحد وأم واحدة، ما حَبَت آباؤكم (ما عجزت)، ولا فُضحت أخوالكم. فلما أصبحوا باشروا القتال واحدا بعد واحد حتى قتلوا جميعا، فبلغها الخبر فقالت: " الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته ".



    سبحان الله!! ما هؤلاء النسوة اللاتي شرفهن التاريخ والدنيا، وخلد ذكرهن في الصالحات، وأفضل المربيات؟! أربعة أبناء تقدمهم الخنساء وقودا للحرب، لكن في سبيل الله، ولما علمت باستشهادهم عرفت أن ذلك شرفا وذخرا عند الله فتمنت لقاءهم عنده جل وعلا، كانت منذ قليل تنوح على موت أخيها صخر وتشق الجيب وتقص الشعر؛ لأنها لم تكن أسلمت بعد، وها هي الآن تفتخر وتتشرف بفقد أربعة هم فلذات كبدها. فما الذي غيرها؟ إنه الإسلام.

    أختنا المسلمة: كم أضاع أولادك من وقت مع الكرة ومع الغناء والمسارح والسينما والتليفزيون، والمجلات الهابطة والأفلام الخليعة؟!

    هل علمتِ أحدا منهم القرآن؟ هل نال منك إعدادا ليكون فارسا في سبيل الله إذا اقتضى الأمر؟ الله المستعان.



    85- العاقلة وعزة النفس تلقنها لابنها



    هذه أعرابية وأم عربية، عزيزة النفس توصي ابنها بأن يكون عزيز النفس محافظا على كرامته، تقول: " يا بني، إن سؤالك الناس ما في أيديهم من أشد الافتقار إليهم، ومن افتقرت إليه هنت عليه، ولا تزال تحفظ وتكرم، حتى نسأل ونرغب، فإذا ألحت عليك الحاجة، ولزمك سوء الحال، فاجعل سؤالك إلى من إليه حاجة السائل والمسئول (الله جل وعلا) فإنه يعطي السائل ".

    إنها ترده إلى خالقه الذي يفرح بسؤال العبد، وترده عن المخلوقين الذي يضيقون بسؤال الناس لهم.



    86- العاقلة تلقن ابنها الشجاعة



    لأسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنها- موقف بل مواقف تدل على حسن مشورتها، وصائب رأيها، وشجاعتها وصبرها، ويظهر ذلك واضحا جليا من خلال قصتها التي ضربت فيها أروع الأمثلة في كيفية تعليم المرأة العاقلة لأولادها وأبنائها الشجاعة حتى لو كان ثمن ذلك الموت.

    إن موقف عبد الله بن الزبير وأمه أسماء آية بالغة ودليل عظيم على ما نقول؛ فلقد كان عبد الله على إمرة المؤمنين، ودانت له العراق والحجاز واليمن ثماني سنين، ثم أخذ عبد الملك بن مروان يقارعه فانتقص منه العراق وأخذ يطوي البلاد عنه حتى انتهى إلى مكة فطوقها بيد من حديد هي يد الحجاج بن يوسف الثقفي.

    وكان عبد الله يقاتل جند الحجاج مسندا ظهره إلى الكعبة فيروع أبطالهم ويفرقهم وليس حوله إلا أعداد قليلة، والحجاج بين ذلك كله يرسل إليه يمنيه ويعده بالإمارة إن هو خضع وبسط للبيعة يده. ولكن عبد الله لم يستجب، بل دخل على أمه يستلهم رأيها ويستشيرها فقالت له في حكمة بالغة: يا بني إن كنت تعلم أنك على حق تدعو إليه فامض عليه، وإن كنت أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن معك، وإن قلت إني كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت نيتي فليس هذا فعل الأحرار ولا من فيه خير، كم خلودك في الدنيا؟! القتل أحسن ما يقع بك يا ابن الزبير، والله لضربة بالسيف في عز أحب إلي من ضربة بالسوط في دل. فقال: يا أماه أخاف إن قتلت أن يُمثل بي وأصلبَ، فقالت أسماء- رضي الله عنها- قولتها المشهورة: يا بني، إن الشاة لا يضرها السلخ بعد الذبح. فقبل رأسها وقال: هذا والله رأيي، ولكني أحببت أن أطلع على رأيك فيزيدني قوة وبصيرة مع قوتي وبصيرتي، وذهب عبد الله فقاتل وصبر، وتكاثر عليه أعداؤه فقتلوه، وصلبه الحجاج وظل مدة وهو مصلوب، فقالت أسماء –في صبر واحتساب- اللهم لا تمتني حتى أوتى به فأحنطه وأكفته. فأُتيت به بعد فجعلت تحنطه بيدها وتكفنه بعدما ذهب بصرها ثم أدرج في أكفانه وصلت عليه، وما أتت عليه جمعة إلا ماتت- رضي الله عنها.

    فينبغي على المسلمة أن تربي ولدها على الشجاعة، فمن الأخطاء الشائعة في ذلك أن بعض الأمهات إذا أرادت ألا يذهب طفلها إلى مكان، أو أن يأتي إليها أخافته من الذئب أو من الظلام أو من الغول وغيره، ولا شك أن هذا يغرس فيه الخوف والجبن ويقلل عنده الشجاعة.



    87- العاقلة ووداع ابنها المسافر



    هذه امرأة توصي ابنها وهو مسافر وتزوده وهي تودعه، فماذا قالت له؟ تقول: " أي بني، اجلس أمنحك وصيتي ويالله توفيقك، فإن الوصية أجدى عليك (أنفع لك) من كثير عقلك. أي بني، إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة، وتفرق بين المحبين، إياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضا (أي هدفا للنيل منك) وخليق (جدير) ألا يثبت الغرض علي كثرة السهام، وقلما اعَتَوَرَت (قصدت) السهام غرضا (هدفا) إلا كَلَمته (جرحته) حتى يهي (يضعف) ما اشتد من قوته، وإياك والجود بدينك، والبخل بمالك وإذا هززت (قصدت) فاهزز كريما يلن لهزتك، ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا يتفجر ماؤها، ومثل لنفسك مثال (اجعل لنفسك هذا الميزان) ما استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحت من غيرك فاجتنبه فإن المرء لا يرى عيب نفسه".

    إنها والله وصية جامعة بها حكم بالغة، وعظات مثمرة تخرج من قلب الأم إلى ابنها فتضيء له طرق سفره. فهي توصيه بتجنب النميمة والبعد عن عيوب الناس، وتنصحه ألا يكون مقترا في ماله مبذرا في دينه، وأن يتصل بالكرام لا باللئام وأن يفعل ما يستحسنه من غيره وبترك ما يستقبحه.



    88- العاقلة ووصية ابنتها ليلة زفافها



    من الواجب على الأم أن تلقن ابنتها عند ذهابها إلي عشها الجدير مبادئ الحياة الزوجية، وهذا امرأة عاقلة فعلا تحمل عقلا راجحا وقلبا صالحا، إنها أمامة بنت الحارث توصي ابنتها ليلة زفافها فتقول: "... أي بنية، إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك (بعقده عليك) رقيبا ومليكا، فكوني له أمة يكن لك عبدا وشيكا (أي سريع الإجابة لك). يا بنية: احملي عني عشر خصال تكن لك ذخرا وذكرا:

    1- الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة.

    2- والتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ربح.

    3- والكحل أحسن الحسن، والماء أطيب الطيب المفقود.

    4- والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عنه عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.

    5- والاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء (الرعاية) على نفسه وحشمه (خدمه) وعياله، فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير، والإرعاء على العيال والحشم جميل حسن التدبير.

    6- ولا تفشي له سرا، ولا تعصي له أمرا، فإنك إن أفشيت سره، لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرتِ صدره.

    7- ثم اتق منه ذلك الفرح إن كان ترحا (أي لا تفرحي إن كان غضبانا) والاكتئاب عنده إن كان فرحا (أي لا تحزني إن كان فرحا) فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير.

    8- وكوني أشد ما تكونين له إعظاما، يكن أشد ما يكون لك إكراما.

    9- وأشد ما تكونين له موافقة يكن أطول ما يكون لك له مرافقة.

    10- واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين، حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت، والله يخير لك ".

    أختنا المسلمة: هل رأيت مثل هذا المرأة الأم وهي توصي ابنتها؟ أجمل ما تكون ذوقا، وأصوب نظرا وأبلغ حكمة، وأروع تجربة، وأعذب لغة، وأحلى منطقا؟!

    إن كثيرا من بناتنا وأمهاتهن ليفتقدن مثل هذه النصيحة الثمينة والوصية الغالية.



    89- العاقلة قدوة في تعويد أولادها على الصدق



    عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم في دارنا، وكنت ألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال أعطك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أردت أن تعطيه؟ " قالت: أردت أن أعطيه تمرا، قال: " أما أنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة".

    فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأكد ويؤكد هذا المعنى العظيم لأم عبد الله بن عامر، بحيث تكون صادقة إذا وعدته بإعطائه. ويحمد الله كانت أم عبد الله صادقة فيما قالته لعبد الله ابنها: " تعال أعطك "، " أعطيه تمرا ".

    وهذا درس لمن يعدون الأبناء بالعطايا ثم يهونون من شأن تلك الوعود، فإن ذلك مدعاة لتعلم الولد رذيلة الكذب.



    90- العاقلة وحب زوجها للبنين وهي تلد الإناث



    هجر أبو حمزة الضبي خيمة امرأته، وكان يقيل ويبيت عند جيران له حين ولدت امرأته بنتا، فمر يوما بخبائها، وإذا هي ترقصها وتقول:

    مـا لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا

    غضبان ألا نلد البنينا تالله ما ذلك في أيـدينا

    وإنما نأخذ ما أعطينا ونحن كالأرض لزارعينا

    ننبت ما قد زرعوه فينا



    فلما سمع الشيخ الأبيات غدا حتى ولج عليها الخباء، فقبل رأس امرأته وابنتها، وقال: ظلمتكما ورب الكعبة.

    إن البنات هبة من الله تعالى، ولا يدري الإنسان دائما أين الخير، أفي البنين أم في البنات أم فيهما معا، أم في عدمهما، فالقاعدة المحكمة قول الله تعالى:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216].

    وكانت ذرية الأنبياء بنات، وأشهرهم في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم الذي كانت جميع أبنائه الذين عاشوا وكبروا بنات.

    ف {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى:49-50].

    فهل علمت العاقلة أن الخير فيما يختاره الله فتقنع بقسمته، وترضى بخيرته؟!



    91- العاقلة والصبر على فقد الولد



    إن الأولاد فلذة الأكباد، وفقد الولد كثيرا ما تتأثر به الأم أكتر من الأب، ولكننا رأينا نموذجا فذا ومثالاً قل أن يتكرر، رأينا أم سليم زوجة أبي طلحة، يموت ابنها المريض، والأب خارج البيت، فتطلب من أهل البيت ألا يبلغه أحد بالخبر حتى تبلغه هي، فلما جاء سألها عن ابنه فقالت: سكن واستراح (تقصد أنه مات) لكن الأب لم يفهم- ذلك، بل فهم أن الولد في عافية، والسبب أن الأم لم يظهر عليها شيء من التأثر، بل كانت متزينة بأحسن الزينة وأعدت له عشاء، فلم يشك في الأمر، فلما تعشى وأعجبته زينتها جامعها، ثم بعد أن شبع بطنه وفرجه أبلغته، وبحكمة نادرة بالغة، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ (يعني لو استعار أحد شيئا من أحد، ثم جاء صاحب الشيء يطلبه، أيحزن ذلك المستعير؟) قال لا، قالت: فاحتسب ابنك، فدهش أبو طلحة مما صنعت زوجته، فأبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بالذي حدث فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لهما بالبركة في جماعهما تلك الليلة، وقال: " اللهم بارك لهما"، فولدت غلاماً سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، وكبر عبد الله وتزوج وأنجب تسعة من الأولاد كلهم قرأوا (حفظوا) القرآن، وتلك دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فهل رأيت أيتها العاقلة. مثل هذه المرأة (أم سليم) في صبرها وجَلَدها وعقلها وحكمتها؟

    وها هي أم سعد بن معاذ وقد فقدت ابنها عمرو في غزوة أحد مع قتلى آخرين، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أم سعد أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا وقد شفعوا في أهلهم جميعا"، قالت رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟! ثم هي هي تفقد سعدا بعد ذلك شابا يافعا عمره 37 سنة. فعن المسور بن رفاعة القرظي قال: جاءت أم سعد بن معاذ تنظر إلى سعد في اللحد، فردها الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوها ". فأقبلت حتى نظرت إليه وهو في اللحد قبل أن يبنى عليه اللبن والتراب، فقالت: احتسبتك عند الله. وعزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره. نعم، هل يبكي أحد على من بشر بالجنة؟! قطعا لا، والسبب أنهم كانوا يدركون معنى البشرى، وقدر الجنة.

    ولكن لما رق الدين ونقص الإيمان صارت الجنة تذكر أمام كثير من الناس ولا شيء، وتذكر النار والأمر هين! ويذكر عذاب القبر ونعيمه ولا بأس، نعوذ بالله من قسوة القلوب وغفلتها.

    وقد مر بنا قصة أم حارثة، وكذلك الخنساء التي قدمت أولادها الأربعة، تحرضهم على الموت تحريضا في حرب القادسية، فقتلوا جميعا، فاستقبلت الخبر بالبشرى وقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم.

    وهذه أعرابية تبكي ابنها، وقد حجت وهو معها، فأصيبت به، فلما دفن قامت على قبره وهي وجعة، فقالت: والله يا بني، لقد غذوتك رضيعا، وفقدتك سريعا، وكأنه لم يكن بين الحالين مدة ألتذ بعيشك فيها، فأصبحت بعد النضارة والغضارة ورونق الحياة، والتنسم في طيب روائحها " تحت أطباق الثرى جسدا هامدأ، ورفاتا سحيقا وصعيدا جرزا، أي بني، لقد سحبت الدنيا عليك أذيال الفناء، وأسكنتك دار البلى، ورمتني بعدك نكبة الردى، أي بني، لقد أسفر لي عن وجه الدنيا صباح داج ظلامه. ثم قالت: أي رب " ومنك العدل ومن خلقك الجور، وهبته لي قرة عين، فلم تمتعني به كثيرا، بل سلبتنيه وشيكا، ثم أمرتني بالصبر، ووعدتني عليه الأجر، فصدقت وعدك، ورضيت قضاءك، فرحم الله من ترحم على من استودعته الردم، ووسدته الثرى، اللهم ارحم غربته، وآنس وحشته، واستر عورته يوم تنكشف الهنَّات والسوءات ". سبحان الله! ما أحسن حديثها.



    92- العاقلة وقلب الأسد وشهامتها ضد المجرمين



    أم موسى اللخمية- زوجة نصير اللخمي والد موسى بن نصير- (الأمير المشهور الذي فتح الأندلس)-، شهدت مع زوجها اليرموك، فقتلت حينئذ علجا (العلج هو الرجل من كفار العجم وغيرهم) وأخذت سلبه- متاعه- وكان عبد العزيز بن مروان (من أمراء بني أمية) يستحكيها (يطلب منها أن تحكي القصة) فتصفه له وتقول: "بينما نحن في جماعة من النساء؛ إذ جال الرجال جولة، فأبصرت علجا يجر رجلا من المسلمين فأخذت عمود الفسطاط (الخيمة) ثم دنوت منه فشدخت به رأسه (فلقتها) وأقبلت أسلبه (آخذ متاعه) فأعانني الرجل المسلم على أخذه".

    بارك الله فيك يا أم موسى، يا أم الرجال، كيف لا تفتحين رأسه، وولدك فتح الأندلس؟! والله ما قصرت ولا فعلت غير الواجب، ومبارك عليك ما سلبتيه منه، فقد قال سيدك محمد صلى الله عليه وسلم: " من قتل قتيلاً فله سلبه " (رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داوود). وقال: " وجعل رزقي تحت ظل رمحي" (رواه البخاري وأحمد). فهذا رزقكِ، هنيئا لكِ.

    وعن أنس رضي الله عنه أن أم سليم- أمه اتخذت خنجرا يوم حنين (غزوة حنين) فقال أبو طلحة (زوجها) يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر- يمزح معها!- فقالت يا رسول الله، إن دنا مني مشرك بقرت (شققت) به بطنه.

    وعن صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم الزبير بن العوام وأخت حمزة رضي الله عنهم جميعا-، قالت: أنا أول امرأة قتلت رجلا، كان حسان بن ثابت معنا، فمر بنا يهودي فجعل يطيف بالحصن- الذي فيه النساء- تقول. فاحتجزت (أي شدت حُجزة- حزاما- على وسطها) وأخذت عمودا ونزلت فضربته حتى قتلته (أخرجه الحاكم والطبراني والهيثمي).

    يا ليتك يا صفية تعرفينا وتعاونينا على قتل اليهود الذين استلبوا الأرض وانتهكوا الحرمات وأفسدوا أيما إفساد، لقد بطلت حيلة الرجال يا صفية فعرفينا كيف يُقتل اليهودي؟!

    وعن هشام بن عروة أن أسماء بنت أبي بكر- جدته- اتخذت خنجرا- زمن سعيد بن العاص- للصوص وكانوا قد استعروا (كثروا) بالمدينة فكانت تجعله تحت رأسها، فقيل لها: ما تصنعين بهذا؟ قالت: إن دخل علي لص بعجت بطنه، وكانت عمياء!.



    93- العاقلة وتمنيها الغزو والشهادة في سبيل الله



    عن أم حرام بنت ملحان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بيتها (أي نام وقت القيلولة) يوما فاستيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: يا رسول الله: ما أضحكك؟ قال: "عُرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر هذا البحر (غزاة في سبيل الله) كالملوك على الأسرة (جمع سرير)، قلت: يا رسول الله؟ ادع الله أن يجعلني منهم، قال: " أنت من الأولين "، فتزوجها عبادة بن الصامت، فغزا بها في البحر فحملها معه، فلما رجعوا قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها، فدقت عنقها، فماتت رضي الله عنها " (رواه البخاري ومسلم وغيرهما). لقد صدقت الله فصدقها، قال صلى الله عليه وسلم: " إن تصدق الله يصدقك ".

    وعن أم ورقة الأنصارية أنها قالت: يا رسول الله، لو أذنت لي فغزوت معكم، فمرضت مريضكم وداويت جريحكم- وذلك في غزوة بدر- فلعل الله أن يرزقني الشهادة؟ قال: " يا أم ورقة؟ اقعدي في بيتك فإن الله سيهدي إليك شهادة في بيتك "، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وكان لها غلام وجارية قد دبرتهما (لخدمتها)، فقاما إليها فغمياها فقتلاها، فلما أصبح عمر قال: والله ما سمعت قراءة خالتي أم ورقة البارحة، فدخل الدار فلم ير شيئا،

    فدخل البيت فإذا هي ملفوفة في قطيفة في جانب البيت، فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صعد المنبر فذكر الخبر وقال: علي بهما، فأتي بهما فسألهما فأقرا أنهما قتلاها، فأمر بهما فصلبا، فكانا أول مصلوبين بالمدينة (حسن، أخرجه أبو داوود).



    94- العاقلة والتطلع إلى أعلى الدرجات



    بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى سودة بنت زمعة (زوجه) بطلاقها، فجلست على طريقه صلى الله عليه وسلم، فقالت: أنشدك (أي أسألك) بالذي أنزل عليك كتابه، لِم طلقتني؟ أَلِمُوجِدَة؟ (يعني



    لشيء في نفسك تأخذه علي) قال: " لا" قالت: أنشدك الله لَمَا راجعتني، فلا حاجة لي في الرجال، ولكني أحب أن أبعث في نسائك، فراجعها.



    95- العاقلة ونصرة الـحق



    لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ودخل هو وصاحبه الصديق في غار ثور، وكان لا بد لهما من الزاد والطعام، فمن ذا الذي يتحمل مسئولية توصيل الطعام لهما، وعيون الكفار من قريش مترقبة، وحرارة الشمس ملتهبة، والطريق إلى الغار ليس قريبا؟ إنها الصابرة المحتسبة أسماء بنت أبي بكر.

    قال البخاري- رحمه الله-: وأتتهما أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنها- بسفرتهما، ونسيت أن تجعل لها عصاما (رباط تعلق به السفرة)، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة، فإذا ليس لها عصام فشقت نطاقها باثنين، فعلقت السفرة بواحد، وانتطقت بالآخر، فسميت ذات النطاقين.

    تلك المرأة التي أسهمت في نصرة الحق وإتمام خطة الخروج والهجرة- رضي الله عنها-.



    96- العاقلة والانقياد للحق



    وهذه ملكة سبأ، وقد بين القرآن رجاحة عقلها ونضج أفكارها، فلما عُرض عليها أمر الإسلام لله، وكانت تعبد الشمس هي وقومها فترددت وتشاورت، وراسلت وحاورت، فلما حصحص الحق وعرفت أن دين سليمان حق، قالت قولتها التي سجلها القرآن عنها: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:44]

    نعم كانت ظالمة لنفسها بالشرك وعبادة الشمس، والله تعالى يقول: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].



    97- العاقلة وفعل الخيرات



    تزوج هارون الرشيد الخليفة العباسي الصالح بامرأة صالحة وهي: الست المحجبة " أمة العزيز " وتكنى أم جعفر بن المنصور أبي جعفر العباسي، وكانت عظيمة الجاه والمال، لها آثار حميدة في طريق الحج، وكان في قصرها من الجواري نحو مائة جارية كلهن يحفظن القرآن ".

    اسمها " أمة العزيز " ولقبها جدها المنصور " زبيدة "، لأنها كانت بيضاء ناصعة البياض كأنها الزبدة فكان جدها يحبها ويلاعبها ويقول لها: يا زبيدة، حتى اشتهرت بهذا الاسم.

    جعلت مدة حياتها لفعل الخيرات، قال عنها ابن جبير في كلا مه على طريق الحج: " وهذه المصانع والبرك والآبار والمنازل التي من بغداد إلى مكة هي آثار زييدة ابنة جعفر ". مهدت طربقا للحج من بغداد إلى مكة وجعلت فيه مرافق ومنافع على جنباته وحفرت الآبار والعيون وصرفت في ذلك مبالغ قيل: إنها حوالي (أربعة وخمسين ألفَ ألف درهم).

    هذه المرأة لم يضرها أنها عاشت في بيت خلافة، ولم يخدعها بريق الأموال والترف، ولو أنها كانت من ذلك الصنف ما سمعنا لها ذكراً، وما رأينا لها قدراً، وما حازت سمعة طيبة وأجراً.

    جواريها وخدمها كلهن يحفظن القرآن، وكان يُسمع في قصرها دوي مثل دوي النحل من قراءة القرآن. فأين نساؤنا اليوم من هذه؟ وماذا يسمع في بيوتنا؟ وماذا نعلم خدمنا وأبناءنا وبناتنا؟. قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:77].



    98- العاقلة ورحمة الحيوان



    الراحمون يرحمهم الرحمن، والقلب الذي تنزع منه الرحمة تنزع منه البركة، فلا فائدة فيه ولا خير يرجى منه.

    روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بينما كلب يطيف بركية (سدور حول بئر) قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي (زانية) من بغايا بنى إسرائيل فنزعت موقها (خفها) فأسقت له به، فسقته فغفر لها به ". ففي مقابل رحمتها لكلب، غفر الله تعالى لها كبيرة من أعظم الكبائر، فما هو الحال لمن يرحم بشرا؟ وفي المقابل نرى أن "امرأة عُذبت في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" (متفق عليه). حقا من لا يرحم لا يُرحم. ولا تنزع الرحمة إلا من شقي.



    99- العاقلة امرأة مثالية



    عفراء بنت عبيد بن ثعلبة، قال ابن حجر العسقلاني- رحمه الله تعالى- عنها: "وعفراء هذه لها خصيصة لا توجد لغيرها؛ وهي أنها تزوجت بعد الحارث بن رفاعة؛ البكير بن ياليل الليثي، فولدت له أربعة من الأولاد: إياسا، وعاقلا، وخالدا، وعامرا، وكلهم شهدوا بدرا، وكذلك إخوتهم لأمهم بنو الحارث بن رفاعة (ثلاثة)، فانتظم من هذا أنها امرأة صحابية لها سبعة أولاد شهدوا كلهم بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم. ومعروف أن كل من شهد بدرا غفر له. وهو من أهل الجنة!

    ما شاء الله، سبعة أولاد من أهل الجنة!

    وكذلك الخنساء تقدم أربعة من الولد في حرب القادسية فيقتلون جميعا، فتقول صابرة محتسبة: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ريي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته ". وأم عمارة وابناها وزوجها في ساحة القتال بأحد والقتل مستعر فوق رؤوسهم، كما أوردنا ذلك بالفقرة [7].

    وامرأة بني دينار التي قتل زوجها وأخوها وأبوها في أحد، وكلما أخبروها بقتل أحدهم تسأل أولاً: فما فعل رسول الله؟ فلما رأته حيا هان عليها مصابها في أهلها أجمعين. وغيرهن كثير، وهذه نماذج فقط لكنها النساء المثاليات، واللاتي ينبغي أن تقاس المثاليات عليهن. إننا نسمع عن أمهات اختيرت مثاليات لسنة كذا وسنة كذا، فإذا فتشنا في أسباب مثاليتهن وجدنا إحداهن ربت أولادها بعد أبيهم، وكافحت حتى صار أحدهم طبيباً والآخر مهندساً والثالث قاضياً، وربما لا يصلي بعضهم أو كلهم، صحيح أن المرأة التي تفقد زوجها تعاني بعده في تربية الأولاد، لكن لا بد أن يكون ضمن هذه المعاناة التربية الإسلامية، والفقه في الدين، بجوار الوظائف الدنيوية، أما أن تكون الوظائف والمناصب هي فقط أسلوب التفاضل والمثالية فهذا الميزان ليس ربانيا. ولهذا فهو ظلم للمثاليات الحقيقيات، وبوم القيامة سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.



    100- العاقلة المظلومة يوم تجد من ينصفها



    عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: جاءت جارية إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالت: إن سيدي اتهمني فأقعدني على النار حتى احترق فرجي، فقال لها عمر رضي الله عنه: علي به، فلما رأى عمر الرجل قال: أتعذب بعذاب الله؟ قال: يا أمير المؤمنين، اتهمتها في نفسها، قال: رأيت ذلك عليها؟ قال الرجل: لا، قال: فاعترفت لك به؟ فقال: لا، قال: والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يقاد مملوك من مالكه ولا ولد من والده " لأقدتها منك، فبرزه وضربه مائة سوط، وقال للجارية: اذهبي أنت حرة لوجه الله، وأنت مولاة الله ورسوله. قال أبو صالح: وقال الليث: وهذا القول معمول به.



    خـاتـمة



    وبعد أن انتهيت من إعداد هذه المادة، أدعو نفسي أولا وكل من تيسر له قراءة هذا الكتاب كله أو بعضه؛ أن يكون هناك حصاد للقراءة، وثمرة للإطلاع، فالمواقف العديدة فيه تحمل من المعاني الشرعية والسلوكيات التربوية، ما هو كفيل- إن شاء الله- لمن تأسى بأصحابها، أن يكون على الصراط السوي، والهدي النبوي، ذلك بأن الله تعالى خاطب جيل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة:137].

    فالهدى الحقيقي في الإيمان بمثل ما آمن به هؤلاء الأصحاب، والعمل بمثل ما عملوا.

    أما أن تقف قراءة القارئ عند حد زيادة المعلومات، والإعجاب بالمواقف، دودن التحرك إلى الإمام، عندها يكون النص الشرعي، والحديث النبوي، وسلوك الصحابة العملي حجة الله على من علم به ولم يعمل.

    رزقني الله وإياكم العلم النافع والعمل، والإخلاص في السر والعلن، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


    فرغت من هذا يوم الجمعة- 18 صفر 1419هـ- 12 يونيو 1998م

    جـمال عبد الرحمن[/ALIGN]

    المصدر[/ALIGN][/ALIGN][/ALIGN][/COLOR]

  3. #3
    الصورة الرمزية ابوفهد
    تاريخ التسجيل : Feb 2002
    رقم العضوية : 3
    الاقامة : قلب من أحب
    المشاركات : 22,917
    هواياتى : الأنترنت
    MMS :
    إم إم إس
    mms-85
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 1462
    Array

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة




    [ALIGN=CENTER]

    الاخت الفاضلة الغالية اشراقة امل
    اسعد الله ايامك بالخيرات

    جزاك الله كل خير وبارك فيك وزاد لك في المثوبة

    على هذا النقل الرائع المفيد

    فعلاً انها مائة درة غالية الثمن لمن يقدرها

    اطلعت عليها سريعاً واشم فيها الفائدة الجمة

    واني عازم على قراءتها كاملة باذن الله تعالى

    وان كانت تجاوزت الـــ 75 صفحة

    لكن شهر الخير سوف يعيننا على اتمامها

    لك خالص تحياتي وتقدير
    [/ALIGN]







    اللهم إن لنا أخوان وأخوات في هذا المنتدى
    منهم من غاب عنا لأي سبب
    ومنهم من هو غائب حاضر
    ومنهم من هو مستمر حتى الآن
    شاركونا بعلمهم .. وخبراتهم .. وتجاربهم
    ناقشونا ونصحونا وعاتبونا
    واسونا في أحزاننا وشاركونا أفراحنا
    نتمنى لهم الخير والسعادة أينما كانوا
    وندعو لهم بظهر الغيب أينما حلوا
    اللهم احفظهم وأغفر لهم وأنزل عليهم رحماتك أحياءً وأمواتاً










معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. رحلة في رحاب كتاب..
    بواسطة إشراقة أمل في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-02-2007, 05:59 PM
  2. أحاديث غير صحيحة منتشرة في المنتديات ,,
    بواسطة أبو محمد في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-12-2003, 05:46 AM
  3. إنتبهوا أحاديث خاطئة
    بواسطة عابده لله في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29-10-2003, 12:49 AM
  4. رحلة في رحاب كتاب.. 3
    بواسطة إشراقة أمل في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 19-09-2003, 03:10 PM
  5. رحلة في رحاب كتاب.. 2
    بواسطة إشراقة أمل في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 19-09-2003, 01:52 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة واحة الدرر 1432هـ - 2011م
كل ما يكتب في هذا المنتدى يمثل وجهة نظر كاتبها الشخصية فقط