ردالشيخ / خــــــــالدالشــايــــع على باجبيـــــرالكاتب في خضـــــراء الدمـــــــــن

رد علمي حرره الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع ـ وفقه الله ـ على ما ادعاه الكاتب عبد الله باجبير في واحدة من سنن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وقد أرسل لجريدة الشرق الأوسط التي فيها مقال با جبير ، ولم ينشر حتى اللحظة ( أي المصداقية أيتها الصحافة التي لا تتثاءب )
.............................. .............................. .............................. .............................. ...........

تعقيباً على ما كتبه باجبير

تشميت العاطس من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وليس خرافة

بقلم : خالد بن عبد الرحمن الشايع

مستشار الشئون الدينية بمجمع الأمل الطبي بالرياض

الحمد لله ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وبعد :

فقد اطلعت كما اطلع غيري على ما كتبه ( عبد الله باجبير ) في جريدة الشرق الأوسط الصادرة يوم الخميس 28 رجب 1424هـ يوافقه 25/9/2003 تحت عنوان ( قطة سوداء ) .

وقد تحدث الكاتب عن بعض ما يعتقده بعض الناس من الخرافات في الحيوانات والطيور وغيرها من الأشياء . وهذا جيد من الكاتب المذكور أن ينبه إلى تلك المعتقدات الخاطئة ، فجزاه الله خيراً .

غير أن الذي استغربته من الكاتب ،واستغربه كل من اطلع على آخر مقاله قوله : ( ومن العادات التي اعتدنا عليها دون تفكير هو حرصنا على أن نقول لمن يعطس : " يرحمك الله " ويرجع أصل هذه العادة إلى القرن السادس الميلادي (!!) عندما ساد اعتقاد بأن الشخص الذي يعطس يطرد الشيطان من جسده ، ومع مرور الوقت تحول الاعتقاد إلى أن من يعطس فقد يشتد عليه مرض ما ، ومن ثم على من يسمعه أن يدعو له بالشفاء ) انتهى قوله .

أقول : وهذا الذي ذكره الكاتب مردودٌ عليه ، فإن الذي نفاه قد جاء في السنة الصحيحة عن المعصوم ما يؤكده ، ولم يزل أهل الإسلام يعرفونه ويدركونه ، جيلاً بعد آخر .

وبيان ذلك :

1ـ تشميت العاطس ـ وهو من المخلوقين الدعاء له بالخير ، حيث قال أهل اللغة :كل داع بالخير مشمت ـ هذا التشميت منحةٌ من الله تعالى لآدم عليه السلام وللمؤمنين من ذريته :

يدل على هذا ما رواه أنس بن مالك أن رسول الله قال : " لما نُفِخَ في آدم فبلغ الروحُ رأسَهُ عطس ، فقال : الحمد لله رب العالمين ، فقال له الله تبارك وتعالى : يرحمك الله … " الحديث رواه الترمذي وصححه ابن حبان .

قال ابن دقيق العيد رحمه الله : ومن فوائد التشميت : تحصيل المودة والتأليف بين المسلمين ، وتأديب العاطس بكسر النفس عن الكِبر ، والحمل على التواضع ، لما في ذكر الرحمة من الإشعار بالذنب الذي لا يعرى عنه أكثر المكلفين .

وفي ضوء ذلك : كيف يستجيز أخونا باجبير أن يرجم بأقواله جهلاً وتخرصاً ، حتى يصف التشميت بأنه من خرافات القرن السادس الميلادي !! مع أنه سنة أبينا آدم ، وشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيانه .

2ـ أن تشميت العاطس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب ، فإذا عطس فحمد الله فحقٌّ على كل مسلم سمعه أن يشمِّته ، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان ، فليرده ما استطاع ، فإذا قال : ها ؛ ضحك منه الشيطان " .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حقُّ المسلم على المسلم ست " قيل: ما هنَّ يا رسول الله ؟ قال : " إذا لقيته فسلم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا استنصحك فانصح له ، وإذا عطس فحمد الله فشمته ، وإذا مرض فَعُدْه ، وإذا مات فاتبعه " لفظ مسلم .

قال الإمام النووي رحمه الله في " الأذكار " ( 433 ) : اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه : الحمد لله ، ولو قال : الحمد لله رب العالمين ؛ لكان أحسن ، فلو قال : الحمد لله على كل حال ؛ كان أفضل .

وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 10/603 ) : قال ابن دقيق العيد ظاهر الأمر الوجوب . وقد أخذ بظاهر هذه الروايات ابن مزين من المالكية ، وقال به جمهور أهل الظاهر .

وقال ابن أبي جمرة : قال : جماعة من علمائنا إنه فرض عين . وقوَّاه ابن القيم في حواشي السنن فقال : جاء بلفظ الوجوب الصريح ، وبلفظ الحق الدال عليه ، وبلفظ "على" الظاهرة فيه ، وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه ، وبقول الصحابي : أَمَرَنا رسول الله . قال : ولا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء .

وذهب آخرون إلى أنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، ورجحه أبو الوليد ابن رشد ، وأبو بكر ابن العربي . وقال به الحنفية وجمهور الحنابلة .

وذهب عبد الوهاب وجماعة من المالكية إلى أنه مستحب ، ويجزئ الواحد عن الجماعة ، وهو قول الشافعية .

والراجح من حيث الدليل القول الثاني ، والأحاديث الصحيحة الدالة على الوجوب لا تنافي كونه على الكفاية ، فإن الأمر بتشميت العاطس وإن ورد في عموم المكلفين ، ففرض الكفاية يخاطب به الجميع على الأصح ، ويسقط بفعل البعض . انتهى ملخصاً .

فنلاحظ هنا أن أئمة العلماء مختلفون في وجوبه على العين أو الكفاية ، مع اتفاقهم على الوجوب ، ولا أقل من الاستحباب المؤكد ، في حين يأتي أخونا باجبير ليلغي هذه النصوص ويشذ من بين المسلمين ، ويعد تشميت العاطس خرافة تعود إلى القرن السادس الميلادي !!!.

3ـ جاءت السنة مبينة أن من عطس ثلاثاً متتابعة فإنه يُشَمَّت في كل مرة ، ويقال له في الثالثة : الرجل مزكوم ، وهكذا الشأن في الأنثى : المرأة مزكومة .

ودليل هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وعطس رجل عنده فقال له : " يرحمك الله " ثم عطس أخرى فقال له رسول الله : " الرجل مزكوم " .

قال أهل العلم معناه : أنكَ لستَ ممن يُشَمَّتُ بعدها ؛ لأن الذي بك مرض ، وليس من العطاس المحمود الناشئ عن خفة البدن . حكاه النووي عن ابن العربي .

قال النووي : فإن قيل : فإذا كان مرضاً فينبغي أن يشمت بطريق الأولى ؛ لأنه أحوج إلى الدعاء من غيره . قلنا : نعم ، لكن يُدعى له بدعاء يلائمه ، لا بالدعاء المشروع للعاطس ، بل من جنس دعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة . قال العلامة ابن القيم ( الزاد 2/441) وقوله في هذا الحديث : " الرجل مزكوم " تنبيه على الدعاء له بالعافية ؛ لأن الزكمة عِلَّةٌ ، وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث ، وفيه تنبيهٌ له على هذه العلة ليتداركها ولا يهملها ، فيصعب أمرها ، فكلامه صلى الله عليه وسلم كله حكمة ورحمة وعلم وهدى .

وفي ضوء هذه المسألة : نعلم خطأ ما ظنه أخونا با جبير ، حين قال : ( ومع مرور الوقت تحول الاعتقاد إلى أن من يعطس فقد يشتد عليه مرض ما ، ومن ثم على من يسمعه أن يدعو له بالشفاء ) .

4ـ نبه أهل العلم إلى أوجه الإنعام في العُطاس ومناسبة حمد الله تعالى بعده .

فقال الحليمي رحمه الله : الحكمة في مشروعية الحمد للعاطس : أن العطاس يدفع الأذى من الدماغ الذي فيه قوة الفكر ، ومنه منشأ الأعصاب التي هي معدن الحِسّ ، وبسلامته تسلم الأعضاء ، فيظهر بهذا أنها نعمة جليلة ، فناسب أن تقابل بالحمد لله ؛ لما فيه من الإقرار لله بالخلق والقدرة ، وإضافة الخلق إليه لا إلى الطبائع . اهـ .

وقال بن أبي جمرة رحمه الله : وفيه دليل على عظيم نعمة الله على العاطس ، يؤخذ ذلك مما رتَّب عليه من الخير ، وفيه إشارة إلى عظيم فضل الله على عبده ، فإنه أذهب عنه الضرر بنعمة العطاس ، ثم شرع له الحمد الذي يثاب عليه ، ثم الدعاء بالخير ، بعد الدعاء بالخير ، وشرع هذه النعم المتواليات في زمن يسير ، فضلاً منه وإحساناً ، وفي هذا لمن رآه بقلبٍ له بصيرة زيادةُ قوة في إيمانه ، حتى يحصل له من ذلك ما لا يحصل بعبادة أيام عديدة ، ويداخله من حُبِّ الله الذي أنعم عليه بذلك ما لم يكن في باله ، ومن حُبِّ الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاءت معرفة هذا الخير على يده ، والعلم الذي جاءت به سنته ، ما لا يقدر قدره .

قال : وفي زيادة ذرة من هذا ما يفوق الكثير مما عداه من الأعمال ، ولله الحمد كثيراً .

قال العلامة ابن القيم : ولما كان العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه ، التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عَسِرة ، شُرِعَ له حمد الله على هذه النعمة ، مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها ، بعد هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها " . ( زاد المعاد 2/438 ) .

وفي هذا يقول الطبيب الجراح د. عبد الرزاق الكيلاني وفقه الله : العطاس : زفيرٌ قويٌّ مفاجئ ، يخرج معه الهواء بقوة من الرئتين ، عن طريقي الأنف والفم ، فيجرف معه ما في طريقه من الغبار والهباء والهوام والجراثيم التي تسرَّبت سابقاً إلى جهاز التنفس … وحقٌّ على المرء أن يحمد الله تعالى على العطاس . ( الحقائق الطبية في الإسلام ـ ص 154 ) .

5ـ درج عدد من الناس على أن يقول الواحد منهم بعد العطاس : ( عفواً ) أو نحوها من الكلمات ، وهذا استبدالٌ للذي هو أدني بالذي هو خير ، فالخير كل الخير في اقتفاء سنة المصطفى ، وقد روى البخاري في " الأدب المفرد " بسند صحيح عن مجاهد أنَّ ابن عمر سمع ابنه عطس فقال : أب . فقال له ابن عمر : وما أب ؟! إن الشيطان جعلها بين العطسة والحمد . وأخرجه بن أبي شيبة بلفظ : اش بدل أب .

6ـ قال ابن دقيق العيد : ذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ من عُرف من حاله أنه يكره التشميت أنه لا يشمت ؛ إجلالاً للتشميت أن يؤهل له من يكرهه .

قال ابن دقيق العيد : والذي عندي أنه لا يمتنع من ذلك إلا من خاف منه ضرراً ، فأما غيره فيشمت امتثالاً للأمر ، ومناقضة للمتكبر في مراده ، وكسراً لسورته في ذلك ، وهو أولى من إجلال التشميت .

وقد بلغ من حرص السلف رحمهم الله على العمل بهذا الأدب الكريم ، ما يبينه ما رواه ابن عبد البر بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن أنه كان في سفينة ، فسمع عاطساً على الشط حَمِدَ ، فاكترى ( استأجر ) قارباً بدرهم ، حتى جاء إلى العاطس فشمَّته ، ثم رجع . فسُئِلَ عن ذلك ؟ فقال : لعله يكون مجاب الدعوة ، فلما رقدوا سمعوا قائلاً يقول : يا أهل السفينة ، إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم .

قال ابن القيم حول معنى التشميت : هو تشميت له بالشيطان لإغاظته بحمد الله على نعمة العطاس ، وما حصل له به من محاب الله ، فإن الله يحبه ، فإذا ذكر العبد الله وحمده ساء ذلك الشيطان من وجوه : منها نفس العطاس الذي يحبه الله ، وحمد الله عليه ، ودعاء المسلمين له بالرحمة ، ودعاؤه لهم بالهداية وإصلاح البال ، وذلك كله غائظ للشيطان ، محزن له ، فتشميت المؤمن بغيظ عدوه وحزنه وكآبته ، فسمي الدعاء له بالرحمة تشميتاً له ، لما في ضمنه من شماتته بعدوه ، وهذا معنى لطيف إذا تنبه له العاطس والمشمت انتفعا به ، وعظمت عندهما منفعة نعمة العُطاس في البدن والقلب ، وتبين السر في محبة الله له ، فلله الحمد الذي هو أهله ، كما ينبغي لكريم وجهه وعز جلاله . ( زاد المعاد ـ 2/439 ) .

ويجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن بعض الناس قد يقول القضية سهلة ، فأخونا عبد الله باجبير إنما تكلم عن مسألة في آداب العطاس ، وليس في العقيدة أو في الأركان والواجبات .

والجواب : أن كل مسائل الشرع عظيمة ، فمن اعترض على شيء منها وحكم فيها عقله ، فكأنما رد الباقي ، لأن المعتبر هو بما وقع من الرد على صاحب الشريعة ، لا بمسألة بعينها سواء أكانت في الأصول أو الفروع ، والشرع كله عظيم ، قال الله تعالى : ( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ) أي عظيماً وفخماً جليلاً ، فهكذا كل ما جاء عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، هو عظيم وجليل .

وبمثل هذه التساهلات وقع من وقع من العقلانيين في الاعتراض على الشريعة والتخير منها . والله المستعان .

وقد يقول قائل لو أن هذا البيان كان موجها للكاتب باجبير دون نشر وإعلان .

والجواب : أن هذا جيد ، لو كان ما صدر عن الكاتب باجبير محدوداً في مجلس ، ولكن هذه المقولة انتشرت في الآفاق ، فكان الواجب بيان الحق فيها على ملأ ، كما كتبها صاحبها على ملأ .

وفَّقني الله وأخي الكاتب عبد الله باجبير لما فيه الخير ، وجزاه خيراً على ما أصاب فيه ، وتجاوز عني وعنه فيما أخطأنا به ، وفقَّهنا والمسلمين في دينه ، ورزقنا العمل بما يرضيه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

( نقلاً عن الأخ لحظة في منتدى أنا المسلم جزاه الله خيرا )