مرحبا ..
هنا قصة قديمة كتبها العضو الغائب نايف ..
كان ردي عليها حين نزولها ..
سأطرحها هنا ريثما أجد الوقت لأعرض شيئاً جديداً
....
هنا تجد الموضوع الأصلي ..
زانيـــــــــــــــة
...........
وهذه هي قراءتي ... وبالتأكيد ستجد في الموضوع نفسه حواراً شيقاً بين الأعضاء وكاتب القصة
..........
يكشف لنا النص عن قصة فتاة اغتصبت قسراً , وقد مر على هذا الحادث ثلاث سنوات ولم يكتشف أمرها أحد حتى زوجها , بالرغم من أن زواجها به كان بعد حادث الاغتصاب وليس قبله !
ولم يرد بالسياق عنصر يبرر للقارئ نجاح طرفي الحادث في المحافظة على سرية الأمر سوى : أن المغتصِب كان أبو الفتاة !!
كانت هذه الحقيقة هي مفاجأة النص, وقد أبطلت استفهامات عدة تتزاحم أما عينيّ القارئ أثناء قراءته للقصة , منها على سبيل المثال :
- أورد الكاتب عجز الفتاة عن البوح , ورد فعل الأهل حين يعلمون بالأمر , وأتبع ذلك برد فعلهم عندما تقدم ابن العم لخطبتها , لكن الكاتب لم يكتفِ بذلك فقط , بل خصص للوالد رد فعلٍ أكثر إيجابية وفعالية إذ أن الوالد قد رحب به , ولم يوافق فحسب !!
فلماذا ؟!
هل لأن الخاطب ابن أخيه ؟!
حسناً لماذا لم يقل مثلاً ( فوافق أهلها ورحبوا به ) ؟!
إن ذلك قد يبرر فعل الترحيب فقط , لكن ما الذي يبرر للقارئ ميل الكاتب لأن يفصل رد الأب عن رد بقية الأهل , أو ليس كلهم أهلها ؟!
- نأتي بعد ذلك لقول الكاتب " ستهرب من الجحيم أخيراً " ..
أي جحيم ؟!
قد علم القارئ سابقاً أن لا أحد يعلم بأمر ما عانت منه الفتاة , ومع هذا فإن هنا إشارة واضحة إلى أن الفتاة لا زالت تعاني , لكن ممَ ؟
هل من مجرد التذكر فقط ؟!
إذا كان كذلك , فهل زواجها سوف يمحو ما حدث من ذاكرتها ؟!
بل على العكس تماماً , إن زواجها سيكون بداية لنهايتها البائنة أمام الجميع , فهو حتماً سوف يفضح أمرها أمام زوجها وبالتالي أمام كل الناس !
هل لازالت تعاني من مضايقة المغتصِب لها ؟!
إذا كان كذلك , فهل سوف يتوقف عن مضايقتها بعد زواجها ؟!
إن كل الاحتمالات التي وردت لا تجيب عن السؤال : أي جحيم كانت تعاني منه الفتاة ؟!
قد يلمح القارئ من هنا وبعد كل هذه الاحتمالات أن المغتصب كان من أقرب الناس للفتاة .
- بعد ذلك تتداعى مخاوف جديدة طبيعية لدى الفتاة , كيف تخفي الأمر عن زوجها ؟!
هو الوحيد الذي أصبح أمر معرفته بكل شيء حتمياً , ومع ذلك استطاعت خداعه !! كيف؟!
لم يفصل الكاتب هذا الأمر , بل ترك مجال الإجابة مفتوحاً أمام القارئ ..
وهنا يقفز سؤال , لن يتجاهله القارئ حتماً , فهو منعطف خطير في أحداث القصة وبالنسبة لشخصيتنا أيضاً , هنا قد تنتهي حياتها وتتوقف عند هذا الحد .. إن السؤال هو : هل أجرت الفتاة عملية جراحية ما ؟!
إن أمر العملية يكاد يكون مستحيلاً دون علم أهلها , ومن المستحيل أيضاً أن يبقى الأمر مخفياً عن الزوج من دونها, هذا تأكيد واضح لما سبق وأن لمحه القارئ , فلا بد من أن الفتاة قد لقيت مساعدة عظيمة من أحد ليكمل معها عملية كان قد بدأها , ألا وهي إخفاء الأمر عن الجميع , ومن يمكنه ذلك في مجتمعٍ مثل الذي كتبت فيه القصة سوى من كان قريباً جداً لها , فهو الوحيد القادر على ذلك , وهو الوحيد الذي سيكون مهتماً لهذا الأمر , ليس لشعوره بالذنب , بل خوفاً من الفضيحة , فمتى ما كشف السر سوف يكشف أمره هو أيضاً , ومهما أنكر ولام الفتاة وحدها فمن الطبيعي أن تخلف القصة شكوكاً ستظل تحوم حوله إلى الأبد .
- تأتي بعد ذلك المفاجأة والإجابة الصارمة عندما تناول الزوج السعيد طفله , وقبله وداعبه ثم أفصح عن رأيه بأن طفله يشبه جده ( كثيراً ) ..
يتلعثم الأب , ووافقته الفتاة على رأيه , ومن قبل قد أخبرنا الراوي أن الطفل يشبه المغتصب كثيراً .
كان ما سبق كفيل بأن يزيد القارئ يقيناً بالحقيقة التي تدرج في اكتشافها , وفيه أيضاً دلالة اختيار الكاتب لشخصية الأب لتمثل المغتصِب.
سأعود الآن لشخصيات القصة وأتناولها بشيء من التفصيل ..
- الفتاة , محور القصة الأساس ..
واجهت في بداية حياتها خيانة من أعز الناس عليها , وأقربهم لها , كان الموقف قاسياً جداً , ومؤلماً حد الموت , إن ما حصل معها أمر سوف يبقى حياً داخلها , شبح يأكل ويشرب معها , يعيش أدق تفاصيل حياتها , يشاركها لحظاتها كلها , "اغتصبت" وهي صدمة تخلف دماراً هائلاً في نفس من حصل معها ذلك , وقد خلفت لها طفلاً تغذى من دمها تسعة أشهر ولم يزل يمتص من حنانها الكثير , حقيقة لا أحد ينكرها : إن مجرد التحرش الجنسي بالطفل لا يمر عليه بسلام وربما انعكس أثر ذلك على المجتمع بعد حين .
لذلك امتدت تعاسة الفتاة لثلاث سنوات تلوكها آلام شتى , الحادثة ذاتها , خيانة أبيها , إجبارها على الصمت , شعورها بعقدة الذنب لخداعها لزوجها , ناهيك عن شعورها بالقهر والاضطهاد .
ربما كانت تسأل عن حالها , عن حياتها , عن شعورها , كان بوسعها أن تعيش حياة أفضل من هذه بكثير لو أن ... !
وتقف عند هذه الكلمة , إذ تصطدم بحاجز يعلوها بكثير , حاجز أطبق عليها وغيرها من الفتيات قد وجدنه ظلاً حانياً .
وتمضي أيامها وهي تحمل سراً ثقيلاً لم تستطع البوح به لأحد , أهلها : ماذا ستقول لهم ؟!
أبي اغتصبني !!
سيكذبونها وسيتهمونها بالخيانة ويقتلونها انتصاراً للشرف, والأب وحده قادرُ على كل هذا.
صديقاتها : من يصدق ؟! ثم ما الذي سيفعلنه لها ؟!
المجتمع : مجتمع ينتصر للأهل دائماً , وتبقى الفتاة موصومة بقلة العقل والدين والخطأ , وشرارة للمشكلات دائماً .
لعل صمتها يعفيها المزيد من الآلام , التي ستتكاثف مصادره حولها إن هي أفشت السر.
- الأب .. فاعل الجرم , والمتلذذ بطعم الراحة , إذ لم يزل يقوى على مواجهة ابنته وزوج ابنته!
- الزوج .. الضحية الثانية , وربما كان أسعدهم حظاً !
لم تتضح سمات شخصيته جيداً , فلا يمكننا القول بأنه ساذج أو طيب حد الغباء , فلربما كانت الجريمة محبوكة , لا تجعل مجالاً للشك .
من ناحية الأدوات لفت انتباهي وأعجبني جداً انسجام ما يحكيه لنا الراوي الخارجي العالم بكل التفاصيل مع ما تحكيه لنا الشخصية وهذا ما يمثله استخدام الكاتب ضمير المتكلم , فقد امتاز السرد بالاتساق والتسلسل .
وأنا أعارض من سبقني من الأخوة إذ قالوا بأن النص تنقصه بعض التفاصيل , فالقصة برأيي ليست تقريراً نيابي , والقاص ليس مكلفاً إلا بالوصول للهدف من كتابته للقصة فقط , وعلى القارئ بعد قراءته الأولى أن يسعى بذهنه لأن يقتنص الهدف من القصة وعليها يبني أحكامه على أحداثها .
فالقصة الأدبية يا أصدقاء ليست حكاية في مجلس تروى لقضاء وقت أو لأخذ العظة والعبرة , وليست خبراً ضمن نشرة إخبارية , فلا بد للقصة لكي تنجح أن تترك الكثير من المساحات لكي يملأها القارئ بنفسه , ليصل أخيراً للهدف الرئيس للقصة , فالكاتب يعنى بأن يقود ذهن القارئ لهدفه , وهذا لن يكون سهلاً إن شتت ذهن قارئه بكثير من التفاصيل , فكل تفصيل يذكره ربما يشد القارئ لأن يبحث عن أسباب له ومبررات قد تبعده كثيراً عن هدف القصة أو النص عموماً .
لذلك أقول على القارئ أن ينظر للهدف , إن استطاع اقتناصه مما بين يديه من تفصيلات , فقد نجح الكاتب , وإن لم يستطع فإن الكاتب قد أخفق وعندها فقط تصبح الأحداث ناقصة .
ولعل هذا يقودني الآن لأن أورد بعض العبارات التي لي اقتراحات حولها, وهي :
- ( رسالة حب واعجابٍ من صديقتها , أوصلتها إلى هذا كله , جعلتها زانية )
لم أجد للعبارة السابقة مكاناً , ولا حاجة ماسة لإيرادها , بل إنها قد تبعد القارئ عن اكتشاف الحقيقة .
- (ولم تكتمل سعادتي بالخلاص , فقد لاحقني وتفنن في اذلالي , ولا املك منعه , لا أملك الا .. دموعي .)
ألا ترى معي بأنها تفتقد للواقعية ؟!
- (فوالدها المغتصب , وهي .. زَانِـيَـة .. بِالإكْـرَاهْ !!.)
هذه العبارة تفقد القارئ حماسه , وتطفئ جذوة كانت قد تدفعه لقراءة النص مرة أخرى ليكتشف الحقيقة بنفسه .
ولعلي ممن لا يفضلون القصص التي تكتنف لحظات تنويرية كهذه .
فما سبق إيراده في نصك كفيل بأن يقود القارئ للحقيقة إن هو حاول , وإن كنت تشعر بأنه غير كافٍ , فعليك بالتكثيف من التلميحات وليس بالتقرير بصورة تضيع على القارئ الكثير من المتعة .
- (قامت بتناول المنشفة و التجفيف بحركاتٍ آليةٍ تماماً , فقد كانت تتجاوز المكان )
ما رأيك لو كانت : قامت بتناول المنشفة و التجفيف بحركاتٍ آليةٍ تماماً , إذ كانت تتجاوز المكان ...
لم يتبقَ لي الآن سوى الحديث عن عنوان القصة ( زانية )
ووردت عبارة مماثلة في نهاية النص ( زانية بالإكراه )
كل الحقائق في النص تشير إلى أن الفتاة مغتصبة وليست زانية , فلماذا يعارض الكاتب نفسه ؟!
هنا تقريع صريح للمجتمع , وللأب , صيحة مدوية في وجه كل العوامل والأسباب التي أجبرت الفتاة على الصمت .
زانية هي , تلك نظرة المجتمع لها .
فالفتاة خسرت أغلى شيء تملك قهراً , وستخسر شرفها وعزها حتى وإن باحت بالحكاية بكل تفاصيلها , وحتى وإن صُدّقت , هي بحكم الزانية في أعين الناس , وستعامل مثل أي زانية , حتى وإن كانت مغتصبة , ستكون منبوذة !
دمتم بخير ..
الشمــــــــــس