.
.
.
.
والله لم أُرد الحديث عن موضوع ( سيلفي ) أكثر مما تحدثتُ عنه , فلقد أعطاه الناس أكبر مما يستحقُ بكثير ..!!!, ولكن و نظراً لردود الفعل التي تلقيتها - مسروراً بها جميعاً - بعد مقال ( سيلفي والكوميديا المُفَخَخَة ) وجدتُ لزاماً عليَّ أن أُفَصِلَ في فِكرَةِ المقالِ مُضمناً إجابةً واضحةً لكل ردة فعلِ من تلكم الردود .., كما لابُدَ أن أوضِحَ أني لاأتحدث عن ( سيلفي ) تحديداً بل عنه على وجه الخصوص وعن كل عملٍ مَشابهٍ لهُ ..
وحتى يَسهلُ قراءة ما سأكتبه سأجعله موزعاً على أربعة محاورَ رئيسة وهي مُرتبةً من المُهم فالأهم :
1-المحور النقدي الفني
2- المحور التربوي
3-المحور الأمني
4-المحور الشرعي
أولاً : المحور النقدي الفني :
لن أُطيل كثيراً في هذا المحور لأنه غير هام ولأن الأمر برمته مُندرجٌ تحت بند الأذواق وكما قال الشاعر :
أحببتها شمطاء شابَ وليدها *** وللناس فيما يعشقون مذاهبُ ..!!!
وكما أوضحتُ في المقال فالعمل - من وجهة نظري - سخيف ركيك هش وخالٍ من أي عنصر من عناصر الجودة في كل تفاصيله ..
ولكن البعض قد حمل هذه الرؤية النقدية على محملٍ آخر وفسرها تفسيراً غريباً , فمنهم من قال أني أكتب بروح المُتدين , وبعضهم قال هذه أخوا نجية واضحة ..!!!
ولن أتوقف كثيراً عند كل هذا , فالديَّ أدواتي النقدية التي أثقُ بها كثيراً والمُحايدة كثيراً ولله الحمد .., وقد نقدتُ أعمالاً كثيرةً في زاويتي ألأسبوعية نقداً قاسياً أكثر من نقدي ل ( سيلفي ) , ولم يتهمني أحداً بأي أمرٍ ولم يدعِ مُدعي أني أنقدُ بناء على أيدولوجيتي الخاصة..!!
وأعودُ للقولُ أن : أن كُلاً حرٌ في ذوقه ورؤيته .., وسأختمُ هذا المحورَ بقصةٍ سمعتها - لاأذكر أين - عن شابٍ وَرِثَ عن أبيهِ قهوةً شعبيةً مزدحمة بالزبائن لها سمعةٌ جيدةٌ للغاية .., وكان الأبُ يَخلِطُ الشاي بنشارة الخشب والبُنَ بالرماد المسحوق .., وكان الابنُ دائم النصحِ لأبيه , وأبوه لايُلقي لنُصحهِ بالاً ..!!!
وماتُ الأبُ , فجمعَ الابن عُمال القهوة وقال لهم : سأنتوقف عن كل ماكان يفعله أبي - يرحمه الله - وسنحضرُ شاياً وبُناً جيداً للزبائن .., وفعلاً نفذ ماقال وأحضر الشاي والبن الجيد .., بدأ الزبائن يتذمرون من طعم الشاي والقهوة الجديد - والجيد - ويلومون العُمال على غشهم وعبثهم بالشاي والبن ..!!!, وطفقوا يلومون الشاب على فعلته الشنعاء تلك , ويذكرونه بسيرة أبيه العطرة .., وبدأ الزبائن تقل أعدادهم في القهوة , وأوشك الشاب على الإفلاس , واحتار مابين فضحِ أبيه أمام الزبائن أو إغلاق القهوة والثبات على المبدأ ..؟!!! , وفي غضبة اجتمعَ بالعُمال وقال لهم : من أين كان أبي - يرحمه الله - يُحضرَ نشارة الخشبِ والرماد ؟!!!
وعاد الحال على ماكان عليه , وعاد الزبائن يثنون على الشاي والقهوة والتي عادت جيدة ورائعةً كما كانت على عهد أبيه ..!!!
فالخلاصة : أن اعتياد الكثير على كوميديا التهريج و( التنطيط ) جعلتهم يظنون أن هذه هي الكوميديا الجيدة , ولو قدمتَ لهم كوميديا جيدة لكان موقفهم كموقف زبائن القهوة مع الشاب ..!!!!
ولو أضفنا أن نفس الأفكار التي طرحها ( سيلفي ) , جعلت الكثير يقبل العمل , لا لجودة العمل , ولكن للفكرة التي تحدث عنها ..
فكان كثيرٌ ممن أشاد بالعمل وأثنى عليه إنما أشاد بالفكرة المطروحة والتي لامست شيئاً في نفسه ..
وقد عَلِمَ فَريقُ ( سيلفي ) بذلك مُسبقاً وراهنوا عليه لعلمهم أن عملهم هش ركيك لايجذبُ ذلك العدد الكبير من المَشاهدين , ومن أجل ذلك ألقوا بكل ثقلهم في الثلاث الحلقات الأولى , وستأتي بقية الحلقة -وستذكرون ماأقول لكم - غاية في السخافة والسماجة والانحطاط ..!!
ولو كان ذلك الفريق واثقٌ من عمله لجعل هذه الثلاث حلقات في منتصف العمل لا في أوله - وكذلك تفعل كل الأعمال الناجحة -ولكنهم لم يفعلوا ذلك وليتهم فعلوه .!!!!
.
.
.
.
ثانياً : المحور التربوي :
وسأتحدثُ هنا - بعد أذنكم - عن خطأ عظيمٍ يقعُ فيه الكثيرُ من الناس , وهو عدم تقنين مايُشاهده صغار السن , وهم معذرون في ذلك لعدة أسبابٍ منها :
1- أن وقت بعد الإفطار هو وقتٌ عائلي جداً جداً , تجتمعُ فيه كل الأسرة , ومن الصعب فيه عزل الصغار عن الكبار ..
2- أن ماتمنع الصغار من مشاهدته سيشاهدوه - لامحالة - على بعض الوسائل المُنتشرة ..!!
وهذان السببان وغيرهما ليسا عذراً لترك تقنين مايشاهده أطفالنا ولو بحضرتنا على الأقل , أو إن لم نستطع ذلك فلا بُدَ أن نملك ثقافةً ووعياً كافيين لتنبيه أطفالنا على الأخطاء التي توجد في أي أمرٍ يشاهدوه , وقليلٌ من يملك هذا الوعي وهذه الثقافة , وإن كان يملكها , فهو لايملك أسلوباً ناجعاً ليوصل به الأمر للصغار ..!!
وهذا هو مانخشاه حقاً , وأنا هنا لن أتحدث عن ( سيلفي ) ولكني سأتحدثُ بشكلٍ عام فأقول :
تخيلوا معي أن مروجاً للمُخدرات وقفَ في الناس خطيباً يعظهم وينصحهم بالابتعاد عن المُخدرات ..!!!, مالذي سيحدث ؟!!!
سيرفضه الكثير ممن يعلمُ حاله وينصرفون عنه , ولكن من لايعرفُ أنه مروجٌ للمخدرات مالذي سيحدث عنده ..؟!!
سيرونه مُصلحاً قدوةً ويصلحُ لأن يكون مثالاً يُحتذى به وإنموذجاً يُسارُ عليه ..!!
وهُنا مكمن الخطر ..
فصغارنا لايملكون القدرة على التفريق بين الحديث عن فئة بعينها منتسبةٍ للدين والدين لايرضى عن عملهم وفكرهم وسلوكهم , وبين بقية أتباع هذا الدين الحنيف الملتزمون الواعون أصحاب السلوك الصافي النقي والعاقل والمُشرف وهم كُثرٌ ولله الحمد والفضل والمنة ..
ومن يُقدم هذه الأعمال الساخرة فهو يَعمدُ - وأعني ماأقول - يعمدُ لإظهار السلبيين فقط ولايُظهر الإيجابيين , وإن أظهرهم فهو يُظهرهم في موقفٍ ضعيف مشوش متردد ..!!!
وحقيقةً - وهذا مؤلم للغاية - هناك ضعيف شديد في إظهار هذا الفريق الإيجابي وهذا مبحثٌ آخر ..
وبالتالي سينشأ لنا جيلٌ يرفض الدين بالكلية وليس بعض النماذج السلبية من المنتسبين إليه ..!!!
وسيكون لدى هذا الجيل خللٌ كبيرٌ في التقييم , إذا كان من يعظه اليوم ويرشدهُ - برضا الأهل وقبولهم بالضحك والمتابعة والإعجاب - هو من سيقدم له نموذجاً صارخاً في التفسخ والفساد والمجون والانحراف ..!!
أعمى يقودُ بصيراً لاأبا لكمُ *** قد ضل من كانت العميانُ تهديهِ ..!!!
فأرجوكم ليس َ من أجل ضحكة على تهريجٍ ما تدمروا صغاركم ..!!!
.
.
.
ثالثاً : المحور الأمني :
ناهيك عن كمية الاستفزاز التي كانت واضحة وجلية في حلقات العمل للكثير من المشاعر , كالتي وقعوا فيها في حلقة اليوم عن ( الهلال والنصر ) والتي اضطرت ناصر القصبي أن يُغَرِدَ على حسابه في ( تويتر ) بنكتة سامجة عن النصر لينفي عن نفسه أنه يميل لفريق النصر دون فريق الهلال ...!!!
واستفزاز المشاعر قد يفتح أبواباً من الفتنة والخلاف ماكان له من داعٍ أبداً ...!!
ولكن وبدايةً - ومع اعتذاري الشديد لفريق عمل ( سيلفي ) - فمعالجة الأفكار بدايةً من كتابتها وحتى إخراجها , كان الغباء والسطحية والسذاجة سادة الموقف فيها ..!!! ناهيك عن كمية الاستفزاز التي كانت واضحة وجلية في العمل للكثير من المشاعر
وكأنهم اجتمعوا سويةً على طاولة واحدة , وقالوا : ماذا نصنع ؟!!
ومارسوا عصفاً ذهنياً وخرجوا بهذه الحلقات ..!!!!
ولنأخذ حلقتي ( داعش ) كمثالٍ على ذلك :
فطريقة إخراجِ العمل كانت طريقة بدائية وللغاية وأظهرت هذه الجماعات المنحرفة على أنها جماعات تتواجد في مناطق آمنة فيها مقاهي وجواري ونساء ( وفلة حجاج ) كما ورد هذا المصلح مرات في العمل ..!! ويتحركون كما يشتهون ويهجمون على أي مكان يحلوا لهم بكل يُسرٍ وسهولةٍ ويعودون غانمين مسرورين ..!!
(( مشهد الغلام المتنكر بزي فتاة وإصرار الداعشي على أخذه كجارية , لن استطيع الحديث عنه , فإن فيه من الإسقاط السافل والوقح والذي لم يُراعِ وبحق حُرمة هذا الشهر الفضيل . وفيه خروج عن الأدب والحياء ..!!!))
كل هذه الأمور الايجابية والتي أظهرها العمل بكل سذاجة وغباء , قد تكون دافعاً قوياً لكثيرٍ من الشباب لتجربة هذه الحياة السهلة البسيطة الحلوة المُتخمة بالجواري والنساء والشهوات ..!!!
كما أن إظهار السعوديين على أنهم هم الفئة الغالبة على هذا التنظيم - عدد السعوديين في الحلقتين كان هو الأكثر - وهذا ينسب لنا تُهمةً يُروجها عنا بعض الحاقدين أو المُغيبين بأننا نحن المسؤولون عن ظهور داعش وهذا غير صحيح ولايُقرُ به أي منصفٍ البتة ..!!
فالسعوديون هم جزء من هذا التنظيم المُتعدد الجنسيات وقد لايكونون هم العدد الغالب ..!!!
كما أن اختيار ( مرح جبر ) وهي سورية للقيام بدور المومس الشرعية لهذه الجماعة , وقيام فنان عراقي بدور القائد فيه إسقاطٌ نرفضه على شعبين عظيمين مميزين كالشعب السوري والشعب العراقي .., صحيحٌ أن هذا تمثيلٌ وهذه مجرد شخصيات Characters فحسب , ولكن مامن عملٍ في الدنيا يخلو من إسقاط مُتعمدٍ أو غير مُتعمد ..!!! فما الحاجة في الإساس لفتح هذا الباب ؟!!!
ومع أني لستُ طائفياً البتة وأبغض الطائفية جدأً , إلا أن البعض قد يسأل : لماذا لم يتعرض ( سيلفي ) في حلقة من حلقاته لِما عند بعض أتباع المذهب الشيعي من أخطاء وتجاوزات وتطرف وعنف لايقلُ عن أخطاء وتجاوزات وتطرف وعنف ( داعش ) ؟!!!
هل هم لايرون المذهب الشيعي مذهباً إسلامياً ليعالجوا مافيه من انحراف وشذوذ , أم ماذا ؟!!!
.
.
.
رابعاً : المحور الشرعي :
لستُ أنا من يتحدث بإسهابٍ في مثل هذا المحور لأن الأمر يحتاجُ إلى مُتخصصين وأنا لست كذلك .., ولكني ضد تكفير أحدٍ من فريق عمل ( سيلفي ) تحت أي سببٍ من الأسباب , فالأمرُ - في نظري - لايصلُ إلى حد التكفير , ولعل بعضهم أراد خيراً فأخطأ الطريق ..!!
ولكني لاأترددُ لحظةً واحدةً في تكفير من ظن أنه بالقتل والتفجير والتخريب سيخدمُ دينَ الله كداعش أو غيرها من الجماعات المنحرفة الشاذة المارقة عن الدين كما يمرقُ السهم من الرمية ..!!
ولكن ماهكذا توردُ ياسعدُ الأبل , فليس ببرامج غبية ساذجة سطحية نُعالج هذا الأمر الخطير ووللغاية ..
فعلى كل مسلمٌ يرى أن لله عليه حقٌ وكان لديه علمٌ نافعٌ صالحٌ أن يُظهرَ علمه وأن يُحذرَ من خطر مثل هذه الجماعات التخريبية المُدمرة .., وعلى كل مواطنٍ يرى أن لوطنه عليه حقٌ أن يكون سدأً منيعاً ضد أفكارٍ كأفكار داعش وغيرها وانتشارها ...
وعلينا أن نتفقد فكر صغارنا وأن نحرص على تقديم نماذج دينية إيجابية تبدأ بأنفسنا , وأن نزرع فيهم سماحة الدين وعظمته وحكمته ورُقيه , وأن نغرس فيهم حب الأوطان والحرص عليها ...
.
.
حفظكم الله ورعاكم ..
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد النجار
