.
.
.
أمام دُكانهِ في السوق احتضنَ صديقهُ القادمَ من مدينة بعيدة قائلاً : كم افتَقَدتُكَ ياصديقي الصادقَ الصَدوق ..!!! ضَمهُ الصديقُ إلى صدره قائلاً : وأنا افتقدتُكَ أكثر أيها التاجر الناصحُ الأمين ..
سأُنهي بعض عملٍ لي في مدينتك وأعودُ لأجلس معك أيها التاجرُ الناصح الأمين , فأنا مُشتاقٌ إليكَ كثيراً .., ثم أخرجَ الصديقُ من جيبه ورقةً وقلماً ..
جحظتْ عينا صديقه التاجر وقال مذعوراً : ماذا تصنع ياصديقي الصادق الصدوق ؟!!
قال الصديق : أكتبُ لك أغراضاً أحتاجها من دكانك , وتجهزها لي ريثما أعود ..!! فماذا دهاك لتنتفضَ هكذا ياأيها التاجر الناصح الأمين ؟!!
قال التاجر بهمسٍ خائف : تخلصْ من القلم والورقة - ياصديقي الصادق الصدوق - الآن أرجوك قبل أن يراك أحد ..!!
قال الصديق : وماذا في ورقةٍ وقلم ياأيها التاجر الناصح الأمين ؟!!
تخلص منها أولاً وسأُخبرك بكل شيء ..
تلفتَ الصديقُ فلما لم يرى أحداً كسرَ القلم ورماه بعيداً ومضغ الورقة وابتلعها ..!!
وقال : ملأتني رعباً أصلحكَ الله أيها التاجر الناصح الأمين ..!!!
قال التاجر : سامحني ياصديقي الصادق الصدوق أرجوك , فقبل ثلاثة أشهرٍ أصابتْ الأقلام والأوراق عندنا علةٌ غريبة ..!!!, فباتت تكتبُ مايدور في قلبِ الشخص فعلاً لا مايُريدُ كتابته ..!!! فيكتبُ الزوج لزوجته : اشتقتُ لكِ ياأجمل نساء الأرض .., ويُرسلها لزوجته وعندما تفتحها تجدُ مكتوباً فيها : اشتاق ساعة فُراقكِ ياأقبحَ نساء الأرض ..!!
كلُ مكتوبٍ يتحول - ودون أن نعرف السبب في ذلك - إلى مايدور في قلبِ كاتبه لا مايُريدُ قوله ..!!!
نشبَ الكثير من الخلاف وبات الجو مشحوناً وكَثرَ القَتلُ والطلاق ...!!!
وحاولَ كثيرٌ من أهل الرأي والحكمة في المدينة أن يكتشفوا سر هذه اللعنة أو أن يجدوا علاجاً ناجعاً لها ودون جدوى ..!!!
وحدهُ بهلول السوق - ذاك المجنون على عصا كأنها حصانٌ , وأنت رأيته عندي من قبل ..- وحده من قال : اكتبوا مافي قلوبكم حقاً ولن تكونَ هناك لعنة ..!!
هذا المجنون يُريد المدينة أن تعيش في بصدق ...!!!!
لاعجبَ أن سموه بهلولاً ..!!!
ولما تجاوزَ الأمرُ كل حدٍ , صدرَ قرارٌ صارمٌ بمنعِ الكتابة واستبدالها بالكلام أو بالإشارة .., وسيُعاقبُ بالسجنِ مدى الحياة من يُضبَطُ مُتلبساً بالكتابة ...!!!!
وخشيتُ عليكَ ياصديقي الصادق الصدوق , وهذا ماجعلني انتفضُ كما رأيت ..
احتضنه الصديق وقال : يالك من أخٍ صالحٍ أيها التاجر الناصح الأمين ...!!!
أذن سأكتفي بالكلام وأنت عليك الحفظ ..!!!
ولتحمدوا الله أن الكلام لاتُصيبهُ لعنة الأقلام والأوراق ..
وسأذهبُ الآن وأعود بعد انقضاء عملي في المدينة ..
فوداعاً أيها اللص السارق الشجع ..
فتحَ التاجرُ فمه مُندهشاً وقال باستغراب : أتعلمُ ماقلتَ ياصَديقي .. الخائن الحقير الصفيق ؟!!!
.
.
.
أحمد النجار