قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب مفتح دار السعادة:
( والقلب السليم الذي ينجو من عذاب الله تعالى هو القلب الذي قد سلم من هذا وهذا , فهو القلب الذي قد سلم لربه وسلم لأمره ولم تبق فيه منازعة لأمره ولا معارضة لخبره فهو سليم مما سوى الله تعالى وأمره لا يريد إلا الله تعالى ولا يفعل إلا ما أمره الله تعالى , فالله وحده غايته وأمره وشرعه وسيلته وطريقته لا تعترضه شبهة تحول بينه وبين تصديق خبره لكن لا تمر عليه إلا وهي مجتازة تعلم أنه لا قرار لها فيه ولا شهوة تحول بينه وبين متابعة رضاه , ومتى كان القلب كذلك فهو سليم من الشرك وسليم من البدع وسليم من الغي وسليم من الباطل .
وكل الأقوال التي قد قيلت في تفسيره فذلك يتضمنها , وحقيقته أن القلب الذي قد سلم لعبدية ربه حياءً وخوفاً وطمعاً ورجاء ففنى بحبه عن حب ما سواه وبخوفه عن خوف ما سواه وبرجائه عن رجاء ما سواه وسلم لأمره ولرسوله تصديقاً وطاعة كما تقدم , واستسلم لقضائه وقدره فلم يتهمه ولم ينازعه ولم يتسخط لأقداره فأسلم لربه انقياداً وخضوعاً وذلاً وعبودية وسلم جميع أحواله وأقواله وأعماله وأذواقه ومواجيده ظاهراً وباطناً من مشكاة رسوله وعرض ما جاء من سواها عليها فما وافقها قبله وما خالفها رده , وما لم يتبين له فيه موافقة ولا مخالفة وقف أمره وأرجأه إلى أن يتبين له , وسالم أولياءه وحزبه المفلحين الذابين عن دينه وسنة نبيه القائمين بها , وعادى أعداءه المخالفين لكتابه وسنة نبيه الخارجين عنهما الداعين إلى خلافهما . )