انتشرت بشكل كبير في الوسط السعودي نتائج دراسة سويدية، تفيد بأن شرب الحليب يؤدي للوفاة!! وبدأ البعض يمتنع عن شرب الحليب، ويقدم النصح بذلك!! بل إن بعض نشطاء "تويتر" وصفوه بجهالة بأنه "سم قاتل"!! دون تروٍّ ومعرفة تفاصيل هذه الدراسة ومخرجاتها. ولمعرفة الحكم على تلك الدراسة فلا بد من أن نتعرف بشكل سريع عليها، وطريقة تحليل نتائجها، ومن ثم نرى المحصلة النهائية لذلك.

هذه الدراسة السويدية أظهرت أن شرب كميات كبيرة من الحليب يرتبط بارتفاع نسبة الوفيات لدى النساء والرجال مقارنة بغيرهم، إضافة إلى ارتفاع نسبة الكسور لدى النساء؛ إذ أبانت الدراسة أن شرب ثلاثة أكواب فأكثر يومياً يرتبط بذلك.

وسأحاول أن أبسط اللغة العلمية في نقد تلك الدراسة، واستنباط نتائجها كالآتي:

أولاً: إن نوع هذه الدراسة يسمى دراسات رقابية، لا يتم فيها إجراء أي تدخل، بمعنى مراقبة ومتابعة سلوكيات وممارسات مجموعة من الأشخاص وعلاقتها بالإصابة بالأمراض لفترة محددة من الزمن. وقد ينتج، في مثل هذه الدراسات، تزامن وتوافق بين سلوك معين وظهور مشكلة صحية، كما في تلك الدراسة التي تزامن فيها كثرة شرب الحليب مع الوفاة والكسور لدى النساء. وفي مثل هذا النوع من الدراسات لا يمكن الجزم بأن العلاقة سببية مباشرة؛ فقد تكون الوفاة أو الكسور نتيجة عوامل أخرى مصاحبة، أهملتها الدراسة، أو لم تنتبه لها، أو شتت نتائجها. ولإثبات تلك العلاقة السببية فلا بد من إجراء ما يسمى بالدراسات التجريبية.
ولهذا نجد أن القائمين على الدراسة نفسها يشيرون لذلك، ويؤكدون أن نتائج الدراسة يجب أن تؤخذ بحذر؛ كونها دراسة رقابية، وليست تجريبية. كما أشاروا إلى أن هذه الدراسة لا تدعو إلى تغيير النمط الغذائي، ويستدعي الأمر إجراء مزيد من البحوث حول ذلك.

ثانياً: عينة الدراسة شملت البالغين وكبار السن فقط؛ ولهذا فلا يمكن تعميم معطياتها على الفئات العمرية كافة، وخصوصاً على الأطفال والمراهقين والشباب.

ثالثاً: هذه الدراسة عُملت في السويد. ومن المعلوم أن الحليب في السويد يتم إضافة فيتامين (أ) إليه، بعكس العديد من الدول الأخرى. ويشير بعض العلماء إلى احتمالية تأثير ذلك على النتائج.

رابعاً: هذه الدراسة عُملت على المجتمع السويدي؛ ولهذا لا يمكن تعميم نتائجها؛ فهناك حاجة لعمل دراسات مشابهة على مجتمعات وأعراق أخرى لضمان ثبات النتائج.

خامساً: أوضحت الدراسة أن شرب منتجات الحليب الأخرى قليلة الدسم، كالزبادي والأجبان و(اللبن الرائب)، أعطى نتائج إيجابية حيال تقليل نسبة الكسور والوفيات (بقدرة الله)، وهو ما قد يؤثر في فهم معطيات الدراسة.

على كلٍّ، لا بد أن أشير إلى أن التوازن الغذائي هو العنصر الأهم في الحفاظ على الصحة، ويشمل ذلك الإكثار من تناول الخضار والفواكه، والحد من تناول الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات والملح، وممارسة النشاط البدني المنتظم، والحفاظ على الوزن المعتدل.

نصيحتي لكم بأن تستمتعوا - أنتم وأبناؤكم - بشرب الحليب بتوازن، دون إفراط ولا تفريط؛ فهو المشروب الوحيد الذي يحتوي على 18 مادة غذائية، وتشير العديد من الدراسات إلى أهميته في سلامة العظام، والإسهام في الحد من الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري، هذا عوضاً عن نضارة البشرة.

كما يجب الاهتمام جيداً بتناول منتجات الحليب الأخرى، كالزبادي واللبن والأجبان قليلة الدسم.
دمتم بصحة وعافية.