.
.
.
.

انتَفَضَ بِشِدَةٍ ورَفَعَ رأسَهُ عِندَما وضَعَتْ عَجوزٌ مُتَدَثِرَةٌ بالبياضِ يَدَها عَلى كَتفهِ , حاوَلَ الهَربَ لولا أنْ طمأنَتهُ أنَها لاتُريُدُ بِهِ شَراً ..
أكمَلتْ بصوتِها الحَنونِ : دائماً تَهرُبُ إلى هَذا المَكانِ المنعَزلِ لأنَكَ ماعُدت تَحتَمِلُ ماتَمرُ بِهِ ..!!!
سألها مُتظاهِرأً بالقوةِ : مَنْ أنتِ ؟!!!
تَبسَمَتْ وقالتْ : سأُجيبَكَ لو أخبرتَني أنتَ مَنْ أنت ؟!!
وقَبلَ أن يُجيبَ قالتْ : أُخبِرُكَ أنا مَنْ أنت ..
أنتَ مَنْ أفرَطَ أبواهُ بتأديبهِ وتَربيتَهِ وزَرعا فيه قيماً ومبادئاً لاتَصلُحُ لهذا الزَمن .., أنتَ مَنْ اختارَ الصِدَقَ والاستِقامَةَ والشَرَف في حينِ كانَ بإمكانِكَ أنْ تتخلى عَن كُلِ ذَلِكَ لتُصبِحَ أغنى وأقوى ..!!
أنتَ مَنْ سلبهُ الفاسِدونَ كَرامَتَهُ وغيبوهُ حَتى ماعادَ يراهُ أحدٌ وهو موجودٌ بينهم ..!!
ماعادَ أحَدٌ يُقيمُ لَهُ وزناً , حَتى زوجَتَكَ وأولاَدِكَ فَقَدتْ السيطرَةَ عَليهم تماماً ..
لم تَجتَهِدْ في تَربيتهم التربية الصالحَة , كأنَكَ - وفي عَقلِكَ الباطِنِ - لمْ تُرِدْ تِكرارَ ماصَنعهُ أبواكَ بِك , وأردتَهم مناسبونَ لهذا الزمن ..!!
اغرورقتْ عيناهُ وطأطأ رأسهُ ثانيةً ولاذَ بالصَمت ..!!
سَحَبَتْ العجوزُ مِنْ أصبِعِها خاتما وقالتْ : لأنَكَ تستحقُ الخَيرَ سأهَبُكَ حَلاً لكُلِ مشاكِلِك , وسأمنَحُكَ قوةً يراكَ فيها الجَميعُ أقوى وأفضل دون الحاجَةِ للسرَقةِ أو الظُلم ..
مَسَحَتْ العَجوزُ الخاتمَ براحَةِ يدها فَخَرَجَ مِنهُ مارِدٌ ضَخمٌ وانحنى أمامها وقالَ : أنا رَهنُ إشارَتَكِ ..
أمرتْ للبائسِ بثيابٍ فاخَرِةٍ وطعامٍ وشرابٍ ..
بِطَرفَةِ عَينٍ كانَ البائسُ يَرتدي أفخَرَ الثيابِ وأمامهُ طعامٌ وشرابٌ لم يرَ مِثلَهُ قَط ..!!
مسحتْ العَجوزُ على الخاتمِ ثانيةً فعادَ المارِدُ لمكانهِ ..
مَدتْ العَجوزُ يَدها بالخاتَمِ للبائسِ وقالتْ : هذه مكافأة حفاظَكَ على مبادئكَ , وأرجوكَ احسنْ استخدامه ...
أخذَ الخاتَمَ مِنها ووضعهُ في بُنصرِ كَفهِ الأيمن , وماكادَ يفتحُ فَمَهُ ليشكُرَ العجوزَ حَتى اختفَتْ العجوزُ مِنْ أمامهِ كأنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَبل ..!!!
صاح بأعلى صوتهِ : شُكرأً لَكٍ .. أعدكِ أن استخدمَهُ في الخير .. شُكراً لَكِ ..
جَمَعَ الطعامَ وحَمَلَ الشرابَ وانطلقَ يَرفُلُ في ثيابهِ الفَخمةِ مُسرِعاً إلى مَنزِلَهِ ..
دَخلَ بيتهُ مسروراً عَلى غَيرِ العادةِ ووضعَ الطعامَ والشرابَ ونادى زوجَتَهُ وأولادَهُ فتجاهلوهُ ولمْ يُجبهُ أحدٌ كالعادَةِ ..
تَبسَمَ عندما خَطرَتْ على ذِهنِهِ فِكرَة أنْ يَطلُبَ مِن الماردِ إحضارَهم أمامه ..
مَسَحَ الخاتمَ مَرَةً ومَرَةً ومَرة , وظَلَ يَمسَحُ الخاتَمَ , ولَكِنْ حَتى المارِدَ تجاهلهُ ولَمْ يُجبهُ ..!!!