** خُفا حنين
هاهما - ومن البداية - علقتهما على مدخل الموضوع ليخُرُجَ بِهما كُلُ مَن يَظنُ أنهُ سيجدُ في هذا الموضوع انتقاصاً للدينِ وأهلهِ المخلصين الصادقين , فكُلُ مافي الأمرِ أنها كلماتٍ لتنبيه فئةٍ من الناسِ نفخرُ بها كثيراً ونعتزُ بوجودها بيننا , ونُجِزِمُ بأنهم الأفضلَ والأكمل , مِنْ فَئةٍ مُندَسَةٍ بينها اتخذت مَظهرَ التدينِ وسيلةً تتقربُ بها لشهواتها وتُحققُ بها مأربَ خسيسة وضيعة ساقطةٍ كهم ..
بين يدي الموضوع :
لاأعلمُ من أين جاءت تسمية ( مطوع ) ومالأصلُ اللغوي لها فهو إما مِطْواعٌ من شدة الطاعةِ أومُطَّوِّعٌ من التطوعِ .., ففي الأولى لابُدَ أن يلحقَ بها مايوضحها , كأن نقول مِطْواعٌ لأوامرِ الله , وفي الثانية لايصحُ أن نُطلِقَ على الطائعِ لله متطوعاً ..!!! فأرجو ممن لديه علمٌ بذلك من أهل الاختصاص في اللغة أن لايبخلَ عليَّ بتوضيح أصل هذه اللفظة ( مطوع ) ..
الموضوع :
لاأملك دليلاً إن قلتُ أن هناك فترةً تاريخيةً قد بَدأ يُستخَدَمُ فيها شخصٌ له مكانةٌ دينية عند العامةٍ لتمريرِ قراراتٍ سياسيةٍ وإلباسها لباساً شرعياً مقبولاً لتقبلَ بها العامة ولاتُعَرَضِهُا ..
ومن أجلِ ذلك بدأت القوى السياسية برسمِ مكانةٍ كبيرةٍ لنموذجٍ مُعينٍ من الناس والترويجِ لهُ وإصباغِ صبغةٍ من القُدسية والفخامةِ عليه عند العامةِ ليُحَقِقَ لها أهدافها المنشودة ..
ولاأعلمُ هل الفترة الأموية هي التي مثلت هذه البداية أم لا ؟ ولكني مُتيقنٌ من هذا الاستخدام ومن هذا التبجيل لأننا رأيناها كثيراً في تاريخنا الإسلامي ...
وإلا فإن أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضوان الله عليهم أجمعين - كانوا من أكثر أهلِ الأرض ِتديناً وتُقى والتزاماً بشرعِ الله سبحانه وتعالى, ولم يُبالِغُ الناسُ - حينها - في تبجيلهم وتقديسهم ( ليسَ سبباً أن المجتمع كلها حينها كان مُجتمعاً مُتشابهاً في الـتُقى والالتزام ومن أجل ذلك لم يكن الناس يجدون غرابةً في وضع شخصٍ الديني وفي الفرقِ بينه وبين غيره .., فمن قال بذلك فقد ظلمَ أعلاماً عمالقةً كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين ..)
على العموم هذا ليس مبحثنا البتة ..
ونعودُ للقولِ أن هناك مواصفاتٍ خاصةٍ للشخصِ لُيطِلَقَ عَليهِ الناسُ ( مطوعاً ) كاللحيةِ الطويلةِ والثوبِ القصيرِ والغُترَةُ من غيرِ عقالٍ وإن صاحبها مسواكٌ ومصحفٌ صغيرٌ في الجيبِ فذلك أتم وأكمل , وإن توفرتْ معها بعضُ المصطلحات بلهجةٍ فصيحةٍ لاتخلو من غُنَةٍ ظاهرةٍ وتَكَلُفٍ أوضح ..فذلك ( مطوعٌ ) نموذجي ..!!!
لن نُناقشَ خطأ الناسِ في ذلك , ومدى الضرر المُترَتبِ على ذلك , فلقد أصبحَ هذا المظهر هو كل مايحتاجُ إليه بعض الأفاكين والنصابين ومحترفي اللعب في بطولات الشيطان ليحتلوا مكانةً كبيرةً عند الناس , بل وقد يأتمنهم الناس على أموالهم وأعراضهم , والأخطر من ذلك أن يأتمنهم الناس على دينهم فيأخذوا منهم الفُتيا , في الوقتِ الذي يُهمَلُ فيه أهل التقوى الحقيقية وأهل الالتزام الصادق وذلك لأنهم لم يلتزموا بذلك المظهر الشكلي الخارجي ..
وحوّلَ الناسُ هذا المظهرُ إلى شيء يُشبِهُ ثوبَ الشُهرَةِ المنهي عنه في الشرعِ , فبعضُ من يلتزمونَ بهِ إنما يلتزمون بهِ ليعلنوا للناس أنهم أهل دينٍ والتزامٍ ..
صحيحٌ أن إطلاقُ اللحيةِ وتقصيرِ الثوبِ من عيون السنةِ النبوية المُطهَرَة, ولكن كُلَ عاقلٍ مُنصفٍ لبيبٍ يعلم أني لم أتحدث عن ذلك وإنما أردتُ مظهراً خاصاً في وضعٍ خاصٍ فحسب ..
*
*
هذه المُتَلازمة الخطرة بين المظهر وتقدير العامة للمظهر أفرزت لنا - وبحقٍ -قانون ( مطوع لاتكلمني ) ..!!!
فبات الكثيرُ ممن فاتهم أن طاعتهم إنما هي لله وليست للناس وأن الله لاينظرِ إلى الصورِ والأشكالِ إنما ينظرُ إلى القلوب ِ , وفاتهم - وتلك ثالثة الأثافي - أنك عندما تُقرِرُ أن تلتزمَ بمظهرٍ خاصٍ جداً في ديننا الإسلامي - كالثوبِ القصيرِ واللحية - فأنتَ بذلك قد قبلتَ أن تحملَ أمانة ومسؤولية هذا المظهر وتبعاته ..
فالناس عندما تُشاهِدُ شخصاً عادياً يُدَخِنُ لن تتوقفَ عنده كما ستتوقفُ عند شخصٍ له هذا المظهر الخاص ( المطوع ) , وقس على ذلك ( يُغازِلُ ) أو يسرقُ أو يرتشي أو يشرب الخمر أويكذب .., فأخطاء صاحب هذا المظهر مُضخَمَةٌ مُعَظَمَةٌ مُستصعَبَةٌ ليس عند أعداء الدينِ والمتلمسين لانتقاصه والباحثين عن عيوبِ أهله , بل حتى عند أهل الدينِ أنفسهم ..!!
باتَ الكثيرُ من أصحابِ هذا المظهرِ يُمارسون هذا القانون ( مطوع لاتكلمني ) على حياتهم الخاصة والعامة , فيجوز لنفسه أن يقتِحمَ حياةَ الناس وخصوصياتهم بحجةِ أنه مخولٌ - لمظهرهِ - بأن يُنكِرَ مُنكراً ويَنهى عن معصيةٍ , حتى ولو كان المنكر ليسَ مُنكراً إلا في علمه الناقص والمعصية ليست معصية إلا بتقديره الجاهل ..!!!
ناهيك عن تهاونِ البعضِ منهم حتى في شريعة الله وفي أداء الفرائضِ , وكأنه يحوم - بدون علمٍ منه - حول أفكار أصحابِ الحلول والاتحاد !!!
وبعضهم هو في الأساسِ مُفتَقِرٌ للأدب والأخلاق والسلوكيات الصحيحة في التعامل مع الناس ومع ماحوله , وبسبب مظهره ينسبُ الناسُ سلوكه المشين وتصرفاته الحمقاء للدينِ نفسه ..!!!
( بعضهم باتت هذه الأخلاق والرذائلِ هي طريقتهم في الدعوة إلى الله وفي الوعظ !!!! )
ويتجاوزُ الأمور ليبدأ كثيرٌ من الناسِ في التعاملِ بهذا القانون بطريقةٍ مُفجَعَةٍ مُرعَبةٍ , مكنت الكثير من أدعياء التدين ( والطواعة ) والمشيخة يجدون ألف مُحامي ومحامي لهم على كُل كارثةٍمُشينةٍ يرتكبونها ..!!!
فما أن يظهرَ مشهدٌ لـ ( مطوعٍ ) ما أو تسجيلٍ يُدينهُ بعملٍ لاأخلاقي , حتى يهبُ البعضُ بالدفاعِ عنهم ونفي ذلك نفياً قاطعاً وإتهام جهاتٍ علمانية وليبرالية بتركيب هذه المشاهد وبـ ( فبركةِ ) هذه المقاطع للإيقاع بالـ ( مطوع ) الذي لايأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه ..!!!
حتى أن بعضهم يُسمي السرقة الأدبية الواضحة كعينِ الشمس ومنطلقاً من قانون ( مطوع لاتكلمني ) اقتباساً ..!!!!
كل هذه الحماقة تجعلُ الذئبَ يشعرُ بالطمأنينة عند افتراسه لفريسته القادمة , فهو يعلمُ أن قانونَ ( مطوع لاتكلمني ) سيحميه ..!!!
ووالله الذي لاإله إلا هو لئن لم يتنبه الناسُ لهذا القانون ويتوقفون عن التعامل بهِ فأنهم سيتسببون بكوارثَ عظيمةٍ ستحلُ بهذا الدينِ العظيمِ وأهله ليس أكثرها أن تجدَ الكثير من الشباب من الجنسين يهاجمون الدين ويخرجون عن حظيرته لأنهم وقعوا فرائس لبعض الذئاب المُلتحية بثيابٍ قصرة ..!!!
أُكَرِرُ أُكَرِرُ أُكَرِرُأنا لاأُهاجِمَ أهل الدينِ أو من اختار أن يلتزمَ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم العظيمة في لحيته وثوبه , فهذا أمرٌ حَسنٌ ورائعٌ .., ولكني أتحدثُ عن فئةٍ مُعَينةٍ وعن ممن يُصِرُ أن يحولَ الإنسانَ إلى ذئبٍ بتصرفاته الحمقاء الرعناء ...
أحمد النجار