الحمد لله رب العالمين الذي خلق فسوى وقدر فهدى والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أعلى ربُّه قدره ورفع بين العالمين ذكره وأثنى على أخلاقه فقال ( وإنك لعلى خلق عظيم ) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه وترسّم خطاه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا
أمــــا بعـــد :


ثمار الخلق الحسن في الآخرة فهي كثيرة منها :


1) أنه سبب في دخول الجنة - لا حرمنا الله منها - فقد سئل النبي عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال : ( تقوى الله وحسن الخلق ) .
2) أن سبب في حب النبي والقرب منه قال عليه الصلاة والسلام : (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلس يوم القيامة أحاسنكم خلقا )
3) حسن الخلق أثقل ما يُوضع في الميزان قال : ( ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق )
4) أن حسن الخلق علامة كمال الإيمان قال : ( أكمل المؤمنين إيمانا أحاسنهم أخلاقا ) . رواه الترمذي .
5) كذلك فصاحب الخلق الحسن قد يلحق غيره من أصحاب الصيام والقيام في الدرجة يوم القيامة كما قال : ( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم )



وسائل عملية لتحسين الأخلاق :


بعدما تقدم نذكر بعض الوسائل العملية في تحسين الأخلاق ونعني بها الأمور التي إن فعلها الإنسان تحسنت أخلاقه ، فمن كانت هذه الصفات فيه فليحمد الله وليحافظ عليها ، ومن كان يفتقد شيئا منها فليحاول شيئا فشيئا كما مرّ بك, أن الصفات الحميدة يمكن اكتسابها بالممارسة التعوّد ، ولا شك أن هذا الأمر ليس بالأمر السهل بل لا بد فيه من المجاهدة كما قال ابن القيم رحمه الله :
إن أصعب ما على الطبيعة الإنسانية تغيير الأخلاق التي طُبعت النفوس عليها .. ثم قال رحمه الله : فإذا جاء سلطان تلك الأخلاق وبرز كسر جيوش الرياضة وشتتها ، واستولى على مملكة الطبع . ويعني بقوله ( سلطان الأخلاق ) الدين والإسلام حيث قال في موضع آخر : وأما صحة الإسلام فهو جماع ذلك والمصحح لكل خلق حسن ، فإنه بحسب قوة إيمانه وتصديقه بالجزاء وحسن موعود الله وثوابه يسهل عليه تحمل ذلك ، ويلذ له الاتصاف به .



وبعد ذلك أذكر ما يحضرني من الوسائل التي أحسب أنها مهمة في الترقي في سلم الأخلاق الفاضلة فمن ذلك :


1) ضبط اللسان فيبتعد المسلم عن السب والشتائم والسخرية واللمز بالناس .
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلُّـك عورات وللناس ألسن .
ولو حصل من الناس سب لك وأذيّة فاعتبر هذا امتحان لك لاختبار صبرك وتحملك ، فكن من الصابرين الذين أثنى الله عليهم بقوله جل ذكره (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظٍ عظيم ) سورة فصلت . مع أنه لا تثريب عليك أن ترد بقدر ما اعتدي عليك به لكن العفو والصبر هو أكمل وأجر فاعله على الله ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) وقال سبحانه ( ولَمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور ). سورة الشورى .
2) عند الغضب ، وهي أشد ما يقع فيه الناس ، فحالة الغضب حالة هيجان فيحاول أن يُسكّن نفسه ، فمن ذلك :
أن يذكر الله ويستعيذ به من الشيطان الرجيم فقد جاء في الصحيحين أن رسول الله رأى رجلين يستبان فأحدهما احمرّ وجهه وانتفخت أوداجه فقال : ( إني لأعلم كلمة لو قالها لأذهب الله عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان )أن يغير الحالة التي هو عليها وقت الغضب فإن كان قائما جلس وإن كان جالسا اضطجع كما جاء التوجيه من النبي في ذلك ، أو يغير المكان الذي فيه وقت الغضب.

أن يتذكر ما يؤول إليه الغضب من الندم والخسارة والهم والغم، فكم من بيوت هُدمت ، وأُسر شتِّـت وعلاقات قُـطِّـعت كل ذلك بسبب لحظة غضب !!
أن يتذكر الغاضب قُبح صورته حال الغضب من انتفاخ الأوداج وبحلقة العينين واحمرار الوجه .
أن يتذكر ثواب العفو والصفح فمن ذلك قول النبي : ( من كظم غيظا وهو قادر على أن يُنفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور ما شاء )
3) ومن الوسائل العملية في تحسين الأخلاق محبة الخير للناس ، ومعاملتهم كما تحب أن يعاملوك ؛ قال : ( من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ألذي يحب أن يؤتى إليه )

4) طلاقة الوجه مع الناس فيقابلهم بوجه مبتسم غير عبوس ، فإن هذا من المعروف قال ( لا تحقرنَّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ) رواه مسلم . كما أن هذه الابتسامة من الصدقة قال ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة )


وبعد فهذا ما تيسر جمعه حول موضوع الأخلاق وقد عرفت أنه ضرورة شرعية اجتماعية ؛ لكن يبقى كلمات عابرة وحبر على ورق ما لم يصادف همة العظماء ليستفاد منه في الواقع أسأل الله تعالى أن يُحسّن أخلاقنا كما حسّن خُلقنا وأن يعيينا على أنفسنا، وأن يتولانا برحمته وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعي