قلب يُناجي !

(1)
إلهي !
يومًا ما ..
لم أكن أعرفُك ..
كم دلُّوني عليك !
ولكن الشيطان كان يسدُّ أذنيَّ ..
وكم حدَّثوني عنك !
عن رحمتك .. وإنعامك .. وحلمك ..
فكنتُ أهزُّ رأسي ..
وكان قلبي .. يحترق ..
نيرانه .. لطالما آلمتني ..
ووقفت حيالها حائرًا ..
كلما خطوتُ رأيت الأرض تتدنس بخطوي ..
وكلما لمست شيئًا رأيته ذبوله أمامي ..
كنت أسمع صراخ الكون في وجهي ..
يبغضُني ..
يشكوني ..
يلعنُني ..
لا أجدُ مَن يتبسَّم في وجهي سوى رفقاء الشر ..
وإن كنت أسمع لعنات قلوبهم تنهال على رأسي ..
..
إلهي ..
لكم هو مؤلمٌ البُعْد عنك !

(2)
رغم إعراضي .. هديتَني ..
ورغم معصيتي .. أنرتَ لي الطريق ..
فأنت الكريم الهادي ..
عندئذٍ .. انطفأ لهيب قلبي المتأجج ..
عندئذٍ ..
رأيت الكون يتبسَّم في وجهي ..
ويبارك خطوي .. سعيدًا ..
عندئذٍ .. وعندئذٍ فقط ..
عرفتُ معنى طمأنينة القلب بذكرك ..
لذة القرب في سجدة ..
طعم المناجاة في صلاة ..
حلاوة الشوق في دعاء ..
ولذة الشكر ..
على هدايةٍ أنعمتَ بها عليَّ ..
عشتُ نعيمها في الدنيا ..
وأرجو أن يَتمَّ عليَّ في الآخرة ..

(3)
إلهي ..
لا أحسب أن عبدًا يذوق القُربَ منك ..
ثم لا يجد في قلبه دافعًا لدلالة الناس على ما ذاق ..
فيقف بين خلقِكَ دالاً عليك ..
يدلُّهم .. وهو يدركُ حالهم ..
فقد ذاقه .. ولكنك أنقذته برحمتك ..
فلك الحمدُ ..
يسمع الكونُ همساته :
هذا إلهي وإلهكم ..
خلقكم ورحمكم وأنعم عليكم ..
فلماذا تُعرضون عنه ؟
وبينما هو على تلك الحال ..
يستشعر مزيدَ الفضل الذي أنعمتَ به عليه ..
فقد استعملته إلهي في دلالة الخلق عليه ..
يذوبُ قلبه ..
ينحدرُ دمعه ..
شكرًا وحياءً ..
شكرًا على ما تفضلَّت به وتكرمتَ ..
وحياءً .. فهذا القلب الذي التفتَ إلى غيرك يومًا ما ..
وهذه الجوارح التي لم تراعِ حرماتك يومًا ما ..
كان هذا حالها ..
فلما أقبلت عليكَ عفوت عنها ..
وفرحتَ بها ..
ثم أتممت عليها النعمة بأن جعلتَها دالة عليك ..
فلك الحمد .. إلهي !

(4)
وبعد أن هديتَني الطريق ..
وبعد أن ميزتُ بين الحق والباطل ..
وبعد أن استعملتني لدينك ..
ما زال الشيطان يستزلُّني ..
فأزلُّ ..
ويحترق قلبي ..
أزلُّ ..
وتنكسر نفسي ..
أزلُّ ..
ولا أستطيع أن أرفع بصري ..
أزلُّ ..
فأتألَّم .. أتوجَّع .. أصرخُ ..
فالناس يظنون بي الخير ..
ولا يدرون أني قد أقع فيما أنهاهم عنه ..
أزلُّ .. وأعلم أنك قدير ..
وأعلم أنك قادر على أن تفضحني أمامهم ..
ولكنك تسترُني ..
ولَكَم سترتني وسترتني !
ثم أعود إليك ..
فقيرًا ..
مسكينًا ..
أرفع يديَّ ..
فتقبلُني .. وتعفو عني ..
فما أحلمَك وأجملَك إلهي ..
..
لك الحمد !

(5)
إلهي ..
أحبك .. وأدعوك ..
وتعلم شوقي إليك ..
وتعلمُ ..
أنني مذنبٌ مقصِّرٌ ..
وأن غيري قد سبقني وأحسن ..
ولكنني أرجوك ..
وسأظل أرجوك ..
فمن لا يرجو الكريم ؟!
وظني فيك إلهي ألا تعذِّب هذا العبد ..
ذاك الذي أنقذتَه في الدنيا مِن وحل معصيتك ..
وأنعمتَ عليه بدلالة الخلق عليك ..
ثم لما وقع في ذنب سترتَه وأمهلتَه حتى يعود إليك تائبًا ..
..
ظني فيك إلهي ألا تعذب مَن يحبك ويرجوك ..
من يتقلَّب في هذه الدنيا شوقًا للقائك ..
..
فاللهم ارض عني وارحمني واعف عني ..
وتوفني على طاعتك ..
وأدم عليَّ سترك ..
وارزقني لذة النظر إلى وجهك ..