المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة صابر
يا رياح الشوق
يا رياح الشوق روحي للحبيب
خبريه عن هواي عن شجوني
خبريه عن عذابي عن نحيبي
فانا من بعده ما عدت احيا
كيف احيا بين نار ولهيب
*******
يا رياح الشوق روحي لحبيب قد هجرْ
اساليه عن هوانا لم ولى واندثرْ؟؟
واماس كنتُ فيه نغمةً كان الوترْ
ونجوم نثرت في دربنا اكاليل زهرْ
وليالينا الطوال كم حلا فيها السهرْْ
روحين كنا نتهادى بين افنان الشجرْ
ننشد الاحلام شعرا ونغني للقمرْ
*******
يا رياح الشوق عودي اخبريني
عن عيون خلتها يوما عيوني
كم حكت لي من حكايا ومحت كل ظنوني
نظرة منها سبتني ايقظت مني شجوني
بسهام قد رمتني في متاهات الجنون
وذوى القلب صريعا يتلظى من فتون
ليت شعري كيف تبدو اليوم هيا خبريني
*******
يا رياح الشوق روحي ذكريه
كبف كان القلب يهفو للتلاقي
كيف كان الطرف يرنو في اشتياق
لرياض الحب كنا دوما في استباق
بين طير يتغنى ومياه في السواقي
ذكريه ان نسى عهدي فاني
على عهد الهوى مازلت باق
فاطمة صابر
ام عبير
قرءاة في " يا رياح الشوق "
لدي تساؤلات طرحتْ علي نفسها مباشرة بعد قراءة و إعادة قراءة هذا النص ، فيا ترى ما الذي يجعل إبداعا أبلغ من غيره و أقدر على تبوء قمة التأثير الجمالي في نفس الملتقي ؟؟؟؟؟
ـ هل جمالية اللغة المستعملة و أسرارها الخفية ؟؟؟
ـ هل دور المبدع وكيانه النفسي في اجتلاب المعاني ؟؟؟
ـ هل الصورة الشعرية المتجلية في لغة المبدع و التي تلخص معاناته ومكابداته و تأملاته ؟؟؟
وأخيرا ما السر في اختلاف النصوص الابداعية على الرغم من استعمالها نفس الالفاظ و نفس اللغة ؟؟؟؟
أطرح هذه الاسئلة على الرغم من أن هناك عشرات الأسئلة التي تطرح نفسها لتفسير الظاهرة الأدبية ، نعم أطرح هذه الاسئلة و بين يدي الآن قصيدة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لوحة فنية أخذت لبي و أثارت دهشتي ، لوحة اختارت لها الشاعرة الأصباغ الملائمة ومقاديرها الكافية فوزعتها بالتساوي على فقرات أربع وعلى سطور عددتها في ستة و عشرين سطرا .
وقبل أن أتناول النص ، تأملته بعد قراءة استكشافية معتمدا العقل قبل كل شيء حتى لا أكون قارئا عاديا يتعامل مع النص بأحكام انطباعية ..هذا العقل الذي أحالني قبل كل شيء على التشكيلات البلاغية وأتاح لي التأمل حتى لا أقف عاجزا عن اختراق جسد النص ومن ثم خيبة أفق الانتظار منه .. فالقراءة بهذا المستوى تحتاج الى تعليل كل حكم والتعليل بطبيعة الحال يحتاج الى دقة النظر و إعمال العقل و يؤدي هذا التعليل الى الإشارة الى العبارات على النحو الذي اتت عليه لتفسير التأثير فينا فنيا كقراء بعد تأمل كل المعاني الخفية التي لا يدركها القارئ العادي ..ولا شك ان هذا التأمل هو الذي يؤدي بنا في النهاية إلى الموازنة بين الكلام وأنواعه والموازنة تحتاج بطبيعة الحال الى الدقة في استخلاص الخصائص الجمالية المتضمنة للنص أو انعدامها فيه .
يتضح من خلال هذه المقدمة الطويلة أن لذة النص ومتعته التي يكتسبهما القارئ لا تتحققان بسهولة بل تحتاجان إلى بذل الجهد وتجشم العناء ، وهكذا فكل نص لا يستدعي التفكير بل يستغني على التأمل يعتبر فاقدا للجمالية بل خارجا عن إطار ما يسمى بالنص الادبي ..فللتفكير في النص قيمة جمالية له ، وهذا التفكير هو الذي أحالني على قراءة مستعرضة للنص من خلال شقين ، فقد رأيت أن هناك :
1ــ استعمال خاص لمعجم يكاد يكون خاصا بالنفس نحو: ( الشوق – الهوى – الشجن – العذاب النحيب – الحياة – الهجر – النغمة – النشيد – الاحلام – الغناء – الحكي –السبي – الايقاظ - الجنون المتاهات – اللظى – التذكر – الاشتياق – الاستباق – التغني ...) هذا المعجم يمكن تصنيفه ضمن معجم الانفعالات النفسية التي تأتي من خلال 
اللذة – البهجة – الاريحية – الارتياح – الثقة – العجب و التعجب – الرضى – السحر – الشغف – الايناس و الأنس – الفتنة - امتلاء الصدر - التفاؤل )
2 ــ في مقابل هذا المعجم هناك معجم جمالية النص التي أتت عن طريق : ( السلاسة - الجزالة الحلاوة – الطراوة – الاناقة – الحسن و الجمال و و و و و ) وغيرها من العبارات المعجمية المندسة في أسطر القصيدة و ألفاظها .
"يا رياح الشوق " قصيدة تمكنت فيها الشاعرة من أن تقدم لنا طبقا شهيا وحدثا شجيا له بُعد وقضية أهمست لنا به دون أن تكلف نفسها مشقة البوح بالمشتاق إليه ، الذي جاء نكرة مقصودة في النص رغم أن العنوان " اللافتة " يبدأ بنداء للقريب ،المنادى فيه منصوب لأنه معرف بالإضافة " رياح الشوق " علما أن الهمس الخفي و الإيحاء المستعملان عادة ما يميزان الكتابات الأدبية الجيدة .
منذ البداية غرست الشاعرة في حلقنا شوكة كبيرة نستشعر معها معاناة إنسان متشوق تسيطر عليه أقبية البعاد و العذاب ..هذه الشوكة إذن هي : العنوان. هي " يا رياح اشوق " ثم تمضي في الزج بنا في آتون الأشواق القادمة تباعا ..بعضها نتخيله وبعضها نخال أن الشاعرة تعيشها في الواقع . وبذلك فلا تستطيع وأنت أمام القصيدة أن تشيح بوجهك عنها بعد اصطياد - إن صح التعبير - بعنوان قاسٍ يربطك منذ البداية بالهم و الشوق القادمين عبر أسطر القصيدة .
وسنرى أن الشاعرة لم تفتعل العنوان و لم تختره اعتباطا فالأحداث و الوقائع : صغيرها و كبيرها نستشعرها مرتبطة به ارتباطا عضويا ووثيقا فيما يبدو أنه جزء من النص ومن فكرته الأساسية.
وقد راقني و أعجبني كيف أن الشاعرة قامت بتسجيل مزدوج للمعاناة :
فهي تقول : خبريه عن هواي عن شجوني
ثم تنقلنا إلى : أماسٍ كنتُ فيها نغمة وكان الوتر
نجوم نثرت في دربنا أكاليل الزهر
ليالينا الطوال كم حلا فيها السهر
الى غير ذلك من النماذج المزدوجة للمعاناة ، فالأحداث التي أطرت النص قدمتها لنا الشاعرة في لوحات غارقة في الشوق والحزن أحيانا وأحايين أخرى غاية في الفرحة والطمأنينة حد السعادة القصوى حين تقول : روحين كنا نتهادي بين أفنان الشـجـر
ننشد الاحلام شعرا و نغني للقمــر .
الدقة في معالجة الموضوع و" التكتيك الفني " للقصيدة مكنا الشاعرة من أن تربط بينهما بطريقة تتجانس و الاطار العام للنص ويبرز ذلك في اسقاطات بارعة تناولتها كالتالي : ( نظرة سبت / سهام رمت متاهات الجنون / دوي القلب / الطرف يرنو في اشتياق .............)
كما انها استطاعت ان تصور واقعا مأمولا من آخر متخيل جميل مستغلة المراهنة على الزمن الماضي و الحاضر دون التطرق للمستقبل .
فإذا كان الليل موغلا بالسواد فإن ليل الشاعرة مهما كان طويلا يقصر بالسهر جنب الحبيب من خلال تضييق دائرة الضياع و البعاد و القلق و الوحشة .
ويمكن لنا أن نجزم أن الأفكار كعمل فني قد صارت أمامنا الآن لوحة متكاملة وبالألوان الطبيعية التي لم تتدخل فيها يد البشر ..فنحن نعرف أن الشاعرة تحركت على ساحة كبيرة و شاسعة من الزمان
و على مكان واسع قد يبدو انه يبدأ جزئية صغيرة : ( بين النار و اللهب / بين أفنان الشجر ) لينمو فيصير رياض الحب الواسع حيث تتغنى الطيور على جنبات سواقيه .
نعرج على الأسئلة التي أدرجتها الشاعرة في النص :
كيف أحيا بين نار و لهيب ؟
اسأليه عن هوانا لم ولى و اندثر؟
ويبدو من خلالها أن الشاعرة لن يهدأ لها بال و في نفسها طفق يعبر الجسر إلى الضفة الأخرى حيث يوجد الحبيب... وإن تتبعنا كل همسة من همسات هذين السؤالين سندرك انهما يشيران الى رمزية كبيرة و شفافة ( خاصة السؤال الاول ) فرياح الشوق كانت تهب من كل الجهات على الشاعرة تماما كالحب الذي يمكن ان يهب علينا في اي لحظة وحين من كل الجهات ..فهو شيء يتوهج في الصدر. وكما قالت نفس الشاعرة في معرض آخر لها بعنوان : ( شيء ما بداخلي ) . هو مثل حبات بلور تحت الاضواء الكاشفة رافضة و في نفس الوقت ان تهزمها الرياح القوية العاتية مهما هبت عليها في شتاء بغيض مولولة راغبة في تدمير الروح المتثاقلة لخطى الشاعرة الثابتة .
و إجمالا ، استطاعت الشاعرة ان تضعنا داخل الحدث عبر فكرة النص الأساسية لنعيش الحياة و نمارسها حتى نقترب من الناس و الاشياء و الواقع ، مستعملة في ذلك الحوار الذاتي الطافح بالخيال الشعري الداهم للمستحيل ..فبوسعنا من خلال الشاعرة أن نحس بنبض الآخر ونعرف الأشياء المضيئة و المظلمة في حياته .
الارتواء و الخبز نبحث عنهما لتستمر الحياة لكن ليسا كافيين لتجديد طقوس الحياة فالحاجة للآخر و الألفة حال من أحوال البشر ..فالحياة دون المشاعر التي نتقاسمها مع الآخر موبوءة ..مريضة.. مفلسة ..قابلة للانهيار في أي لحظة.. لذلك فالصحراء مجرد جحيم على مدار الزمن دون الرفيق ودون البشر .
الشاعرة فاطمة صابر " ام عبير " معروفة بلغتها الرصينة التي لا يكتنفها الالتباس و لا الغرابة و لا اللحن ، ذلك الالتباس الذي يضطر معه القارئ الى البحث عن الخيوط المنفصلة لربط بعضها ببعض .
فما يميز الشاعرة فاطمة صابر انها تكتب بلغة حية متوهجة تنبعث منها رائحة مشوقة فتشد القارئ حيث يلتصق بالكلمات و الجمل و الافكار المقنعة وهي بذلك تسمو عن الاسفاف و الانشاء في قصائدها
فلها مني كل التقدير و كل الاحترام
رد مع اقتباس
