قيل له قم : فقام ثلاثة وعشرين عاما

نعم أيها الحبيب قيل له (قم ) فقام، وظل قائماً أكثر من عشرون عاما، بمجرد ما جاءه الأمر بالقيام (قم ) قام لا يكل ولا يمل..

قام يكافح ويصبر، يداوم ولا يفتر، كافح في كل ميادين الكفاح، حمل هموم غيره، ضحى بنفسه وبماله، سهر عندما نام الناس، بكى عندما ضحك الناس، تأمل وتذكر وذكر عندما غفل الناس..

أتعلم أيها المبارك من هذا ؟



إنه (محمد صلى الله عليه وسلم) ما إن جاءه الأمر من الله الكبير المتعال بالقيام (قم الليل ) قام الحبيب حتى تفطرت قدماه، ولم يقف عند هذا فحسب يتعبد بينه وبين ربه ولا ينفع غيره لا بل إن المصطفى عاش لغير فجاءه أمر ربانيٌ آخر (قم فأنذر ) ينذر من ؟ ينذر البشرية أجمع..
فقام صلى الله عليه وسلم ولم يسترح ولم يسكن، جاءه الأمر (قم ) فقام يحمل على عاتقه العبء الثقيل، يحمل الأمانة الكبرى، عبء الجهاد والكفاح في ميادين شتى..
إنه عبء إخراج البشرية من ظلمات الجاهلية والشرك إلى نور العلم والتوحيد بإذن الله ولم يتخاذل لهجر الهاجرين ولا لاستهزاء المستهزئين ولا لشتم الشاتمين ولا لأذى المؤذين.
جاءه الأمر (قم ) وماذا يا ترى يكون بقيامه إنه الكد والتعب إنه الجهد والنصب إنه العبء الثقيل والسهر الطويل. قام الحبيب تاركاً دفء الفراش وسكون البيت ودفء الأحضان إلى الزعازع للجهاد وللكفاح.
نعم يالها من همه عظيمه (إن الذي يعيش لغيره قد يعيش مستريحاً ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً، لكن الذي يحمل الهم الكبير والعبء العظيم ماله وللنوم، ماله و للراحه، ماله وللفراش الدافئ والعيش الهاديء والمتاع المريح )..
لقد جسد المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه صوراً عظيمة من التضحية صوراً مشرقة من البذل والعطاء (بذل المال، بذل الوقت، بذل الدم، بذل المهج ) في سبيل رضى الكريم الرحمن..
كانت حياته بذل وعطاء: دعوة وجهادا بالسيف والسنان وبالحجة والبيان، ومع كل هذا وذاك لم ينسى حق أهله وأصحابه، حتى الصغار أخذوا نصيبهم منه صلى الله عليه وسلم فأعطى كل ذي حق حقه..