الاحتفال برأس السنة

كتبه الشيخ / سعيد عبد العظيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فكثرة من المسلمين تحرص على الاحتفال بهذه المناسبة حيث يخرجون إلى المتنزهات والحدائق العامة وشواطئ البحر، وتزدان المحلات بالزينات والأنوار وأشجار عيد الميلاد وتكثر في هذا اليوم حفلات الرقص والغناء، يرتحل لها الناس من هنا وهناك، وتستباح القبلات وتعاطي الخمور في بعض الأوساط لهذه المناسبة، ويتم إلقاء المخلفات والزجاجات من النوافذ عند منتصف الليل، وتكثر هدايا "بابا نويل" و"عمانويل".
كما يتم تبادل التهاني بالعام الجديد، والرجم بالغيب في معرفة أخبار العام الجديد، والتكريس للأشهر الإفرنجية مما يؤدي لمزيد من الجهل بالأشهر العربية وما ارتبط بها من أحكام شرعية، والمسلم في مشاركته لغيره في هذا الاحتفال يخالف ما جاء ما في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فالأعياد من أعظم شعائر الدين، ولا يجوز موافقة المشركين في أعيادهم بحال؛ قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) (الفرقان:72)، قال عمر وغيره: "هي أعياد المشركين"، ولأن السخطة تتنزل عليهم في أعيادهم، قال عمر -رضي الله عنه-: "إياكم ورطانة الأعاجم وأن تدخلوا على المشركين في يوم عيدهم في كنائسهم".
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟) قَالُوا: يَوْمَانِ كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا، مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) (رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عيدًا، وَهذَا عيدُنَا)(متفق عليه)، وقال: (لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً)رواه أحمد، وصححه الألباني.
وأهل الكتاب ودوا لو بذلوا الأموال العظيمة في سبيل مشاركة المسلمين لهم في أعيادهم، ومشابهتهم قد تجر إلى الكفر؛ ففي الحديث: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ؛ فَهُوَ مِنْهُمْ)رواه أبو داود، وقال الألباني: "حسن صحيح"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَلاَ يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلاَّ حُشِرَ مَعَهُمْ)رواه الطبراني في "المعجم الصغير" و"الأوسط،" وقال الألباني: "صحيح لغيره"، ولأن تشابه الظواهر يجر إلى تشابه البواطن وهدم لمفهوم "الولاء والبراء"، كما يترتب على المشابهة مودة ومحبة بين المسلم والكافر، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(المائدة:51)، وقال: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)(هود:113)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِيهِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).
أتحب أعداء الحبيب وتدعي حبًّا له ما ذاك في إمكان
فلا تجاب الدعوة لأعياد الكفار، ولا تقبل الهدية المتعلقة بشعائر دينهم، ولا يبيعهم المسلم ما يستعينون به على عيدهم، ولا يحدث شيئا زائدًا في عيدهم، بل يمرر هذا اليوم كسائر الأيام فمن كانت عادته أكل اللحم والحلوى والبيض في غير ذلك من الأيام أكلها في يوم عيدهم بلا حرج؛ وإلا فمشابهتهم في عيدهم؛ توجب لهم السرور والعزة، وقد حذر إمام المتقين أمته أشد التحذير من أعيادهم، وكان من شروط عمر -رضي الله عنه- ألا يظهر الذميون شعائر دينهم.
والقلوب عادة لا تتسع للبدعة والسنة، فالقلب المشغول بالبدع فارغ من الهدى والسنن، وأنت تجد الناس لما احتفلوا برأس السنة الهجرية وما شابه ذلك؛ قل اهتمامهم وإظهارهم الفرحة والبهجة في عيد الفطر والأضحى؛ بحيث تخلو الشوارع والمتنزهات من السيارات والمارة، فما دخلت بدعة إلا وخرجت في المقابل سنة.
وكون الكثرة أو بعض المنسوبين للعلم يشارك في هذه الأعياد فهذا لا يبررها؛ إذ لا أسوة في الشر، وكل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (الأنعام:116)، وقال -تعالى-: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)(يوسف:103)، وقال: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(يوسف:106)، "فاعرف الحق؛ تعرف أهله، واعرف الباطل؛ تعرف من أتاه، واسلك طريق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين".
وليست المشاركة في أعياد المشركين من سماحة الإسلام في شيء، بل هي إظهار لشعائر المشركين ودينهم، كما لا يجوز التكريس لها بزعم "الوحدة الوطنية"، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عيدًا)يوجب اختصاص كل أمة بعيد، وقوله: (وَهذَا عيدُنَا) يقتضي حصر عيدنا، والرخصة في اللعب معللة بكونه عيدنا.
وتبقى شبهة يرددها الكثيرون، وهي: أن أهل الكتاب يهنئوننا بعيدنا؛ فكيف لا نهنئهم بعيدهم؟!
والإجابة على ذلك أنهم يهنئوننا بحق ونحن لا يجوز لنا أن نهنئهم بباطل، وخذ على سبيل المثال ما يسمى بـ"عيد القيامة المجيد" فهم يعتقدون أن الإله قد مات ثم قام!! تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، فالله حي لا يموت، قيوم لا ينام، فكيف يهنئهم المسلم على مثل هذا المعتقد؟!
بل لو اعتقد المسلم مثل ذلك لكفر، ومن هنا قال العلماء: "إن السخطة تنزل عليهم في أعيادهم"، ولذلك؛ ورد النهي عن مشاركتهم في أعيادهم وإعانتهم عليها، ناهيك عن مظاهر العبث وصور الفجور التي لا تنفك عنها، مما يدعو كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن يقتصر في احتفاله على الأعياد الإسلامية ويتجنب الأعياد البدعية سواء استحدثها المسلمون كـ"المولد النبوي" و"رأس السنة الهجرية" فضلاً عن الأعياد التي استحدثها المشركون كـ"شم النسيم" و"رأس السنة الميلادية". وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.