الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الغرض من الخطبة:
التحذير من انتشار ظاهرة المخدرات بكثرة بعد حالة الضعف الأمني، وضرورة تعاون المجتمع -جماعات وأفرادًا- في مواجهة هذه الظاهرة.
مقدمة:
- المخدرات من أخطر المشاكل: الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه العالم أجمع "800 مليونًا يتعاطون المخدرات".
- أموال مهدرة: 40% من أموال المخدرات كفيلة بمكافحة الجوع في العالم، و60% تقضي على الفقر في 27 دولة هي الأكثر فقرًا بين دول العالم "تقرير عن اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات - تقرير عن الصندوق الوقفي للتنمية الصحية بالكويت".
- انتشار المخدرات في بلادنا بعد الثورة نتيجة تدهور الحالة الأمنية وتعمد إدخال المخدرات إلى بلادنا من بعض الأعداء، وخطر ذلك على المجتمع والأفراد(1).
1- حكم المخدرات والترهيب منها:
- تعريف المخدرات هي: كل مادة طبيعية أو كيماوية إذا استخدمت تؤدي إلى فقدان كلي أو جزئي للإدراك بصفة مؤقتة، على حسب نوع المخدر والكمية المستخدمة.
- المخدرات من الخمر: قال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90).
- كل ما يؤثـِّر على العقل سلبًا -وإن سماه الناس بأسماء ترغيبية- فهو حرام، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ -وَجَيْشَانُ مِنْ الْيَمَنِ- فَسَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنْ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟! قَالَ: (عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ) (رواه مسلم). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ؛ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) (رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني).
- كسبها حرام: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال: (كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).
2- عاقبة المخدرات في الدنيا والآخرة:
- تناول المخدرات من الكبائر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَلَعَنَ شَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
- الجلد والإهانة والبراءة منه عقوبة الدنيا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ)(2) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (رواه مسلم).
- طينة الخبال عقوبة الآخرة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟! قَالَ: (عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ) (رواه مسلم).
3- أضرار المخدرات على الفرد:
- المخدرات محاربة لمقاصد الشريعة "الضروريات: النفس - المال - العقل - العرض - الدين".
- المخدرات قتل للنفس عاجلاً أو آجلاً: "الالتهاب الرئوي - الصرع - الإيدز - الكبد الوبائي... الوفاة بجرعة زائدة"، قال -تعالى-: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء:29)، (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة) (البقرة:195).
- المخدرات إفساد للعقل: "اضطراب خلايا المخ - تغيرات سلوكية وأخلاقية... "، وغير ذلك مما يجرئ على ارتكاب المعاصي، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَلِكًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَذَ رَجُلاً فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْيَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا، أَوْ يَزْنِيَ، أَوْ يَأْكُلَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، أَوْ يَقْتُلُوهُ إِنْ أَبَى، فَاخْتَارَ شُرْبَالْخَمْرِ، وَأَنَّهُ لَمَّا شَرِبَهَا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍأَرَادُوهُ مِنْهُ) (أخرجه الطبراني، وصححه الألباني).
- المخدرات إتلاف للمال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
متناول المخدرات غالبًا لا يعمل.. وعلى ذلك يسعى لجلب المال للتعاطي بأي صورة: سرقة.. تفريط في عرض.
- المخدرات تضييع للأعراض: "لا غيرة ولا رجولة؛ لأنه أسير شهوته"(3).
- المخدرات تضييع للدين: قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، "والعبادة لها روحانية خاصة لا تناسب حالة المدمن المضطربة" قال -تعالى-: (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) (النساء:43).
4- أضرار المخدرات على المجتمع:
- تهدد بانهيار المجتمع "وخصوصًا الشباب": عَنْ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: (لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ) وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ: (نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ) (رواه مسلم).
- إفساد اقتصاد الأمة: الأموال المهدرة على المخدرات تقيم جيشًا على أحدث نظام.
أرباب المخدرات لا ينتجون، بل يزيدون الأعباء الاقتصادية: "سجون - حراسة - شرطة - محاكم - مستشفيات".
- هزيمة عسكرية: "انهزم الصينيون هزيمة نكراء من اليابان؛ لأن الأفيون كان منتشرًا بين صفوف الجيش الصيني".
5- أسباب انتشار المخدرات:
- ضعف الدين، وتضييع معنى المراقبة لله، والجزاء من جنس العمل: قال -سبحانه وتعالى-: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) (الكهف:17)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (احْفَظِ اللَّهَ؛ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ؛ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
- سوء التربية أو فسادها في كثير من البيوت: قال -تعالى-: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا) (الأعراف:58).
- أصحاب السوء: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
- وسائل الإعلام الفاسدة: البطل عندهم إما سارق أو فاسق أو مدخن أو... قال -تعالى-: (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (البقرة:221).
- تعاطي بعض الأدوية بطريق الخطأ أو مظنة الخير: "المنشطات الجنسية - المثبطات الكثيرة ونحوها... ".
- الظروف السياسية بين الدول: مما يجعلها تستهدف خصمها بالإفساد لأفراده.
6- العلاج:
- التوبة والعودة إلى الله، فهي أعظم سبيل للنجاة والعلاج: قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) (الطلاق:2)، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق:3)، (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح:10-12).
- مراقبة الله واستحضار العاقبة في الدنيا والآخرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) (متفق عليه).
- الإقبال على المساجد ومجالس العلم، ومصاحبة الصالحين: قال -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف:28)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)(متفق عليه).
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
(1) ولعل مِن ذلك: السجائر المسرطنة التي وصلت قيمة العبوة إلى ما يقرب من الجنيه.
(2) ومِن ذلك: الإهانة بضربه بالنعل والجريد والأيدي.
(3) يحسن أن يذكر الخطيب بعض القصص التي فيه عبرة مثل: تحدث أحد رجال مكافحة المخدرات عن شاب من هؤلاء الذين أصبحوا أسرى للمخدرات، الذي يسرق أموال أمه وأخته، ثم بدأ يبيع أثاث البيت حتى لم يبق شيء يبيعه.. أتدرون -عياذًا بالله- ماذا فعل؟! أوقع أخته في الإدمان من غير علمها، ثم أخذ يتاجر بعرضها وشرفها من أجل المال الذي يدمن به المخدرات، ولم يقف عن هذا الحد، بل سولت له نفسه، فكرر ذلك بأمه ليزيد من دخله المالي لأجل الإدمان! وإنا لله وإنا إليه راجعون. "قصة مأساة - إبراهيم الدويش".