ليلة النصف من شعبان وما يتعلق بها من بدع وخرافات:
ذهب بعض الناس: إلى تخصيص ليلة النصف من شعبان بصيام وقيام دون غيرها، وهذا لا أصل له،ومن قال بخلاف هذا: فمستنده أحاديث ضعيفة وموضوعة، ومنها حديث:
"يا علي مَن صلَّى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات، إلا قضى الله له كل حاجة".
قال الإمام الشوكاني في كتابه "الفوائد المجموعة":
" هذا حديث موضوع " وكذا أخرجه ابن الجوزي في كتابه "الموضوعات".
وذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه القيم "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" صـ 90، هذا الحديث وفيه: "يا علي مَن صلَّى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة بألف (قل هو الله أحد) قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة ـ وساق خرافات كثيرة ـ، وأعطي سبعين ألف حوراء، لكل حوراء سبعون ألف غلام وسبعون ألف والدن، إلى أن قال: ويشفع والده كل واحد منهما في سبعين ألفاً."
والعجب ممن شم رائحة العلم بالسنن أن يغتر بمثل هذا الهذيان ويصليها. وهذه الصلاة وضعت في الإسلام بعد الأربعمائة، ونشأت من بيت المقدس. فوضع لها عدة أحاديث منها:
"من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة ( قل هو الله أحد ) في مائة ركعة...
ـ الحديث بطوله ـ وفيه:"... بعث الله إليه مائة ملك يبشرونه"
وحديث: "مَن صلَّى ليلة النصف من شعبان اثنتى عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة ثلاثين مرة ( قل هو الله أحد) شُفِّع في عشرة من أهل بيته، قد استوجبوا النار"
وغير ذلك من الأحاديث التي لا يصح فيها شيء". أهـ من كلام ابن القيم ـ رحمه الله ـ.

ـ وكذلك صلاة الست ركعات في ليلة النصف بنيَّة دفع البلاء، وطول العمر، والاستغناء عن الناس، وقـراءة " يس"، والدعاء بين ذلك لا شك أنه حدث في الديـن، ومخـالفة لسنة سيد المرسليـن (عليه الصلاة والسلام)

ـ وكذلك اجتماع بعض الناس بعد صلاة المغرب والعشاء ويقرءون سورة " يس" ثلاث مرات:
وذلك بصوت جماعي ويقول الإمام: " اقرءوا. الدعاء بعد ذلك" وهذا كله باطل لا دليل عليه.
وقال شارح الإحياء: " وهذه الصلاة مشهورة في كتب المتأخرين من السادة الصوفية، ولم أر لها ولا لدعائها مستنداً صحيحاً في السنة، وقد قال أصحابنا: "إنه يكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد وغيرها ". (السنن والمبتدعات صـ 128)
وقال الإمام القتني في "تذكرة الموضوعات":
"ومما أُحدث في ليلة النصف (الصلاة الألفية) مائة ركعة بالإخلاص، عشراً عشراً بالجماعة، واهتموا بها أكثر من الجمع والأعياد، ولم يأت بها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع، ولا يغتر بذكره لها صاحب القوت والإحياء... وغيرهم، ولا بذكر الثعلبي إنها ليلة القدر. أهـ
( السنن والمبتدعات للشقيري صـ 128)
قال ابن رجب في "لطائف المعارف" صـ 191:
"وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام: كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر... وغيرهم يعظمونهم ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، وأنكر ذلك علماء الحجاز، ومنهم عطاء، وابن أبي مُليكة، ومالك.... وغيرهم. وقالوا: ذلك كله بدعة. أهـ.
وحديث: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله تبارك وتعالى ينـزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفرٍ فأغفر له ؟ ألا مسترزقٍ فأرزقه ؟ ألا مبتلى فأعافيه؟ ألا سائل فأعطيه ؟ ألا كذا.ألا كذا ؟ حتى يطلع الفجر". (حديث موضوع أيضاً)
وحديث: " من أحيا الليالي الأربع، وجبت له الجنة: ليلة التروية، وليلة عرفة، وليلة النحر، وليلة الفطر..." والحديث أورده المنذري في الترغيب بلفظ: "الليـالي الخمس"
فذكره وزاد في آخره: " وليلة النصف من شعبان" وأشار المنذري إلى ضعفه أو وضعه.
قال الحافظ العراقي:" حديث: صلاة ليلة النصف (موضوع) على رسول الله rوكذب عليه"
قال الإمام النووى في المجموع ( 3/549):
"الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب: وهي اثنتا عشرة ركعةٍ بين المغرب والعشاء، وليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا يُغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة، فصنف ورقات في استحبابها فإنه غالط في ذلك.أهـ
قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ في "لطائف المعارف":
" ويكره الاجتماع لها في المساجد للصلاة والدعاء، والقصص"
قال الشيخ محمود شلتوت ـ رحمه الله ـ شيخ الأزهر سابقاً:
"اعتقاد العامة وأشباههم أن ليلة النصف من شعبان ليلة ذات مكانة خاصة عند الله، وأن الاجتماع لإحيائها بالذكر والعبادة والدعاء والقرآن مشروع ومطلوب وتبع ذلك أن وضع لهم في إحيائهم نظام خاص يجتمعون في المسجد ويصلون صلاة باسم صلاة النصف من شعبان، ثم يقرءون سورة "يس" ثم يبتهلون بدعاء معروف ( دعاء النصف من شعبان) ([1]) ـ حتى قال: والذي صح عن النبي rإنما هو فضل شهر شعبان كله وفيه الإكثار من الصوم، أما خصوص ليلة النصف والاجتماع لإحيائها وصلاتها ودعائها لم يرد فيها شيء صحيح عن النبي rولم يعرفها أحد من أهل الصدر الأول.
(الفتاوى للشيخ محمود شلتوت دار الشروق صـ 188 طبعة 6/1972م)
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (3/49):
الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها أو تخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أهل العلم وليس له أصل في الشرع المطهر بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ويكفي طالب الحق قول الله U:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ }(المائدة:3)
وقول النبي r:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أهـ.
وخلاصة المسألة:
والذي عليه جمهور العلماء: أن تخصيص ليلة النصف من شعبان بشيء من العبادة سواء الاحتفال بها أو تخصيص يومها بصيام أو ليلها بقيام فكل ذلك من البدع، وكذلك اتخاذ شعبان موسماً تصنع فيه الأطعمة وتظهر فيه الزينة، فهذا مما لا أصل له وهو من المواسم المحدثة المبتدعة"
(اقتضاء الصراط المستقيم صـ 436)
ملاحظة: جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/385):
"لا حرجعلى المسلم في صيام النصف من شعبان إن وافق صيامه الثلاث أيام البيض (الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر) وكذلك الاثنين أو الخميس، أما تخصيص اليوم الموافق لنصف من شعبان بالصوم فمكروه ولا دليل عليه"

[1])) ودعاء النصف من شعبان البدعى الذي يشير إليه الشيخ محمود شتلتوت- رحمه الله-هو: " اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً أو مطروداً أو مُقتَّراً علي في الرزق، فامحُ اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً موفقاً للخيرات فإنك قلت ـ وقولك الحق ـ في كتابك المُنزَّل على لسان نبيك المرسل: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } ( الرعد: 39)، وقد أشار شارح الإحياء وصاحب أسنى المطالب وغيرهما من أهل العلم إلى أن هذا الدعاء لا اصل له ولا مستند"