الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي وقت تشرئب فيه الأعناق إلى مصر، ويتطلع المسلمون في جنبات الأرض إلى ما تؤول إليه ثورة مصر الوليدة، مؤمِّلين أن تتمخض عن عودة مصر إلى وضعيتها التاريخية باعتبارها مركز ثقل للعالم الإسلامي ورائدة له، ومنافحة عن قضاياه - تفرض قضية انتخاب مرشح رئاسي نفسها في هذه الظروف التاريخية، وقد اختلفت الرؤى حول شخصية الرئيس الذي يؤيده الإسلاميون باختلاف معايير التقويم، والزاوية التي يُنظر مِن خلالها.
ومِن ثَمَّ فإن "الدعوة السلفية" تعرض رؤيتها للوضع الحالي:
أولاً: تمت لقاءات عدة مع المرشحين الذين وَصفوا أنفسهم صراحة بأنهم إسلاميون، وتم التحاور معهم حول برامجهم ورؤيتهم. والدعوة تضع حصاد هذه اللقاءات تحت طلب أهل العلم والرأي والمشورة.
ثانيًا: مَن نخاطب؟
نحن نخاطب هنا كل القوى الفاعلة، والكيانات المؤثرة في الساحة الإسلامية من أهل الفقه والعلم والخبرة في شتى المجالات، ممن يجمعهم الولاء التام للمشروع الإسلامي، والحرص على إنجاحه وحمايته من الفشل؛ امتثالاً لقوله -تعالى-: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران:159)، وقوله -عز وجل-: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى:38)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خانه) (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني).
وفي البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما اختار وفدُ هوازن الذين أسلموا أن يَرُدَّ عليهم سبيهم، وطيَّب الحاضرون مِن الصحابة فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ).
وقال أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-: "نعم المؤازرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد".
وقال ابن العربي -رحمه الله-: "الشورى ألفة للجماعة، ومِسبار للعقول، وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم إلا هُدُوا".
ونقترح أن تُشكَّل "هيئة الشورى" مِن كل مَن يَقبل هذه المبادرة، ويلتزم المرشح الرئاسي بقبول مَن ترشحه الهيئات والجماعات الإسلامية، والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في البرلمان المذكورة أسفله بعد تشاورها.
وهذه الهيئات هي:
أ‌- الأزهر الشريف.
ب‌- جماعة الإخوان المسلمين.
ت‌- جماعة أنصار السنة المحمدية.
ث‌- الجماعة الإسلامية.
ج‌- الجمعية الشرعية.
ح‌- جماعة دعوة الحق.
خ‌- الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح.
د‌- مجلس شورى العلماء.
ذ‌- الدعوة السلفية.
والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في البرلمان:
أ‌- حزب الحرية والعدالة.
ب‌- حزب النور.
ت‌- حزب البناء والتنمية.
ث‌- حزب الأصالة.
ثالثًا: الهدف العاجل:
- إجراء حوار جماعي لكل الذين نخاطبهم؛ كي يتعرفوا مباشرة على المرشحين الإسلاميين، ويتواصلوا معهم وجهًا لوجه لا مِن خلال برامج "التوك شو"، ويطلعوا على برامجهم وطرائقهم في معالجة قضايا الأمة الملحة، يعقب ذلك إجراء مناظرات حية -بدون تغطية إعلاميَّة- بين المرشحين أنفسهم؛ ليتم التقويم على يد المؤهَّلين لذلك بصورة حية مباشرة، ثم يتم اختيار واحدٍ منهم فقط بالإجماع؛ وإلا فبالأغلبية، ثم عليهم أن يجتمعوا على دعمه بكل قوة، ويَدْعوا الأمة إلى مساندته.
رابعًا: محاولة مقترحة قابلة للتعديل حول:
معايير انتخاب الرئيس:
المطلوب: اختيار أكفأ المرشحين وأقدرهم على إدارة مرحلة "الرئيس الانتقالي" بأن يحقق ما أمكن مِن المصالح، ويدرأ ما أمكن مِن المفاسد.
أهم المعايير المقترحة "إضافة إلى المعايير الشرعية المعروفة":
(أ‌) أن لا يكون:
- متهورًا، صداميًّا، مندفعًا بطبيعته.
- نرجسيًّا، أو به سمات "جنون العظمة"، وغيرها مِن اضطرابات الشخصية.
- حالمًا متمنيًّا، لا يقف على أرض الواقع.
- مشبوهًا أو متميِّعًا في انتمائه العقدي لأهل السنة والجماعة.
- مستبدًّا، عنيدًا، ديكتاتورًا، قابلاً للفرعنة.
(ب‌) أن يكون:
- عاقلاً، حكيمًا، مستقرًا ومتوازنًا نفسيًّا، واسع الثقافة، ذا خبرة سياسية، وحِنكة إدارية عملية.
- صاحب رؤية ومشروع متكامل لإنقاذ البلاد.
- الانحياز إلى المطالب المشروعة للثورة وإقامة دولة العدل.
- يدير الرئاسة بمؤسسة رئاسية متكاملة تسودها روح الفريق الواحد.
- متمتعًا بقبول شعبي واسع، قادرًا على التحفيز وشحذ الهمم.
- قوي الشخصية، يُحسن تقدير ذاته، قادرًا على تحمل الضغوط، واتخاذ القرارات، وإدارة الأزمات بكفاءة.
- مُستقل الشخصية، غير قابل للخضوع للضغوط، مع مرونة، وبعد نظر واتساع أفق.
- مُعظمًا لمبدأ الشورى، ملتزمًا به واقعيًّا.
- يتعهد بإطلاق حرية الدعوة الإسلامية وحمايتها من خصومها.
- يتبنى خطابًا تصالحيًّا مع الداخل، مُطَمْئِنًا للخارج ما أمكن.
- حَسن العلاقة مع كافة أو أغلب الأطراف ذات التأثير في هذه المرحلة.
- قادرًا على لَمِّ شمل المصريين الوطنيين بكافة أطيافهم حول مشروع إعادة بناء مصر، والتكاتف مِن أجل أن تنهض على قدميها مِن جديد.
خامسًا: اقتراح بأن يلتزم المرشحون بما يلي:
1- نكران الذات وعدم التمحور حولها، وإعلاء "نحن" على حساب "أنا"، ويتفرع عليه:
أ- أن يبادر المرشح بالتنازل لمن يراه أكفأ منه، وإلا: فأن يتنازل المرشحون لمن يَتفق عليه المخاطَبون بهذه الأوراق إذا رأوا -بإجماع أو بأغلبية- أنه الأصلح.
وهذا المطلب هو الضمان الوحيد لخطورة تفتيت الأصوات أو احتمال التلاعب بها، قال الله -تعالى-: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال:46)، وقال الله -عز وجل-: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)(الحشر:14)، فالحيدة عن هذه الخطة ما هي إلا ضعف في العقل وخور في الدين.
ب- أن يتعهد كل مرشح "له برنامج جيد أو خبرة مميزة أو نصائح" بأن يبذل أقصى ما عنده للمرشح المختار، وأن يكون جنديًّا مدعِّمًا له.
2- بعد الاتفاق على مرشَّح واحد:
تعقد جلسة يُتَفق فيها معه على الضمانات التي تؤمِّن مخاوفَ مَن يُخالفه مِن عواقب عيوبه الشخصية -إن وُجدت-.
وبهذا نكون قد اجتهدنا في تطبيق قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّا وَاللَّهِ لا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ) (متفق عليه)، حيث يكون لأهل الشورى المخاطبين هنا دور أساس في أن يقولوا للمرشح المختار بعد دراسة ورويَّة: "هي لكَ، وأنت أهل لها".
وفي نفس الوقت أحسنـَّا توجيه القاعدة الإسلامية الشعبية العريضة بصورة آمنة ومُطَمْئنَة إلى حسن الاختيار، كي يتم حشدهم على التصويت لصالحه، وساعدناهم على التفكير الصحيح، والقرار الصواب الذي به يُرضون ربهم -عز وجل- أمام صناديق الاقتراع، وجنَّبْنا الساحة الإسلامية شرور التشرذم والتفرق، واختلاف الكلمة.
سادسًا: تنبيهات هامة:
1- حسن الظن بالمرشح الإسلامي هو الأصل، فكلهم متفقون على الحرص على تحقيق المشروع الإسلامي في الجملة، وصيانته مِن الإخفاق والفشل.
2- يجب على المرشحين أن يُخاطِبوا أنصارهم بضرورة نبذ أسلوب إقصاء إخوانه المرشحين، و"شيطنة المنافس" ومَن يؤيدونه! وفرز الناس وتصنيفهم حسب الولاء لشخص المرشَّح؛ لأن هذا انحراف منهجي، غاية في الخطورة.
3- ضرورة انخلاع أهل الشورى عن الانتماءات الحزبية، والميول الشخصية، والحزازات النفسية عند بذل النصح للأمة، والانصهار في مفهوم "السفينة الواحدة".
4- يجب أن تتم المفاضلة بين المرشحين بتجرد وإخلاص، ونزاهة وشفافية؛ ابتغاء وجه الله -تعالى-.
5- رفض مبدأ إخضاع "العقول المفكرة" للأمة -مِن أهل العلم بالشرع والخبرة بالواقع- لضغوط البعض أو ابتزازهم أو إرهابهم، فكل مَن يفكر مخلصًا لمصلحة الأمة يجب أن يتمتع بحصانة تُحَرره مِن تأثير الضغوط عند إعمال عقله، وقدح فكره، وشحذ ذهنه، وبذل جهده في النصيحة.
ونذكِّر الجميع بوصية العلامة "طاهر الجزائري" -رحمه الله-، وهو على فراش الموت: "عُدُّوا رجالكم، واغفروا لهم بعض زلاتهم، وعَضوا عليهم بالنواجذ؛ لتستفيد الأمة منهم، ولا تنفروهم لئلا يزهدوا في خدمتكم".
6- يجب نبذ وإدانة أي سلوك يؤدي إلى تحطيم الكيانات والرموز الإسلامية القائمة؛ لأن في هذا خَصمًا مِن رصيد العمل الإسلامي، وشقـًّا لصف الأمة، وتخندقـًا مع أعداء الدعوة.