قال الامام ابن القيم :
وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعظيمُ هذا اليوم وتشريفه، وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره. وقد اختلف العلماء: هل هو أفضلُ، أم يومُ عرفة؟ على قولين: هما وجهان لأصحاب الشافعي.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في فجره بسورتي (الم تنزيل) و(هل أتى على الإِنسان). ويظن كثير ممن لا علم عنده أن المراد تخصيصُ هذه الصلاة بسجدة زائدة، ويسمونها سجدة الجمعة، وإذا لم يقرأ أحدُهم هذه السورة، استحبَّ قراءة سورة أخرى فيها سجدة، ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة، دفعاً لتوهم الجاهلين، وسمعت شيخَ الإِسلام ابن تيمية يقول: إنما كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة، لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يَومِها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذِكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يومَ الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكيرٌ للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعاً ليست مقصودة حتى يقصدَ المصلي قراءتها حيثُ اتفقت. فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة.
الخاصة الثانية: استحبابُ كثرة الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه وفي ليلته، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أكثِروا مِنَ الصلاة عَلَّي يوم الجُمُعة وَلَيْلَة الجُمُعة". ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيدُ الأنام، ويوم الجمعة سيدُ الأيام، فللصلاةِ عليه في هذا اليوم مزيةٌ ليست لغيره مع حكمة أخرى، وهي أن كل خير نالته أمتُه في الدنيا والآخرة، فإنما نالته على يده، فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظمُ كرامة تحصل لهم، فإنما تحصل يوم الجمعة، فإن فيه بعثَهم إلى منازلهم وقصورِهم في الجنَّة، وهو يومُ المزيد لهم إذا دخلوا الجنَّة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم فيه يُسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم، ولا يَرُدُّ سائلهم، وهذا كلُ إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكرِه وحمده، وأداءِ القليل من حقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نكثر الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته.
الخاصة الثالثة: صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإِسلام، ومِن أعظم مجامع المسلمين، وهي أعظمُ مِن كل مجمع يجتمعون فيه وأفرضُه سوى مجمع عرفة، ومن تركها تهاوناً بها، طبع اللهُ على قلبه، وقُربُ أهل الجنة يومَ القيامة، وسبقُهم إلى الزيارة يومَ المزيد بحسب قُربهم من الإِمام يومَ الجمعة وتبكيرهم.
الخاصة الرابعة: الأمر بالاغتسال في يومها، وهو أمرٌ مؤكد جداً، ووجوبه أقوى مِن وجوب الوتر، وقراءة البسملة في الصلاة، ووجوب الوضوءِ من مس النساء، ووجوب الوضوءِ مِن مرِّ الذكر، ووجوب الوضوءِ من القهقهة في الصلاة، ووجوب الوضوءِ من الرُّعاف، والحِجامة، والقيء، ووجوب الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد الأخير، ووجوب القراءة على المأموم.
وللناس في وجوبه ثلاثةُ أقوال: النفيُ والإِثبات، والتفصيلُ بين من به رائحة يحتاج إلى إزالتها، فيجب عليه، ومن هو مستغن عنه، فيستحب له، والثلاثة لأصحاب أحمد.
الخاصة الخامسة: التطيب فيه، وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع.
الخاصة السادسة: السِّواك فيه، وله مزية على السواك في غيره.
الخاصة السابعة: التبكير للصلاة.
الخاصة الثامنة: أن يشتغل بالصلاة، والذكر، والقراءة حتى يخرج الإِمام.
الخاصة التاسعة: الإِنصات للخطبة إذا سمعها وجوباً في أصح القولين، فإن تركه، كان لاغياً، ومن لغا، فلا جمعة له، وفي "المسند"، مرفوعاً "والذي يقول لِصاحِبِه أنصِتْ، فَلا جُمُعَةَ لَهُ".
الخاصة العاشرة: قراءة سورة الكهف في يومها، فقد روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرأَ سُورَةَ الكَهْفِ يَوْمَ الجمُعَةِ، سَطَعَ لَهُ نُورٌ مِن تَحتِ قَدَمِهِ إلى عَنَانِ السَّمَاء يُضىء بِه يَوْمَ القِيامَةِ، وغُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الجُمُعَتَيْنِ".