تعلمون ذلك الحلم فى خيال كل فتاة .. منذ تفتحت براعم الأحلام داخلها .. ذلك الفارس النبيل الذى سيأتى من أجلها فقط .. وسيحملها معه إلى عالم السعادة .. حلم وردى رقيق يداعب قلوبنا الشابة التى تتوق للحياة الرائعة والتى تنتظرها إلى أن يحين دورها ويطرق الفارس باب منزلها وقلبها أيضا
الحلم يراودنى منذ سنوات ولا أملك سوى الانتظار فى صبر عل فارسى يعثر على طريق منزلى .. وتمنيت ألا يضل الطريق أو ربما تلفت إحداهن نظره فيغير مسار حصانه الأبيض ليكون فارسها هى .. وأظل أنا على مفترق الحياة وحيدة أنتظره
كان هذا كابوسا يؤرقنى كلما رأيت كم الفتيات اللاتى هن فى مثل حالتى من الانتظار الطويل .. ترى هل سيتعرفنى أنا بين كل هؤلاء .. كيف سيميزنى يا ترى؟ .. ما الذى يمكن أن يجذبه إلىّ؟ .. حقا لا أدرى ولا أظننى سأفعل.. وهل هناك بديل سوى الانتظار المر
لكن لكم أن تتخيلوا سعادتى حين دق باب منزلنا أخيرا وظهر على عتبته فارسى المنتظر .. حلمى المجسد أصبح حقيقة لها كيان وملامح وروح وقلب أحبنى وأرادنى وحدى .. هل أنا أحلم؟ .. بالطبع لا .. لقد تخطيت تلك المرحلة .. ألا تصدقون؟ .. ربما أخبركم ذلك الطوق الذهبى عن كل شىء ..
هل أحكى لكم عن سنوات من السعادة مرت كلحظات .. هل لديكم من الوقت ما يكفى لأروى تفاصيل ذلك الرجل الحلم .. هل ستصدقون أننى حتى اليوم أخشى كل صباح أن أكون مازلت أحلم وأن تكون حياتى معه مجرد هذيان ليل تمحوه أشعة الشمس .. فقط يعود قلبى لانتظام دقاته حين يطالعنى وجهه الملائكى الغافى بجوارى .. إذن كل شىء على مايرام .. ليس هناك ما يخيف .. تختفى كل الأوجاع والآلام .. يرحل الظلام ويشع النور فى أرجاء الكون .. تذهب الكوابيس وترفرف الأحلام الوردية على وجه الأرض .. شعور يغمرنى بالأمان فقط لكونه بجانبى يحتوينى حنانه الذى يشع منه حتى فى نومه .. أطبع قبلة رقيقة على كفه كعادتى كل صباح قبل أن أنسل من جواره لأحضر له ما يلزم قبل أن يغادرنى للعمل ..
أفتقده بمجرد أن يغلق الباب خلفه .. أشعر بغربة قاتلة .. أتمنى أن يعود فى الثانية التالية لمغادرته .. أشعر بالخوف فى غيابه كطفل أضاع أمه فى الزحام .. أتكوم على نفسى للحظات والدموع تخنقنى قبل أن أنهر تلك الطفلة المذعورة بداخلى وأسارع بالقيام بكل ما يجلب له الراحة حين عودته
وردتى الحمراء الصغيرة تغفو فى راحتك .. لم تنس يوما طوال تلك السنوات أن تهديها لى عند عودتك مع كلمة اشتقت لكِ التى تنقلنى خارج حدود عالمى إلى آخر لا يمكننى وصفه .. أغرق فى بحار عينيك وابتسم لموجاته الحانية وهى تحتضنى فى دفء ثم تعود بى برفق إلى الشاطىء و .... ما تلك الرائحة .. هل احترق الطعام ثانية؟ .. أجفل للحظات قبل أن تربت كفك الحانية علىّ وابتسامتك الذهبية تخبرنى أن لا مشكلة .. اعتذر بخجل .. لقد شردت ثانية .. لقد أصبح الشرود يلازمنى .. فقط أخبر عينيك هاتين أن تبتعدا عنى قليلا ولا تدفعانى للغرق بهما كل مرة لينتهى الأمر بطعام محترق على الغداء .. نأكله معا ونحن نضحك .. ما أروع الحب
أتعلم أنك لم توبخنى مرة واحدة منذ عرفتك .. لم أرك عابسا مطلقا .. حتى كلمات العتاب لا يعرفها قاموسك المدهش .. تعاملنى كطفلتك المدللة .. كأميرتك الأسطورية .. كحلمك الغالى .. تحبنى نعم .. لكن لن يمكنك أن تتفوق علىّ فى هذا .. فقد بلغت تلك المرحلة التى تفوق قدر القلب على الاستيعاب .. فقد احتللت كل خلية فىّ للأبد
هناك أمر واحد أريد أن أعترف لك به .. هو أننى لم أتمكن طوال تلك السنوات من أن أعرفك .. تبدو لى كصندوق سحرى يحقق كل أمنياتى دون أن أعرف أنا ما بداخله .. فشلت كل محاولاتى فى فك طلاسمه النادرة .. هل أنت حقيقة حقا .. هل أنت مثلنا بشرا .. لست أدرى .. كل ما أعرفه حقا هو أننى لن أعرفك أبدا يا زوجى وحبيبى وحلمى و ....
(فين السجااااااااااير)
أفقت على صرخة كينج كونج هذه .. كدت أتعثر مائة مرة قبل أن أصل إليه بأنفاس متقطعة وهو مازال يرغى ويزبد .. بماذا كان يصرخ هذه المرة .. آه السجائر .. أين ذهبت تلك اللعينة .. لم ينقصنى غيرها الآن .. بحثت فى كل مكان حتى وجدتها له وتمكنت أخيرا من إغلاق فمه الذى تنسكب منه الكلمات وهى تقاتل بعضها بعضا .. وأسرعت إلى المطبخ .. يالحماقتى لقد شردت ثانية فى ذلك الحلم المستحيل .. أى مجنونة أنا لأصدق هذا الهذيان .. فقط علىّ أن أتوقف عن هذا الشرود المستمر الذى أمارسه كطقس يومى للهرب من الواقع القاتل للأحلام .. أن السقوط من سماء الحلم السابعة إلى أرض الواقع مؤلم جدا .. يجب أن أتوقف عن التحليق بها .. ويجب أيضا أن أنتبه حتى لا يحترق طعام الغداء ومن ثم تنسكب فى أذنىّ كلمات جديدة من قاموس زوجى المدهش .. بامكانه الابتكار دوما فى صياغة الكلمات التى لها وقع السياط تماما .. تلك موهبة فريدة حقا .. يبدو لى كصندوق مغلق ما أن أحاول فتحه حتى ينفجر فى وجهى بما لايمكننى توقعه قط .. كل ما أعرفه حقا هو أننى لن أعرفك أبدا يا زوجى
نعم الأحلام رائعة .. لكن لها عادة سيئة جدا .. هى أنها لا تتحقق غالبا