الحمي القلاعية..ما هي؟
الحمى القلاعية مرض قديم ظهر في إيطاليا عام 1514 وما أن حل القرن التاسع عشر حتى شمل الوباء كل قارات العالم، ولم يكن بمقدور المزارعين ومربي الأبقار معرفة الخطورة الحقيقية لهذا المرض لقصر مدة طوره ولقلة الأعداد النافقة من الماشية.
وكان السبب المباشر وراء ظهور فيروس الحمى القلاعية مؤخراً مزارع بريطاني مهمل استخدم علفاً يحتوي على مخلفات المطاعم لتغذية خنازيره، على الرغم من الحظر الشديد الذي تفرضه القوانين الأوروبية على مثل هذه الحالة كما أنه ارتكب خطأ آخرا، وهو عدم تسخين هذا العلف بالقدر الكافي لقتل الفيروس، مما أدى إلى انتشاره.
وقد أرسلت الخنازير المريضة إلى مجزر في جنوب بريطانيا، حيث تم اكتشاف الفيروس، إلا أن الوقت كان قد تأخر، إذ كانت العدوى قد أصابت فعلاً الخراف في المزرعة المجاورة لمزرعة الخنازير، ثم وصلت مراكز العدوى في بريطانيا إلى 70 بؤرة في بداية ذلك العام، وانتقلت عبر بحر المانش إلى الدول الأوروبية الأخرى، مما دفع بالجهات البيطرية المسئولة فيها إلى إعلان حالة الطوارئ في جميع بقاع القارة الأوروبية، ولكن المرض استمر في الانتشار لينتقل إلى آسيا حيث تم اكتشاف بعض الحيوانات المصابة بالمرض في الإمارات وخاصة في مدينة العين وكذلك في السعودية وباكستان لينتقل إلى أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وأخيرا مصر التي أعلنت مصادر بيطرية أنه استوطنها.. والبقية تأتي.!!
وتتراوح مدة الحضانة في مرض الحمى القلاعية من 4 أيام إلى 20 يوماً حسب ضراوة الفيروس ومقاومة الحيوان، ولا يكتسب الحيوان بعد الإصابة لأول مرة مناعة تستمر مدى الحياة، ولكنه يكتسب مناعة نحو سنة وضد نفس الفترة التي أصيب بها، كما يكتسب النتاج حديث الولادة مناعة سلبية عن طريق "السرسوب" إذا كانت الأم ذات مناعة ناشئة من عدوى طبيعية أو عن طريق التحصين.
وفي الدول المتقدمة التي لا يتوطن فيها الفيروس يتم استئصال المرض والسيطرة عليه عن طريق التخلص من الحيوانات المصابة وما يخالطها من حيوانات قابلة للعدوى، بالذبح والإعدام مع اتخاذ الإجراءات الصحية اللازمة كما يحدث في إنجلترا الآن.
ونظراً لأن الإمكانات المحلية لا تساعد على اتباع مثل هذا الأسلوب، لذا تتلخص الإجراءات المحلية في مقاومة المرض بعدم استيراد ماشية أو أغنام حية أو لحومها أو الألبان ومنتجاتها إلا من المناطق الخالية تماماً من الحمى القلاعية لمدة ستة شهور سابقة على التصدير على الأقل وذلك منعاً لتسرب "عترات" أخرى للفيروس إلى البلاد وطبقاً لتعليمات مكتب الأوبئة الدولي بباريسoie .
وكشف الانتشار الواسع لوباء الحمى القلاعية في شتى أنحاء العالم النقاب عن مشكلة تهدد الثروة الحيوانية في العالم وتهدد الأمن الغذائي العالمي، من العسير تحديد مدى انتشار هذا المرض في أي وقت من الأوقات، وبالنظر إلى استحالة المكافحة الفعالة ضمن الموارد المتاحة فإن العديد من البلدان تحجم عن تحديد الحجم الكمي للمشكلة القائمة، وعوضاً عن ذلك فإنها تسعى إلى مجرد مواجهة الآثار المترتبة عليه.
وفيما يتعلق بكثير من البلدان فإن الجائحة التي واجهتها المملكة المتحدة على سبيل المثال والتي شملت قرابة 1500 حالة انتشار خلال 4 أشهر فقط، ليست أمراً يبعث على القلق الشديد بالنسبة للمزارعين ولكن حتى على المستوى الاقتصادي الأوربي!!
ويتسم مرض الحمى القلاعية بالخطورة من حيث آثاره على التجارة الدولية بسبب ما يسببه من خسائر مادية فادحة، فالبلدان النامية تسعى جاهدة لمنع انتشار المرض فيها لأنه يؤدي إلى خفض إنتاج الألبان، وتباطؤ معدل نمو قطعان الماشية، مما يعني إلحاق خسائر جسيمة بها،وهكذا فإن البلدان توظِّف استثمارات ضخمة لتفادي جائحات المرض ذات التكاليف الباهظة، وهو ما يتضح من التكلفة التقديرية لاستئصال المرض في بريطانيا، والتي تتراوح بين 3 إلى 60 مليار دولار.
أعراض الحمى القلاعية
يسمى بالإنجليزية مرض "الظلف والفم" أو مرض "أفتوسا"، وهو مرض فيروسي سريع الانتشار يصيب الحيوانات ذات الظلف المشقوق مثل الأبقار والأغنام والماعز والخنازير، كما أنه يصيب الحيوانات البرية كالغزلان، ويمكنه إصابة الحيوانات ذات الخف كالجمال والأفيال أما الخيول فلديها مناعة ضده، من أعراضه تكون فقاعات مملوءة بسائل على اللسان والشفتين والفم والحلق والبلعوم والمناطق الرقيقة من الجلد كالضرع وبين الأظلاف أو أصابع الحيوان في الأقدام أو فوق الأخفاف، وهناك نحو 7 سلالات مختلفة مناعياً من الفيروس المسبب للمرض، وكل سلالة تصيب فصيلة أو عدة فصائل مختلفة من الحيوانات، وتختلف شدة أعراض المرض تبعاً لنوع السلالة الفيروسية المسببة له.
وينتقل الفيروس بواسطة العلف الملوث بالفيروس أو من خلال استنشاق الهواء في المناطق الموبوءة، والفيروس يكون فقاعة مائية أولية خلال 24 إلى 48 ساعة في مكان دخوله الجسم، بعدها ترتفع درجة حرارة الحيوان المصاب فترة تتراوح بين 24 و 36 ساعة، وفي هذه الفترة يكون الحيوان ناقلاً العدوى بدرجة كبيرة، حيث يفرز الفيروس في اللعاب واللبن والبراز، وتتورم شفتا الحيوان المصاب وكذلك يسيل اللعاب بشدة من فم الحيوانات المصابة ليصل إلى الأرض على هيئة خطوط فضية طويلة وتنتشر الفقاعات في الفم والبلعوم واللثة، وعادة ما تنفجر وتترك قرحاً مؤلمة ملتهبة، لدرجة أنها تمنع الحيوان من تناول العلائق، كما تظهر الفقاعات نفسها على الأقدام، التي تتقرح وتلتهب فتظهر الحويصلات بين الأظلاف مما يسبب للحيوانات المصابة بهذا المرض صعوبة في المشي والحركة.
وقد أكد الأطباء أن مرض الحمى القلاعية الذي يتفشى بين الحيوانات ذات الحوافر المزدوجة يصيب الإنسان أحياناً وخاصة الأطفال مسبباً الحمى والقيء وظهور فقاقيع صغيرة على الشفتين واللسان وداخل الفم وفيروس الحمى القلاعية من الفيروسات الضعيفة، ومع ذلك نستطيع أن نقول بأنه نادراً ما يصيب الإنسان.
انتشار المرض
ترجع سهولة انتشار فيروس الحمى القلاعية إلى ثلاثة عوامل مهمة هي مقاومة الفيروس القوية لكل اللقاحات وقابليته للتطاير بالإضافة إلى ازدياد عدد مزارع التربية وارتفاع الكثافة فيها، وسهولة حركة الحيوانات من مكان إلى آخر.. وهذا كله يجعل الحمى القلاعية تنتشر بشكل أسرع وتصيب حيوانات أكبر، يستطيع الفيروس الحياة بضعة أيام في الهواء الخارجي، ثم ينتقل من حيوان لآخر بالاحتكاك المباشر، أو عن طريق الهواء، أو أرجل الحيوانات الملوثة التي تضعها في الطين، وأيضاً عن طريق الأحذية وإطارات السيارات، وتوجد عوامل بيئية واجتماعية واقتصادية أخرى تساعد على سرعة انتقال العدوى، وعلى رأسها انتشار تربية الحيوانات على نطاق واسع وبشكل مكثف، بعد أن كانت مقصورة على بعض المزارع المعزولة، ومن ثم فإن تكدس هذه الحيوانات في مصانع اللحوم يسهل عملية انتقال الفيروس، إضافة إلى سائر الفيروسات المعدية كما يلعب تبادل الحيوانات، وهو أسلوب متبع في تربيتها، دوراً حيوياً في العدوى، فلم تعد الحيوانات تقضي عمرها بالكامل في مزرعة واحدة بل تنتقل من وحدة متخصصة في التكاثر إلى وحدة أخرى متخصصة في التسمين.. إلخ، وهكذا يجد الفيروس نفسه محمولاً من ضحية إلى أخرى مجاناً وبسهولة كبيرة، من هنا كان قرار الأجهزة المختصة في مصر بحظر نقل الحيوانات بين المحافظات.
الماشية المستوردة .. براءة
كما تتخذ إجراءات بيطرية صحية تهدف إلى القضاء على الفيروس في الموقع المصاب، ومنع انتشار التلوث خارجه بالوسائل الآتية: عزل الحالات المصابة في مكان بعيد ومنع اختلاطها مع الحيوانات القابلة للعدوى، وعدم انتقال الأفراد المكلفين رعايتها إلى حظائر الحيوانات السليمة، وقطع الأرضيات الترابية والتخلص الصحي من علائق ومخلفات الحيوانات المصابة بالتطهير والحرق والدفن، والتطهير بالمطهرات المناسبة بمجرد الاشتباه لسرعة التحكم في مصدر العدوى ومنع انتشاره، وعدم إدخال حيوانات جديدة في موقع سبق تعرضه للعدوى إلا بعد إخلائه وتنظيفه وتطهيره وتدخل الحيوانات بالتدريج.
وتتخذ وزارة الزراعة عدداً من الإجراءات من بينها تحصين الحيوانات "أبقار، جاموس، أغنام، ماعز" على مستوى الدولة دورياً، كل4 أشهر لماشية اللبن أو كل 6 أشهر للتسمين، ثم جمع عينات سيرم من الحيوانات المحصنة قبل التحصين وبعده للاطمئنان على المستوى المناعي.
جاء ذلك في الوقت الذي حذرت فيه مصادر مسئولة من فناء الثروة الحيوانية بسبب الحمى القلاعية، مشيرة إلى براءة الماشية المستوردة من السودان وأثيوبيا من تهمة جلب العدوى.
من جانبها قالت الدكتورة سهير حسن، وكيل وزارة الزراعة للطب الوقائي، إن جملة عدد الحالات المصابة بمرض الحمى القلاعية في مصر حتى يوم 9 مارس الجاري 4960 حالة والنافقة 255 حالة مما يمثل خسارة كبيرة للاقتصاد القومي.
وأوضحت الدكتورة سهير، في تصريحات تليفزيونية، أن هذا المرض مصنف دولياً وعلمياً من الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان إلا أن إصابة الإنسان نادرة وأن منظمة الصحة العالمية كانت قد أعلنت عدم خطورته على صحة البشر مشيرة إلى أن اللحوم المطهوة واللبن المغلي آمنة تماماً على الصحة.
وأضافت أن أعراض الحمى القلاعية تتمثل في صداع وارتفاع في درجة الحرارة والتهاب بسيط بالفم وسريعاً ما تنتهي بتناول خافض للحرارة ومضادات حيوية مشيرة إلى أنه لم يتم رصد أي حالة إصابة بين البشر حتى الآن.
وناشدت المربين المصريين في حالة الاشتباه بوجود حالات مصابة بأي مرض بين الماشية إبلاغ أقرب وحدة بيطرية حتى يتم التخلص من الحيوان بطريقة أمنة عن طريق دفنها بالجير الحي محذرة من إلقاء الحيوانات النافقة على الطريق لأنه يمثل خطورة بيئية.
وأضافت أن نسبة الإصابة بالمرض في مصر كبيرة وتمثل وباءً، حيث يعتبر مرض الحمى القلاعية بالعالم له 7 أنواع، وبدأ يسبب مشاكل منذ عام 1972 وقد تحور التركيب الجيني للمرض ولم يتم التعرف حتى الآن على مصدره.
لا إصابات بين البشر
من ناحية أخرى قال الدكتور عصام عبد الشكور، مدير عام الخدمات والإرشاد بالهيئة العامة للخدمات البيطرية، إن فيروس الحمى القلاعية ينتشر بسرعة شديدة عبر الهواء لأكثر من 150 كيلو مترا، وله أكثر من مسبب ووزارة الزراعة تتخذ إجراءات فورية باستيراد الأمصال المطلوبة أو تصنيعها في المعامل المحلية الخاصة بها.
ونصح عبد الشكور المربين الصغار بالتوجه بمواشيهم لتحصينهم حتى لا تصبح المصابة منها بؤرة لنشر المرض، مشيراً إلى أن هناك إجراءات وقائية متبعة عند الإصابة بالفيروس تتمثل في غسل اليدين والوجه.
من جانبه أكد الدكتور عادل أبو زيد، وكيل وزارة الصحة بالغربية (المحافظة الأكثر إصابة بالمرض)، أن الحمى القلاعية خارج دائرة الاشتباه بين البشر ولا توجد أي حالات اشتباه بالمحافظة، وأن هناك حالة تم احتجازها للاشتباه فيها اتضح أنها مصابة بالهربس.