روى الصيمري(ت436هـ) مختصرا وغيره مطولا:
أصاب أبا يوسف مرض فأقعده عن الطلب..


فزاره الإمام أبو حنيفة ..


وكان المرض شديدًا عليه .. متمكنًا منه ..


فلما رآه أبو حنيفة..


خاف عليه .. وحزن ..


وخاف عليه الهلاك ..


فخرج من عنده وهو يقول لنفسه : آآآه يا .. أبا يوسف ..


لقد كنت أرجوك للناس من بعدي !!


ومضى أبو حنيفة يجر خطاه حزينا إلى حلقته وطلابه ..


و مضت يومان ..


فشفي أبو يوسف ..


واغتسل ..


ولبس ثيابه ليذهب لدرس شيخه أبو حنيفة ..


فسأله من حوله : إلى أين تذهب؟!


قال (أبو يوسف) : إلى درس الشيخ !!



فقالو له : إلى الآن تطلب العلم ؟؟

أنت قد اكتفيت .. أما بلغك ما قال فيك أبو حنيفة ؟؟!!


قال (أبو يوسف) متعجبًا : وما قال ؟!!


قالوا : قد قال ( كنت أرجوك للناس من بعدي)



أي .. انك قد حصلت كل علم أبي حنيفة .. فلو مات الشيخ .. جلست مكانه!


فأعجب أبو يوسف بنفسه ..


ومضى إلى المسجد ..


ورأى حلقة أبي حنيفة في ناحية ..


فجلس هو في الناحية الأخرى ..


وبدأ في .. إلقاء الدروس ..


ويفتي ..


التفت أبو حنيفة إلى الحلقة الجديدة ..


فسأل : حلقة من هذه ؟؟!


فقالو له : هذا أبو يوسف ..


قال ( أبي حنيفة ) : شفي من مرضه ؟!!


قالوا : نعم ..


فقال ( أبو حنيفة) : فلم يأت إلى درسنا ؟؟!


قالوا : حدثوه بما قلت .. فجلس يدرس الناس .. واستغنى عنك ...



ففكر أبو حنيفة ..


وتأمل .. ثم قال : يأبى أبو يوسف إلا أن نقشر له العصا !!


ثم التفت إلى احد طلابه الجالسين ..


وقال له : اذهب إلى الشيخ الجالس هناك ..


فقل له ( عندي مسالة .. فسيفرح بك .. ويسألك عن مسألتك؟..)


فاخبره أبو حنيفة عما يسأله ..


فمضى الطالب إلى حلقة أبو يوسف ..


وقال : يا شيخ مسالة ؟؟


فقال ( أبو يوسف) : ما مسألتك؟


قال (الطالب) : رجل دفع ثوبا إلى الخياط .. ليقصره ..


فلما جاءه بعد أيام يريد ثوبه .. جحده الخياط .. وأنكر انه اخذ منه ثوباً .. فذهب الرجل إلى الشرطة .. فاشتكاه .. فأقبلوا .. واستخرجوا الثوب من الدكان ..


والسؤال ( هل يستحق الخياط أجرة تقصير الثوب أم لا يستحق ؟؟ )


فقال (أبو يوسف) على الفور : نعم يستحق .. ما دام أتم العمل ..


فقال ( الطالب) : أخطأت !


فتعجب أبو يوسف .. وتأمل المسالة أكثر ..


ثم قال : لا ..لا يستحق الأجر ..


فقال ( الطالب) : أخطأت !


فنظر أبو يوسف إليه ..


ثم سأله : بالله .. من أرسلك ؟؟!


فأشار الطالب إلى أبي حنيفة وقال : أرسلني الشيخ !


فقام أبو يوسف من مجلسه ..


ومضى حتى وقف على حلقة أبي حنيفة ..


فقال : مسالة يا شيخ؟!


فلم يلتفت أبي حنيفة إليه !


فأقبل أبو يوسف .. وجثي على ركبتيه ..بين يدي أبي حنيفة ..


وقال ( بكل أدب ) : يا شيخ .. مسألة ؟؟


فقال (أبو حنيفة) : ما مسألتك ؟


قال ( أبو يوسف) : أنت تعرفها !!



قال ( أبي حنيفة) : مسالة الخياط والثوب ؟



قال : نعم ..



فقال له ( أبي حنيفة ) معاتبا : اذهب .. وأجب .. ألست شيخا ؟؟!


قال ( أبو يوسف) بأدب : الشيخ أنت ..


فقال ( أبي حنيفة ) في جواب المسالة :


ننظر في مقدار تقصير الخياط للثوب .. فإن كان قصره على مقاس الرجل .. فمعنى ذلك .. أنه قام بالعمل كاملا .. ثم بدا له أن يجحد الثوب .. فيكون قام بالعمل لأجل الرجل .. فيستحق عليه الأجر ..



وان كان قصره على مقاس نفسه ..

فمعنى ذلك .. انه قام بالعمل لأجل نفسه .. فلا يستحق على ذلك أجرة ..

ثم قال من ظن أنه يستغني عن التعلم فليبك على نفسه....

فقبل أبو يوسف رأس أبي حنيفة ..


ولازمه حتى مات أبي حنيفة ..


ثم جلس أبو يوسف للناس من بعده ..


ولم ينساها أبو يوسف ..