السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



لا يخفى أننا منهيون عن سب الأموات؛ لأنهم قد أفضوا إلى ما قدموا. ولا يترتب على ذلك مصلحة دينية، ولا دنيوية، ولنا في عيوبنا شغل عن ذكر عيوب الناس ومثالبهم، وكلام العلماء في ذلك معروف.

▪ قال المجد بن تيمية في (المنتقى) (1): (باب: الكف عن ذكر مساوئ الأموات): عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا
" (رواه أحمد والبخاري والنسائي) (2).
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "
لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا
" (رواه أحمد والنسائي) (3).
وقد أخرج أبو داود والترمذي (4) عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساوئهم
".

▪ وقال الشوكاني في شرحه (نيل الأوطار) (5): وأخرج أبو داود عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
إذا مات صاحبكم فدعوه، لا تقعوا فيه
" (6). وقد سكت أبو داود والمنذري عن الكلام على هذا الحديث.

والوجه تبقية الحديث على عمومه، إلا ما خصه دليل كالثناء على الميت بالشر، وجرح المجروحين من الرواة، أحياء وأمواتا، لإجماع العلماء على جواز ذلك، وذكر مساوئ الكفار والفساق للتحذير منهم، والتنفير عنهم.

▪ قال ابن بطال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير -وقد تكون منه الفلتة- فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقاً معلناً فلا غيبة له، وكذلك الميت. انتهى.

ويتعقب بأن ذكر الرجل بما فيه حال حياته قد يكون لقصد زجره وردعه عن المعصية، أو لقصد تحذير الناس منه وتنفيرهم، وبعد موته قد أفضى إلى ما قدم. فلا سواء.

▪ والمتحري لدينه في اشتغاله بعيوب نفسه ما يشغله عن نشر مثالب الأموات، وسب من لا يدري كيف حاله عند بارئ البريات.

ولا ريب أن تمزيق عرض من قدِم على ما قدّم، وجثا بين يدي من هو بما تكنه الضمائر أعلم مع عدم ما يحمل على ذلك من جرح أو نحوه أحموقة لا تقع لمتيقظ ولا يصاب بمثلها متدين.

ونسأل الله السلامة بالحسنات، اللهم اغفر لنا تفلتات اللسان، والقلم في هذه الشعاب والهضاب، وجنبنا عن سلوك هذه المسالك التي هي في الحقيقة مهالك ذوي الألباب. انتهى ملخصاً.