بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام عاي رسول الله


وبعد


الطفيل بن عمرو الدوسي لما قدِم مكة في السنة الحادية عشر من النبوة؛ استقبله أهل مكة وقالوا له: يا طفيل، إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر، يفرق بين الرجل وأبيه، وبين الرجل وأخيه ، وبين الرجل وزوجه، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه ولا تسمعن منه شيئًا.
يقول طفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئًا، ولا أكلمه، حتى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفًا -أي قطنا-؛ فرقـًا من أن يبلغني شيء من قوله، قال : فغدوت إلى المسجد فإذا هو قائم يصلى عند الكعبة، فقمت قريبًا منه، فأبي الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني رجل لبيب شاعر؛ ما يخفي عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته، فمكثت حتى انصرف إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فعرضت عليه قصة مقدمي، وتخويف الناس إياي، وسد الأذن بالكرسف، ثم سماع بعض كلامه، وقلت له: اعرض عليّ أمرك، فعرض عليّ الإسلام، وتلا عليّ القرآن. فوالله ما سمعت قولاً قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت له: إني مطاع في قومي، وراجع إليهم، وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية، فدعا..
فسبحان الله! إن منهج أهل الضلال هو هو.. وإن اختلف الزمان والمكان، والله مِن ورائهم محيط
ولقد رُميت الدعوة بالزور والكذب الصراح، لا نقول أنها بشبهة حقيقية عند البعض، بل فعلاً محض اختلاق واضح بيِّن -كذب له قرون-؛ نتحدى أي مدعي أن يأتي بتصريح أو بيان عن الدعوة أو أحد رموزها فيه ما قد يُساء فهمه، فيفهم على نحو ما يكذبون به علينا.
فإننا لا نتحدث عمن ابتدأ الفرية، ولكن عن هؤلاء الذين نقلوها وأصدروا الحكم، وشنوا الحملات بموجبها على الإسلاميين لا سيما السلفيين -الذين فوجئوا بهم جموعًا هائلة لا يدرون مِن أين خرجت لهم؟ وما كانوا يتوقعونها وأنى لهم (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30)-.
فهؤلاء إما أنهم يعلمون أنها كذب وافتراء، أو أنهم لم يتثبتوا ونقلوا بلا تبين، ولا حتى تحرير للواقعة مِن مصادر رسمية: كمحاضر الشرطة أو نحوها.. أو نقل الكلام عن جهة أو مصدر مسئول يرجع إليه الناس إذا أرادوا التثبت!
وكلا الاحتمالين يمثل اتهام لهم: إما بالكذب الصريح، أو بأن وهم الإعلام والصحافة المحايدة أو أن أساس وشرف المهنة مبني علي بيان الحقائق للناس، والحياد في نقل الطرف والطرف الآخر أن كل ذلك خدعة كبيرة! فالحمد لله الذي كشف عورهم وزورهم.
والأمر الذي يشغل البال أكثر ليس هؤلاء.. ولكن عوام الناس "أقصد غير هؤلاء الإعلاميين ومن وراءهم، وغير المنتسبين للدعوة"، الذين عن قريب سينسون كذب هؤلاء ويسلمون آذانهم وقلوبهم مرة أخرى لهؤلاء الدجاجلة، تمامًا كما أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن الساحر الذي يأتيه مسترقو السمع بكلمة حق فيكذب معها مائة كذبة، فيصدق فيقولون: ألم تخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقًا للكلمة التي سُمعت من السماء، وبالطبع كلمة الحق التي عندهم ليست عن أهل الإيمان، بل عن أي نوع ظلم أو فساد مما يعج في بلادنا مما قد لا يختلف عليه اثنان أصلاً.
فهل يلدغ مؤمن مِن جحر مرتين؟!
وهؤلاء الدجاجلة؛ فإنا نذكرهم بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
وأما أبناء الدعوة: فأبشروا.. فما أفلح البطش والتنكيل، ولا السحر والتزييف، ولن يفلح كذلك الكذب والبهتان.
ولقد أوذي بذلك نبيكم -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام.. فنصرهم الله -عز وجل-، وإذا وجدتم أنفسكم تُرمون بنفس الأسلحة؛ فاثبتوا فإنكم -بفضل الله- على الحق.
أبشروا واعملوا وأمضوا حيث تؤمرون.
اصدعوا بكلمة الحق وأوضحوا منهجكم.
وادعوا قومكم إلى الله.. ولا تملوا مِن قول: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ) (الأحقاف:31).
وأبشروا بفتح قريب وإن طال زمان صولة الباطل.. فإنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا.
وعزاؤكم أن هذا كله بقدر الله ومشيئته، وهو الحكيم الحميد، وهو: (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ . الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (البروج:8-9).
ولعل كل هذا يحدث وغيره؛ لتمتلئ قلوب المؤمنين غيرة على دين الله، وغيظًا على أعداء الله؛ فتستخرج الدعوات مِن تلك القلوب المحترقة المؤمنة، ولتعلم أن الله أغير منها على دينه، وأنه سميع لكلمات هؤلاء، بصير بأفعالهم، عليهم قدير، ومِن ورائهم محيط، (وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).
فاللهم امكر لنا ولا تمكر علينا، وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، واغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا عيك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك مِن القوم الكافرين.