الصرع مرض تاريخي


يعد الصرع أحد أقدم الأمراض التي عرفتها الإنسانية، وقد أطلق عليه قديماً «المرض المقدس»، وأحاطت به أساطير شتى تنسبه إلى غضب الآلهة، وكان من أشهر من ذكر أنه أصيب بهذا المرض «قمبيز» ملك فارس، ولعل ابقراط (350 ق م) أبو الطب هو أول من نزع عن الصرع قدسيته، فقد ذكر أنه مرض كسائر الأمراض الأخرى له أسبابه وخصائصه وعلاجه الطبي. وهو معروف باللغة اليونانية Epilepsia بالايبيليبسيا وتعني «يستولي على» وباللغة الانجليزية «سيزر» Seizure. وباللغة العربية «الصرع».
وجميع هذه المصطلحات توحي بخضوع الجسم تحت سيطرة شيء ما، فكان المعتقد أن المصاب قد مسته روح شريرة لذلك كانت طرق العلاج آنذاك تهدف إلى إخراج تلك الأرواح. مثل إحداث ثقب بالدماغ لكي تفر منه الأرواح الشريرة أو بالضرب أو الكي بالنار أو التقييد بالسلاسل والتغطية بالقماش الأسود أو إقامة الزار وطرق أخرى متعددة ومختلفة الأشكال باختلاف تقاليد وثقافة كل مجتمع. ولكن الطب الحديث اكتشف أن الصرع مرض ناتج عن زيادة النشاط الكهربائي لبعض مناطق المخ بصورة مفاجئة وذلك يؤدي إلى نوبات من فقدان الوعي - مع ظهور حركات متتالية في أجزاء الجسم المختلفة ثم يتبع ذلك فترة سكون ونوم في بعض الأحيان. وقد يظهر الصرع بصورة مستمرة، في صورة هلاوس سمعية وأفكار خاطئة واضطراب سلوكي. مرض الصرع من الأمراض الشائعة نسبيا وهو قد يصيب الإنسان في أي مرحلة من مراحل العمر من الولادة وحتى الشيخوخة.



الدماغ عبارة عن عضو بالغ التعقيد وشديد الحساسية فهو يوجه ويتحكم وينظم جميع أعمالنا، ويتحكم الدماغ بحركاتنا وأحاسيسنا وأفكارنا وعواطفنا. ويعتبر الدماغ مقر الذاكرة وهو الذي يقوم بتنظيم الأعمال الداخلية اللاإرادية في الجسم كوظائف القلب والرئتين. وتعمل خلايا الدماغ معا وتتصل ببعض من خلال إشارات كهربائية. ويقوم المخ عن طريق المراكز المتخصصة في الفصين الأيمن والأيسر بالسيطرة على مراكز متفرقة للأحاسيس المختلفة (السمع - النظر - الشم - الألم) ومراكز أخرى تسيطر على (الحركة.. الفكر.. الذاكرة.. النطق). وهذه المراكز متصلة فيما بينها اتصالا دقيقا . وبسبب الطبيعة الكهربائية للخلايا العصبية فإنه قد يحدث أن تكون هناك خلايا عصبية متصلة فيما بينها تصدر إشارات كهربائية زائدة وغير منتظمة في أحد مراكز المخ، مما ينتج عنه نشاط غير طبيعي ينعكس كاضطراب مؤقت في وظيفة ذلك المركز من المخ وهذا ما يسمى بالنوبة الصرعية.ويتوقف نوع النوبة على جزء الدماغ الذي حصل فيه التفريغ الكهربائي، فمثلا إذا حدثت نوبة صرعية في أحد مراكز الإحساس نتج عنها إحساس غير حقيقي حيث يشعر المريض فيه بهلاوس غريبة ‏ كشم رائحة غريبة أو رؤية أضواء وألوان غير حقيقية أو الإحساس بالألم أو التنميل في جزء من الجسم كذلك لو حدثت نوبة صرعية في أحد مراكز الحركة نتج عنها ما يسمى بالتشنج حيث تكون حركة الأطراف عنيفة وقد يصاحب ذلك فقدان الوعي والسقوط على الأرض.
وإذا حدثت النوبة الصرعية في أحد مراكز السلوك فسوف ينتج عنها هذا السلوك غير المبرر كالضحك من غير سبب أو الشعور بالخوف أو القيام بالركض من غير هدف أو عمل حركات باليد مشابهة لحركات الكتابة أو فتح الأزرار. ولكن دائما ما يتبادر إلى أذهاننا سؤال ما هي الأسباب التي تؤدي للصرع؟ او بمعنى آخر ما هي العوامل التي تؤدي إلى حالة الصرع؟ وقد تكون الإجابة عن تلك السؤالين صعبة حتى الآن لأنه 75 بالمائة من حالات الصرع ليس لها سبب معروف ومحدد لصدور هذه الشحنات الكهربائية التي تشبه البرق حيث تأتي مفاجئة وقليلا ما تعلن عن قدومها وهذا سواء عند الطفل أو عند البالغ لان التشنجات الصرعية تصيب الطفل مثل ما تصيب الشخص البالغ ولو في سن متقدم أن الغالبية من المصابين بالصرع لا يوجد عندهم أي مرض بالجهاز العصبي.و تكون فيها الفحوصات الجسدية والمختبرية سليمة ويسمى بالصرع الذاتي وفي هذه الحالات تكون طبيعة بعض خلايا المخ ذات قابلية أو استعداد صرعي أكبر من المعدل الطبيعي دون وجود سبب مباشر. وهذا مشابه تماما ما يحدث عند الإصابة بداء الربو أو الحساسية، حيث تكون أجسامهم لديها قابلية للحساسية أكثر من غيرهم. وحوالي خمسة وعشرين بالمائة من الحالات تكون عوامل مكتسبة وهي التي تؤدي إلى تلف بعض خلايا المخ مسببة تليفها ومنها نقص الأوكسجين والاختناق خصوصا عند المواليد أثناء الولادة، أو الإصابة الشديدة في الرأس والناتجة عن الحوادث المختلفة حيث تعتبر من أكثر الأسباب شيوعا لدى البالغين اليافعين كذلك حدوث نزيف في المخ أو حدوث تجلط في الأوعية الدموية في المخ، كما أيضاً يتسبب التهابات المخ والمعروفة بالتهابات السحايا في الإصابة بداء الصرع. وتعمل أيضا التشوهات الخلقية في أنسجة المخ على الإصابة به كذلك تلعب الوراثة في حالات عديدة من الصرع لدى الكبار، ولكنها قد تكون أيضا عاملا للإصابة في كافة المراحل العمرية، حيث بينت الدراسات أن التاريخ الطبي لعائلة المصابين بالصرع، حافل بنوبات الصرع، الأمر الذي يشير في طياته إلى دور الوراثة في هذا المرض. حيث يصنف الصرع الذي تبدأ نوباته في جانبي الدماغ في ذات الوقت، بالصرع العام الرئيسي، وفيه تلعب الوراثة دوراً كبيراً فيه مقارنة بالصرع الجزئي الذي تنبثق نوباته من منطقة محددة من الدماغ.كذلك احتمال إصابة أخوات وأقارب مصاب الصرع أعلى ليس عن طريق العدوى طبعا (فهذا غير ممكن) ولكن بسبب الاستعداد الوراثي الذي يرفع نسبة احتمال حدوث النوبات، وعلى الرغم من هذا فإن غالبية أقارب المصابين بالصرع، لا يعانون من أي نوبات، وتتراوح نسبة إصابة أطفال آخرين من العائلة ما بين 4% - 10% وذلك حسب نوع الصرع وعدد أفراد الأسرة المصابين.
وهناك نسبة 2% من الناس يصابون بالصرع خلال فترة ما من حياتهم، وتكون النسبة أعلى بقليل من أطفال يعاني والدهم منه. وان كانت الوالدة مصابة والوالد ليس مصابا تبقى النسبة اقل من 5% وان كان كلا الوالدين مصابا فترتفع النسبة قليلا.
وعلى أي حال لا يجب أن يكون الخوف من احتمال إصابة الأطفال بالصرع رادعا للإنجاب، لأن الاحتمالات إصابة الأطفال ضئيلة فضلا عن ان غالبية الأطفال يتعافون من المرض بعد النمو، ناهيك عن أن هناك العديد من الأدوية التي تحد من النوبات.
ومع التقدم في طرق العلاج أصبح من الممكن التحكم بمعظم الحالات، فبعض النوبات يمكن الانتباه إليها بسهولة بينما قد لا يكون بالإمكان معرفة بعضها الآخر نهائيا.







حول حياة صحية لمصابي الصرع



الإنسان المصاب بالصرع يعيش حياة طبيعية في معظم الأحيان من دون قيود ولكن يجب مراعاة بعض الأمور التي قد لا تكون مشكلة عند من لا يشكون من الصرع واذكر في السياق بعضها.
1- التزام المريض بالعلاج ومواعيده، لأن نسيان جرعة أو ما خالفها من عدم انضباط في العلاج يؤدي إلى تذبب في مستوى العلاج المنتظم للنشاط الكهربائي في الدماغ وبالتالي إثارة النوبة الصرعية في أي وقت.
2- اجتناب السهر ليلاً لأن إرهاق الدماغ يمنعه من النوم الليلي ولا يسمح بدورة نوم اعتيادية يثير النوبات التشنجية وهنا يجب أن ننبه أن السهر ليلاً والنوم نهاراً لا يغني عن نوم الليل فالإنسان يحتاج من 6 -7 ساعات ليلاً من النوم.
3- تفادي الارتفاع الشديد في الحرارة فهو قد يثير النشاط الكهربائي في الدماغ وذلك بأخذ خافض الحرارة عند الإصابة بالحمى “لا قدر الله” بشكل منتظم واخذ التطعيمات الموسمية لتفادي الرشح الموسمي بشكل سنوي.
4- اختلال الأملاح عند بعض المرضى تحديداً مرضى الفشل الكلوي يسبب تهيجا في الخلايا العصبية مما قد يثير النوبات التشنجية.
5- الإرهاق الشديد سواء كان جسدياً أو نفسياً قد يثير النوبات التشنجية .
6- المشروبات الكحولية والمخدرات تكون حافزاً على إثارة النوبة.أما بالنسبة للأطعمة لا يوجد أي دليل حتى الآن يشير إلى ذلك إلا ان بعض الأطعمة يمكن أن تؤدي إلى النوبات.
7- يمكن لبعض الوصفات الطبية والأدوية التي تصرف دون وصفة طبية، جعل مصاب الصرع أكثر عرضة للنوبات، على سبيل المثال، مضادات الاكتئاب يمكن أن تعتبر من محفزات النوبات، لذا على مصاب الصرع دائما طلب المشورة الطبية قبل البدء في أي نوع من العلاج. حيث يمكنه أن يسأل الطبيب أو الصيدلي لمعرفة ما إذا كان هناك أي تحذيرات للأشخاص الذين يعانون من الصرع من أخذ هذه الأدوية.
8- قد يختلط الأمر لدى البعض بخصوص الصوم وما يصاحبه أحيانا من نوبات تشنجية ويرجع هذا إلى الصوم بحد ذاته وهذا اعتقاد خاطئ حيث إن ما يصاحب الصوم من إجهاد وسهر هو المؤثر الفعلي لذلك .
9- هناك من المحفزات الخاصة والتي تشكل أقل من 1% في إثارة نوبات التشنج لدى مصابي الصرع مثل الأضواء الغمّازة والجلوس أمام التلفاز لمدة طويلة .
في النهاية يجب أن ننوه أن الظروف سابقة الذكر تكون عرضة لنوبات التشنج عند مرضى الصرع وتحديداً إذا تكررت وهي مسببات لاستثارة الدماغ حتى عند من لا يعاني من الصرع ولكن بنسبة أقل بكثير (درهم وقاية خير من دينار علاج).






الإسعافات الأولية لمصابي الصرع


يتصف الصرع بفقدان الوعي بصفة مؤقتة او طويلة وبحركات تشنجية غير إرادية، وفي بعض النوبات الطفيفة التي تسمى بالصرعات الصغرى يستغرق فقد الوعي فيها برهة وجيزة لا تتجاوز ثواني، ومع انه في هذه الحالة تحدث ارتعاشات حول العين او الفم فإن المصاب بالنوبة يظل جالساً أو واقفاً، أما في النوبات الكبيرة فإن المصاب يسقط على الأرض فاقداً للوعي وغالباً ما يخرج من فمه رغوة و يعضعض و يهز إطرافه في عنف، وقد يؤذي المريض نفسه أثناء النوبة.
ويتوقف التصرف الملائم لمساعدة الشخص الذي يتعرض للنوبة على نوع النوبة أولاً، ففي الوقت الذي يكون فيه الشخص يعاني من نوبة الصرع التوتري - الإرتجاجي يكون بحاجة إلى إسعاف أولي إلا أنه وفي معظم الحالات لا يمكن فعل سوى القليل إزاء ذلك.
ففي النوبة التوترية - الارتجاجية والمعروفة بالصرع الكبير والتي تصنف بأنها أكثر الأنواع إثارة وخطورة ولكن يجب أن نعلم أن الشخص الذي يكون تحت وطأة النوبة الصرعية يكون عادة فاقداً لوعيه وهو بالتالي لا يحس بأي ألم، وقد تستمر النوبة لبضع دقائق فقط وبذلك لا يحتاج الشخص إلى علاج أو رعاية طبية، ومن هنا على المحيطين بالمصاب عمل التالي :
1- التزام الهدوء، لأنك لا تستطيع إيقاف النوبة متى بدأت، بل دع النوبة تأخذ مجراها ولا تحاول إنعاش الشخص الذي يتعرض لها.
2- أترك الشخص على الأرض في وضعية يستريح بها وأرخ ملابسه.
3- حاول أن تبعد أية مواد صلبة أو حادة أو ساخنة قد تتسبب في إيذاء المصاب، وقد يكون من الضروري وضع وسادة أو أي شيء ناعم تحت رأس المصاب.
4- ضع الشخص المصاب على جانبه لتسهيل تدفّق اللعاب من فمه.
5- لا تضع أي شيء في فم الشخص.
6- بعد انتهاء النوبة يجب إتاحة الفرصة للشخص لتناول قسط من الراحة أو للنوم إذا لزم الأمر.
7- بعد انتهاء فترة الراحة يعود معظم هؤلاء الأشخاص إلى ما كانوا عليه قبل حدوث النوبة، وإذا لم يكن الشخص في بيته وكان لا يزال مترنحا وضعيفا أو مرتبكا فإن من الأفضل مرافقته إلى بيته.
8- في حالة إذا كان الشخص المتعرض للنوبة طفلا فإن عليك الاتصال بوالديه أو بولي أمره.
9- إذا استمر حدوث أو تكرار النوبات قبل أن يستعيد الشخص وعيه أو إذا استمرت إحدى النوبات لأكثر من خمس دقائق يجب نقل الشخص المُصاب إلى أقرب مستشفى.
ولكن في حالة النوبة الجزئية - المركبة قد يحس المريض ببعض الأحاسيس الغريبة أو غير الاعتيادية بما في ذلك حركات مفاجئة ومرتجفة لأحد أجزاء الجسم مع اختلال في السمع أو الإبصار وتعب في المعدة أو إحساس مفاجئ بالخوف، ولا يتأثر الوعي في هذه الحالة، وإذا تطوّرت هذه الأعراض إلى نوع آخر من النوبات فإنه قد تعرف هذه الأعراض عندئذ بالنسمة، فلا تقيد الشخص ولكن تستطيع أن تحميه بإبعاد المواد الحادة أو الساخنة، كذلك إذا بدأ الشخص بالتجول أجلس معه وتحدث معه بهدوء.
أما في نوبات التغيب والمعروفة بالنوبة الصغرى كذلك النوبات الجزئية – البسيطة فلا حاجة لإسعافات أولية في مثل هذه الحالة.
ولابد في مقالنا هذا التعرض للنوبة التي تنتاب الأطفال أثناء النوم فهم يستيقظون عادة إذا تعرضوا لنوبات وهم نائمون، وبذلك فإن والد و والدة الطفل المصاب بالصرع عادة يعلمان بحدوث نوبة الصرع أثناء نومه، وليست هناك أية مبررات للقلق سوى في حالات نادرة وهي عندما يتقيأ الطفل أو يواجه متاعب أثناء حدوث النوبة




المصدر جريدة الرياض




أمل أن ينفع الله به الجميع
وأرجوه جل جلاله أن يشفى جميع مرضى المسلمين
دمتم بخير