[align=center]
شيفروليه الزمن العاري
لينا هويان الحسن ..
..
متكئة على أنقاض ذلك الزمن في صحراء مبسوطة مثل قماشة حرير
ذهبي يفردها تاجر أمام امرأة ثرية ، أو مشوهة بأعمدة كهرباء. قبل سنين طويلة
حين كانت الذاكرة ترتسم بخطى ذئب كان هنالك: البدو، أبناء الصحراء الخام ..
البدو: وقتها لم يعرفوا كيف يلعبون الشطرنج ولا الكوتشينة ولا البلياردو ..
هنالك لعبة واحدة فقط: القدر. فيما السراب السيد ذو الشوارب في الصحراء يلحس
كل قشدة الأرض ويحولها إلى أكاذيب رائعة الغواية ..
أشبك يدي بكف عمي السمراء الكبيرة وأطلب منه مرافقته إلى جولته اليومية
في تلك الأراضي الشاسعة التي استثمرها البدو على تخوم البادية الشامية وزرعوها
قمحاً لتكون تلك الخطوة الأولى لتحضرهم ..
لا يفطن عمي إلى سبب إصرار ابنة شقيقه ذات الأعوام السبعة القادمة من " المدينة "
لتقضي إجازة الربيع في البادية ، أخت الصحراء. ربما لم يخطر له أنني كنت مغرمة
بسيارته الحمراء " الشفروليه " واحدة من الخيول المعدنية التي استبدل بها البدو
خيولهم فلم تعد هنالك " عبيان ، وصقلاوي ، وكحيلة ، وجدراني " أصبحوا
مغرمين بالدودج والفورد والجيب ولّس والشفروليه ..
وقعت بغرام الشفروليه تحديداً: تمارس المزاج البدوي بحرفية عالية ..
تعاند الفراغ مثل ضباب لا مرئي ، يمشي يتشابك مع الدروب ليصنع حيرتك وَ أنت
تقف على مفترق لأكثر من درب ترابي عتيق شقــَّه يوماً حدس و حسب. و كل الدروب
مشغولة وفق منطقهم " البدوي " اللامبالي بالاتجاهات والمسارات ..
لا قانون لوجهاتهم ..
بعض الدروب تسلكها رغم أنه ثمة ما يلوح يؤكد أنها دروب مخادعة لكنك
تستمر في خطئك: جمال فريد ذلك الخطأ الذي يظل يذكرك بكل ما هو عابر ..
فيما السراب مليء بعنف الكذب ، على وجنات الأرض ، يتجول عارياً من الحقيقة
مثل عاشق يتبع قلبه من دون أن يترك أثراً ..
كأنه يقول لك: القطار الأخير سيغادر. متسللاً عبر بوابة غير مرئية يتركك مشوشاً
على مرمى قدر. يمزج الخدعة بخدعة و عن بعد يتحكم بانطباعاتك حوله،
يخلط الورق والتواريخ والأيام ..
كنت أراها سيارة " جميلة ، للجمال عند أهل الصحراء منطق ، وأكثر من شرط ،
وَ أسرار كثيرة. لا يكفي أن يكون فاتنـًا ، لابد أن يكون جارحـًا أو ضاريـًا. عذوبة الملامح
يجب أن تسرِّب مرارةً غير مفهومة. كذلك لا بد للجمال أن يكون هادئـًا لا ينبس ببنت
شفة و أن يكون حرَّاقـًا بشكل ما. أيضـًا يريدونه مسيطراً ، وَ يخلــِّف الحسرة
أينما حلّ ..
لا زال العجاج الذي أثارته يومـًا سيارة عمي على الدروب الترابية ينبت مثلما
ينبت اللؤلؤ في صيف المحار ، وَ أكتب ..
[align=left]
__________
عن كيكا[/align]
[/align]