- الإهدائات >> ابوفهد الي : كل عام وانتم الي الله اقرب وعن النار ابعد شهركم مبارك تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال والله لكم وحشه ومن القلب دعوة صادقة أن يحفظكم ويسعدكم اينما كنتم ابوفهد الي : ابشركم انه سيتم الإبقاء على الدرر مفتوحة ولن تغلق إن شاء الله اتمنى تواجد من يستطيع التواجد وطرح مواضيع ولو للقرأة دون مشاركات مثل خواطر او معلومات عامة او تحقيقات وتقارير إعلامية الجوري الي I miss you all : اتمنى من الله ان يكون جميع في افضل حال وفي إتم صحه وعافية ابوفهد الي الجوري : تم ارسال كلمة السر اليك ابوفهد الي نبض العلم : تم ارسال كلمة السر لك ابوفهد الي : تم ارسال كلمات سر جديدة لكما امل ان اراكم هنا ابوفهد الي الأحبة : *نجـ سهيل ـم*, ألنشمي, ملك العالم, أحمد السعيد, BackShadow, الأصيـــــــــل, الدعم الفني*, الوفيه, القلب الدافىء, الكونكورد, ايفا مون, حياتي ألم, جنان نور .... ربي يسعدكم بالدارين كما اسعدتمني بتواجدكم واملى بالله أن يحضر البقية ابوفهد الي : من يريد التواصل معى شخصيا يرسل رسالة على ايميل الدرر سوف تصلني ابوفهد الي : اهلا بكم من جديد في واحتكم الغالية اتمنى زيارة الجميع للواحة ومن يريد شياء منها يحمله لديه لانها ستغلق بعد عام كما هو في الإعلان اتمنى ان الجميع بخير ملك العالم الي : السلام عليكم اسعد الله جميع اوقاتكم بكل خير ..
إضافه إهداء  

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: ۝ الطيب الذي رحل شمالاً ۝

  1. #1
    الصورة الرمزية Oscar
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    رقم العضوية : 4335

    ۝ الطيب الذي رحل شمالاً ۝




    [align=center]

    انشغل بنا وانشغلنا بأنفسنا عن معرفته
    ياسر عبدالحافظ




    و كأنك تطارد سراباً في صحراء، كائناً أسطورياً في غابة يحفظ كل دروبها وأنت أعمى خلف
    أثره الذي لا يكاد يرى. يقترب من المستحيل أن تكون هناك شخصية مثل *الطيب صالح، عملياً.
    لا أحد هكذا، ربما فقط في الفن من الجائز أن نصدق، إنما في الواقع ملعب الآلام الواسع
    فهناك الصراع بكل ما يحويه من متناقضات، الصراع الداخلي أولاً قبل أن يظهر
    للعيان من خلال التصرفات.
    غير أن ما يحدث مع كل الناس لم يحدث مع الطيب لسبب فاتت الفرصة لفهم دوافعه،
    الصراع عنده داخلي فقط، لا يظهر إلى الخارج، يبدو أنه كان قراراً من البداية، أن يقتصد
    نفسه لنفسه فقط، هكذا نجح في العبور من وسطنا بعد أن نجحت خطته تلك التي تعتمد
    على قاعدة واحدة لا غير: أنا لست هنا، لا تعتبروني هكذا حقيقة.

    رغم تلك الشهرة المدوية، مع أنه الموصوف بعبقري الرواية العربية، وعمله الفريد «موسم الهجرة إلى الشمال»
    مصنف ضمن أهم مئة رواية في العالم في القرن العشرين، ذلك العمل الذي أصبح
    أحد القواعد الثابتة للاستدلال على علاقة الشرق بالغرب.
    و بجانب هذا فهو إعلامي عربي مرموق. مع هذا كله لا يمكن لأحد الإجابة عن هذا
    السؤال حقاً: من هو الطيب صالح؟

    المفردات التي تتناول الرجل قليلة للغاية، وهي غالباً لن تخرج عن معنى اسمه،
    فهو الطيب والصالح! بالطبع لا يعود هذا إلى تقصير في معرفة الروائي الأشهر بقدر ما يعود
    إلى طريقته هو في التعامل مع نفسه، ومع الآخرين، ومع الحياة.
    يبدو الطيب وكأنه مثل بطله الأشهر مصطفى سعيد غائباً ومختفياً وراء طقوس من السرية
    رسمها لنفسه بإحكام، ونحن مثل الراوي في ذلك العمل علينا إن كنا نريد المعرفة الاكتفاء بما
    سيحكيه سعيد والقبول بمبرراته، وإن لم نكتف، كما لم يكتف الراوي، علينا أن نبحث فيما تركه
    ربما نجد من خلاله شيئاً يعيننا على إزاحة ذلك الضباب ولو قليلاً، غير أنه لن يمر وقت طويل
    قبل أن نكتشف أن كل شيء تركه موضوع بعناية بحيث يشكل مع ما حكاه البطل
    قبلاً الصورة التي يريدها، وليس ما نريد معرفته حقاً.

    نحن ببساطة أسرى ما يرويه الطيب صالح وأبطاله، كالأطفال في القصة الأسطورية الشهيرة
    يتبعون نغمات الساحر مأخوذين بما يسمعون فلا يهتمون إلى أين يأخذهم، هو غالباً لم يكن
    يعرف الطريق، كان يبحث مثلنا، لكن السحر والقوة الكامنة وراء ما يقول كانت تجعلنا
    غافلين عما يحاول قوله.

    المدهش أن الطيب لم يكن فرحاً بذلك السحر الذي يملكه، كان خائفاً منه، قال في حفل تسليمه
    جائزة القاهرة للإبداع الروائي: «أنا لم أشأ أن أستسلم تماماً لغواية
    ساحرات الفن الشريرات. و كما نقرأ في سير المبدعين الكبار، فإن الكثيرين منهم تعذبوا بسبب
    الكتابة لأنهم ألقوا بأنفسهم تماماً في براثن هؤلاء الساحرات، أما أنا فتكفيني المراوغة،
    أقترب أحياناً وأبتعد أحياناً أخرى، ولكنني أتمنى أن اخرج سليماً
    من محنة الكتابة
    ».

    علاقة الطيب مع الكتابة تبدو مغايرة تماماً للصورة التي تكونت، قلة أعماله تم تقديمها على
    أنها أزمة، وأنه يعاني من لعنة «موسم الهجرة». فلم يستطع عمل له تلاها أن يتجاوزها،
    غير أن الأمر لا يبدو كذلك في الحقيقة، قال في أحد الحوارات التي أجريت معه:
    «أنا لم أستشعر يوماً أزمة توقف في الإبداع، لأنني لم أفكر في كتابة
    رواية وفشلت
    ». ثم يشرح لمحدثه أن الكتابة بالنسبة إليه ليست سوى نشاط واحد
    من نشاطات عدة في الحياة، وأن هناك أشياء أخرى غير الكتابة يمكن أن يفعلها المرء وتسعده
    بالقدر نفسه، ومن تلك الأشياء في رأيه السفر والقراءة:
    «أنا عاشق للسفر والقراءة، ودائماً أقول إذا كتبنا باستمرار فمن
    سيقر الكتابات التي يكتبها الآخرون؟
    ». و ربما وجد أن ما قيل عن علاقته بالكتابة
    يحتاج إلى بعض الكلمات الحاسمة لتوضيحه: «من دون أي تزييف، علاقتي بالكتابة كنشاط
    إبداعي ليست قضية حياة أو موت كما يتصور بعضهم».

    الكتابة (المدارس، الحضارة، الغرب) تبدو دوماً حاضرة في أعمال الطيب في مقابل مفردات
    الأرض (البراءة، الطيبة، السودان)، يقول محجوب للراوي في «موسم الهجرة»:
    «يا للعجب؟ يا بني آدم اصح لنفسك ،عد لصوابك، أصبحت عاشقاً
    آخر الزمن. جننت مثل ود الريس. المدارس والتعليم رهفت قلبك. تبكي كالنساء.
    أما والله عجايب
    ».
    هو نفسه الطيب يحكي في أحد اللقاءات التي أقيمت لتكريمه في السودان قبل أعوام قليلة
    أنه حين صدرت تلك الرواية وكان يعمل في وزارة الإعلام السودانية، جاءه عم من أعمامه
    قلقاً وكان قد سمع عن الرواية في المذياع وسأله التالي:
    «يا أخي إن شاء الله خير، ما هي الحكاية التي سمعت بعض الاخوة
    يتحدثون عنها، وقد قالوا لي في بعض ما قالوا إن الطيب صالح قال أن هناك رجلاً قتل
    زوجته، وأخر أدخلوه السجن، فما هي المشكلة؟
    » !

    بعد تلك الأعوام الطويلة كان الطيب لا يزال يذكر تلك القصة، وهو لم يكن يحكيها فخراً بنفسه
    أو سخرية من أحد، لا... العكس هو الصحيح، كان يدلل بها على أنه لم يمتز على أحد بما
    كتبه، شكر من مدحوه لكنه عقب على هذا المديح:
    «أنا حين أقول أني لا أستحق .. صدقوني أنني أتمنى ذلك، لأنه
    ليس تواضعاً مزيفاً بل هو إحساس صادق، وإنني لأدهش حين يطلب مني الناس أن أتحدث
    لأني لا أجد شيئاً جديداً أقوله، لقد كتبت أشياء لكن لا أحس بأن لي حكمة أمتاز بها عن بقية
    خلق الله، وقد عشت في بيئة في قرية من قرى شمال السودان، كنت أظن كل الناس أكثر
    حكمة مني، أهلي... أعمامي، أخوالي، أبناء عمي. نحن ننتمي إلى بيئة زراعية وجزء من أهلي
    رجال دين وعلم، ظللت أحس هذا وأنا أتعلم هذا التعليم المدني، ففي كل زيارة لأهلي أشعر
    و الله أن أي مزارع في هذا البلد أكثر حكمة مني، و لذلك ظللت أسير في الدنيا بهذا
    الإحساس
    ».

    **

    القوة وَ المكر ..

    المؤكد أن المقاربة بين شخصية الطيب وبطله الأشهر مصطفى سعيد خاطئة،
    سعيد يمثل الصورة الأكثر جاهلية للشرق، وجه الشرق المتعصب في مواجهة الوجوه المتعصبة
    هناك، المعادلة بالنسبة له أن أحد الطرفين لابد أن يموت، التعايش كلمة لا وجود لها
    في قاموسه.
    هو قام بقتل الغرب لأنه كف عن الركوع لأساطيره (زوجته التي فشل في التواصل معها)، ثم
    يعود إلى جذوره، يتجاهل تجربته كلها، يخفيها عن الجميع، لكن تلك الصيغة لابد أن تفشل بالطبع،
    كان هناك شيء قد ضاع منه للأبد ولن يفلح في استعادته، القاضي الانكليزي الذي أصدر الحكم
    عليه يصفه أنه رغم تفوقه العلمي إلا أنه رجل غبي ومبرره في ذلك:
    «إن في تكوينك الروحي بقعة مظلمة، لذلك فإنك قد بددت
    أنبل طاقة يمنحها الله للناس: طاقة الحب
    ».

    في كل أعمال الطيب نجد أن قيمة المحبة يتم التأكيد عليها باعتبارها الطريق الوحيد لمواجهة أي
    نوع من القضايا، وهو يؤكد عليها في أحاديثه ولقاءاته:
    «حتى لو بدت معادة ومكررة يجب أن نصر عليها»
    و المحبة عنده تعني أن تتقبل آراء الجميع وتحاول أن تفهمها لتفهمهم بالتالي:
    «أنا يخيفني الناس الواثقون من آرائهم، وكلما يتقدم بي العمر أحس
    بأني لا أدري، ولذلك لما أقابل أناساً متأكدين وواثقين من آرائهم أخاف
    » ، وهذا
    بالنسبة له السبب الاولي الذي تترتب عليه بعد ذلك أزمات عديدة تنتهي باستحالة التعايش،
    يقول أنه سأل يوماً صديقاً سودانياً كان عضو اللجنة التنفيذية لـ «الحزب الشيوعي السوداني»،
    بعد محاولة انقلاب هاشم العطاء، وكان وزيراً وانتهى به الأمر أنه خرج من الوزارة،
    يا أخي هل خطر في بالك أنكم قد تكونون مخطئين؟
    رد عليه صديقه واثقاً: أبداً... إطلاقا.
    يعقب الطيب على تلك الحكاية قائلاً:
    «فإذا كان هناك شخص واثق إلى هذه الدرجة من جميع عناصر
    الزمان والمكان والاحتمالات، فإني أرى هذا في منتهى الغرابة، وعلى ذلك يكون هدفنا
    أن يفني بعضنا بعضاً، وتسود فئة على فئات أخرى، وإلى يومنا هذا نرى آراء تصطرع
    كل رأي يريد أن يكون السائد، و كان الأجدر بنا أن نبحث عن وسائل للتعايش بعضنا
    مع بعض
    ».

    الطيب صالح هو الراوي الحائر في «موسم الهجرة»، لم يستطع أن يدافع عن حبه،
    لكنه لم يقتل، ربما لم يقدم شيئاً مما تعلمه إلى أرضه لكنه كذلك لم ينعزل، لم يرفض الغرب
    أو يقبله، لكنه يتعامل معه، رفض الموت لأن:
    «ثمة أناس قليلين أحب أن أبقى معهم أطول وقت ممكن،
    و لأن علي واجبات يجب أن أؤديها. لا يعنيني إن كان للحياة معنى أو لم يكن لها. وإذا
    كنت لا أستطيع أن أغفر فسأحاول أن أنسى. سأحيا بالقوة والمكر
    ».
    تلك الطمأنينة المبنية على إيمان ما هي الضد تماماً من مصطفى سعيد، حتى وإن كان
    التشابه يضللنا أحياناً، حتى وإن كان الراوي نفسه مضللاً:
    «هذا ليس مصطفى سعيد. إنها صورتي تعبس في وجهي
    من مرآة
    ».
    الطيب وراويه كانا يعرفان أن: «هذا المصطفى سعيد لا وجود له .
    إنه وهم، أكذوبة
    » ، وكانا معاً يهربان من مصيره، من الجحيم الذي صنعه لنفسه:
    «استوعب عقله حضارة الغرب، ولكنها حطمت قلبه».

    **
    قماش سوداني ..

    الكتابة، الأدب، الإعلام. كل ذلك لم يكن غاية الطيب، كان وسيلة، ليس في قاموسه «الفن للفن»،
    مثل جيله كله من المثقفين العرب يؤمن أن لتلك الوسيلة دوراً ما في خدمة قضايا بلده وأمته،
    غير أنه وإن كان يتفق في النظرية معهم إلا أن التطبيق بالنسبة له كان مغايراً تماماً.
    كان الطيب مغرماً بالناس، ليست الشخصيات في رواياته طريقة يرسم بها ما يريد الوصول إليه،
    هم كانوا هدفاً في حد ذاته، توثيق المعرفة بهم، الدخول إلى عالمهم، التوحد معهم إلى درجة تنسيك
    كل شيئ آخر:
    «يولد الأطفال فيستقبلون الحياة بالصريخ، هذا هو المعروف. و لكن يروى
    أن الزين، والعهدة على أمه والنساء اللائي حضرن ولادتها، أول ما مس الأرض انفجر ضاحكاً،
    و ظل هكذا طول حياته
    ».
    هذا الوصف الآسر لبطل عرس الزين يكبلك فوراً بالشخصية المحكي عنها، وتظل كذلك إلى
    نهاية النص لا تملك منه فراراً، وبعد أن تنهيه ربما لن تجد ما تقوله عنه ربما وقتها تتذكر ما
    قاله رجاء النقاش عن «مريود»:
    «تقترب من الموسيقا فلا يمكن والحال هذه تلخيص الأنغام
    و السيمفونيات، نسجها في قماش سوداني إفريقي عربي، و في هذا القماش المحلي القومي
    استطاع أن يكتب أدباً إنسانياً عالمياً
    ».

    لم يكتب الطيب سيرته الذاتية، وكان ذلك أحد التابوهات التي قرر ألا يقترب منها،
    لكنه عوضنا عن هذا بأن كتب سيرته بين الناس، كيف يراهم، ومن خلال هذا يمكننا
    أن نفهمه هو أيضاً، هم كأنهم مرآة تعكس صورته.
    في «المنسي: إنسان نادر على طريقته» يكتب عن شخصية عادية بالنسبة للجميع
    لكنها بالنسبة إليه ليست كذلك، يحوله إلى أسطورة:
    «مثل على مسرح الحياة أدواراً عدة... حمَـالاً، وممرضاً، ومدرساً،
    وممثلاً، ومترجماً، وكاتباً، وأستاذاً جامعياً، ورجل أعمال، ومهرجاً.
    ولد على ملَة، ومات على ملَة. ترك أبناء مسلمين، وأبناء مسيحيين، وأرملة !
    حينما عرفته أول مرة كان فقيراً معدماً، ولما مات ترك مزرعة من مئتي فدان
    من أجود الأراضي في جنوب إنجلترا، و قصراً ذا أجنحة، و حمام سباحة،
    و اسطبلات خيل، وسيارات ... و خلّـف أيضاً مزرعة من مئة
    فدان في ولاية فرجينيا
    ».

    يحكي الطيب عن بدايته في لندن حيث كان يعمل في إذاعة الـ «بي.بي.سي»،
    وأنه وهو دون الثلاثين وصل الى وظيفة مساعد مدير، غير أن ظهور المنسي في حياته
    كان كفيلاً بإحداث المشاكل على تلك المسيرة، بسببه يحال الطيب إلى التحقيق الإداري
    في عمله، وينتهي بملاحظة تظل محفوظة في ملفه لأعوام طويلة، لكنه مع هذا لا
    يبتعد عن المنسي، يبدو أن إغراء الفن والرغبة في اكتشاف الناس كانت
    دوماً أكبر من أي شيء:
    «كان يدعوهم للغداء أو العشاء ويوقع الفاتورة على رقم غرفتي.
    و قد أسعده ذلك سعادة فائقة، وظل يحكي القصة بعد ذلك مراراً ويضحك كل مرة
    بالطريقة نفسها، فلم يكن أحب إليه من أن يبرهن على أنه
    «حدق» وَ أنني «مغفل».
    الكتاب يعد نموذجاً لرؤية الطيب لفكرة التعايش التي طالما تحدث عنها:
    «دفن كمسلم واقيمت عليه شعائر المسلمين، وأهله
    في مصر أقاموا القداس على روحه في الكنيسة القبطية
    ».
    هذا اللغز الافتتاحي يأسرك إلى شخصية منسي تلك التي ينفخ فيها الكاتب من
    محبته للناس، و من قدرته على الحكي بصفاء الشعر وموسيقاه، وأنت من فرط دهشتك
    لما يحكيه تتساءل هل هذا حقيقة؟ وقتها يمكنك أن تعود إلى كلمة قالها الطيب يوماً:
    «إنني لا أصور الواقع، ولا أعرف ما هو الواقع، لأن الواقع معقد
    إلى درجة أن الإنسان حتى من الناحية الحسابية البحتة يستطيع أن يهمله
    ».
    بعد رحيله كتبت الناقدة هدى فايق عن أعماله تقول:
    «اتصفت بأناقة اللغة والغزارة الشعرية التي تجعل من
    رواياته قصائد صوفية كونية. هذا بالإضافة لتجديده في بنية الرواية العربية ،
    من خلال استخدامه الواعي والمؤصل لتيار الوعي في كتابته وغوصه في عمق
    الشخصية العربية ليحررها من حدود المكان الضيق إلى الفضاء
    الإنساني الفسيح
    ».

    **
    التورط ..

    تلك الرؤية الإنسانية هي التي جعلت الطيب يبتعد عن التورط في السياسة ، توقفت علاقته
    بها عند حد المطالبة بالإصلاح في بلده وفي الوطن العربي، مطالبة لم يتوقف عن ترديدها دوماً
    بأشكال مختلفة:
    «نرى اليوم تلك الأرواح الشريرة تعود في أقنعة مختلفة وأزياء
    وشكول مختلفة (...) إنه شر كامن لابد أن يتضافر الراشدون كلهم لتطهير
    الجسد منه
    ».

    لم يدخل الطيب في خلاف سياسي واضح مع أحد، أو جماعة، كان يستطيع التعبير عن رأيه
    من دون حدوث مواجهة، مرات نادرة يمكن استثناؤها من تلك القاعدة، أشهرها على الإطلاق
    موقفه من رفض صنع الله إبراهيم جائزة ملتقى القاهرة الروائي، هو كان رئيس لجنة التحكيم
    التي منحت صنع الله الجائزة.
    بعد عامين حصل الطيب على الجائزة نفسها لينقذها من الكابوس الذي كان ينتظرها بعد موقف
    صنع الله الحاد، قال الطيب في تلك المناسبة انه لم يسع للجائزة لكنها سعت إليه و إن:
    «هذا نوع من التكريم ومن الحماقة أن يرفض الشخص
    التكريم
    ».
    كانت الإشارة واضحة بالطبع، وهو ما أثار موجة من الاعتراضات على الروائي الذي لم
    يتخذ قبلاً مواقف مباشرة مثل تلك، غير أنه برر موقفه قائلاً ان صنع الله ابراهيم كاتب كبير
    و يحق له اتخاذ المواقف التي يراها مناسبة، ولكنه رأى أن الكاتب إذا ما منحته بلاده جائزة
    فليس عليه أن يرفضها في هذه الطريقة. و شرح وجهة نظره قائلاً ان تغيير الحقائق السياسية
    الكبيرة يحتاج إلى مواقف جماعية وأدوات أخرى للرفض. وزاد على ذلك بأنه غير مرتاح
    لوجود سفارة اسرائيلية في القاهرة ولكنه يفهم واقع العالم حالياً.
    التبرير كان غير مقنع للكثيرين، رأوا أن موقفه لا يليق بالمثقف، غير أن تلك كانت رؤية
    أحادية لمفهوم الثقافة ودورها، مفهوم يغاير موقف الطيب ورؤيته، تلك القائمة على عدم التورط،
    ربما لهذا كان موقف صنع الله بالنسبة إليه زاعقاً أكثر مما ينبغي، وسياسياً أكثر مما ينبغي
    على أديب ، وهو كان قد قرر منذ البداية ألا يتورط في أي شأن سياسي، وقال هذا بشكل
    واضح في أكثر من لقاء.

    استطاع الطيب في معظم حياته أن ينجو بنفسه من ذلك التورط كما أسماه، نقول في معظم
    حياته لأن الوضع في السودان كان لابد أن يشمله بشكل أو بآخر، خاصة وهو المرتبط ببلده،
    والعاشق لتاريخه وتراثه، ومنه استمد كل أعماله. تساءل الطيب يوماً في دهشة:
    «من أين أتى هؤلاء؟»
    والسؤال كان حول طريقة إدارة الوضع في السودان، ولم يكن للكلمة التي تحولت إلى عنوان
    ثابت للمعارضة السودانية أن تمر هكذا من دون عقاب فقد منعت على إثرها رواياته،
    و أوقف تدريسها في كليات الآداب السودانية.
    بعدها لبى الطيب دعوة النظام في السودان للمشاركة في فعاليات الخرطوم
    عاصمة للثقافة العربية، ليجد نفسه وسط عاصفة من الانتقادات وجهتها إليه المعارضة
    هذه المرة، وفي الآونة الأخيرة و أثناء مرضه كان اسمه يتردد كثيراً في ظل مناقشات
    حامية حول موقفه من القضايا السودانية المشتعلة على الساحة، وأصبح عادياً
    تشبيهه بالمتنبي الشاعر المفضل لديه، والمقصود بالطبع علاقة التبعية التي
    ربطت المتنبي بالسلطة في عهده.
    لكن وحتى وإن قبلنا بهذا يظل المتنبي أحد أهم شعراء العربية في كل عصورها،
    وغالباً فإن الموقع نفسه سوف ينسحب على الطيب، الفارق فقط أنه سيحتله
    في مجال الرواية.

    أخيراً يبدو أنه لفهم الطيب لابد من تمثل كلمات صديقه وزير خارجية المغرب الاسبق
    وأمين عام مؤسسة منتدى أصيلة محمد بن عيسى والتي كانت بمناسبة تكريم الطيب
    في أصيلة عام 1994، قال:
    «هو كل كامل، يقاسمك أحاسيسك أو لاشيء.
    لا يعادي ولا يحاسب و لا يلوم. وهو كل كامل لا ينافق ولا يحابي، قنوع لدرجة
    إهمال حقوقه ومستحقاته، دؤوب بقهقهته وتقاسيم وجهه وشرود نظراته.
    كل شيء لدى الطيب ملفوف في الحشمة والتقشف و نكران الذات
    ».
    بن عيسى هكذا كان يتحدث عن أحد المتصوفة وليس عن روائي يتم تكريمه في
    ملتقى ثقافي، لكنه كان يقصد ما قاله بالفعل:
    «الطيب صالح رمز الاعتدال في كل شيء، في أفكاره
    السياسية و مواقفه العلمية والأدبية، وأحكامه على القادة والزعماء والمفكرين والعلماء
    والمبدعين. أسميه سيدي الطيب كما نسمي في المغرب الأولياء والصالحين.
    أجالسه كلما التقيت به مجالسة المتعبدين، نتحدث عن أنفسنا في حميمية،
    ولطف، وحنان
    ».

    هكذا يبدو أننا في حاجة ونحن نقرأ الطيب إلى فهم كيف يفكر المتصوفة والأولياء،
    نحن في حاجة إلى أن نفهم جملته المرتكز «كلنا يا بني نسافر
    وحدنا في نهاية الأمر
    ».

    [align=left]________________
    المقال عن موقع كيكا
    * " اضغط هنا " للمزيد عن الطيب صالح
    * موسم الهجرة إلى الشمال ( للتحميل اضغط هنا )
    [/align]
    [/align]
    ذهب الذين كانت قلوبهم واسعة سعة البحر تتحمل الأخضر
    واليابس وتمضي نحو حتفها وصدقها ولا تسأل.

    واسيني الأعرج

  2. #2
    الصورة الرمزية طيف
    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    رقم العضوية : 33870




    غاليتي // اوسكار

    دائما كعادتك تحسنين الاختيار

    الطيب صالح علم من أعلام الادب الرائع

    لا عدمنا شذى اريجك بين السطور

    حفظك الرحمن اينما كنت
    [align=center]





    .•°°·. اللهم أعني و لا تعن عليّ و انصرني و لا تنصر عليّ. و امكر لي و لا تمكر بي ، و اهدني و يسر الهدى إليّ ، و انصرني على من بغى عليّ ،رب اجعلني لك شكّارا. لك ذكّارا. رهّابا لك. مطواعا لك .مخبتا إليك. أواها منيبا ، رب تقبل توبتي . و اغسل حوبتي. وأجب دعوتي .و ثبت حجتي .و اهد قلبي .وسدد لساني. و اسلل سخيمة صدري•°°·.

    [glint] معذرة قلة تواجديي [/glint][glint]

    لا إله إلا الله[/glint]
    [/align]

  3. #3
    الصورة الرمزية Oscar
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    رقم العضوية : 4335



    [align=center]مرحبًا طيف ،،
    أطايب محكيّـك المنثورة صاحبة الأريج ، الـ هنا ممتنٌ
    لشذاكِ
    /
    طبتِ
    [/align]

  4. #4
    الصورة الرمزية وردة وردية
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    رقم العضوية : 21201
    الاقامة : الامارات
    المشاركات : 7,118
    My SMS : واخيييييييييييييييييرا رجعت
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 1258
    Array



    [align=center]اوسكار

    بالفعل الكثير منا يعرف الشخص المميز بس بس وفاته

    [/align]

  5. #5
    الصورة الرمزية Oscar
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    رقم العضوية : 4335



    [align=center]
    للأسف يحدث هذا غالبًا وردة ، لدينا أزمة حقيقية في تقدير " العقول المفكرة "
    إلا أنَّ الجميل فيما يخص " الفكر " هو أنه بينما يتم إخراس صاحبه أو تناسيه
    يملك هو المقدرة على الصدوح وَ تجاوز أزمنة و أمكنة عدة
    ..
    مرورك كريم ، جُزيتِ خيرًا
    [/align]

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. هذا هو الخميني الذي تمجده الشيعة!!!!!!!!!!!!
    بواسطة ابوالخير في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-06-2006, 12:20 PM
  2. لماذا نتزوج ؟وكيف نختار شريك الحياة؟؟؟
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-05-2006, 03:04 AM
  3. موسم الهجرة للشمال ــ (( الطيب صالح ))
    بواسطة ROMEO في المنتدى دُرة الأدب العربي والإبداع المنقول
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 12-04-2005, 07:59 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة واحة الدرر 1432هـ - 2011م
كل ما يكتب في هذا المنتدى يمثل وجهة نظر كاتبها الشخصية فقط